(نص) المحاضرة الرمضانية التاسعة للسيد القائد
تاريخ النشر: 21st, March 2024 GMT
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
في سياق الحديث على ضوء الآيات المباركة (من سورة البقرة)، التي يبيَّن الله لنا فيها البعض من قصة آدم "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، واستخلافه في الأرض، وبداية الوجود الإنساني، نتحدث في هذه المحاضرة عن بعضٍ من الدروس والعبر المهمة، التي نستفيدها من القصة، في سياقها الذي وردت فيه؛ لأن القصة- كما ذكرنا سابقاً- وردت في عدة سور من القرآن الكريم، ومنها: (سورة البقرة، وسورة الأعراف، وكذلك في سورة طه، وسورة الإسراء، وسورة الحجر)، وسور أخرى في القرآن الكريم، في كل سورة أتت ضمن سياق معيَّن، وركَّزت في ذلك السياق على نقاط معينة ومواضيع معينة، فسياقها (في سورة البقرة) فيه نقاط مهمة جداً، ودروس وعبر مهمة، نتحدث عن البعض منها:
من أهم الدروس التي نستفيدها في هذا السياق المهم للقصة: أهمية ترسيخ التسليم لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى":
والذي هو من أهم المبادئ الإيمانية. في إيماننا بالله من أهم المبادئ المرتبطة بالإيمان: أن نرسِّخ التسليم لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، فيما يأمرنا به، أو يوجهنا إليه، أو يُشَرِّعه لعباده، وهذه مسألةٌ مهمةٌ جداً، فالإنسان أحياناً قد يضطرب أو يتساءل تجاه ما قد يخفى عليه وجه الحكمة فيه، تجاه تشريع ثابت من تشريعات الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ثم يحصل لدى الإنسان اضطراب، أو تساؤل، أو إشكال؛ لأنه خفي عليه وجه الحكمة، فنرجع إلى القاعدة الإيمانية بأن الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" هو العليم الحكيم، يعلم ونحن نجهل، هو "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أحكم الحاكمين، فلنحسب المسألة في إشكالنا تجاه التشريع الثابت، الذي هو ثابتٌ واضح، نرجع إلى أن السبب الحقيقي هو جهلنا؛ لأن الله يعلم ما لا نعلم، ونحن نجهل الكثير جداً، وأنه أحكم الحاكمين، هذه مسألة مهمة جداً.
وأحياناً قد يكون الإشكال عائداً إلى مسألة النظر من زاوية واحدة، مثلما حصل للملائكة "عَلَيْهِمُ السَّلَامُ"، حيث نظروا إلى مهمة الاستخلاف في الأرض، باعتبارها عبادةً لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، إلى ما يعرفونه في واقعهم من طريقة العبادة لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، فاتضح لهم في الأخير أن هناك أدواراً متنوعة، متعددة، في إطار العبودية لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وأن دور الإنسان هو في إطار العبودية لله "جلَّ شأنه"، لكنه يختلف عن دور الملائكة، وهذه مسألة مهمة جداً.
مما نستفيده من القصة، ونحن نجد الفارق الكبير في المواقف الثلاثة، في منشأ وأسباب الموقف، وفي التعامل مع ما أتى تجاه ذلك:
فنجد بالنسبة للملائكة "عَلَيْهِمُ السَّلَامُ":
أن سبب تساؤلهم، وعرضهم بأن يقوموا هم بدور الاستخلاف على الأرض، وأيضاً ما يفترض بهم ألَّا يحصل لديهم ذلك التساؤل، لكن الكل بحاجة إلى هداية الله "جلَّ شأنه"، كل مخلوق من المخلوقات: الملائكة، والجن، والإنس، الكل بحاجة إلى هداية الله، فهم استفادوا من الدرس، استفادوا من الدرس كثيراً، وكان من أسباب ارتقائهم في الهداية، وكان وسيلةً مهمةً جداً؛ ولذلك كان انقيادهم عندما أُمِروا بالسجود لآدم انقياداً تاماً، قد انتهى الإشكال والتساؤل، ولم يبقَ هناك أي عائق، فكان انقيادهم انقياداً تاماً لأمر الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" بالسجود لآدم، فالنتيجة بالنسبة لهم كانت الارتقاء في الهداية، وأن ما حصل بالنسبة لهم كان درساً عظيماً استفادوا منه.
أمَّا في موقف إبليس:
فنجد الفارق الكبير، منشأ موقفه هو التكبر، هو الاتهام لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" في عدله وحكمته، هو الغرق في الأنانية، والتمحور حول الذات، أصبح يعبد نفسه، بدلاً من أن يعبد الله، وأن يذوب في الخضوع لله "جلَّ شأنه"، عظُمت عنده نفسه إلى درجة رهيبة، وحصلت عنده عقدة الكبر؛ ولذلك عاند، وأبى، واستكبر، وامتنع، وأصرَّ على موقفه، على عصيانه، فكانت النتيجة نتيجة رهيبة بالنسبة له: تحول إلى لعين، وإلى مطرود من رحمة الله "جلَّ شأنه"، إلى مذموم، إلى رجيم، إلى ضال، بسبب ذلك الموقف، وأحياناً الموقف الواحد قد تكون خطورته إلى هذه الدرجة: إلى درجة أن يصرف الإنسان عن نهج الحق، وعن دين الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وأن يخرج عن طريق الحق خروجاً نهائياً، لا يعود إليه بعد ذلك أبداً والعياذ بالله.
أمَّا في موقف آدم وحواء:
فنجد أن مخالفتهم للنهي من أكل الشجرة كانت زلة، أوقعهما الشيطان فيها بخداعه، وهو استمر في عملية الخداع لهما، وكرر مسعاه بأساليب متعددة، وصولاً إلى القسم لهما بالله إنه لهما ناصحاً، {لَمِنَ النَّاصِحِينَ}[الأعراف: من الآية21]، فهو أوقعهما بالخداع، والتغرير، والأكاذيب، مع نسيانهما للتحذير الذي سبق وأن حذرهما الله منه، وحذرهما ونهاهما من أكل تلك الشجرة، وبيَّن لهما بوضوح أن النتيجة: أن الشيطان سيخرجهما من الجنة، عندما لا يحذرا منه بالشكل المطلوب، ولا ينتبها لكيده ومكره، فكان قد سبق التحذير الواضح لهما من الله، حذرهما من الشيطان، ونهاهما عن الأكل من تلك الشجرة، وبيَّن "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" لهما العاقبة والنتيجة إن هما أكلا منها، وبيَّن لهما وكشف لهما هدف الشيطان، وهو: إخراجهما من الجنة.
فهما وقعا في تلك الزلة نتيجةً لذلك الخداع والتغرير، مع النسيان وضعف العزم، ثم هما بادرا بالتوبة، والإنابة إلى الله، التوبة الصادقة، توبة آدم "عَلَيْهِ السَّلَامُ" يُضْرَبُ بها المثل، هي توبةٌ عظيمة بادر إلى الله "جلَّ شأنه" تجاه مخالفته لذلك النهي، بالرغم من كل الملابسات والمؤثرات والعوامل التي أوقعه الشيطان فيها، أو بسببها ومن خلالها في الأكل من الشجرة، لكن توبة آدم وحواء "عَلَيهمَا السَّلَامُ" كانت توبةً نصوحاً، وعودةً صادقة إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، واعترافاً بالذنب، وندماً شديداً عليه، وبمبادرة، بمبادرة سريعة جداً، بالرجوع إلى الله "جلَّ شأنه"، مع الحذر والانتباه في المستقبل، أصبحت درساً لا ينسى، وكانت الأول والآخر في حذرهما وانتباههما، وأن يكونا في يقظة وانتباه مستمر فيما بعد ذلك.
فنجد فوارق في المواقف الثلاثة:
ما بين موقف الملائكة في تساؤلهم، والنتيجة التي وصلوا إليها، وهي الارتقاء في الهدايا، والانتباه.
وما بين موقف إبليس- والعياذ بالله- في عناده، في إصراره، في رفضه للتراجع عن انحرافه.
في موقف آدم، سواءً في كيفية وقوعه في النهي، في مخالفة النهي، أو ما بعد ذلك بالمبادرة والرجوع إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".
من أهم الدروس المستفادة من موقف الملائكة، حينما تنبهوا بهداية الله لهم، إلى الاستحضار لمقتضى إيمانهم فيما بعد:
يعني: لم يستحضروه مبكراً وقت السؤال، لكنهم وصلوا إلى تلك النتيجة: الإيمان بأن الله عليمٌ حكيم، فهذا درسٌ في أهمية الاستحضار مسبقاً لمقتضى ما يؤمن به الإنسان، هذه مسألة مهمة جداً.
نحن في واقعنا كمسلمين نؤمن بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ونؤمن بأسمائه الحسنى، ولكن كثيراً ما ننسى مقتضى هذا الإيمان في الواقع العملي، وفي الوقت والظروف التي ينبغي فيها استحضار ذلك الإيمان.
فعلى سبيل المثال: نحن نؤمن بأن الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" هو القوي العزيز، القاهر فوق العباد، المهيمن على الخلائق، عالم الغيب والشهادة، وأنه على كل شيءٍ قدير. مقتضى هذا الإيمان: الثقة بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، والثقة بوعده، فحينما يقول الله "جلَّ شأنه": {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحج: من الآية40]، نلاحظ هنا وعداً من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" بالنصر لعباده المؤمنين، إن هم استجابوا لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ونصروا الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وحملوا راية الجهاد، وتحركوا في سبيل الله، لمواجهة الطغيان، والظلم، والإجرام، والاستكبار، ثم نجد الكثير من المسلمين يعيشون حالة أزمة الثقة، الثقة بتنفيذ وعد الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وبإمكانية النصر، مع أن الوعد وعدٌ مؤكد في: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ}، الصيغة بنفسها: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ} فيها تأكيد على هذا الوعد الإلهي.
ثم يختم الآية بقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}، عندما نستحضر إيماننا بأن الله قويٌ، مهما كانت قوة أعدائنا وإمكاناتهم، فنحن سنثق بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أنه قادرٌ على أن ينجز وعده بالنصر؛ لأنه القوي، وهو العزيز أيضاً، الذي لا يستطيع أحدٌ أن يُغالبه وأن يغلبه، أو أن يحول بينه وبين تنفيذ ما يريد، وبين تنفيذ وإنجاز وعده.
فاستحضار مقتضى ما نؤمن به مسألة مهمة جداً، نحن نؤمن بالآخرة، نؤمن بالجزاء والحساب، وكثيراً ما يغيب عن بال الإنسان هذا الإيمان، ومقتضى هذا الإيمان، في الحذر من المعصية عند الإغراءات، عند المخاوف، عند العوامل التي توقع الإنسان في المعصية.
فمن الدروس المهمة: أن يحرص الإنسان على أن يستحضر وأن يتذكر مقتضى إيمانه، بما يؤمن به: نؤمن بالله، بأسمائه الحسنى، باليوم الآخر، وهكذا، فهو درسٌ مهم جداً.
من الدروس التي نستفيدها من هذه القصة المهمة: ما وقع فيه المسلمون من إشكالية كبيرة جداً عندما غاب عنهم مفهوم الاستخلاف في الأرض، فأضاعوا دورهم الحضاري، وبناء واقعهم كأمة قوية:
وهذه إشكالية حقيقية في واقع الأمة، حالة التخلف التي وصلت إليها الأمة الإسلامية بين كل الأمم، حتى وصلت إلى ما وصل إليه، غاب عنها مفهوم الاستخلاف في الأرض، ولم يبقَ هذا المفهوم ليكون أساساً لانطلاقة الأمة، ليكون لديها برنامج ومشروع حضاري، وهذه مشكلة كبيرة جداً.
عندما نأتي مثلاً إلى مسألة الاحتياجات الضرورية للناس في حياتهم، من غذائهم، ودوائهم، وكسوتهم، وسائر متطلبات حياتهم، ونجد أن المسلمين أصبحوا يعتمدون في معظم ذلك على أعدائهم، ولم يعودوا هم أمةً منتجة، لماذا لم يكونوا هم أمةً منتجة، ولم يكن لديهم اهتمام بأن يبنوا حضارة إسلامية متميزة وراقية؟ غاب هذا المفهوم، وبغيابه كانت لديهم القابلية لأن يتحول وضعهم على هذا النحو المؤسف.
نجد كم أن هذا مؤثِّر على الأمة، مؤثِّر عليها في دينها؛ لأن أعدائها يستهدفونها استهدافاً شاملاً، وتصبح مسألة الاعتماد عليهم في ضروريات الحياة ورقة ضغط بأيديهم، يستغلونها على هذه الأمة، فيقومون باعتماد أسلوب الحصار، والعقوبات الاقتصادية، وغير ذلك، كوسيلة من وسائل استهدافهم للأمة، وتعذيبها، والضغط عليها.
من واجب المسلمين أن يكونوا أمةً منتجةً، لا يعتمدون نهائياً على أعدائهم، في توفير متطلبات حياتهم، وضروريات حياتهم، هم من البشر، والله أودع في كل البشر إمكانية أن يقوموا بهذا الدور الإنتاجي في الحياة: السعي لتوفير متطلبات حياتهم واحتياجاتهم الضرورية، دور الإنسان في ذلك متاح لكل البشر، ليس منحصراً في فئة من البشر في غرب الأرض، أو في زاويةٍ منها، هذا متاحٌ لكل البشر، فكان من واجب المسلمين أن يكونوا هم مهتمين ببناء واقعهم؛ ليكونوا أمةً قوية حتى في الاقتصاد، وفي الجانب العسكري، ولا يكون واقعهم على ما هو عليه حالياً، واقع مؤسف جداً! يتفوق عليهم أعداؤهم عسكرياً تفوقاً كبيراً جداً؛ نتيجةً لتقدمهم في عملية التصنيع، والإنتاج، والوسائل، ويتفوقون عليهم اقتصادياً، حتى بلدان لا تمتلك من الموارد الاقتصادية مثل ما تمتلكه بعض البلدان الإسلامية، ثم نجد تلك البلدان في نقطة الصفر، أو في مستوى هابط جداً، ونجد في مقابل ذلك البلدان الغربية التي هي بموارد أقل في مستوى متقدم وأعلى، هذه مسألة مؤسفة جداً!
كان من واجب المسلمين أن يحرصوا على البناء الحضاري؛ لأن له علاقة بدينهم، بهويتهم، بحريتهم، بكرامتهم، وإلَّا أصبح وسيلةً للضغط عليهم، ثم أن يكون اهتمامهم الحضاري أيضاً ليقدموا النموذج المتميز في الحضارة الإسلامية، الذي يعتمد على هدى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وهذه مسألة مهمة جداً؛ لأن الحضارة الغربية، بالرغم من تقدمها في عملية الإنتاج والتصنيع، لكن الذي ينقصها هو أمر مهم للغاية، ينقصها القيم، والأخلاق، والمبادئ الإلهية، وابتعادهم عن التعليمات الإلهية، عن شرع الله وتعليماته ونهجه، فكان لما ينتجونه، وكان لتقدمهم العلمي، مع انفصالهم عن مسألة الهدى، أضرار ونتائج سلبية جداً، في واقعهم هم، وتجاه الأمم الأخرى من غيرهم، فهم يوظفون إمكاناتهم التي قد وصلوا إليها، ويستغلون تقدمهم العلمي، بدرجةٍ كبيرة فيما فيه الشر ضد المجتمع البشري، يعني: نسبة معينة لمصلحة المجتمع البشري، ونسبة كبيرة أخرى لما يضر بالمجتمع البشري، فحضارتهم تغيب عنها القيم والأخلاق، ويغيب عنها الرشد، الرشد، وتغيب عنها النظرة الإيجابية تجاه الإنسان ودوره في هذه الحالة.
فنحن نجد أهمية التلازم ما بين العلم والهدى، الحاجة للإنسان:
يحتاج إلى العلم في دوره في الاستخلاف في الأرض، ليتعرف على أسرار ما أودع الله له في هذه الدنيا من النعم، وكيفية الانتفاع منها، والوسائل التي تساعده على ذلك، إلى غير ذلك.
وأيضاً يحتاج إلى هدى الله، إلى تعليمات الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"؛ لتحميه هو، ولتحمي حضارته؛ حتى لا يتحول إنتاجه وتقدمه العلمي إلى وسيلة للإضرار، للشر، للإفساد في الأرض.
فنجد مثلاً على المستوى العسكري، كيف يفعل الغرب بالإمكانات العسكرية؟ وسيلة للبطش والجبروت والظلم، ما نشاهده فيما يحصل في غزة، إمكانات ضخمة وهائلة جداً على المستوى العسكري، من السلاح الأمريكي، من القنابل التي هي ذات قدرة كبيرة في التدمير والفتك، لكن تستخدم لقتل الأبرياء، لقتل الأطفال والنساء، لإبادة شعبٍ مظلوم.
وهكذا الكثير من الوسائل التي يستغلها الغرب، لانفصاله عن الرشد، وعن القيم، وعن الأخلاق، وعن المبادئ الإلهية والتعليمات الإلهية، يستغلها للإضرار بالمجتمعات البشرية، أو للإفساد، لنشر الفساد في الأرض: نشر الفساد اللاأخلاقي، نشر الفساد وتدمير القيم، قيم العفة والطهارة، كم من الوسائل والإمكانات الضخمة والمتطورة تُسَخَّر من أجل ذلك.
فبدون الهدى، يُسَخِّر الإنسان تقدمه العلمي وإمكاناته المادية والحضارية، في نسبةٍ كبيرةٍ منها، تجاه ما يضر ويفسد؛ لكن بالهدى يمكن أن يكون هناك حضارة راقية، راشدة، متميزة، تُستغل فيما فيه منفعة الإنسان، وحماية الناس والدفاع عنهم، وتُستغل فيما فيه الخير لهم، تستغل لمصالحهم. فالسلبيات في الواقع الغربي كبيرة جداً، هناك منافع معينة تحصل للناس، وهناك أضرار ومفاسد كبيرة إلى جنب ذلك؛ فكان من واجب المسلمين أن يبنوا حضارة تقوم على الركيزتين: (العلم، والهدى)، وتقدِّم نموذجاً يمثل أملاً للمجتمع البشري، وقدوة راقية، وهذا أيضاً من الدروس المهمة.
فيما نلحظه ونستفيده من القصة: نرى أن آدم وحواء بدءا مشوار حياتهما ومهمتهما في الجنة:
يعني: بنعمة الله، برحمته، بفضله، لم يوجدهما ويرمي بهما- مثلاً- إلى صحراء من الصحاري، إلى صحراء قاحلة، ليجد آدم نفسه في وسط الصحراء في ظرفٍ صعب جداً.
بعد خلق آدم، وبعد قصة الاختبار مع الملائكة، وقصة الأسماء، وخلق حواء "عَلَيهمَا السَّلَامُ"، أدخلهم الله تلك الجنة، التي أعدها لهما، فيها متطلبات حياتهما، ليتهيأ لهما أن يعيشا فيها وكل متطلباتهما متوفرة، العيش الرغد، وبرفاهية، وبدون عناء، وهي جنة واسعة، وتتوفر فيها متطلبات حياتهما بما يكفيهما وأكثر من الكفاية، كان المحظور عليهما فقط، أو المنهي، ما نهاهما الله عنه: شجرة واحدة داخل تلك الجنة؛ أمَّا بقية ما في تلك الجنة- وهو الشيء الكثير، والواسع، والمتنوع، والكافي- فأباحه الله لهما، وأنعم عليهما بذلك كله، فقط شجرة واحدة.
فعندما نتأمل في واقعنا وفي التشريع الإلهي، نجد أيضاً أن نسبة ما أحلَّه الله لنا هو: كل الطيِّبات؛ إنما كيف يكون الحصول عليها وفق الطريقة المشروعة التي شرعها الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" لعباده، والذي حَرَّمَه هو: الخبائث، وهي نسبة محدودة جداً في جانب ما أحلَّه الله، وهو كثيرٌ جداً، فنسبة الطيبات الحلال هي نسبة واسعة جداً، وتتعلق باحتياجات الإنسان بكلها، يعني: في مجال الأكل، في مجال الشرب، في مجال الملابس... في مختلف المجالات، الذي أحلَّه الله ليلبي احتياج الإنسان هو يفي بما يحتاجه الإنسان وأكثر بكثير جداً، والمحرمات هي محدودةٌ جداً، والذي نهانا الله عنه هو شيءٌ محدود، في مقابل ما أحله لنا.
هذا درسٌ مهمٌ جداً، يعني: يبيِّن أن الله رعى المجتمع البشري منذ بداية وجوده، ووسع له في نعمه، وأن الإنسان عندما يتجه إلى ما نهى الله عنه؛ فهو يجني على نفسه، وليس له ما يبرر ذلك، ليس له ما يبرر؛ باعتبار أن الله قد أحلَّ له البديل الواسع جداً، والطيِّب.
من الدروس المهمة أيضاً، وهو من أهم الدروس: عواقب المخالفة لأمر الله ونهيه في زوال النعم:
وهذه مسألة مهمة جداً، الإنسان يجني على نفسه بمخالفة أمر الله، أو مخالفة نهي الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، والعواقب العاجلة في الدنيا قبل الآخرة، هي تتعلق بما أنعم الله به عليه؛ لأن الإنسان هو يعصي الله بوسائل أنعم الله بها عليه، وتجاه نعم أنعم الله بها عليه، فهو يسيء الاستخدام والتعامل مع نعم الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"؛ ولذلك يسبب لنفسه أن يخسر، أن يخسر فيما أنعم الله به عليه بزوال النعم، وهذه قضية خطيرة على الإنسان، فالذي يحفظ للإنسان النعمة هو: الشكر، والاستقامة العملية هي جزءٌ من الشكر.
والشيطان هو يسعى لشقاء الإنسان، هو يسعى، يسعى لحرمان الإنسان من النعم، الشيطان عندما يراك في أي نعمة من نعم الله، هو يحاول كيف يجعلك تخسر تلك النعمة بنفسك، الشيطان هو عدوٌ للإنسان، لا يرتاح أبداً أن يرى الإنسان في أي نعمة من النعم، عندما تكون في نعم مادية ونعم معنوية، فالشيطان عدوك يغتاظ من ذلك، ويحقد عليك، عداؤه للإنسان عداءٌ شديدٌ جداً؛ وبالتالي هو يخطط ويعمل على كيف تخسر تلك النعمة التي أنت فيها من جهتك أنت، بواسطتك أنت، فيحاول أن يدفعك لفعل ما تخسر به تلك النعمة؛ ولهذا سعى في إخراج آدم وحواء من الجنة، وكان حاقداً عليهما حقداً شديداً، ومغتاظاً مما هما فيه من النعمة، فأي نعمة يكون الإنسان فيها من نعم الله عليه، فالشيطان- وهو عدو للإنسان- يسعى إلى أن يفقده تلك النعمة، وأن يجعله بنفسه يعمل ما يخسر به تلك النعمة.
عندما نلحظ عقوبة ونتيجة تلك المخالفة من جهة آدم وحواء "عَلَيهمَا السَّلَامُ"، في خروجهما من تلك الجنة، التي كانا فيها، وهي ليست جنة الخلد التي في عالم الآخرة، فنتيجةً لتلك المخالفة مع كل ما فيها من الملابسات: أُخرجا من تلك الجنة، فكيف بالمعاصي الفظيعة والخطيرة التي يرتكبها الإنسان، ويتجرأ عليها، وينسى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، كيف لا تحرمه من جنة الخلد، يعني: المخالفة لم تبقِ آدم في جنة فيها نعيم له، فيها متطلبات حياته هو وزوجه حواء، فكيف بجنة الخلد، هل يمكن أن تدخلها وأنت محمَّل بالمعاصي والأوزار والآثام، ومصرٌّ عليها؟! المعاصي خطيرة على الإنسان، إذا كانت المخالفة قد حرمت آدم من جنة يعيش فيها، فكيف لا تكون المعاصي الفظيعة، التي يتجرَّأ فيها الإنسان على الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ويتَّبع هوى نفسه، ويطيع عدوه الشيطان، كيف لا تكون سببًا في حرمانه من الجنة، من جنة الخلد؟! بالأولى.
والشيطان يسعى إلى هذه النقطة، يعني: مثلما حاول أن يجعل آدم يخسر تلك الجنة، هو يحاول أن نخسر جنة الخلد في مستقبلنا الآتي الأبدي في عالم الآخرة، وهذه من الأولويات للشيطان، التي رسمها الشيطان لنفسه، في عداوته لبني آدم: أن يبذل كل جهده، وأن يسعى بكل ما يستطيع، بكل وسائل الخداع والمكر، إلى إغوائهم؛ لكيلا يصلوا إلى جنة الخلد في الآخرة، إلى ذلك النعيم العظيم، والتكريم العظيم، ويكون مصيرهم إلى جهنم، إلى أسوأ مصير، وهو بعدائه الشديد يسعى لذلك؛ لأنه يرى أنَّ أكبر ما يمكن أن يضرَّ به الإنسان هو هذا الضرر: عندما يجعلك تخسر الجنة، ويجعلك تتجه إلى النار؛ لأنك أطعته، فهو يسعى إلى توريط بني آدم لحرمانهم من جنة الخلد في المستقبل الآتي، وتوريطهم ليكونوا من أصحاب السعير، وليس فقط إلى الخروج من نعمة في هذه الدنيا، هو يسعى إلى أن يخرجك من أي نعمةٍ أنت فيها في هذه الدنيا، ولكن يسعى أيضاً لما هو أكثر.
بالنسبة لخطيئة آدم وحواء "عَلَيهمَا السَّلَامُ" هي انتهت بالتوبة، انتهت بالتوبة والإنابة إلى الله، فليست تلك الخطيئة ممتدة على بنيهما وذريتهما، مثل ما يتصوَّر البعض، مثل ما هو ثقافة وفكرة عند بعض البشر: أنَّ خطيئة آدم وحواء "عَلَيهمَا السَّلَامُ" امتدت وبقيت، وصارت لعنة مستمرة على أجيال بني آدم جيلاً بعد جيل. هذا غير صحيح أبداً، هما بادرا بالتوبة إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" على الفور، وأنابا إلى الله "جلَّ شأنه"، والله تاب عليهما، وتاب على آدم، واجتباه، واصطفاه، وهو من أولياء الله، ومرتبته عظيمة، ومنزلته عالية عند الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، فتلك الفكرة خاطئة، خاطئة من جهتين:
من جهة: أنَّ آدم قد تاب وأناب هو وحواء "عَلَيهمَا السَّلَامُ" إلى الله "جلَّ شأنه"، وانتهت الخطيئة.
ومن جهة أنَّه لا يتحمَّل أحدٌ وزر أحد، ولو كان هناك صلة قرابة، ليست صلة القرابة أنَّ الابن مثلاً أو الذرية يتحمَّلون ذنب أبيهم، وما فعله أبوهم، أو أمهم، أو أحدٌ يتحمل وزر أحد، الله يقول: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[فاطر: من الآية18]، فهذه قاعدة أساسية في عدل الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وفي تشريعه لعباده.
الإنسان قد يكون شريكاً في ذنب معين؛ لأنه اشترك فيه بالفعل، أو لأنه أيَّد ذلك الفعل، وشجَّع على ذلك الفعل، واعتبر ذلك الفعل جيداً ومناسباً، وكان مؤيِّداً له بأي شكل من أشكال التأييد، وراضياً عنه، فإذا رضي الإنسان بفعلٍ معين، أو جرمٍ معين، وأيَّده؛ فقد يشترك بهذا: بالتأييد والرضا، أو بالفعل المباشر، والاشتراك المباشر؛ أمَّا بغير ذلك، فلا يتحمَّل الإنسان وزراً.
أيضاً في مسألة التوبة، الله فتح باب التوبة لآدم ولحواء "عَلَيهمَا السَّلَامُ"، ولذريتهما، وهو من أعظم النعم التي أنعم الله بها على البشر: أن فتح لهم باب التوبة والإنابة، والرجوع إلى الله، ومن أهم الأمور أن يكون رجوعاً سريعاً.
من الدروس المهمة في قول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" بعد الأمر بالهبوط: {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ}[البقرة: من الآية36]، وفي هذا عدة نقاط مهمة جداً، منها:
لم تنتهِ عداوة الشيطان بعد إخراج آدم وحواء من الجنة:
لم يقل: [الآن أخذت بثأري]؛ لأنه يتعقد عليهما، ويعتبر وكأنهما هما السبب فيما حصل له، وهما لا ذنب لهما فيما وقع فيه، هو تكبر وطغى، ووصل إلى ما وصل إليه بسبب نفسه وكبره، لا ذنب لهما، مع ذلك هو حاقدٌ عليهما أشد الحقد.
بعد خروجهما من الجنة، هو لم يُنهِ عداوته معهما، بل بقي معادياً لهما أشد العداوة، ولم يقل: [خلاص انتهت المعركة]؛ إنما اعتبرها الجولة الأولى، وبقي عداؤه الشديد جداً لذريتهما، فهو مستمرٌ في عدائه، ولم يعتبر عملية الخداع تلك إلَّا الجولة الأولى في الصراع مع آدم، وبني آدم، وعداؤه الشديد مستمرٌ لذريتهما إلى الأخير، وذلك العداء الشديد المستمر يدفعه للتخطيط للإيقاع بذريتهما عبر الأجيال.
ولا يتغير موقف الشيطان من بني آدم تجاه من ينضم إلى حزبه، ويواليه:
عداؤه الشديد لا يتغير بأي شيء، هو باقٍ على عداوته، حتى تجاه الذين ينضمون إلى حزبه وصفه، ويوالونه، وحتى تجاه الذين يعظِّمونه ويعبدونه، هو مستمرٌ في العداء لكل بني آدم؛ ولهذا يقول الله عنه: {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}[فاطر: من الآية6]، وهم حزبه! لا يريد لهم الخير، طالما أنهم من بني آدم، هو يريد لهم أن يصلوا إلى عذاب جهنم، إلى عذاب السعير، فمن ينضم إلى حزبه، وينحرف عن نهج الله، فهو لا يتغير موقفه تجاهه.
النفس البشرية قابلة للخير وللشر، والشيطان يحاول أن يدخل للإنسان من مداخل الهوى بالخداع؛ فلذلك تعتبر العداوة حافز مهم:
الشيطان هو عدو، وعلينا أن نعاديه؛ لأنه عدوٌ لنا، {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ}[البقرة: من الآية36]، فإذا كان الإنسان متنبِّهاً، واتَّخذ موقفاً- الموقف الصحيح- اتَّخذ موقفاً عدائياً ضد الشيطان؛ فهذا حافزٌ للإنسان على الاستقامة، وإلَّا فالإنسان حتى لو لم يكن هناك إبليس وشيطان من الجن، هناك قابلية في نفس الإنسان للخير والشر، كان من الممكن للبعض من الناس أن يتَّجهوا في طريق الشر حتى لو لم يكن هناك إبليس ولا شيطان من الجن، ولبرز شياطين من الإنس.
فالإنسان قابلٌ للخير وللشر، لكن يمكن للعداوة أن تكون (العداوة مع الشيطان)، ومعرفة الإنسان أنَّ الشيطان عدوٌ له ويسعى للإيقاع به، يمكن أن تكون حافزاً للاستقامة، وللنجاة، وللموقف الحاسم تجاه طريق الشر وطريق الفساد؛ ولهذا يقول الله: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا}[فاطر: من الآية6]، وهذه مسألة مهمة جداً يستفيد منها الإنسان، لعدائك للشيطان تجتنب طريق الفساد، طريق الشر، طريق الضلال، وتتجه في الطريق الذي فيه نجاتك، فيكون ذلك عوناً لك، وحافزاً لك، وهذه مسألة مفيدة.
من الدروس المهمة: خطورة الاحتقار، والدرس من السجود لآدم:
في موقف الملائكة ما يشبه حالة الاحتقار للإنسان، عدم توقع أن يكون لائقاً بمهمة الاستخلاف في الأرض، فوصلوا في معالجة هذه الحالة إلى السجود تكريماً لهذا الإنسان، وتكريماً لآدم "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، وهذا درسٌ مهم.
هناك نموذج في قصة البشر، مع الفارق الكبير طبعاً ما بين إخوة يوسف والملائكة، هم احتقروه، وذكر الله عنهم قولهم: {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[يوسف: الآية8]، واتَّجهوا للمكر والتآمر عليه، لكن في نهاية المطاف قال الله عنهم: {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا}[يوسف: من الآية100].
فالاحتقار خطيرٌ جداً، قد يصل بالإنسان إلى تلك الحالة: حالة الخضوع، حالة سجود وضعية، وإن لم تكن سجوداً بالمعنى المعروف للسجود، لكن كوضعية لدى الإنسان يمكن أن يصل إليها؛ ولذلك لا ينبغي للإنسان المسلم أن يحتقر مسلماً آخر أبدًا، يمكن أن تحتقر من كان سيئاً مجرماً؛ لما هو عليه، مفسداً؛ لما هو عليه من إجرام وفساد؛ أمَّا أن تحتقر أي إنسانٍ مسلم، أو أي إنسانةٍ مسلمة، فأنت مخطئٌ.
الخطر أولاً: من حمل مشاعر الاحتقار والازدراء تجاه أي مؤمن أو مؤمنة، لا يحمل الإنسان في نفسه مشاعر ازدراء واحتقار للآخرين من المؤمنين والمؤمنات أبدًا، هذه حالة خطيرة جداً، ولا تنسجم مع الإيمان، لا تنسجم مع الإيمان أبداً.
ثم أيضاً على مستوى التعامل، يعني: على مستوى المشاعر، وعلى مستوى التعامل، لا تتعامل مع أحد بطريقةٍ تحتقره فيها، أو بأسلوب احتقار، أو ازدراء، لا ينبغي أبدًا.
ثم أيضاً على المستوى العملي.
وطبعاً حالة الاحتقار لدى الإنسان، أو مشاعر الاحتقار، أو نظرة الاحتقار للآخرين، قد تكون- فعلاً- لنظرة خاطئة وقاصرة؛ لأن البعض من الناس لديه معيار يقيس به الناس، معيار محدود؛ بينما هناك إيجابيات في واقع الناس، قد يكون هذا الإنسان من جهة في جانب معين عنده نقصٌ فيه، أو لا يتوفر له فيه شيء، لكن هناك جوانب أخرى، هناك إيجابيات أخرى، هناك مواهب أخرى، طاقات أخرى.
في المجال العملي أيضاً، كل إنسان مؤمن يمكن أن يكون له دوره، الحياة هذه ومسؤولياتها الواسعة، الواقع العملي، المسؤوليات الكبرى للأمة المسلمة تستوعب كل الأدوار، وكل الطاقات، وكل الجهود، وإذا لم يكن الإنسان يحسن شيئاً في مجال معين، فهو سيفيد في مجال آخر، إذا لم يكن لديه كفاءة في مجال، لديه كفاءة في مجال آخر، إذا لم يكن يستطيع أن يقدِّم شيئاً في مجال، يستطيع أن ينفع في مجال آخر، والأدوار مترابطة، وكل دورٍ مهمٌ للدور الآخر؛ فلذلك لا يجوز أن يكون هناك حالة احتقار حتى في الواقع العملي.
أيضاً من المهم الحذر من عقدة الاحتقار التي تظهر على الكثير من أبناء الأمة الإسلامية، للأسف الشديد في واقع الأمة الإسلامية هناك عقدة احتقار للأمة بكلها، ولواقعها، وانعدام للأمل تجاه الأمة، وانبهار كبير بالأعداء.
فالبعض- مثلاً- ينبهر بالغرب انبهاراً إلى درجة أنه يحتقر أمته احتقارًا تامًا، وليس له تجاهها أي أمل في إمكانية أن يتغير واقعها، هو ينظر نظرة احتقار، وكأن الحالة بالنسبة- مثلاً- للمسلمين والعرب، أصبحت حالةً في تكوينهم، أنه لا قابلية لهم لتغيير واقعهم، ولا للارتقاء بواقعهم، وهذه حالة خطيرة جدًا، هذه العقدة عند البعض هي تمثل عائقاً عن التحرك بأمل لتغيير الواقع، فهي حالة خطيرة، وهي غير صحيحة أصلاً.
هناك دروس كبيرة من ماضي الأمة وحاضرها في إمكانية التغيير، في بداية حركة الإسلام تحرَّك رسول الله "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، وكان أولئك القلة المؤمنة الذين انطلقوا معه معظمهم من المستضعفين، مستضعفين في أنفسهم، وفي إمكاناتهم، بسطاء، بعضهم بسطاء، وبإمكانيات ضعيفة جدًا، ومستضعفين في المجتمع، ومع ذلك ارتقى بهم الإسلام إلى أن صاروا في الصدارة على المستوى العالمي.
دروس من التاريخ كثيرة جداً، والدروس في الحاضر أيضاً تبعث على الأمل؛ فعقدة الاحتقار عقدة خطيرة جداً.
هناك أيضاً في هذه النقطة بالذات ما ينبغي أن نؤمن به، وهو: عظمة الإسلام، وأننا عندما ننطلق على أساس هدى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، فهذا يرتقي بنا، والله يتدخل في بناء النفوس؛ ولذلك يمكن أن ترتقي الأمة، وأن يرتقي المستضعفون من أبناء الأمة إلى الصدارة من جديد في واقع المجتمع البشري.
مع التحذير من الاحتقار، أيضاً ينبغي أن نحذر من الغرور:
أن نحذر من الاحتقار، وأن نحذر من الغرور، لا يغتر الإنسان بنفسه، لا تحتقر نفسك، ولا تغتر بنفسك، يكون أملك بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أنك عندما تتحرك على أساس هدى الله، أنت ومن يتحرك من أبناء أمتك على أساس هدى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"؛ فإنَّ الله- بفضله، وكرمه، ومعونته، وبالأخذ بالأسباب- سيؤهلك للدور المنوط بك، وهذه مسألة مهمة.
أمَّا الغرور فهو العجب بالنفس، الغرور حالة خطيرة جداً، عندما يغتر الإنسان بنفسه، ويعجب بنفسه، وليس من باب أنه يثق بالله، ويرجو الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ويأخذ بالأسباب: أسباب الارتقاء، وأسباب التغيير. الغرور حالة خطيرة جداً على الإنسان، والاحتقار- كما قلنا- ينبغي أن يكون للمجرمين، السيئين؛ لما هم عليه من إجرام، وفسق، وطغيان.
الدروس أيضاً فيما يتعلق بنسيان آدم "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، وأهمية الاستحضار والتذكر لما نؤمن به من الغيب:
الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" حذَّر آدم وحواء "عَلَيهمَا السَّلَامُ" من الشيطان، نهاهما عن الأكل من الشجرة، بيَّن لهما أنَّ العاقبة هي الخروج من تلك الجنة. هما نسيا، مثل ما قال الله: {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}[طه: من الآية115]، مع تغرير الشيطان، وخداعه، ويمينه، وتصويره للمسألة بتصوير آخر تماماً، قدَّم العاقبة والنتيجة بطريقة مختلفة تماماً، الله بيَّن لهما مسبقاً أنَّ النتيجة ستكون هي: الإفلاس والخروج من الجنة، والشيطان قدَّم لهما أنَّ النتيجة ستكون: الملك الذي لا يبلى، والحياة الخالدة؛ فقدَّم نتيجة مختلفة، وهي نتيجة زائفة، ليست حقيقية، هي مجرد خداع، فلم يستحضرا في تلك اللحظة التي أوقع بهما في تجاوز النهي، لم يستحضرا ما كان الله قد نبههم عليه.
فالأشياء التي حذَّرنا الله منها كعواقب ونتائج، علينا أن نستحضر التحذير الإلهي قبل، في الحالات التي هي حالات ضاغطة على الإنسان: إغراءات ضاغطة، أو مخاوف ضاغطة، يستحضر ويتذكر ما يؤمن به مما أخبره الله عنه من تحذير في القرآن الكريم، أن تكون المسألة فيما أخبرنا الله عن نتائج تحصل إذا فرَّط الإنسان، تكون نتيجة أن نحذر وأن نتنبه.
من الدروس المهمة: أن بداية الوجود البشري ليست مجهولة:
في الثقافة الغربية، وفي النظريات التي روَّجوا لها، حاولوا أن يجعلوا بداية الوجود البشري مسألة مجهولة، وغامضة، وأن يقدِّموا لها نظريات افترضوها وتخيَّلوها، وأتى ضمن ذلك نظرية [التطوُّر] من شكل القرد إلى شكل الإنسان، وهذا يعود إلى كفرهم وجحودهم بالرسالة الإلهية، وتعليمات الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".
بداية الوجود البشري بيَّنه الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" لنا في القرآن الكريم، بيَّنها في كتبه السابقة، كانت ضمن المعارف المتوارثة بين البشر ينقلونها جيلاً بعد جيل، فبداية الوجود البشري هي آدم "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، خلقه الله وخلق حواء "عَلَيهمَا السَّلَامُ" منه، خلقها من آدم "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، نجهل الكيفية، نجهل التفاصيل كيف كانت، لكن كلاهما عنصرٌ بشري، وتفرَّع منهما البشر، كما قال الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً}[النساء: من الآية1].
اللوبي اليهودي يسعى إلى تزييف الحقائق عن الوجود البشري، وعن أصل البشر، والوجود الإنساني؛ لهدف خطير جداً، وهو: قتل الشعور بالكرامة عند البشر. اليهود الصهاينة يريدون ألَّا يشعر الإنسان بكرامة أبداً، وأن ينظر إلى أصله بنظرة احتقار، ونظرة دنيئة وسيئة مجرَّدة من التكريم، بدلاً مما ذكره الله لنا عن أصل خلقنا وتكويننا، أنَّ الله خلق هو "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" الإنسان ابتداءً من الطين، وليس متفرِّعاً من حيوان آخر، بل من الطين، خلقاً ابتدأه الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وبتكريم، وأسجد له الملائكة، يحاولون أن يقدِّموا صورةً زائفة، هدفهم: قتل الشعور بالكرامة لدى المجتمع البشري؛ ليكون متقبِّلاً للإهانة، متقبِّلاً للاستعباد، متقبِّلاً للتفاهة، متقبِّلاً للفساد والدناءة والضعة؛ لأنهم يريدون أن يذلوه، وأن يستعبدوه.
وأيضاً الأصل الحضاري، الأصل الحضاري أتى مع آدم "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، الذي هو أول أنبياء الله أيضاً، أول أنبياء الله، وعلَّمه الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" الأسماء كلها، وهم- أنبياء الله وأولهم آدم "عَلَيْهِ السَّلَامُ"- ركيزة التاريخ، وبداية الوجود الإنساني.
ولذلك فالتصورات والنظريات التي يقدِّمها الغرب عن الإنسان، وحياته في المراحل الأولى، وعن العصور المتقدِّمة في الزمن، غير دقيقة، فهي مفرطة في نظرتها إلى أنها بدائية جداً، يعني: يريدون أن يصوِّروا المجتمعات البشرية، التي كانت في مقدِّمة الوجود البشري، وفي العصور المتقدِّمة، أنَّ حياتها بدائية جداً، وأشبه بالحيوانات، وأن الحضارة لم تأتِ إلَّا مع الغرب، في نهضته المتأخرة جداً.
وهذا شيء يحاولون أن يقدِّموه كثقافة، كثقافة عامة لدى كل المجتمعات البشرية، وعندما تجد على سبيل المثال مما يفضحهم: كيف يتحدثون عن أمريكا، عن القارة الأمريكية بشكلٍ عام، يتحدثون عنها وكأنها لم تكتشف إلَّا بعد غزوهم لها، وقتلهم لشعوبها، وسيطرتهم عليها، وكأن بداية التاريخ هناك من تلك المرحلة فقط.
ثم عندما يتحدثون عن أهلها وسكانها، الذين تعرَّضوا للإبادة من جهتهم، يتحدثون عنهم بشكل مسيء، وكأنهم كانوا بدائيين جداً، فيما يتَّضح من خلال الآثار هناك المنتشرة في مناطق من القارة الأمريكية، يتَّضح معالم بعضها لها عشرة آلاف سنة، وهي معالم متقنة وحضارية، وتنبئ عن حضارة قديمة هناك.
فالوجود البشري ليس كما يصوِّرونه: [عاش لمراحل طويلة جداً في حالة بدائية أشبه بالحيوانات]، الإنسان تميز منذ بداية وجوده، بما منحه الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، منذ آدم "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، وبعد ذلك، يعني: في عصور متقدِّمة كانت هناك حضارات كبيرة، حضارات متطورة، بل إنَّ في التاريخ حضارة ربما لم نصل إلى مستواها في هذا العصر:
حضارة نبي الله سليمان "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، وملكه، وما مكَّنه الله فيه.
حضارة ذو القرنين، حضارة كبيرة جداً.
وهكذا يجب أن تكون نظرتنا إلى المراحل تلك نظرة منصفة، ربما في بعض المجتمعات المنغلقة، استمرت الحالة عندها كحالة بدائية، أو كانت تحوَّلت الحالة عندها إلى حالة بدائية، لكن ليست هذه السمة التي ننظر من خلالها، ونطبع بها نظرتنا إلى كل مراحل التاريخ الماضية.
نَسْألُ اللَّهَ "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّج عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
كلمات دلالية: فی القرآن الکریم المجتمع البشری هذا الإیمان على المستوى على الإنسان یتحدثون عن حالة خطیرة الإنسان هو الإنسان فی خطیرة جدا ر الإنسان ل الإنسان کبیرة جدا ى الإنسان س ب ح ان ه ع ل ى آل ت ع ال ى إلى الله الله عنه یسعى إلى من النعم هدى الله بأن الله من الجنة یمکن أن بنی آدم الله عن فی واقع أن تکون فی موقف هو یسعى أن یکون أن الله فی مجال بعد ذلک من جنة لم یکن من جهة ة الله مثل ما إلى ما ما بین فی هذه بعض من ه الله من تلک من أهم کان من إلى أن ن لهما ى الله ن الله
إقرأ أيضاً:
رئيس لجنة السجون ومستشار هيئة رفع المظالم بمكتب رئاسة الجمهورية فهد غثاية لـ” الثورة”:توجيهات السيد القائد كان لها الأثر الكبير في تحسين أوضاع السجون
اللجنة قامت بصياغة وثيقة التزام يتعهد فيها القائمون على السجون بعدم الإساءة أو الاستغلال للسجناء اللجنة أعدت كتابا توثيقيا لجرائم العدوان على السجون خلال سنوات العدوان نتمنى على هيئة الزكاة إعادة النظر في بعض المعايير الخاصة بالسجناء المعسرين بعض السجناء أصبحوا من حملة الشهادات العليا والجامعية وحفظة كتاب الله سجون ما قبل ثورة ٢١ سبتمبر كانت لتفريخ المجرمين والمخربين عملنا على إيجاد مركز صحي في أغلب السجون المركزية والاحتياطية
أكد رئيس لجنة السجون ومستشار هيئة رفع المظالم بمكتب رئاسة الجمهورية الأستاذ فهد ناصر غثايه أن توجيهات السيد القائد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي حفظه الله ورعاه كانت لها الأثر الكبير في تحسين أوضاع السجون المركزية والاحتياطية وتقديم الخدمات المطلوبة لهم بأفضل حال.
وأوضح رئيس لجنة السجون أن اللجنة أفرجت عمن يمكن الإفراج عنه حيث كانت تفرج عن الفي سجين في بعض السنوات، مشيرا إلى أن السجون المركزية تحولت بعد ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر المباركة إلى إصلاح وتأهيل ورعاية تنفيذا لتوجيهات واهتمام القيادة الثورية .. مبينا بأنه لايزال أمام إدارة السجون وأمام الجهات المختصة بالسجون الكثير لعمله للتطوير والتحسين بشكل أكبر وأفضل.
— وتطرق الأستاذ فهد ناصر غثايه في مقابلة خاصة أجرتها معه “الثورة” إلى أن اللجنة قامت بصياغة وثيقة إلتزام يتعهد فيها القائمون على السجون بعدم الإساءة أو الاستغلال للسجناء وأن ممارسات تكشف ينال مرتكبوها العقاب والجزاء الرادع وفقا للدين والقانون، وأن السجون باتت أماكن لإصلاح السجناء وإعادة تأهيلهم ثقافياً وعلمياً ومهنياً.
— وأشار رئيس لجنة السجون مستشار هيئة رفع المظالم بمكتب رئاسة الجمهورية بأنه تم إعادة تفعيل المعامل المهنية في الإصلاحيات المركزية في الأمانة واغلب المحافظات وأصبح بإمكان السجين ان يتعلم الحرف اليدوية مثل حياكة الجلديات والنجارة والحدادة والخياطة وغيرها من الحرف، واصبح هناك معرض كبير لبيع المنتجات التي يصنعها السجناء للمواطنين.. التفاصيل في ثنايا هذا اللقاء:
الثورة / معين محمد حنش
في البداية نرحب بالأخ الأستاذ فهد ناصر غثايه رئيس لجنة السجون مستشار هيئة رفع المظالم بمكتب رئاسة الجمهورية .. في البداية لو تحدثنا عن اهم الأسباب التي أنشأت لأجلها اللجنة ومتى أنشأت؟ وما هي نشاطاتها؟
– الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين، في البداية نشكر لكم هذه الاستضافة الكريمة والتي تدل على اهتمامكم كما يسعدنا ان نكون معكم في هذه المقابلة ونسأل الله التوفيق والسداد.
— اما بالنسبة للجنة السجون فالحقيقة عند نجاح الثورة المباركة ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر المجيدة والخالدة، وبعد ان تخلص الناس من النظام السابق المرتهن كان من أول اهتمامات قائد الثورة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله ان يرفع الظلم عن كاهل الناس في شتى المجالات ومن تلك المجالات السجون.
— فوجهت القيادة الثورية والسياسية بإنشاء لجنة تهتم بالسجون في أوائل العام 2016م وكان الأخ المجاهد السيد يحيى بدر الدين الحوثي على رأس اللجنة آنذاك وعدد من الاخوة المجاهدين والقضاة وكنت من ضمن العاملين فيها آنذاك وهكذا عملت اللجنة وقامت بجهود جبارة تشكر عليها حتى منتصف العام 2017م عند ذلك توليت رئاسة اللجنة.
— وللعلم فأن لجنة السجون ليست جهة تنفيذية وأنما جهة رقابية وكل هذه الجهود هي بالتعاون مع الجهات التنفيذية التي لها كل الشكر على التعاون المستمر.
— كما أن اللجنة ليست لجنة دائمة انما في هذه المرحلة التي تمر بها البلاد وهي عون للجهات التنفيذية حتى تتحسن احوال البلاد.
قاض وأعضاء
ماهي اختصاصات ومهام لجنة السجون وهل حققت دورها في تحسين أوضاع السجون والسجناء؟
– ان اختصاص لجنة السجون هو رقابي وليس تنفيذياً ويختص في متابعة أوضاع السجناء والسجون والقيام بزيارات ميدانية للسجون والتواصل والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة لتحسين وتطوير أوضاع السجون والعمل على توفير الظروف المعيشية المناسبة للسجناء بما يحفظ كرامتهم الإنسانية، وهذا هو العمل المحوري واختصاصها، وبعد ذلك عملنا لها خطة عمل واعتمدنا مركز شكاوى أو بالمعنى الأصح عمليات وخصصنا أرقاماً تستقبل أي شكاوى أو بلاغات من قبل المواطنين حول السجناء وتعمل على حلها بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، وشكلنا فريق نزول ميداني يتكون من قاض وأعضاء يقوم بالنزول الميداني المستمر للسجون في الأمانة والمحافظات الحرة للاطلاع على أوضاع السجون والسجناء ودراسة ملفاتهم والعمل على حل أي إشكاليات بالإضافة إلى القيام بالمساعدة حسب الإمكان في توفير الاحتياجات الضرورية للسجون أثناء النزول الميداني الذي تقوم به اللجنة.
— كما تساهم اللجنة في متابعة قضايا السجناء والإفراج عنهم أو متابعة التصرف في قضاياهم في حال تأخرها أو تعثرها، وكذلك تساهم اللجنة في مساعي حل بعض القضايا اجتماعياً، وتقوم بإجراء دراسات ميدانية حول أوضاع السجون.
(الأثر الكبير)
لقد أصدر قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي يحفظه الله، العديد من التوصيات والتوجيهات للاهتمام بالسجون والرعاية للسجناء في كافة المجالات برأيك هل نفذت هذه التوجيهات؟
– السيد القائد يحفظه الله وبأكثر من خطاب ومناسبة أكد على ضرورة الاهتمام بالسجون وتصحيح أوضاعها ورعاية السجناء والاهتمام بهم، وكان لهذه التوجيهات وهذا الاهتمام الأثر الكبير في ارض الواقع، ورغم الصعوبات وظروف العدوان على بلدنا الا ان الاهتمام بالسجون والسجناء متواصل وفاعل سواء من قبل الجانب الأمني أو الجانب القضائي.
نقلة نوعية
كيف تقيمون الوضع الحالي للسجون بشكل عام في كافة الجوانب بعد ثورة 21 سبتمبر هل أصبحت أفضل مما قبل؟ وما التحسن الذي لاحظتمونه فيها؟
– في الحقيقة منذ ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر المباركة أولت القيادة الثورية والسياسية الاهتمام الكبير بالسجناء وهناك جهود كبيرة جداً بذلت وتبذل في تحسين أوضاع السجون والاهتمام بالسجناء ورعايتهم، — وقد حدثت بفضل الله نقلة نوعية جداً في السجون عن ما كانت عليه في عهد النظام السابق، حيث كانت السجون قبل ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر المباركة عبارة عن أوكار لتفريخ المجرمين، وكذلك يعاني فيها السجناء من الفساد والظلم والابتزاز والاضطهاد بالرغم ان الإمكانيات آنذاك كانت كبيرة مقارنة بإمكانيات الدولة الآن في ظل العدوان والحصار. — اما الآن فقد أصبحت الإصلاحيات أماكن لإصلاح السجناء وإعادة تأهيلهم ثقافياً وعلمياً ومهنياً، حيث تقام فيها برامج إعادة التأهيل الثقافي واصبح هناك اهتمام كبير بالقرآن الكريم واصبح يتخرج منها حفظة لكتاب الله وكذلك يتخرج منها طلبة في مختلف المراحل التعليمية وكذلك طلبة دراسات عليا، وكذلك تم إعادة تفعيل المعامل المهنية في الإصلاحيات المركزية في الأمانة واغلب المحافظات واصبح بإمكان السجين ان يتعلم الحرف اليدوية مثل حياكة الجلديات والنجارة والحدادة والخياطة وغيرها من الحرف، واصبح هناك معرض كبير لبيع المنتجات التي يصنعها السجناء للمواطنين، كل ذلك كان في ظل توجيهات واهتمام القيادة الثورية والسياسية ولايزال أمامنا وأمام الجهات المختصة بالسجون الكثير لعمله للتطوير والتحسين بشكل اكبر وافضل.
إنجازات ملموسة
ما هي أبرز إنجازات وأعمال اللجنة في الإصلاحيات المركزية والسجون الاحتياطية؟
– بالنسبة للجنة السجون عملها يضم الإصلاحيات المركزية والسجون الاحتياطية وكذلك بقية السجون وأماكن التوقيف الأخرى في عموم المحافظات الحرة، وبالنسبة لأبرز إنجازات وأعمال اللجنة فالحمد لله وفي ظل عناية ومتابعة القيادة الثورية والسياسية وكذلك بالتنسيق والتعاون مع الجهات المختصة وعلى سبيل المثال لا الحصر.، فمنذ بداية عملها باشرت اللجنة عملها وأصلحت أوضاع السجون وأفرجت عمن يمكن الإفراج عنه حيث كانت تفرج عن الفي سجين في بعض السنوات وتبني سجوناً بالتعاون المستمر مع الجهات المختصة، وقد تمكنا بفضل الله من متابعة وتنفيذ خطة الاحتياجات الثقافية لأغلب السجون بالتنسيق والتعاون مع وزارة الداخلية حيث تم تركيب منظومة شاشات وصوتيات ووحدات تحكم بالشاشات وتوفير أجهزة كمبيوتر محمول وهاردات لأغلب السجون وتم تفعليها في برامج التأهيل الثقافي، وفي العام المنصرم 1445هـ تلقت اللجنة عبر قسم العمليات فيها المتاح للمواطنين عبر الاتصال بالأرقام 775881111 – 714881111 — فقد تلقت اللجنة اكثر من 649 بلاغاً حول تنسيق زيارات لأهالي سجناء وتقديم رعاية صحية لهم وغيرها وتم بفضل الله المتابعة والتعامل مع هذه البلاغات وتم الإفراج عن 87 سجيناً من خلال متابعة هذه البلاغات. — كذلك قامت اللجنة بالنزول الميداني لزيارة السجون في اغلب المحافظات الحرة وتم بفضل الله المتابعة والإفراج عن 251 سجيناً وإحالة 578 سجيناً للجهات المختصة، بالإضافة إلى توفير عدد من الشاشات والصوتيات والمصاحف والملازم والكتب الثقافية والدينية لبعض السجون الأخرى.
.. كذلك تم في العام المنصرم متابعة مشروع استكمال المبنى الجديد للإصلاحية المركزية بمحافظة الحديدة بالتنسيق مع قيادة السلطة المحلية والمكاتب التنفيذية بالمحافظة ومصلحة التأهيل والإصلاح وإدارة امن المحافظة وبفضل الله تم افتتاح عنابر جديدة للنزلاء وتم التخفيف من حالة الازدحام التي كانت تشهدها الإصلاحية، بالإضافة إلى متابعة سير العمل الثقافي في السجون بشكل مستمر وتقديم مبالغ مالية إعانة للثقافيين العاملين في السجون قدر المستطاع و قامت اللجنة بمتابعة إقامة الفعاليات الدينية والثقافية والوطنية في السجون وهذه الفعاليات تم تغطيها إعلاميا وتوثيقها من قبل مختلف القنوات الوطنية ووسائل التواصل الاجتماعي, وكذلك قامت اللجنة بمتابعة وإنشاء خلوات شرعية في السجون الاحتياطية بالأمانة التي لم يكن بها خلوات شرعية وتم بفضل الله إنشاؤها ويستفيد منها حاليا نزلاء تلك السجون، بالإضافة إلى متابعة ترميم بعض السجون وبفضل الله تم ترميمها مثل احتياطي علاية وهبرة بالأمانة وبناء ملاحق في احتياطي المعلمي بالأمانة، وتم خلال العام الماضي عقد عدة اجتماعات مع الأخ وزير العدل والأخ النائب العام وكذلك مع رؤساء ووكلاء النيابات لمناقشة أوضاع السجناء وتم الخروج بتوصيات ومعالجات وتقوم اللجنة بمتابعة تنفيذ مخرجات تلك الاجتماعات.
كتاب توثيق لجرائم العدوان
وماذا عن جرائم العدوان ؟
– قامت اللجنة بإعداد كتاب يوثق جرائم العدوان السعودي الأمريكي الإماراتي بحق السجون والسجناء والذي يضم إحصائيات عددية دقيقة لما تسبب به العدوان من خسائر بشرية ومادية من العام 2015 وحتى العام 2022م في السجون والكتاب باللغتين العربية والإنجليزية، وتقوم اللجنة بمتابعة الجهات المختصة لتنفيذ التوصيات التي تقررها اللجنة أثناء النزول الميداني المستمر للسجون، وكذلك قامت اللجنة بإعداد مواد توعوية مرئية تعالج بعض الظواهر السلبية التي تم ملاحظتها بين أوساط السجناء أو بالنسبة للقائمين على السجون, وهناك أيضا بعض الحالات الإنسانية التي تدخلت فيها اللجنة مثل حالة ثلاثة سجناء باكستانيين امضوا بالحبس حوالي 18 عاماً وانقطعت بهم السبل بعد ان تقدم بهم العمر ولا يوجد من يتابع قضيتهم فتم الرفع بقضيتهم من قبل اللجنة وجاء توجيه القيادة الثورية والسياسية بالإفراج عنهم ومساعدتهم من قبل الهيئة العامة للزكاة بمبالغ مالية وترحيلهم إلى بلادهم وتم بفضل الله المتابعة والإفراج عنهم وترحيلهم. وكذلك تم المتابعة عبر تقارير اللجنة السنوية وصدرت توجيهات الأخ المشير مهدي المشاط للجهات المختصة بمجانية المياه والكهرباء للسجون وبشكل دائم.
— وكذلك تقوم اللجنة بمتابعة الجانب الصحي في السجون حيث تم متابعة بناء مستوصفات ووحدات صحية في اغلب السجون وعلى رأسها الإصلاحية المركزية بالأمانة والذي اصبح فيه مستوصف يقدم الرعاية الطبية للسجناء وكذلك يقوم بإجراء بعض العمليات الجراحية، وكذلك تم متابعة جانب التغذية للسجناء وتم على أثر ذلك زياده المبلغ المخصص لمصلحه التأهيل والإصلاح ليتم شراء لحوم وخضروات ولو بشكل أسبوعي في السجون المركزية و في اغلب السجون وكذلك بقية الخدمات الأخرى.
نقلة نوعية حصلت في السجون
هل أنتم راضون عن وضع الإصلاحيات المركزية والسجون الاحتياطية فيما يقدمونه للسجناء في كافة المجالات؟ وهل عملتم على متابعة الإجراءات الكفيلة بالحد من أي انتهاكات لحقوق السجناء؟
في البداية وقبل ان نجيب على هذا السؤال يجب ان نشير إلى أن اغلب السجون في البلاد مبانيها قديمة حيث ان بعضها تم بناؤه في السبعينات والثمانينات وكذلك سعتها محدودة، ومع تزايد النمو السكاني أصبحت مشكلة الازدحام هي ابرز الظواهر التي نجدها في السجون وهذه الظاهرة تشكل تحدياً كبيراً أمام الجهات المختصة والقائمين على هذه السجون في توفير الرعاية والخدمات للسجناء بالشكل المطلوب، هذا التحدي يضاف اليه الظروف التي أوجدها العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي على بلدنا من حصار واضرار بالجانب الاقتصادي للبلاد وإيجاد خلايا وحرب ناعمة وتشجيع وإيجاد المشاكل والتشجيع عليها وتغذية الصراعات كل هذ التحديات، كما كان لابد من بذل جهود كبيرة من قبل الجميع للتعامل معها والعمل على توفير الرعاية والخدمات للسجناء، ومن خلال واقع السجون اليوم نرى نجاحاً كبير في مواجهة هذه التحديات وكما اسلفنا هناك نقلة نوعية حصلت في السجون وما زال الوضع يتطلب المزيد من الجهود للتطوير والتحسين من واقع السجون بشكل اكبر وافضل.
— وبشكل عام الآن السجون وضعها جيد، اما بالنسبة للانتهاكات وحقوق السجناء كان السجناء في عهد النظام السابق يعانون من التعذيب والاضطهاد والانتهاك لكرامتهم وإنسانيتهم وحقوقهم تماماً كما هو حاصل الآن في سجون المرتزقة وخير مثال على ذلك ما يظهر كل فترة من جرائم ارتكبت بحق السجناء في سجونهم، وبفضل الله منذ ثورة 21 سبتمبر دخلت الثقافة القرآنية للسجون وتم الحد بشكل كبير من هذه الظواهر التي تمس بكرامة أو حقوق أي سجين كون ديننا الإسلامي يحرم التعذيب في السجون، واصبح أي إنسان تسول له نفسه الأضرار بأي سجين يُحاسب ويعاقب وينال جزاءه.
— وقد قامت اللجنة بعمل حملة توعية حول تحريم التعذيب في السجون وقامت بتوزيع ملصقات توعوية تحتوي على عبارات من محاضرات الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه حول تحريم التعذيب في السجون.، وكذلك قامت اللجنة بصياغة وثيقة التزام لكل العاملين في السجون وقد تم مراجعتها والموافقة عليها من القيادة الثورية والسياسية، حيث في هذه الوثيقة يتعهد كل العاملين في السجون أو من لهم علاقة عمل فيها بعدم القيام بأي أعمال أو تصرفات مخلة بالأمانة أو فيها إساءة أو استغلال للسجناء، وقد تم انزالها وبصّم عليها كل من له علاقة بالسجون والسجناء ويوجد نسخ في مكتب المفتش العام بوزارة الداخلية ، مع العلم اننا كذلك نقوم بزيارة السجون الخاصة بالأسرى بشكل مستمر لتفقد أوضاعهم والمفارقة العجيبة ان سجون الأسرى عندنا افضل من السجون العادية في تقديم الخدمات، وهذا يدل على القيم الإيمانية والإنسانية التي تحملها المسيرة القرآنية المباركة.
لدينا رؤية
هل تملكون رؤية وخططاً مستقبلية للنهوض بأوضاع الإصلاحيات المركزية والسجون الاحتياطية مستقبلا؟
– نحن من خلال عملنا في مجال السجون لسنوات طويلة، لدينا رؤية وتصور للنهوض بأوضاع السجون وتحسين وتطوير العمل فيها، ونقوم بشكل مستمر بالتنسيق والتعاون مع الجهات المختصة حول الاستفادة من الخبرات التي لدينا والتي لدى هذه الجهات في سبيل الرقي بأوضاع السجون والسجناء، كون السجون هي مسؤولية الجميع وليس فقط الجهات الرسمية، فنحن نريد ان تكون الإصلاحيات عبارة عن مدرسة تستطيع إعادة تأهيل السجناء وإخراجهم للمجتمع كأفراد صالحين منتجين قادرين على المساهمة في مسيرة البناء والتنمية لمجتمعهم وبلادهم.
السجناء والجهات القضائية
ما هي العوائق والصعوبات التي تواجهونها في تنفيذ مهامكم وأعمالكم في كافة المجالات؟
– ان من أكبر الصعوبات والعوائق هو ما قام ويقوم به العدوان الظالم على بلدنا من دمار وحصار نقوم ببذل كل الجهود الممكنة للتغلب عليها بإذن الله، ولكن أيضا من ابرز العوائق التي نواجهها هي الاشكاليات ما بين السجين والجهات القضائية مثل تأخير وتعثر قد يحصل في قضايا بعض السجناء والذي سببه الأبرز قلة الكادر القضائي، وظاهرة بقاء السجناء المعسرين بالسجون بعد انتهاء فترة محكوميتهم.
— وهناك جهود جيدة من الهيئة العامة للزكاة فيما يخص السجناء المعسرين ولكن هناك بعض الإجراءات والمعايير التي نتمنى ان يتم النظر فيها من قبل الهيئة مراعاة للسجناء المعسرين خصوصاً من امضوا فترات طويلة في السجون، ومشكلة الازدحام في السجون وكل هذه العوائق يجري العمل على قدم وساق لوضع حلول عملية لها وتتضافر جهودنا مع جهود باقي الجهات المختصة في ذلك والحمد لله العمل الجاري له مؤشرات تبشر بنجاح هذه الجهود بإذن الله.
— كما نرجو تحسين الإجراءات القضائية والأمنية لا ان تشدد، فكل عام تظهر لنا إجراءات أكثر صعوبة والمرجو الاكتفاء بالإجراءات المعمول بها قانوناً مع تحسين الأداء والتسريع فيه، العدوان على بلدنا لا زال متواصلاً منذ العام 2015م وحتى الآن وان شهدت السنوات الأخيرة تهدئة في وتيرة العدوان.
مراكز تأهيل
من خلال عملكم لسنوات طويلة في مجال السجون واطلاعكم على قضايا وأوضاع السجناء، ما هو الدور المنوط بالسجون كمراكز تأهيل في مواجهة مخططات العدوان لتفشي الظواهر الإجرامية وزعزعة الأمن؟
العدوان على بلدنا استهدف كل شيء سواء بالحرب العسكرية أو بالحرب الناعمة وهناك تركيز على الجبهة الداخلية بالذات بعد ان فشل -بفضل الله- في تحقيق أي إنجازات بالحرب العسكرية، ومن الجوانب التي يعمل عليها العدوان هي خلق الفوضى ونشر الجريمة بكل أنواعها وخصوصا ما يتعلق بالفساد الأخلاقي وضرب القيم الإيمانية والأخلاقية التي تحصن المجتمع من الفساد الأخلاقي وانهيار القيم الإيمانية والتقاليد الأصيلة والمحافظة وتحريك الصراع الطائفي وخلق النزاعات والصراعات، وبفضل الله الجهات الأمنية في بلدنا لها إنجازات كبيرة في كشف مخططات العدو في هذا الجانب وإفشالها وتثبيت الأمن والاستقرار في المحافظات الحرة، وهنا تحديداً يأتي دور السجون لكي تقوم بواجبها المنوط بها كمكون من مكونات الجانب الأمني وهذا الدور يوازي ويكمل عمل الجانب الأمني والقضائي في المحافظة على أمن المجتمع والتصدي لمؤامرات العدوان.
— وللتوضيح أكثر فالأمن يبذل جهوداً كبيرة في الحفاظ على أمن المجتمع من أي جرائم قد تظهر ويقوم بضبط كل من يرتكب جريمة تخالف القانون، ويقدمه للجانب القضائي والذي بدوره يقوم بالتحقيق والتأكد من إدانة أو براءة أي متهم تم ضبطه من الجهات الأمنية لتحقيق العدالة اما بإدانة المتهم بالجريمة المنسوبة اليه ومعاقبته أو ببراءته منها وإخلاء سبيله. — وهنا يأتي دور السجن المتمثل في تتويج جهود الجانب الأمني والقضائي عبر إعادة تأهيل وإصلاح السجناء سواء المحبوسين احتياطيا أو المحكومين لكي يتم أعادتهم إلى المجتمع كأفراد صالحين لا يعودون إلى الجريمة مرة أخرى ولا يشكلون عبئاً على الأمن والقضاء ولا يشكلون خطرا مرة أخرى على المجتمع بل ويساهمون في مسيرة البناء والتنمية في المجتمع.
— فالسجن اذا قام بدوره على اكمل وجه فإنه سيساهم بشكل كبير في مكافحة الجريمة والحد منها وتثبيت الأمن والحفاظ على السكينة العامة وإفشال مخططات العدو والحفاظ على بنية المجتمع والتنمية فيه، فدور السجن ضمن ما شرحناه يتلخص بتقديم الخدمات للسجناء وحفظ كرامتهم والإحسان لهم وبنفس الوقت تقديم برامج إعادة التأهيل الديني والمهني والعملي، وتقديم هدى الله لهم، فالسجين هو إنسان قد يخطئ ويقع في الذنب ويقع فريسه للحرب الناعمة أو هوى النفس أو وساوس الشيطان أو ضحية لعقائد خاطئة أو بسبب ظروف أسرية أو اجتماعية أو اقتصادية، وهو بأمس الحاجة لتقديم العون له والنظر له بإنسانية ومساعدته للعودة للمسار الصحيح سواء في أيمانه أو أخلاقه أو في طريقة تفكيره، وإكسابه مهنة تساعده في الحصول على الزرق الحلال بدلاً عن المال الحرام، وكذلك مساعدته في استكمال تعليمه في مختلف المراحل التعليمية، وبذل كل ما يمكن من اجل إصلاحه وعدم اليأس من إمكانية إعادة إصلاحه فالنفس البشرية بفطرتها تحتاج الى هدى الله وتتقبله وتستجيب له وتتفاعل معه، وللعلم حتى المتهم الذي يثبت براءته يجب ان يكون السجن له بمثابة فرصة لمراجعة النفس والاحتساب والصبر والثبات والعودة الى الله.
— لذلك فالسجون لها دور محوري ومهم جدا ضمن مكونات الجانب الأمني كونها تشارك في نجاح كل الجهود المبذولة على مستوى الدولة في الحفاظ على الأمن والرقي بالمجتمع.
معايير في السجون
هنا يأتي سؤال مهم، كيف يمكن للسجون ان تقوم بدورها المهم الذي تحدثتم عنه؟
في كل انحاء العالم السجون لها قوانين وأنظمة ومعايير محددة سواء فيما يتعلق ببنيتها التحتية وتنظيم عملها والخدمات المقدمة فيها او فيما يتعلق ببرامج إعادة التأهيل والإصلاح التي تقدم فيها، وفي بلادنا ومنذ عشرات السنين لم يتم الاهتمام بجانب المعايير في السجون وعدم الاهتمام ببنيتها التحتية كما اشرنا سابقاً، ولكن بفضل الله بذلت جهود كبيرة جدا لمعالجة ذلك بحسب الإمكانيات المتاحة للدولة.
ومن اهم الأشياء التي نرى أخذها بعين الاعتبار لكي تنجح السجون بالقيام بدورها هي الاهتمام بتقديم الخدمات للسجناء، فالسجين عندما تتوفر له الخدمات وتحفظ له كرامته سيشعر بالهدوء والاستقرار ويكون نفسياً جاهزا لبدء مرحلة إعادة التأهيل والإصلاح، وكذلك الإحسان للسجناء فالإحسان له دور كبير في جذب اهتمام وتفاعل الإنسان وتقبله لما يقدم له من برامج إعادة تأهيل وإصلاح، وكذلك الاهتمام بمعايير اختيار العاملين في السجون فيجب ان يكونوا من أهل الإيمان والإحسان والزهد لكي يكونوا قدوة للسجين ويتأثر بهم وبمعاملتهم له وسلوكهم أمامه وليس العكس فلا يمكن للسجين ان يتقبل نصح وكلام القائمين على السجون وهم أمامه يتصرفون بعكس ما يقولون فالله سبحانه وتعالى يقول (كبر مقتاً عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون)، كذلك من المهم جداً الاهتمام بتقديم هدى الله للسجناء.
— فهدى الله هو المحور الأساسي الذي سيجعل السجين يتفاعل ويتقبل ويستفيد من برامج إعادة التأهيل الأخرى، فإذا اقتنع ووجد السجين انه كان على خطأ ووصل إلى حالة من الندم والشعور بالذنب تجاه ما سبق من تصرفات أو سلوكيات نتجت منه، سيدفعه ذلك للعودة والتوبة إلى الله والعزم على تغيير واقعه وتصحيح مسار حياته، وكذلك من المهم جدا ان يحصل السجين على كامل حقوقه القانونية في مختلف مراحل التقاضي كون أي ظلم أو تأخير أو عرقلة تنال السجين تسبب في شعوره بالإحباط واليأس والغضب فلا يتقبل ولا يتفاعل مع برامج إعادة التأهيل والإصلاح التي تقدم له داخل السجن.
نظرة دونية للسجين
كيف تقيمون نظرة المجتمع للسجين؟ وما هو دور المجتمع تجاه السجين سواء اذا كان بالسجن أو بعد خروجه من السجن؟
– كما تحدثنا السجين مسؤولية الجميع سواء الجانب الرسمي أو الجانب المجتمعي، فالسجين هو جزء من المجتمع لا يمكن انكاره أو تهميشه أو تجاهله، وعدم التعامل معه بشكل مسؤول سيؤدي إلى بقائه عبئاً وخطراً على المجتمع. خصوصا نظرة المجتمع إلى السجين فهي تمثل جزءاً مهماً من عملية إعادة تأهيله وإصلاحه، فالمجتمع اذا تقبل فكرة إعادة دمج السجين كفرد صالح داخل المجتمع خصوصا بعد ان تم إصلاحه وإعادة تأهيله فإن ذلك سيساعد على نجاح الجهود التي على السجين لإعادة إصلاحه وسيجعل السجين يشعر بالاستقرار داخل المجتمع ويشجعه لعدم العودة مرى أخرى إلى أي سلوك إجرامي، اما اذا ظلت نظرة المجتمع للسجين نظرة سوداء لا تتقبله وتنظر اليه بالريبة والمقت والكرة فسيشكل ذلك دافعاً لدى السجين للحقد على المجتمع والعودة مرة أخرى للسلوك الإجرامي.
— أيضا هناك دور مهم للمجتمع تجاه السجناء داخل السجون مثل مراعاة اسر السجناء التي فقدت عائلها بسبب حبسه ومواساتها والاهتمام بها وعدم النظر لها بعين الدونية أو الازدراء أو السخرية بسبب حبس احد أفرادها والحكم على الأسرة كاملة بذنب واحد منها، وكذلك التجار واهل الخير عليهم تقديم المساعدة للسجناء المعسرين ومساعدة الجهات الرسمية في ذلك، وكذلك على المجتمع أي يساهم في مساعي حل القضايا اجتماعياً فهناك الكثير من القضايا التي تتطلب فقط تحركاً اجتماعياً لحلها والسعي للصلح فيها.
وضع السجينات حالياً
من القضايا الحساسة اجتماعيا في بلدنا مسألة السجينات من النساء؟ كيف ترون وضع السجينات حاليا؟
– بالفعل شعبنا شعب محافظ خصوصا فيما يتعلق بالمرأة ولا يتقبل مسألة ارتكابها لجريمة أو دخولها في إصلاحيات لإعادة تأهيلها وإصلاحها، وفي الحقيقة هذا الجانب يحتاج أن نراه من منظور إيماني إنساني واقعي، فقبل ان نتكلم عن السجينات يجب ان نعرف ان المرأة لا تصل إلى حد ارتكاب جريمة الا في ظل وجود أسباب دفعت بها إلى ذلك مثل التفكك الأسري أو عدم الاهتمام بتربيتها التربية الإيمانية الصحيحة وفي حالات أخرى تركها لتكون ضحية للحرب الناعمة بمختلف وسائلها، وعدم وجود رقابة ومتابعة من الأهل لتقويم سلوكها وإرشادها والاهتمام بها، بالإضافة إلى أسباب أخرى غير ذلك.
— ولكن المشكلة ان الأهل لا يصحون إلا بعد ارتكاب المرأة للجريمة ولا يشعرون انهم يتحملون جزءاً من المسؤولية عن ما وصلت اليه الأمور، فنجد من يتبرأ او من لا يتابع قضايا السجينات.
— وهنا يجب الاهتمام بالمرأة من قبل الأهل والحفاظ عليها ومتابعتها، وفي حال ارتكبت أي جريمة فيجب كذلك عدم تركها والتخلي عنها والشعور بالعار تجاهها فهذا التصرف لن يصلح ما قد وقع بل سيساهم في تفاقهم المشكلة وضياع المرأة ومستقبلها، ويجب على المجتمع ان يستوعب التعامل الصحيح والنظرة الصحيحة لمثل هذه الأمور.، ولتكن نظرتنا المحافظة وعاداتنا وتقاليدنا الدافع لنا للتصرف بشكل صحيح وعقلاني ومسؤول وإنساني تجاه السجينة فاستيعابها واحتوائها وإصلاحها والاهتمام بها لإعادتها إلى المسار والسلوك الصحيح.
— اما بالنسبة لوضع السجينات في بلادنا.، فالحمد لله عدد السجينات لازال قليلاً، وهناك اهتمام كبير بفئة السجينات والمحافظة على حقوقهن وخصوصيتهن وتقديم الخدمات لهن، وكذلك تقديم برامج إعادة التأهيل الديني والثقافي لهن، وكذلك إعادة التأهيل المهني بما يناسبهن من حرف مثل الخياطة وصناعة العطور والبخور، وكل ما نعانيه في الحقيقة هو الغياب الكبير لدور المجتمع ونظرته القاصرة والقاسية تجاه السجينة.
كلمة أخيرة
هل لك كلمة أخيرة تود توجهها للجهات والمجتمع؟
اذا كان من كلمة فهي رسالة للمجتمع ان يقوم ويحرص على مساعدة أبنائه في تقويم سلوكه فنحن أبناء شعب واحد وكل خلل يشاهده الناس يجب ان يعملوا على إصلاحه لا أن يشاهد الجار أبناء جيرانه ينحرفون أو يريدون الإقدام على خطا ويسكت!!، فلعل بعض الجيران كلامه مؤثر لأجل الله وإصلاح عباده.
— ثانياً البعض وللأسف يرى ان النصح خطأ، ولكن القرآن قدم نظرة جميلة للنصح على لسان نبي الله زكريا عليه السلام (أنى لك هذا)، فعلى الآباء ان يسألوا أبناءهم ويحرصوا كل الحرص على المال الحلال والمهنة الكريمة، لأننا اذا حافظنا على ما ذكرت سابقاً، فهذه نصيحتي التي أرى انها ستحد من الجريمة بشكل كبير. وكذلك ان يبعد الآباء أبناءهم عن رفقاء السوء، وكذلك التقليل من الثغرات والكبر وتضخيم المشكلات، لأن الله علمنا في كتابه ( ادفع بالتي هي احسن).
— والبعض وللأسف اذا شاهد مشكلة زادها سعيراً واشتعالاً.، فيا شعبنا العظيم انتم امل المستضعفين في هذا العالم، الله الله في كظم الغيض وتهدئة الناس بعضهم بعضا، كفانا سجوناً وسجناء.