دراما عائلية ومغامرات اجتماعية نسوية في “دار النسا”
تاريخ النشر: 20th, March 2024 GMT
متابعة بتجــرد: تدور أحداث مسلسل “دار نسا” للمخرجة سامية أقريو حول الأرملة “أمينة” التي تعيش حياتها اليومية مع أبنائها الثلاثة ووالدتها، ويدفعها الطموح لافتتاح مدرسة الطبخ الخاصة بها من أجل توفير احتياجات أسرتها، بينما خروج صديقتها “بهيجة” من السجن بعد قضاء فترة عقوبة، يؤدي إلى فتح ملفات الماضي الذي ظنت “أمينة” أنها دفنته.
العمل الدرامي من سيناريو سامية أقريو، ونورا الصقلي، وجواد لحلو، وبطولة كل من نورا الصقلي، فاطمة الزهراء قنبوع، إبتسام العروسي، مريم الزعيمي، ربيع الصقلي، ياسين أحجام، سعد موفق، وأمين الناجي، والمهدي فولان.
يقدم السيناريو قصة “أمينة” التي تؤدي دورها الممثلة نورة الصقلي، امرأة في منتصف العمر، تعيش حياة بسيطة ومتواضعة، تعمل بجد لتحسن مستوى معيشتها، إذ تفكر في افتتاح مدرسة للطبخ خاصة بها، ترى في ذلك فرصة لتحقيق دخل إضافي لتلبية احتياجات أسرتها، كما تعمل جاهدة على تنفيذ هذا الهدف رغم الصعوبات والتحديات التي تواجهها في حياتها.
تتعرض “أمينة” لموقف مفاجئ عندما تعود صديقتها القديمة “بهيجة” التي تؤدي دورها الممثلة ابتسام لعروسي إلى الحي بعد قضاء فترة عقوبة في السجن، مما يجعل الأحداث تنقلب رأسًا على عقب، حيث تفتح معها ملفات الماضي التي كانت “أمينة” تظن أنها نسيته، ومن بينها ملف جثة زوجها “سلام” الذي أدى دوره الممثل أمين الناجي بدقة، والذي كان يمارس اعتداءات عليها وعلى أمها وابنتها، وتوفى إثر ضربة على رأسه من “أمينة” وهي تحاول أن تدافع عن صديقتها “بهيجة”.
تكتشف “أمينة” أن “بهيجة” بعد خروجها من السجن تحمل أسرارًا قديمة، بعضها متعلق بعلاقاتهما السرية في الماضي، فتتوالى الأحداث بشكل درامي وتكشف الأسرار ويتم التصادم بين ماضيهما وحاضرهما، إذ تهدف حبكة السيناريو إلى تعميق مفهوم الصداقة، وتلقي الضوء على تتأثر العلاقات الإنسانية بماضي الأفراد وقراراتهم السابقة، وكيفية التعامل مع تلك التحديات بشكل بناء لتحقيق النمو الشخصي والتقدم.
تزداد التوترات والصراعات بين “أمينة” و”بهيجة”، عندما تدخل “كنزة” التي تؤدي دورها الممثلة ندى بالقاسمي على الخط، وهي فتاة تكشف سر جثة “سلام” زوج “أمينة” عندما يحاولان إخفائها، ولكن تكتشف أن “كنزة” بدورها فارة من عائلتها لأنها حامل بطفل غير شرعي، ويريدون منها إجهاضه وتزويجها بالقوة، وهذا يصعد من إيقاع الأحداث تشويقا، حيث تتعقد العلاقات بينهما وتبرز الخيبات التي عاشتها هؤلاء النسوة في الماضي.
يتميز أداء مريم الزعيمي في شخصية “الزازية” بقدرتها على إبراز الجانب النكدي بطريقة ملموسة ومؤثرة، في التراكيب النفسية والعواطف الداخلية، مما يضفي على الدور جوا من الواقعية، كما أتقنت في نفس الوقت دور السيدة الطيبة، وهذا يجعل الجمهور يشعر بالتعاطف والانسجام مع هذه الجوانب الإيجابية في شخصية “الزازية”، مما يبرز مهاراتها في تجسيد التناقضات والتباينات الإنسانية.
أما أداء الممثلة نورة الصقلي في دور “أمينة”، فهو يتميز بتجسيد مجموعة من الجوانب المعقدة، حيث تستعرض بثقة وقوة القدرة النسوية التي تسعى لتحقيق حلمها بإنشاء مدرسة للحلويات من جهة، وتجسيد الحب والرعاية التي تشعر بها نحو عائلتها من جهة أخرى، كما يعكس أداءها الحساس والمؤثر جانباً آخر يكمن في تجسيد “أمينة” دور السيدة الخائفة والمتوترة بسبب الظروف الصعبة التي عاشتها مع زوجها السابق، حيث تستطيع توجيه التعبيرات الصادقة واللغة الجسدية الدقيقة لتعكس تلك المشاعر الداخلية المضطربة والخوف من تكرار أخطاء الماضي.
بالنسبة لأداء الممثلة ندى بلقاسمي في دور “كنزة”، يفتقر إلى التعبير العاطفي اللازم والتنوع في التعبيرات الوجهية واللغة الجسدية، مما جعله باهتًا وغير مقنع، إذ أنها لم تستطع نقل تعقيدات الشخصية والمشاعر الداخلية التي تواجهها “كنزة” بشكل كاف.
أظن أن المنتج والممثل محمد الكغاط يستحق التفاتة وفرص أكثر للظهور، حيث تظهر على ملامحه شخصية وازنة في تمثيل مشهد ضابط الشرطة الممتاز، فهو ابن الممثل القدير عز العرب الكغاط، وله مميزاته وسماته التي قد تسمح له بإبراز موهبته التمثيلية.
يعتبر المكياج في مسلسل “دار النساء” مكلفا وفاضحا، إذ شكل مصدراً للانتقادات والجدل بين المشاهدين والمتابعين، حيث تبرز ملامح وجه الشخصيات مثل “الزازية” و”أمينة” استخداماً مبالغاً فيه في المكياج وتقنيات التجميل، وهذا الأمر يسبب انحرافاً عن الطبيعية ويخلق صورة غير واقعية، مما قد يؤدي إلى فقدان الجمهور سبل التواصل مع الشخصيات وعدم الاستمتاع بالاحداث القادمة، فمن المهم أن يكون المكياج متناسبًا مع طبيعة الشخصيات والمواقف في العمل الفني، لأنه يساهم في بناء الشخصية بدلاً من أن يكون عاملاً يشوش على تركيز المشاهدين ويبعدهم عن التواصل الفعال مع الأبطال.
رغم أن الكاميرا المتحركة استُخدمت بشكل واسع في مسلسل “دار النساء”، إلا أن هذا الاستخدام لم يكن دائمًا مناسبًا أو ملائمًا، خاصة في بعض اللقطات التي كانت تتطلب الكاميرا الثابتة لتوفير أفضل جودة للصورة، فالتركيز المفرط على حركة الكاميرا قد يؤدي إلى تشتت انتباه المشاهدين عن الأحداث الرئيسية ويُخلق شعورًا بالاضطراب أوعدم الاستقرار، فعلى سبيل المثال، في المشاهد التي تجري داخل منزل “أمينة” أو في الأزقة الضيقة، كان استخدام الكاميرا المتحركة يُسبب حركة زائدة وغير ملائمة للبيئة الضيقة والمحيطة بالشخصيات، إذ أنه يُشتت التركيز ويُشوش على التفاصيل الهامة في المشهد، مما يُقلل من فعالية السرد البصري والتواصل الفعَّال مع الجمهور.
main 2024-03-20 Bitajarodالمصدر: بتجرد
إقرأ أيضاً:
تحليل الأعمال الفنية التي تتناول موضوعات الذاكرة والنسيان: تداخل بين الماضي والحاضر
في عالم الفن المعاصر، تتكرر بشكل لافت الأعمال الفنية التي تتناول موضوعات الذاكرة والنسيان، حيث يتم استكشاف هذه القضايا ليس فقط من منظور نفسي ولكن أيضًا من خلال التفاعل مع التاريخ والثقافة والهويات الجماعية والفردية. من خلال هذه الأعمال، يُطرح جريدة وموقع الفجر في هذا المقال السؤال الأكثر إثارة للجدل: هل الفن قادر على "استرجاع" الذاكرة بشكل دقيق، أم أنه في الواقع يعيد تشكيل الماضي عبر الأبعاد الإبداعية للنسيان؟
الأعمال الفنية التي تتناول الذاكرة والنسيان تثير الجدل في العديد من الأوساط الثقافية والفكرية. فالبعض يرى أن الفن يستطيع أن يعيد الحياة للذكريات ويمنحها شكلاً ملموساً، في حين يرى آخرون أن هذه الأعمال لا تسعى إلا لإخفاء أو تشويه الحقيقة، خاصة عندما تكون الذاكرة الجماعية للثقافات مليئة بالصراعات السياسية أو التاريخية التي لم يتم حلها بعد. قد تثير بعض الأعمال الفنية غضب جمهورها لأنها تقدم سرديات بديلة عن تلك التي يتم تعليمها في المدارس أو تنقل روايات تاريخية مشوهة.
من الأمثلة البارزة على هذا الاتجاه، يمكن الإشارة إلى الأعمال التي تركز على أحداث الذاكرة الجماعية، مثل الحروب أو الكوارث الطبيعية. هذه الأعمال لا تقتصر على مجرد إعادة سرد التاريخ، بل هي غالبًا ما تطرح تساؤلات حول كيفية تأثير الذاكرة على تشكيل الهويات الثقافية والسياسية، وكيف يمكن للأفراد والمجتمعات أن ينسوا أو يختاروا أن يتذكروا. الفن هنا يتحول إلى أداة لإعادة تقييم ما يتم "نيسانه" عمداً أو ما يتم "استعادته" من خلال الغموض والتلاعب البصري.
لكن السؤال الأكبر الذي يثيره هذا النوع من الفن هو: هل يُعد النسيان عملية ضرورية للحفاظ على الصحة النفسية، أم أنه مجرد آلية دفاعية تؤدي إلى مسح الأثر الفعلي للماضي؟ هذه الأسئلة تزداد تعقيداً في الأعمال التي تتلاعب بالزمن والذاكرة باستخدام التقنيات الحديثة مثل الفيديو والتركيب، حيث يتم عرض الماضي بطرق غير خطية وغير تقليدية. بهذه الطريقة، يطرح الفنانون معضلة فلسفية: هل الذاكرة تتحكم بنا، أم أننا نحن من نتحكم في كيفية تذكرنا للأشياء؟
وفي سياق آخر، يتعامل بعض الفنانين مع مفهوم النسيان كعملية من عمليات التطهير الثقافي أو الشخصي. ربما يكون النسيان في هذه الحالة نوعاً من الحرية، من دون التعلق بالذكريات السلبية أو المحزنة. ولكن، وعلى النقيض، يرى بعض النقاد أن هذه الفكرة قد تكون خطراً يهدد الذاكرة التاريخية للأمم والشعوب. في هذه النقاشات، نجد أن الفن لا يقدم إجابات، بل يفتح المجال لتساؤلات مستمرة حول ما يجب تذكره وما يجب نسيانه.
أحد الجوانب الأكثر إثارة للجدل في هذه الأعمال هو استخدام الذاكرة الجماعية في سياقات اجتماعية وسياسية. في بعض الأحيان، يتم تقديم أعمال فنية تحاول إعادة كتابة التاريخ عبر تفسيرات فنية خاصة، مثلما يحدث في بعض البلدان التي تشهد صراعات عرقية أو دينية. في هذا السياق، يمكن أن تكون الأعمال التي تتناول الذاكرة والنسيان مجالًا لتحدي السرديات الرسمية، ولكن قد تكون أيضًا ساحة للصراع الثقافي، حيث يتم تكريس أو تفكيك الهويات الجماعية.
في النهاية، تظل الأعمال الفنية التي تعالج موضوعات الذاكرة والنسيان محط اهتمام ونقاش طويل. بين من يرى أنها تؤدي دوراً مهماً في الحفاظ على الهوية الثقافية والتاريخية، ومن يعتبرها مجرد محاولة للتلاعب بالواقع والماضي، يبقى السؤال مفتوحاً حول حدود الذاكرة، وما إذا كان النسيان يعد حلاً أم خيانة لتاريخنا المشترك.