طه العامري
للشهر السادس وقطاع غزة وكل الشعب العربي في فلسطين يواجهون عدواناً عالمياً غير مسبوق في تاريخ الصراعات القديمة والحديثة، إذ يتصدى أبطال المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة المحدود المساحة الجغرافية بكثافته السكانية، حيث يقطنه 2.5 مليون مواطن عربي فلسطيني يقطنون في مساحة جغرافية لا تزيد عن 345 كم مربع، والمحاصر منذ 18 عاما من قبل جيش الاحتلال الصهيوني.
سطرت المقاومة بطولات أسطورية رغم الفارق في العدة والعتاد بينها وبين جيش العدو المدعوم بالقوات والقدرات الأمريكية البريطانية والغربية، وبالتواطؤ العربي الإسلامي، ورغم الإدانات الدولية -الشعبية -وخروج شعوب العالم إلى شوارع المدن والقرى في كل قارات العالم الخمس، بما فيها شعوب الدول الداعمة للعدوان والكيان الصهيوني، ورغم قرارات ودعوات الجمعية العامة التي صوتت لمرتين بوقف العدوان بأغلبية الدول الأعضاء، إلا أن أمريكا أفرغت كل هذه المواقف والدعوات الإنسانية بوقف العدوان ومنحت الكيان الصهيوني شرعية وغطاء لمواصلة حرب الإبادة بحق الشعب العربي في فلسطين.
إن هذا العدوان قطعا لم يأت في سياق ردة الفعل على معركة طوفان الأقصى الثأر لهيبة الكيان ومؤسساته العسكرية والأمنية التي داست عليها المقاومة وأظهرت الكيان بكل أساطيره وقصصه التي سوقها على مدى عقود، بأنه مجرد ( بيت من القش) و(أوهن من بيت العنكبوت) كما وصفه ذات يوم سيد المقاومة في لبنان السيد حسن نصر الله، بل إن ثمة أهدافاً للعدوان بوحشيته واجرامه تتجاوز استعادة هيبة الكيان الذي كانت أمريكا تسوقه لحلفائها في المنطقة بأنه سيكون حاميها وحارسها في حالة التطبيع معه، وفكرة الطوفان كمعركة وبهذه الوحشية جاءت تعبيرا عن رغبة أمريكية أكثر من كونه رغبة صهيونية، إذ ترى واشنطن أن هذه المعركة الجيوسياسية تمثل آخر خنادقها الجيوسياسية للحفاظ على هيمنتها بعد سلسلة الهزائم التي واجهت واشنطن وربما أكثرها مرارة هي أخلاقها في أوكرانيا التي أعدت لها العدة وتحصنت في تخومها للتصدي للنفوذ الروسي والصيني، ناهيكم عن أن ثمة عوامل أخرى أجبرت واشنطن على توظيف العدوان على غزة لتحقيق أكثر من هدف تسعى لتحقيقهما على الصعيدين الإقليمي والدولي، فهي على المستوى الإقليمي ترغب في تطويع دول وانظمة المنطقة بعد أن شاهدت اتجاه غالبيتها نحو الشرق وتعزيز علاقتها بكل من روسيا والصين، ثم رغبتها في عزل إيران عن دول المنطقة وتعزيز روزنامة الصراع العربي _الإيراني عقابا لطهران على موقفها من المقاومة في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن ودعمها لهذه الأطراف، ناهيكم عن رغبة واشنطن في لجم قدرات طهران العسكرية خدمة للكيان الصهيوني الذي يعيش حالة قلق من تطور قدرات طهران العسكرية، والأمر الأهم هنا أمريكيا هو رغبة أمريكا في ضرب بور المقاومة العربية في فلسطين ولبنان تحديدا على خلفية التأثيرات التي أحدثته المقاومة في سياق الصراع العربي الصهيوني، لم تكن واشنطن وهي تدفع الكيان إلى الثأر لهيبته المفقودة في أكتوبر الماضي التي زلزلت الكيان ورعاته الذين هالتهم القدرة التي وصلت إليها المقاومة في لحظة كانت واشنطن والكيان ومن يقف إلى جانبهما يعدون أنفسهم لمرحلة سيطرة مطلقة بعد أن تمكنوا من تطويع غالبية النظم العربية وبعد أن افصحوا جميعا عن حقيقة أن التطبيع مع النظم العربية هو الطريقة المثلى لتحقيق السلام وحل القضية الفلسطينية التي تعذر حلها بصورة ثنائية بين الكيان المحتل والشعب الفلسطيني، حسب تصريحات رئيس حكومة الكيان، وهذه كانت الخطوة الالتفافية التي هندستها واشنطن والكيان لتصفية القضية، لتأتي معركة طوفان الأقصى لتقضي على كل أحلام أمريكا وكيانها، كما ضربت طوفان الأقصى تطلعات أمريكا، ونسفت مخططات الكيان، لهذا جاء العدوان الوحشي بهذه الصورة آخذاً طابعا دوليا في وحشيته، إذ لم يسبق أن شاهد العالم هذه الوحشية وهذا التكاتف الدولي ضد مجموعة مقاومين يناضلون من أجل وطنهم وحريتهم وكرامتهم واستقلال منذ أكثر من قرن من الزمن، فإذا ما تأملنا لسياق هذا العدوان نجد أن كل مبرراته تعكس مدى انحطاط النظام الدولي وأن (نظام التفاهة) هو النظام الذي يحكم ويتحكم بالعالم وبمصير شعوبهم خاصة إذا ما وقفنا أمام ما تسوقه واشنطن ولندن والغرب من مفاهيم تؤركس كل القيم والقوانين والأخلاقيات، والأركسة تعني قولبة الأشياء مثل ان يسير الشخص على يديه وليس على أقدامه والحيوان يسير على ظهره .!
وهذا يتمثل في إعطاء الاحتلال حق الدفاع عن النفس؟ ويصادر أصحاب هذا الرأي حق الشعب المحتل من الدفاع عن وطنه وشعبه وحريته ضد العدو المحتل..
تماما كما تفسر واشنطن ولندن الموقف اليمني الداعم للقضية الفلسطينية وهو الموقف الذي أربك الكيان وأربك داعميه وحلفاءه وكل دول وأنظمة المنطقة والعالم الذين لم يكن أحد منهم يتوقع أن يأتي الرد اليمني على العدوان بهذه الصورة والطريقة وفيما أكدت اليمن وتؤكد مرارا وتكرارا انها تستهدف السفن الصهيونية حصرا أو تلك التي تتعاون مع الكيان الصهيوني وتنقل إلى موانئه بضائع في الوقت الذي يحكم الحصار على قطاع غزة ويحرم الشعب الفلسطيني من أبسط مقومات الحياة، إذ لا كهربا ولا مياه ولا أدوية ولا أغذية ولا أي من متطلبات الحياة، ناهيكم عن ايغال العدو في تدمير كل شيء في القطاع، المشافي والمدارس والملاجئ وخزانات المياه، الطرقات والجوامع والكنائيس، ولم يعد ثمة مكان آمن في القطاع أو قابل للعيش فيه فيما أكثر من مليوني فلسطيني أصبحوا تائهين يعيشون في العراء، محرومين من أبسط الحقوق إلا حق وحيد وهو الموت بقنابل وصواريخ أمريكا الذكية، فيما هناك أكثر من مائة ألف عربي فلسطيني بين شهيد وجريح ومفقود وأكثر من 14 الف معتقل، ومع ذلك لا أحد يرى في هؤلاء بشرا يستحقون الحياة في وطنهم ويتباكون عن 140 أسيراً صهيونياً لدى المقاومة غالبيتهم من جنود الجيش المحتل يعيشون معززين ومكرمين لدى المقاومة.
فيما يتصل بالموقف اليمني راحت واشنطن ولندن يسوقان الأكاذيب عن استهداف اليمن الملاحة الدولية في محاولة منهما لحشد العالم ضد اليمن، فيما اليمن أكدت وتؤكد انها تستهدف فقط السفن الصهيونية والمتعاونة معها، وهذا يعطينا صورة نموذجية عن أمريكا الدولة المارقة التي تعد نموذج الانحطاط الأخلاقي والإنساني والتي تجسد بمواقفها هذه حقيقة انهيارها أو بداية الانهيار الذي تعيشه هذه الدولة وهو الانهيار الذي ألقى بظلاله على كيانها اللقيط الذي انتقلت إليه أزمة رعاته وخاصة واشنطن التي لو لم تكن تعيش ازمتها الوجودية والاجتماعية منذ آخر الانتخابات الرئاسية التي أوصلت الرئيس الحالي بايدن وما تبعتها من تداعيات اقتحام الكونجرس ثم الفوضى التي عمت البلاد وحرب أوكرانيا وقبلها الهروب من أفغانستان، أزمة ألقت بظلالها على الكيان اللقيط الذي ما كان له أن يواجه أزمات بحجم أزماته التي بدأت بأزمة التعديلات القضائية وصراع التجنحات وصولا لمعركة طوفان الأقصى التي دقت آخر مسمار في أساطير الكيان.
بيد أن محاولة أمريكا البحث عن ذرائع ترمم لها صورة الكيان وإن من خلال استعراض عضلاتها في البحر الأحمر تارة باسم حماية الملاحة الدولية وتارة بذريعة حماية امنها القومي، مع ان البحر الأحمر جزء من الأمن القومي اليمني لا الأمريكي والبريطاني، لكن الغطرسة التافهة التي تمارسها واشنطن في البحر الأحمر، هي ذاتها التي جعلت حق الدفاع عن النفس لقوى الاحتلال وليس لأصحاب الوطن المحتل..!
ولعمري فإن واشنطن ولندن تهدران بقايا خجل واحترام لهما كدولتين في البحر الأحمر، تماما كما أسقطت غزة آخر أوراق التوت التي كانت تستر النظام الدولي الحالي، ويمكن استنتاج هذه الحقائق المؤكدة على انحطاط النظام العالمي الذي تقوده واشنطن في مفردات قرار محكمة العدل الدولية التي جاءت رغم الترحيب بها مفردات مبهمة لم تجرؤ على طلب وقف اطلاق النار في غزة، بل طلبت من الجاني تقديم حيثياته خلال شهر وإن تحدثت عن مسؤولية الاحتلال في إدخال المساعدات، لكن القرار رغم سطحيته يعد الأول من نوعه الذي من شأنه أن يؤسس لقاعدة إجرامية للصهاينة.
ورغم أن وزير الخارجية الأمريكي اتصل بوزيرة خارجية جنوب أفريقيا، مترجيا أن لا تصاعد دولتها في الخطاب السياسي والإعلامي للترحيب بالقرار طبعا حفاظا على مشاعر الكيان الذي اعتبر القرار معادياً للسامية.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: واشنطن ولندن طوفان الأقصى البحر الأحمر المقاومة فی فی فلسطین أکثر من
إقرأ أيضاً:
الكيانُ الصهيوني التلميذُ البريطاني النجيب
د. فؤاد عبدالوهَّـاب الشامي
الجرائمُ التي يرتكبُها الكيانُ الصهيوني في غزةَ ولبنانَ لا يمكنُ للعقل أن يصدِّقَها أَو أن يتوقَّعَ الإنسانُ أن مثل تلك الجرائم يمكن أن تُرتكَبَ في القرن الحادي والعشرين، وكانت أُستاذة الكيان الصهيوني بريطانيا قد ارتكبت نفس الجرائم في حق الفلسطينيين في النصف الأول من القرن الماضي، ومن يعُدْ إلى التاريخ ويطلع على ما ارتكبته بريطانيا من جرائم أثناء احتلالها لفلسطين تمهيدًا لتسليمها للصهاينة يكتشفْ التشابُهَ الكبيرَ بين ما يرتكبه الكيان الصهيوني في غزة ولبنان وما ارتكبته بريطانيا في فلسطين في الماضي.
فعندما أصدرت بريطانيا وعد بلفور المشؤوم عام 1917م والذي قضى بمنح اليهود الصهاينة أرض فلسطين لم تكن قد استكملت سيطرتها على كافة الأراضي الفلسطينية، وبعد أن استكملت سيطرتها على كافة الأراضي الفلسطينية بدأت بتهيئة الظروف لاستقبال الهجرات اليهودية تنفيذًا لوعد بلفور، خَاصَّة وأن أعداد اليهود في فلسطين عام 1918م لم تتجاوز بضعة آلاف يهودي فقط، فبدأت بالتركيز على الأراضي التي رأت توطين اليهود فيها وعملت على مضايقة العرب الفلسطينيين؛ لإخراجهم منها، مستخدمةً في ذلك كُـلّ الوسائل الممكنة المشروعة وغير المشروعة؛ لإرغامهم على ترك مساكنهم وأراضيهم وتسهيل استيلاء الصهاينة عليها دون تدخل من القوى العربية أَو الأجنبية.
وما حدث في يافا خلال ثلاثينيات القرن الماضي مثالٌ صارخٌ على الإجرام البريطاني في حق الشعوب الأُخرى بشكل عام وفي حق الفلسطينيين بشكل خاص ودرس كبير تعلم منه الصهاينة التعامل مع الآخرين، وعندما نشاهد الخراب الحادث في غزة على يد الصهاينة نجد نفس الصورة حدثت في يافا؛ فقد كانت يافا مدينة فلسطينية تاريخية وكل زاوية فيها وكل مَعْلَمٍ يؤكّـد هذه الحقيقة.
ونظرًا لأَنَّ بريطانيا كانت تخطط أن تكون يافا عاصمة للكيان الصهيوني المزمع إنشاؤه مستقبلًا؛ فقد عملت على تدمير المدينة بشكل كامل، حَيثُ قامت بتدمير المنازل والمساجد والكنائس والأسواق والمعالم الأثرية وكل ما يدل على وجود فلسطيني في المدينة، وبنفس الطريقة التي تنفَّذُ حَـاليًّا في غزة من خلال إصدار إنذارات للسكان لتفريغ المنازل والأحياء ثم تأتي الطائرات البريطانية وتقصف الحي حتى استكملت تدمير كافة الأحياء.
الفارق بين الأمس واليوم أن السكان بالأمس كانوا يغادرون مدنهم على أمل العودة في المستقبل، واليوم يرفض السكان مغادرة مدنهم، وبعد ذلك بنى الصهاينة مدينة جديدة باسم جديد ومعالم جديدة على أنقاض المدينة القديمة، وهذا ما يرغب الصهاينة القيام به اليوم.