متابعة بتجــرد: تدور أحداث مسلسل “دار نسا” للمخرجة سامية أقريو حول الأرملة “أمينة” التي تعيش حياتها اليومية مع أبنائها الثلاثة ووالدتها، ويدفعها الطموح لافتتاح مدرسة الطبخ الخاصة بها من أجل توفير احتياجات أسرتها، بينما خروج صديقتها “بهيجة” من السجن بعد قضاء فترة عقوبة، يؤدي إلى فتح ملفات الماضي الذي ظنت “أمينة” أنها دفنته.

العمل الدرامي من سيناريو سامية أقريو، ونورا الصقلي، وجواد لحلو، وبطولة كل من نورا الصقلي، فاطمة الزهراء قنبوع، إبتسام العروسي، مريم الزعيمي، ربيع الصقلي، ياسين أحجام، سعد موفق، وأمين الناجي، والمهدي فولان.

يقدم السيناريو قصة “أمينة” التي تؤدي دورها الممثلة نورة الصقلي، امرأة في منتصف العمر، تعيش حياة بسيطة ومتواضعة، تعمل بجد لتحسن مستوى معيشتها، إذ تفكر في افتتاح مدرسة للطبخ خاصة بها، ترى في ذلك فرصة لتحقيق دخل إضافي لتلبية احتياجات أسرتها، كما تعمل جاهدة على تنفيذ هذا الهدف رغم الصعوبات والتحديات التي تواجهها في حياتها.

تتعرض “أمينة” لموقف مفاجئ عندما تعود صديقتها القديمة “بهيجة” التي تؤدي دورها الممثلة ابتسام لعروسي إلى الحي بعد قضاء فترة عقوبة في السجن، مما يجعل الأحداث تنقلب رأسًا على عقب، حيث تفتح معها ملفات الماضي التي كانت “أمينة” تظن أنها نسيته، ومن بينها ملف جثة زوجها “سلام” الذي أدى دوره الممثل أمين الناجي بدقة، والذي كان يمارس اعتداءات عليها وعلى أمها وابنتها، وتوفى إثر ضربة على رأسه من “أمينة” وهي تحاول أن تدافع عن صديقتها “بهيجة”.

تكتشف “أمينة” أن “بهيجة” بعد خروجها من السجن تحمل أسرارًا قديمة، بعضها متعلق بعلاقاتهما السرية في الماضي، فتتوالى الأحداث بشكل درامي وتكشف الأسرار ويتم التصادم بين ماضيهما وحاضرهما، إذ تهدف حبكة السيناريو إلى تعميق مفهوم الصداقة، وتلقي الضوء على تتأثر العلاقات الإنسانية بماضي الأفراد وقراراتهم السابقة، وكيفية التعامل مع تلك التحديات بشكل بناء لتحقيق النمو الشخصي والتقدم.

تزداد التوترات والصراعات بين “أمينة” و”بهيجة”، عندما تدخل “كنزة” التي تؤدي دورها الممثلة ندى بالقاسمي على الخط، وهي فتاة تكشف سر جثة “سلام” زوج “أمينة” عندما يحاولان إخفائها، ولكن تكتشف أن “كنزة” بدورها فارة من عائلتها لأنها حامل بطفل غير شرعي، ويريدون منها إجهاضه وتزويجها بالقوة، وهذا يصعد من إيقاع الأحداث تشويقا، حيث تتعقد العلاقات بينهما وتبرز الخيبات التي عاشتها هؤلاء النسوة في الماضي.

يتميز أداء مريم الزعيمي في شخصية “الزازية” بقدرتها على إبراز الجانب النكدي بطريقة ملموسة ومؤثرة، في التراكيب النفسية والعواطف الداخلية، مما يضفي على الدور جوا من الواقعية، كما أتقنت في نفس الوقت دور السيدة الطيبة، وهذا يجعل الجمهور يشعر بالتعاطف والانسجام مع هذه الجوانب الإيجابية في شخصية “الزازية”، مما يبرز مهاراتها في تجسيد التناقضات والتباينات الإنسانية.

أما أداء الممثلة نورة الصقلي في دور “أمينة”، فهو يتميز بتجسيد مجموعة من الجوانب المعقدة، حيث تستعرض بثقة وقوة القدرة النسوية التي تسعى لتحقيق حلمها بإنشاء مدرسة للحلويات من جهة، وتجسيد الحب والرعاية التي تشعر بها نحو عائلتها من جهة أخرى، كما يعكس أداءها الحساس والمؤثر جانباً آخر يكمن في تجسيد “أمينة” دور السيدة الخائفة والمتوترة بسبب الظروف الصعبة التي عاشتها مع زوجها السابق، حيث تستطيع  توجيه التعبيرات الصادقة واللغة الجسدية الدقيقة لتعكس تلك المشاعر الداخلية المضطربة والخوف من تكرار أخطاء الماضي.

بالنسبة لأداء الممثلة ندى بلقاسمي في دور “كنزة”، يفتقر إلى التعبير العاطفي اللازم والتنوع في التعبيرات الوجهية واللغة الجسدية، مما جعله باهتًا وغير مقنع، إذ أنها لم تستطع نقل تعقيدات الشخصية والمشاعر الداخلية التي تواجهها “كنزة” بشكل كاف.

أظن أن المنتج والممثل محمد الكغاط يستحق التفاتة وفرص أكثر للظهور، حيث تظهر على ملامحه شخصية وازنة في تمثيل مشهد ضابط الشرطة الممتاز، فهو ابن الممثل القدير عز العرب الكغاط، وله مميزاته وسماته التي قد تسمح له بإبراز موهبته التمثيلية.

يعتبر المكياج في مسلسل “دار النساء” مكلفا وفاضحا، إذ شكل مصدراً للانتقادات والجدل بين المشاهدين والمتابعين، حيث تبرز ملامح وجه الشخصيات مثل “الزازية” و”أمينة” استخداماً مبالغاً فيه في المكياج وتقنيات التجميل، وهذا الأمر يسبب انحرافاً عن الطبيعية ويخلق صورة غير واقعية، مما قد يؤدي إلى فقدان الجمهور سبل التواصل مع الشخصيات وعدم الاستمتاع بالاحداث القادمة، فمن المهم أن يكون المكياج متناسبًا مع طبيعة الشخصيات والمواقف في العمل الفني، لأنه يساهم في بناء الشخصية بدلاً من أن يكون عاملاً يشوش على تركيز المشاهدين ويبعدهم عن التواصل الفعال مع الأبطال.

رغم أن الكاميرا المتحركة استُخدمت بشكل واسع في مسلسل “دار النساء”، إلا أن هذا الاستخدام لم يكن دائمًا مناسبًا أو ملائمًا، خاصة في بعض اللقطات التي كانت تتطلب الكاميرا الثابتة لتوفير أفضل جودة للصورة، فالتركيز المفرط على حركة الكاميرا قد يؤدي إلى تشتت انتباه المشاهدين عن الأحداث الرئيسية ويُخلق شعورًا بالاضطراب أوعدم الاستقرار، فعلى سبيل المثال، في المشاهد التي تجري داخل منزل “أمينة” أو في الأزقة الضيقة، كان استخدام الكاميرا المتحركة يُسبب حركة زائدة وغير ملائمة للبيئة الضيقة والمحيطة بالشخصيات، إذ أنه يُشتت التركيز ويُشوش على التفاصيل الهامة في المشهد، مما يُقلل من فعالية السرد البصري والتواصل الفعَّال مع الجمهور.

main 2024-03-20 Bitajarod

المصدر: بتجرد

إقرأ أيضاً:

منال الشرقاوي تكتب: مسلسل «Adolescence» دراما تحاكم المجتمع

كنت أنوي الكتابة عن المسلسل من زاوية فنية خالصة؛ عن الأرقام القياسية التي حققها في نسب المشاهدة خلال وقت وجيز، عن براعة الكاميرا في تقنية الـ"وان شوت" التي خلقت تواصلًا بصريًا حيًا مع المشاهد، عن الأداء التمثيلي الذي تجاوز حدود النص، وعن الإخراج الذي التقط اللحظة قبل أن تنفلت.

لكن قلبي سبق قلمي،
فوجدت نفسي لا أكتب عن "نجاح عمل" فقط، وإنما عن قيمة أبعد من الأرقام. 

لا أتوقف عند "مشهد جميل"، وإنما أتتبع أثرًا تركه في الوجدان ولا يزال حاضرًا.

وجدتني أقرأ المسلسل من منظور تربوي، قبل أن أقرأه بعين ناقدة. 

رأيت في المراهقين الذين على الشاشة، وجوهًا حقيقية نراها كل يوم في بيوتنا ومدارسنا وشوارعنا.

في زمن تتسابق فيه المسلسلات على اقتناص انتباه المشاهد، نجح هذا العمل في الرهان على الحصان الذي غالبًا ما يخشاه صناع الدراما: المراهقة.

ليست كل جريمة نهاية قصة، أحيانًا، تكون الجريمة بداية لأسئلة أكبر بكثير من القاتل والمقتول، هكذا يفتتح مسلسل Adolescence حكايته، بجريمة مروعة يرتكبها فتى في الثالثة عشرة من عمره، لكنها ليست سوى البوابة إلى عوالم داخلية معقدة.

فقد يبدو للوهلة الأولى أن المسلسل يقدم دراما ذات طابع بوليسي، لكن سرعان ما يتضح أن ما يُروى ليس عن الجريمة، وإنما عن السياقات التي سمحت لها أن تحدث.

الثيمة الأعمق هنا هي العزلة الرقمية، وكيف يمكن لطفل أن يضيع أمام أعين الجميع وهو متصل دائمًا، كيف أصبح الإنترنت وطنًا بديلًا للمراهقين حين غابت الأسرة والمدرسة عن احتضانهم.

يعالج المسلسل ببراعة مفهوم "الذكورة السامة"، ليس من خلال الخطاب المباشر أو التلقين، وإنما عبر تتبع التغير التدريجي في شخصية البطل "جيمي".

فتى يعاني من قلق داخلي، يبحث عن صورة لذاته في مرآة معطوبة، ويتلقى وابلًا من الرسائل الرقمية التي تشكل وعيه دون رقابة أو حوار.

جيمي ليس شريرًا، لكنه ضحية لفجوة بين الواقع والواقع الافتراضي؛ حيث تتحول مفاهيم القوة والقبول إلى معايير مشوهة تفرض عبر ضغط الأقران الرقمي.

المسلسل يدين فشل الأسرة والمدرسة في لعب دور الحامي والموجه، فرغم أن جيمي ينشأ في بيت محب، إلا أن الحوار الحقيقي غائب، واليقظة العاطفية مؤجلة. 

المدرسة، بدورها، تبدو مشغولة بالإدارة اليومية، غافلة عن مراهقين يتشكل وعيهم في أماكن أخرى لا يراها الكبار.

هذا الإخفاق المؤسسي لا يقدم بتجريم مباشر، وإنما كصورة متكررة لأب يحاول، لكن لا يرى، ومدرسة تحاول، لكن لا تسمع. 

وكأن الرسالة تقول إن النوايا الحسنة وحدها لا تكفي حين تكون أدوات التواصل مفقودة.

يتعمق المسلسل أكثر من خلال اعتماده على أسلوب السرد المتعدد؛ إذ تروى كل حلقة من منظور مختلف: الأسرة، الشرطة، الطبيب النفسي، والأصدقاء، هذا التنوع يقدم رؤية فسيفسائية دقيقة لأثر العزلة الرقمية، حيث تتكامل الأصوات لتشكل صورة شاملة لأزمة جيل بأكمله.

فنحن لا نرى جريمة، وإنما سلسلة من الفراغات، كل واحدة منها تساهم في صنع النتيجة النهائية.

من أبرز ما يميز مسلسل Adolescence هو تسليطه الضوء على التناقض العميق بين الارتباط الرقمي والانفصال الاجتماعي.  

فالمراهقون في هذا العمل لا يفتقرون إلى الاتصال؛ على العكس تمامًا، فهم يغرقون فيه، لكنهم يفتقرون إلى الحضور الحقيقي، إلى من يُصغي، لا من يراقب.

"Adolescence" مسلسل يخلخل يقيننا اليومي ويعيد توجيه البوصلة نحو جيل يعيش في عزلة مزدحمة بالضجيج الرقمي.

هو تذكير صارخ بأن الاتصال الدائم لا يعني الحضور، وأن المراقبة لا تعني الرعاية.

في كل مشهد نواجه حقيقة مريرة، هناك مراهقون يتشكل وعيهم في فراغ، تعيد صياغتهم خوارزميات بلا قلب، وتهملهم مؤسسات فقدت قدرتها على الإصغاء.

حتى أدوات الإخراج لم تكن عبثية؛ فـتقنية الـ"وان شوت" تجاوزت حدود الإبهار البصري، ونجحت في إيصال عزلة جيمي إلى المشاهد بصدق مباشر، دون فواصل أو فلاتر.
المسلسل لا يُنهي الحكاية، وإنما يفتح نقاشًا نحتاجه بشدة.

لأن السؤال الأصعب لم يعد: ماذا فعل الطفل؟
بل: أين كنا نحن حين كان يبحث عمن يسمعه؟

مقالات مشابهة

  • جريمة “سفاح بن احمد” تدق ناقوس الخطر حول الصحة النفسية.. برلماني لوزير الصحة: هشاشة خطيرة تنذر بمآسي اجتماعية
  • “هيئة الطيران المدني” تُصدر تصنيف مقدِّمي خدمات النقل الجوي والمطارات لشهر مارس الماضي
  • مصير طائرة طيران الهند التي بيعت العام الماضي بعد تلويحة الوداع.. فيديو
  • شاهد بالفيديو.. سيدة الأعمال السودانية هبة كايرو تتحول لمطربة وتغني داخل أحد “الكافيهات” التي تملكها بالقاهرة
  • منال الشرقاوي تكتب: مسلسل «Adolescence» دراما تحاكم المجتمع
  • “سي إن إن” تنشر لأول مرة لوحة لترامب أهداها له بوتين في مارس الماضي / شاهد
  • “سي إن إن” تنشر لأول مرة لوحة لترامب أهداها له بوتين في مارس الماضي (صورة)
  • “يافا”.. التسمية التي أظهرت غيظ نتنياهو
  • شاهد بالصورة والفيديو.. شاعرة وصانعة محتوى سودانية: (الكرشة أو “التنة” التي أمتلكها تعتبر من علامات الجمال وتساعدني على ربط التوب)
  • شاهد بالفيديو.. وسط ذهول واستغراب الجمهور.. عمارة “آراك” الشهيرة بالسوق العربي تحافظ على حالتها الطبيعية رغم احتراق ودمار جميع المباني التي من حولها