رمضان.. شهر التقوى والخلق القويم
تاريخ النشر: 21st, March 2024 GMT
إبراهيم سليم
أخبار ذات صلةشرع الله تعالى الصيام ليكتسب المؤمن صفة التقوى، والتقوى هي المقصد الأسمى من صيام شهر رمضان، والحرص على التحلي بالخلق الحسن، لتحقيق مقاصد الصيام، والصيام تدريب عملي على مراقبة الله تعالى، وقال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، (سورة البقرة: الآية 183).
وعن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»، (صحيح البخاري، 1903).
وقد شرع الله تعالى الصيام ليكتسب المؤمن صفة التقوى، وقد أرشد النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى بعض الأمور التي تحقق هذه المنزلة في نفس الصائم، فنهى عن سوء الخلق، وأمر بالصبر على المسيئين، وحث الصائم على تذكير نفسه بأنه صائم، وأن أي فعل من سباب أو فحش قد يفوت عليه ثمار صيامه، ففي الحديث: أن النبي، صلى الله عليه وسلم قال: «فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم».
وأشار إلى فئة من الناس ربما فعلوا هذه العبادة من غير تدرب لها، ولا طلب لمقاصدها، فتراهم صائمين عن الطعام والشراب، وهي أمور مباحة في غير وقت الصوم، ولكنهم لا يتورعون عن الأمور المحرمة، كالغيبة والنميمة والسباب والغضب وقول الزور وشهادة الزور. وينبغي للمسلم أن يبتعد عن سيئ الأخلاق ويتحلى بأحسنها ليبلغ ما أراده الله تعالى من الصيام والوصول إلى التقوى، ومن صفات المؤمنين، والصائمين، وخاصة ونحن في شهر رمضان، «الإعراض عن اللغو»، اللغو هو كل ما لا يجمل من القول والفعل، وقد جاء في وصف عباد الرحمن: (... وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً...)، سورة الفرقان: الآية 73». ونفى النبي، صلى الله عليه وسلم، عن المؤمن صفة الخوض في اللغو، فقال: «ليسَ المؤمنُ بالطَّعّانِ ولا اللَّعّانِ ولا الفاحشِ ولا البَذيءِ»، فلا ينبغي للعاقل أن يشغل سمعه وبصره ولبه وقلبه بما لا جدوى منه، ويَتَنَزَّهُ عنْ أنْ يصدُر منهُ ذلِك، وخاصةً في شهر رمضان المبارك فلا يضيعه فيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، قال صلى الله عليه وسلم: «وإذا كانَ يَوْمُ صَوْمِ أحَدِكُمْ فلا يَرْفُثْ ولا يَصْخَبْ».
وقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم أن الْإِعْرَاض عَنِ اللَّغْوِ يُثاب عليه المسلم مرتين ويضاعف له الأجر والثَّوَاب، قال سبحانه: (أُولَٰئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ)، «سورة القصص: الآية 54 - 55»، أَيْ: لَا يُخَالِطُونَ أَهْلَ اللغو وَلَا يُعَاشِرُونَهُمْ فإِذَا سَفه عَلَيْهِمْ سَفيه، وكلمهم بما لا يليق بهم الجواب عنه، أعرضوا عنه ولم يقابلوه بمثله من الكلام القبيح، ولا يصدر عنهم إلا كلام طيب.
ولنا في رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قدوة حسنة، فعن عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه أنه ذَكَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا»، وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: «اللهمَّ اهدني لأحسنِ الأعمالِ وأحسنِ الأخلاقِ لا يهدي لأحسنِها إلا أنتَ وقِني سَيِّئَ الأعمالِ وسَيِّئَ الأخلاقِ لا يقِي سيئَها إلا أنتَ»، وعلى المسلم أن يربأ بنفسه عنها، فلا يخوض في كلامٍ يعيبه، أو فعلٍ يشينه، وخاصةً في شهر رمضان، موسم الطاعة والغفران، فنقبل فيه على طاعة ربنا، وما فيه الخير لنا ولأسرنا ومجتمعنا، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: «وَاحْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ».
كل معروف صدقة
حث النبي صلى الله عليه وسلم على المعروف، والمعروف اسم جامع لكل ما ندب إليه الشرع من وجوه الإحسان وفعل الخير، وقد أمر الله بفعله، وحث عليه النبي، صلى الله عليه وسلم، ووعد فاعله بالثواب العظيم في الدنيا والآخرة، فينبغي على المؤمن ألّا يحقر من المعروف شيئًا، وأن يحرص على صنع المعروف وبذل الإحسان للناس.
يقول الله في محكم تنزيله: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا). يقول الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
وقد جعل الله صُنع المعروف صدقة لفاعله، قال رسول الله: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ»، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُه عَلَيْهَا، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَيُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ». وصور المعروف كثيرة وعديدة، فينبغي على المسلم أن ينافس فيها ويحرص عليها، كي ينال ثوابها وأجرها، وألّا يقلل من قيمة أي خيرٍ يفعله، فقد أوصى النبي أحد أصحابه فقال: «عَلَيْكَ بِاتِّقَاءِ اللَّهِ، وَلَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تُفْرِغَ لِلْمُسْتَسْقِي مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَائِهِ، أَوْ تُكَلِّمَ أَخَاكَ وَوَجْهُكَ مُنْبَسِطٌ»، وهي وصيته للنساء أيضاً، فقد قال: «يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ، لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا، وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ». أي: لا تستصغرنَّ شيئاً تقدمْنَهُ هبة أو هدية، فهو من المعروف الذي يُديم الودّ ويؤلف بين القلوب. ومن قدّم معروفاً في الدنيا أثابه الله به في الآخرة، قَالَ رسول الله: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ».
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: رمضان الصيام شهر رمضان صلى الله علیه وسلم الله تعالى شهر رمضان رسول الله
إقرأ أيضاً:
خالد الجندي: الأحاديث النبوية كُتبت فى عهد الرسول
قال الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، إن كلام النبي صلى الله عليه وسلم قيم وعظيم، وهو مصدر إلهام لنا جميعًا، مشيرا إلى أن التعبير في التشهد بقول «السلام عليك أيها النبي» هو استحضار لوجود النبي صلى الله عليه وسلم في حياتنا واعترافا بمعيته الدائمة لنا.
السنة والأحاديث دليل على وجود النبي بينناوأكد عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، خلال حلقة برنامج «لعلهم يفقهون»، المذاع على قناة «الناس»، أهمية السنة النبوية والأحاديث الصحيحة، مشددًا على أن إنكار السنة يعني إنكار معنى قوله تعالى «وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ»، وأن السنة والأحاديث هي دليل على وجود النبي صلى الله عليه وسلم بيننا.
وأوضح أن الأحاديث النبوي الشريفة كُتبت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان الصحابة يكتبون ما سمعوه من النبي بتوجيه منه، وهناك فرق بين التدوين والكتابة، مشيرًا إلى أن الكتابة هي نقل الكلام شفهيًا إلى النص المكتوب، أما التدوين فهو تصنيف وتنظيم الأحاديث في فصول متخصصة.
جمع الأحاديث في مجالات متنوعةواستعرض مراحل تدوين الأحاديث، حيث ذكر أن الصحابة كانوا يكتبون الأحاديث في مناسبات متعددة وبأماكن مختلفة، ثم جاء عهد عمر بن عبد العزيز الذي شهد أول عملية تدوين منظم للأحاديث النبوية، مضيفا أن الصحابة كانوا يحرصون على جمع الأحاديث في مجالات متنوعة مثل البيوع، والتركات، والمعاهدات، وكان لكل صحابي اهتمام خاص بتدوين الأحاديث المتعلقة بمختلف المواضيع.