كأس العُلا للهجن 2024.. تراثٍ عريق في قلب الواحة القديمة
تاريخ النشر: 20th, March 2024 GMT
العُلا- خالد بن مرضاح
أعلنت الهيئة الملكية لمحافظة العُلا عن إقامة النسخة الثانية من كأس العُلا للهجن التي ستُقام في الواحة القديمة في الفترة من 24 إلى 27 أبريل 2024. وتشكّل هذه البطولة التي تُنظّم بالتعاون مع الاتحاد السعودي للهجن، علامةً بارزة في عالم سباقات الهجن، مع سلسلةٍ من السباقات المذهلة التي تقدم مزيجاً فريداً بين الرياضة والتراث والترفيه.
تعكس البطولة المنتظرة طموحات العُلا الرياضية، حيث تجسد التكامل المميز بين التقاليد العريقة لسباقات الهجن والحداثة في تنظيمها، كما تُعزز مكانة المملكة العربية السعودية كمركز رائد للرياضات التراثية على مستوى العالم، ما يبشر بمستقبلٍ واعدٍ يحمل آفاقاً واسعة للنمو والتطور. تثري البطولة المُقامة في قرية مغيراء للرياضات التراثية، تجربة الزوار مع أروع الفعاليات والمنافسات على مدار أربعة أيام من الترفيه المتكامل. تشهد نسخة العام الجاري مشاركة نخبة من نجوم هذه الرياضة على مستوى المنطقة، احتفالًا بهذا الإرث التاريخي العريق. كما تضمن كأس العُلا للهجن جوائز نقدية كبيرة وكؤوس مرموقة تخلّد إنجازات الفائزين، ما يشجع على المشاركة ويرفع مستوى التنافسية لتحقيق أفضل النتائج. بدوره، قال رامي المعلم، نائب الرئيس لقطاع إدارة الوجهات السياحية والتسويق بالهيئة الملكية لمحافظة العُلا: ” تُبشر عودة كأس العُلا للهجن بحدثٍ مُنتظر يُلامس شغف المجتمع السعودي، باعتبارها تراثاً متأصلاً في ثقافتنا وتقاليدنا منذ القدم. وحققت النسخة الأولى من البطولة نجاحاً باهراً في العام الماضي، حيث سلطت الضوء على أهمية الهجن في الثقافة العربية بين الماضي والحاضر. تأتي النسخة الثانية من الكأس لتحتفي بهذا التراث العريق، الأمر الذي يؤكد فخر شعبنا وارتباطه العميق بجذوره الأصيلة”. تُقدم كأس العُلا للهجن تجربةً ثقافية ترفيهية استثنائية، تُعيد إحياء تقاليد سباقات الهجن العريقة في المملكة العربية السعودية والمنطقة. تروي البطولة أيضاً قصة هذه الرياضة التي يعود تاريخها إلى القرن السابع الميلادي، تسلط الضوء فيه على الدور البارز الذي تلعبه الإبل في ثقافة المجتمع السعودي؛ سواء في الماضي أو الحاضر؛ وذلك ضمن محيط العُلا الصحراوي بتفاصيله الساحرة. كما تتألق البطولة كواحدة من أبرز الفعاليات الرياضية ضمن جدول فعاليات لحظات العُلا، والتي عززت مكانة العُلا كوجهة متكاملة للتجارب الثقافية والرياضية عالمية المستوى. يعد هذا الحدث المرموق شهادة على التزام العلا المستمر بالحفاظ على التراث الثقافي، مما يضمن بقاء نسيج تراثها الغني نابضًا بالحياة وملائمًا للأجيال القادمة. من خلال تنشيط مشهدها الثقافي في هذه الفعاليات، تعزز العلا مكانتها كوجهة فريدة يلتقي فيها إرث الماضي وابتكار المستقبل، لتقدم نموذجًا للتكامل بين التراث والحداثة. وسيتم الإعلان عن مزيد من التفاصيل المتعلقة بكأس العُلا للهجن قريباً، بما في ذلك جدول السباق والأنشطة المُرافقة للبطولة. لمزيد من المعلومات، يرجى زيارة الموقع الإلكتروني.
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: العلا عام الابل 2024 كأس العلا للهجن سباقات الهجن
إقرأ أيضاً:
طبيب مصري مهاجر يعيد إحياء تراث الشيفتشي في قلب القاهرة
قبل نحو قرن من الزمان، استقرت عائلة قسيسية في القاهرة القديمة، حيث أسست مصنع "قسيسية للزيوت والصابون"، الذي كان الأشهر في المدينة قبل حركة يوليو/تموز 1952 وبعدها. تعود جذور العائلة إلى فلسطين وبلاد الشام، حيث اشتهرت بصناعة الصابون، لكن أحد أبنائها قرر أن يبدأ فصلا جديدا في مصر، فانطلق من حي الجمالية، حيث تأسس أول مصنع للعائلة، وسرعان ما توسعت الأعمال وازدهرت الاستثمارات.
بَيد أن التأميم غيَّر المسار، فعادت العائلة إلى نقطة البداية، ولم يَبق من إرثها الصناعي سوى مصنع "شارع النحاسين"، الذي شكَّل حجر الأساس لانطلاقة جديدة، لكنها لم تدم طويلًا. مع مطلع الثمانينيات، اختار جيل الأحفاد مغادرة القاهرة، وتفرق أفراد العائلة في أنحاء العالم. من بينهم شاب خرج من النحاسين في مطلع العشرينيات من عمره، ليستقر في كندا، حيث درس وتخصص في الطب.
لكن بعد 4 عقود، يعود إبراهيم قسيسية إلى حيث بدأت الحكاية، إلى حي النحاسين، حيث مصنع العائلة الذي تحول مع الزمن إلى "مقلب قمامة"، ليعيد إليه الحياة، ويُحوله إلى مركز الجمالية للحرف اليدوية والتراث.
في مطلع عام 2020، قرر قسيسية العودة إلى مصر، مدفوعًا بحنين لم ينقطع إلى الأرض التي شهدت طفولته ومطلع شبابه. لكن الزمن لم يترك أثره عليه فحسب، بل غيَّر أيضًا ملامح القاهرة التي يعرفها، إذ وجد نفسه أمام مدينة مختلفة عن تلك التي تركها وراءه.
لم تقتصر التغيرات على الجمالية، بل شملت شوارعها، أزقتها، وأهلها، حتى إنه وصفها في حديثه لـ"الجزيرة نت" قائلًا "لو خرج نجيب محفوظ من قبره ليعاود السير بين شوارع ثلاثيته القديمة… لوقع ميتًا مرة أخرى".
إعلانورغم القبح الذي طغى على كل شيء، لم تفتر عزيمة الطبيب المهاجر، فقرر أن يعيد إحياء تراث أجداده، ويستعيد المصنع القديم، ليعيد معه روح الجمالية كما استقرت في مخيلته على مدار 40 عامًا.
إحياء التراثعلى مدار شهر كامل، كان الهدف الأول لقسيسية هو التخلص من أكوام المخلفات التي تراكمت لعقود في مصنع الصابون. بـ3 ورديات يومية، انطلق العمل بلا توقف، حتى انتهت المرحلة الأولى، ليبدأ بعدها مشروع إعادة الروح القديمة للمكان دون المساس بجوهره. أعاد المصنع إلى سيرته الأولى، ملتزمًا بتصميمه المعماري الأصلي، مستلهمًا ألوانه ونقوشه من روح الجمالية القديمة. لكن هذه المرة، لم يكن المصنع مخصصًا لإنتاج الصابون، بل لإحياء تراث شارع النحاسين، حيث اشتهرت الورش قديمًا بتشكيل النحاس وطرقه، من خام معدني بسيط إلى تحف فنية متنوعة.
رحلة عبر الزمنما إن تخطو داخل مركز الجمالية للحرف التراثية، حتى تجد نفسك وكأنك عدت إلى 5 عقود مضت. يبدأ الاستقبال بلمسة أصيلة: فرد أمن يرتدي جلبابًا وطربوشًا، مستوحى من أزياء الأربعينيات، إلى جانبه هاتف أسود قديم، يحاكي الهواتف الأثرية في حقبة ما قبل التكنولوجيا الحديثة. ومن هنا، تبدأ الرحلة داخل المكان، حيث تنتشر ورش الحرف التراثية، لكل منها بصمتها الخاصة، وقد حرص الطبيب الستيني على اختيار أفضل من تبقى من الحرفيين الأصليين، حفاظًا على أصالة الفن وإرث الجمالية العريق.
سيد إمام آخر صناع الشيفتشي في مصرعلى مدار 63 عامًا، ظل عم سيد إمام مخلصًا لحرفته، "الشيفتشي"، التي تعلمها في طفولته على يد الحرفيين الأجانب الذين كانوا يقيمون في الجمالية قديمًا. يتذكر بوضوح تلك الأيام، حين كان في الـ12 من عمره، وكيف وهبته الحياة فرصة ذهبية للتعلم على يد من يصفهم بـ"أسطوات الشغلانة".
فن الشيفتشي.. إرث لا يجيده إلا أهل النحاسيناختص عم سيد في فن "الشيفتشي"، الذي يعني في اللغة التركية كل ما يشفّ ويصف، سواء في المعادن أو الأقمشة. غير أن هذا الاسم العثماني لم يمنح الأتراك تفوقًا في المهنة، كما يوضح عم سيد في حديثه لـ"الجزيرة نت": "سافرت إلى بلاد كثيرة من أجل الشيفتشي؛ العراق، الأردن، لبنان، قبرص، اليونان، وحتى تركيا، حيث قضيت هناك 3 شهور أعمل بخامات تركية، لكنني كنت أقدم لهم شيفتشيا مصريا أصيلا لا يتقنه سوى أهل النحاسين، وأنا آخرهم".
إعلان مركز الجمالية قبلة الحياة لحرفة أوشكت على الاندثاركان "مركز الجمالية للحرف التراثية" حلمًا بعيد المنال في ذهن عم سيد، الذي كان يخشى أن تموت الحرفة بوفاته، بعدما غابت الأجيال الجديدة عن تعلمها. لكن المركز فتح أبوابه لاستقبال متعلمين جدد، يأتون بكامل إرادتهم، لاكتساب مهارات هذه المهنة حتى الاحتراف.
يقول عم سيد بأسى "الدكتور إبراهيم منح حرفة الشيفتشي، والعديد من الحرف الأخرى، قبلة الحياة.. كان من المفترض أن تهتم الدولة بهذه المهن التراثية، لكن للأسف، لم يلتفت إليها أحد".
شغف يتجاوز حدود مصرلم يتوقف دور المركز عند إحياء الحرفة فقط، بل أصبح وجهة تعليمية لطلاب المدارس الصناعية، الذين يحصلون على دورات متخصصة في تشكيل النحاس والفضة والذهب. ولم يقتصر الإقبال على المصريين، فقد جذب المركز طلابًا من الإمارات، السعودية، وألمانيا، جاؤوا بشغف حقيقي لتعلم هذه المهنة النادرة، ليس لمجرد العمل، بل كهواية مختلفة تحمل عبق التاريخ وروح الإبداع.
عند وضع التصميم لمركز الحرف، قرر الدكتور إبراهيم، أن يضع لكل حرفة تراثية ورشة خاصة، تحمل كل منها تعريفا باسم حرفيها، ومهاراتهم وجزء منها يعرض لمنتجاتها، باللغة العربية والإنجليزية، فكانت ورشة مسعد للنحاسيات، ورشة البرنس للأخشاب، ورشة عم جابر للسجاد اليدوي.
تتشارك الورش الثلاث في أنها لآخر رجال المهنة، وأنهم أكثر أهلها مهارة وقدرة على صناعة قطعة مختلفة ومميزة، ففي ورشة السجاد، يحرص عم جابر على عرض أهم سجادة لديه قائلا "لولا عملي في مركز الجمالية لم أكن أستطيع التفرغ لعمل هذه السجادة، في ضمان راتبي الذي يكفيني ويكفي احتياجات أسرتي، هو ما جعل التفرغ لقطعة واحدة أمرا مقبولا، أما لو كنت أعمل وحدي كما السابق، كنت سأضطر لعمل المنتجات الرخيصة سريعة البيع، يتراوح سعر السجاد اليدوي في ورشة جابر من 500 إلى 5 آلاف جنيه، وربما أكثر بحسب الخامة المستخدمة: "أنا بشتغل في الصوف والخيط القطيفة، وبنشتغل هنا على النول الأصلي، والمركز أتاح لي فرصة أني أترك أثر في حرفتي وأدرب آخرين يكملون بعدي ما تعلمته ممن سبقوني.
إعلانأما البرنس، الشاب الأربعيني، الذي يعمل منذ 30 عاما في تشكيل الأخشاب، فقد جاء انضمامه للمركز مصادفة، بعد لقائه بالدكتور، وهو يمر في ورش السبح والأخشاب، وفتح له بابا لم يكن يعلم أنه سيفتح: "الدكتور إبراهيم أعاد لي الشعور بأهمية ما أفعله، رغم أن البعض يقلل من أهمية الحرف اليدوية ويراها بلا مستقبل".
تجهيز الأخشاب وتوطئتها للعمل عليها سواء كعصا أو أي أشكال أخرى"، يحكي البرنس أنه مهمة شاقة يقوم عليها أكثر من عامل في الورش التقليدية، إلا أن المركز وراتبه المستقر، أتاح له الوقت المفتوح لتجهيز كل قطعة على حدة، وإخراجها في أفضل صورة.
لا تزال أحلام الدكتور إبراهيم قسيسية للجمالية لم تنتهِ، رغم كل الروتين الحكومي والتعقيدات، وكل محاولات إيقاف ذلك الحلم، إلا أنه لا يزال مستمرا.