وزير الثقافة: الثقافة الإماراتية تتجلى في المحافل الدولية
تاريخ النشر: 20th, March 2024 GMT
أكد معالي الشيخ سالم بن خالد القاسمي وزير الثقافة على أهمية العمل الثقافي في دولة الإمارات العربية المتحدة انطلاقا من الايمان بدور الثقافة المحوري في بناء المجتمع ونهضته وتعزيز التواصل والتعاون مع شعوب العالم، وترسيخ القيم الإنسانية والاجتماعية التي ترتقي بالإنسان، وتسهم في رفعته وتطوره فيما تمثل اللغة والآداب وعلى رأسها الشعر ركيزة أساسية في الثقافة الإماراتية.
وقال معاليه بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للشعر، “يحتل الشعر مكانة كبيرة بين الفنون الأدبية الأخرى، خاصة في اللغة العربية، فهو الفن الأدبي الأصيل النابع منها، ما جعل دوره كبيراً بين العرب قديماً وحديثاً للتعبير عما يجول في أذهانهم ويحكي تاريخهم، وهو الوعاء الذي سجل وحمل قيمهم وفخرهم وعزتهم.
وأضاف : كان الشعر العربي مصدراً للمعرفة، والفكر، والحكمة ومرجعا يسهم في فهم لغة القرآن والحديث النبوي الشريف ومن الوظائف الهامة للشعر تهذيب النفوس وتحفيزها على الأخلاق الحميدة، وهو أفضل وسيلة لحفظ اللغة، وتفصيح اللسان، ومنه تُتَّخَذ الشّواهد والأمثال.
وذكر انه ولطالما شكّل الشعر حجر أساس في الثقافة العربية، وذلك لكونه لسان حال مبدعيه والأداة التي عبّروا من خلالها عن أفكارهم وقضاياهم وتطلّعاتهم، وبفضل هذه الثقافة أوصلوا تاريخهم الأدبي الحافل إلى كل مكان وحضارة، ووثّقوا من خلالها بلاغة وجماليات اللغة العربية على مرّ العقود والأزمان.
ولفت معاليه بأنه ومع جمال وتفرد لغتنا وأساليبها، تكمن صعوبة ترجمة الشعر منها إلى لغات العالم المختلفة، ولكن موروثه الثري يظهر في ابداع الفنانين من مختلف المجالات، كما يظهر في خلفية أعمال الفنان التشكيلي عبد الله السعدي الذي تم اختياره لتمثيل دولة الإمارات في الدورة الـ60 من المعرض الدولي للفنون في بينالي البندقية 2024. حيث يستطيع السعدي بموهبته الفريدة نقل جمالية الشعر العربي عبر فنه المميز من الرسم والتشكيل التعبيري والنحت وعروض الأداء والتصوير الفوتوغرافي إلى العالم أجمع.
وأشار معاليه إلى أن الشعر العربي يتميز ببنائه الفريد وسحره، فلغتنا زاخرة بالكثير من المعاني، فهي لغة ثرية، ولا يكفي أن نقول إن الأمم المتحدة اعتبرتها لغة أساسية في منابرها، وكرست يوم الثامن عشر من كانون الأول يوماً عالمياً للاحتفاء بها، لأنها، حقيقةً، تنفرد بجماليات لا تضاهيها أي جماليات في لغات أخرى، أو على الأقل هي واحدة من أجمل اللغات في العالم.
وقال معاليه إنه وإذ نحتفي في دولة الإمارات العربية المتحدة بجمال اللغة العربية، ليس فقط كلغة نمارسها من خلال التلاوة والقراءة ولكن أيضًا كشكل من أشكال التعبير ذي الجمال البصري الذي نشهده من خلال الخط والزخرفة. حيث أطلقت وزارة الثقافة منذ عام 2004، جائزة البردة، وهي منصة متعددة التخصصات مكرسة لعرض جوانب متنوعة من الفنون والثقافة الإسلامية من خلال تعزيز الإبداع والتجريب بالأشكال التعبيرية التقليدية ومد الجسور بين الماضي والحاضر والمستقبل. ومن خلال جائزة البردة، نسلط الضوء على أحد أغنى وأكثر أشكال الفن الإسلامي تنوعًا، وهو الخط العربي حيث يقدم هذا الفن تقديراً للغة العربية ويعبر عن الارتباط العميق بها، ليس فقط كوسيلة للتواصل، ولكن كوسيلة للتعبير الروحي. كما تكرم جائزة البردة أعمال العديد من الفنانين حول العالم في مجال الخط الكلاسيكي والمعاصر، حيث تحتضن التقاليد ولكنها تسمح أيضاً بالتحول إلى ما هو حديث.
واضاف أن ثقافتنا الإماراتية تتجلى في المحافل الدولية ومنها جناح دولة الإمارات في المعرض الدولي للفنون بالبندقية، وسنواصل دعم المبدعين من أبناء الإمارات ليكونوا سفراء في مد جسور التواصل الثقافي والإبداعي مع نظرائهم من مختلف أنحاء العالم وبما ينسجم مع رؤية الإمارات ورسالتها… مشيرا إلى أن تمكين الجيل القادم من المبدعين، يتيح لنا بناء جسور التواصل مع الثقافات المختلفة ويوفر أرضًا خصبة للإبداع والاحتفاء بالتنوع الثقافي البنّاء في المجالات ذات الصلة بالإبداع الأدبي والفني.
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
سعود الحوسني يكتب: أدبنا العربي مرآة هويتنا وذاكرتنا الحية
الأدب مرآة هوية الشعوب وذاكرتها الحية عبر العصور، وهو العصب الذي يربط ما بينها ليشكّل نسيجنا الثقافي وامتدادنا الإنساني حول الكون. وقد كان للأدب منذ آلاف السنين الدور الأساسي في حياتنا، إذ ساعدنا على فهم العالم من حولنا بشكل أفضل، وتحديد موقعنا ومكانتنا ورسالتنا في هذا العالم. في موازاة ذلك، كانت الأعمال الأدبية المتميّزة وموضوعاتها المتنوّعة، من الدين والفلسفة إلى العلم والشعر، علامات اجتماعية وثقافية فارقة في تطوّر البشرية.
وعلى امتداد العالم العربي، احتلّ الأدب واللغة، ولا يزالان، مكانةً مرموقة في تاريخنا وثقافتنا. فخلال العصور الإسلامية من صدر الإسلام وصولاً إلى العصرين الأموي والعباسي حتى المملوكي، أسهَمَ الأدب العربي في ارتقاء المعرفة وتعزيز التطوّر. ولم يقتصر الأمر على قيام العلماء العرب بحفظ ما نقلوه عن مفكري اليونان وعلمائها وأدبائها القدماء، وحفظوه للعالم عبر أوروبا وروح البحث العلمي التي حفّزوها هناك، بل تمكنّت كذلك أعمال روّاد الأدب والفكر، مثل ابن رشد وابن سينا والكندي والخوارزمي، من الدفع بالحضارة إلى آفاق معرفية جديدة.
واليوم، يشكّلُ الأدب عنصراً مؤثراً في تشكيل هويّتنا الثقافية حول العالم. وفي دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، نتمسّك بهذه القيمة الهامة والملهمة لهويتنا، من خلال اعتماد الأدب العربي وسيلةً لإثراء الحياة وتسهيل التبادل الثقافي. ونقوم بذلك من خلال برامج وفعاليات عديدة أبرزها معرض أبوظبي الدولي للكتاب، من تنظيم مركز أبوظبي للّغة العربية التابع للدائرة.
وإننا ندركُ ما لهذا المعرض الهام، إلى جانب فعالياتنا الثقافية والقرائية العديدة، من دور في تعزيز القراءة ثقافةً يوميةً راسخة لأفراد مجتمعنا الإماراتي، وقد أتاح معرض أبوظبي الدولي للكتاب ومهرجان العين للكتاب 2024 فرصاً ثمينة أمام هواة القراءة للتعمّق في سبر أغوار الأدب العربي وكنوزه وروائعه. وكان هذان الحدثان استضافا في العام الماضي 308 آلاف زائر، بينهم عدد كبير من الوفود المدرسية، علماً بأنّ دراسة لوزارة الثقافة أجريت في عام 2021 ذكرت أنّ 40 في المئة من المواطنين والمقيمين في أبوظبي يشترون كتبهم وسائر المطبوعات التي يقرؤونها من معارض الكتب التابعة لدائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي.
وعبر احتضان اللغة العربية، يمكن لمعارض الكتب أن ترسّخ هويّتنا العربية، وتجمع بعض أبرز الكتّاب والمفكّرين في المنطقة لعقد ملتقياتهم التي تثري حوارنا الثقافي. فاللغة العربية لغة جميلة نابضة بالحياة، استمرّت ونمت واغتنت من خلال لهجاتها المتعدّدة وآدابها. كما أنّها غنيّة بالمفردات والمعاني. ورغم ذلك، لا تعتبر اللغة العربية ممثلة بشكل كافٍ في الحوارات العالمية والمحتوى الدولي، إذ يعتمدها أقل من 1 في المئة من المواقع الإلكترونية حول العالم، فيما يشكّل المتحدّثون بها نحو 3.4 في المئة من سكّان المعمورة.
وبناءً عليه، من الضرورة بمكان أن نتشارك أخبارنا وقصصنا مع سائر العالم بلغتنا، وذلك حتى يكون لدى هؤلاء فهم أعمق لحضارتنا وثقافتنا العربية. ومن هذا المنطلق، أخذت دولة الإمارات العربية المتحدة على عاتقها مهمّة الحفاظ على الأنماط التقليدية في التعبير ودعم ابتكار أنماط جديدة أيضاً من خلال المستجدات غير المسبوقة من الأدوات والتقنيات مثل الذكاء الاصطناعي.
وكما ذكر الدكتور علي بن تميم، رئيس مركز أبوظبي للغة العربية، في كلمته أمام المؤتمر الدولي للنشر العربي والصناعات الإبداعية الذي عقد في أبوظبي نهاية شهر أبريل المنصرم، فإنّ الأدب يعبّر عن «سرديّة التراث العربي القائمة على احترام الآخرين والتفاعل معهم». فهذه القيم تمنح الأدب القوّة وتجعله جسراً ثقافياً، كما كان عليه خلال عصره الذهبي.
فحتّى اليوم، ما زلنا نستمدّ الإلهام من كنوز أدبنا وتاريخه المشرق، بروائعه العديدة مثل «كليلة ودمنة»، أحد كتبي المفضّلة، والذي يتصدّر معروضات حدث يستضيفه متحف اللوفر أبوظبي حالياً تحت عنوان: «من كليلة ودمنة إلى لافونتين: جولة بين الحكايات والحكم».
وكما هو معلوم، الخرافة تلهم الشخصيّة. فإحدى المعروضات التذكارية الملفتة في متحف اللوفر أبوظبي تقول: «ما الخرافة؟ إنها حكاية صغيرة تخبرك من أنت». وعندما يصل الإحساس بالشخصية من خلال مقولة «من أنت» إلى عدد كافٍ من الأفراد، فإنّه بذلك يلعب دوراً في تعزيز الهويّة الثقافية وفهم قيمها وأبعادها.
لهذا السبب تمنح دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي قيمة عالية لمكتباتها في الإمارة. ففي وقت ينظر فيه معظم الناس إلى القراءة في المكتبات على أنها عادة قديمة، يستثمر العالم العربي في المكتبات بوصفها مراكز للمجتمع والمعرفة. وقد استقبلت الفروع الخمسة لمكتباتنا عدداً هائلاً من الزوار بلغ 164.553 زائراً خلال العام الماضي. وهي تحتوي على 306.492 كتاباً، بما فيها 30.099 كتاباً حول دولة الإمارات العربية المتحدة ومنطقة الخليج العربي.
وخير مثال على جهود «مكتبة» المتواصلة مسابقة «الكاتب الصغير في الكتاب الكبير»، التي تدعو الطلاب لكتابة قصص حول موضوع معين، ويجرى جمع ونشر أفضل المشاركات. وعلى سبيل المثال، كان موضوع المسابقة في عام 2020 معرض «إكسبو 2020». وضمّت المشاركات الفائزة واحدة تقدّمت بها تلميذة في الصف الثامن، التي وصفت فيها زيارة إحدى الطالبات إلى «إكسبو 2020»، ما أطلق العنان لشعور الانتماء الوطني لديها، ودفع جدّتها إلى مشاركة قصص عن تاريخ الدولة وإنجازاتها، من استخدامات سعف النخيل إلى حكايات البحّارة الشجعان.
ربما يأتي يوم يقدّم لنا فيه أحد مؤلفي «الكاتب الصغير في الكتاب الكبير» مجموعة أخرى من طراز «كليلة ودمنة»، أو ينتج كتاباً يستحقّ العرض والبيع في معارضنا، أو يفوز بإحدى جوائزنا الأدبية العريقة. ومن خلال ذلك وحده، سيحافظ هؤلاء الكتّاب المبدعون الجدد، على تراث لغتنا كقوّة دافعة لتشكيل هويّتنا الثقافية والحفاظ على أدبنا آمناً لأجيال عديدة آتية.
وكيل دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي