نصّار بن عريبي وأبو جمعة بالنسخة الفلسطينية
تاريخ النشر: 20th, March 2024 GMT
تذكّرُني مستجدات الأحداث في قطاع غزة، بمسلسل "الخوالي" الذي عرضه المخرج السوري بسام الملا، قبل ربع قرن، والذي تابعناه بشغفٍ آنذاك، ولكنّ اسم المسلسل لم يأخذ شهرة بمساحةِ الشهرة التي أخذها الاسم الآخر الذي اصطفاه الجمهور، وهو مسلسل نصّار ابن عريبي، حيث دارت حلقات المسلسل في حي الشاغور الدمشقي في سوريا، حول صراعِ مبادئ، بين نصار ورفاقه من جهة، وما يُعرف بالكركون وأذنابه من جهة أخرى، وبعيدا عن الرايات التي رفعها المسلسل والتي لستُ بصدد الإيغالِ فيها بقدر ما أبتغي مناقشة الفكرة فقط، فإنّ 3 شخصيات تصدرت حلقات المسلسل: رئيس الكركون، ونصار، وأبو جمعة الذي كان متعاونا مع الكركون وعَيْنا على المناضلين.
أمضى نصار حياته شريدا بسبب مواقفه المناهضة للعسكر، فيما اختار رئيس الكركون أو اليوزباشي لمنصب المختار شخصية من العمق الشعبي ومن أبناء الحي الأقحاح، وذلك من أجل ضمان سير المهمة، فأبو جمعة هو أحد أبناء الحي، وصاحب الفرن الوحيد هناك، وقد أحسنَ صنعا في مهمته، لا سيما تمرير تهمة لنصار ونشرها بين الناس، بأنه هو المسؤول المباشر عمّا آلت إليه الأوضاع في حي الشاغور من حصار وتضييق وقبضة أمنية، لأنه واجه العسكر في أكثر من موقف، وحاول الدفاع عن قضيته رغم عدم تكافؤ القوى المتصارعة.
وبالفعل، نجح أبو جمعة في استقطاب فئةٍ من أهالي الحي الذين تبنّوا ذات الراوية، لا سيما بعدما هاجم نصار ورفاقه مستوطنات قطاع غزة، عفوا، بعدما هاجم نصار ورفاقه قافلة العسكر التي كانت في طريقها من حماة لدمشق، وحاولوا أسر اليوزباشي، ولكنهم لم يفلحوا، فأسروا آخرين وقتلوا جنودا، واغتنموا قافلة القمح، ليهرب اليوزباشي ويروّج في الحي الدمشقي أن نصار استولى على القمح القادم إلى الناس الجوعى، ما دفعه إلى فرض حصار مُطبق على حي الشاغور، في محاولة منه لتأليب الشارع ضد نصار والمناضلين، وكلما سُئِلَ عن ضرورة رفع الحصار، قال للمفاوضين: لن أرفع الحصار إلّا بثلاثة شروط: (قارِن عزيزي القارئ بين شروطه وشروط جيش الاحتلال الإسرائيلي الثلاثة لوقف إطلاق النار بغزة): تسليم نصار ورفاقه، وإعادة الأسرى والقمح، وإنهاء المواجهة المسلّحة، الأمر الذي أدى إلى اتساع رقعة الرواية التي ساعده فيها المختار أبو جمعة حينما مشى بين الناس مُحمّلا المسؤولية الكبرى لنصار، ومطالبا بمحاسبته على هذا التصرف اللامسؤول الذي أضرّ بحي الشاغور وكان سببا في هلاك الناس وتجويعهم، في الوقت الذي كان فيه نصار يتحيّن الفرص لإيصال القمح إلى أهالي الحي المحاصرين..
ولأن نصار كان ثائرا، فقد التف حوله ثلة من أهالي الحي، وخاضوا معه مواجهات دامية ضد الكركون، أدت إلى استشهاد كوكبة منهم، ما دفع بالكركون إلى أن يصب جام غضبه على أهاليهم، فعمد إلى تحطيم متاجرهم واعتقال أقاربهم وإهانة المدنيين، ومن بينهم أم نصار، وهذا ما دفع بأبي جمعة إلى التباكي على هذه النتائج، مرددا ذات الاتهام لنصار بأنه المسؤول المباشر عن ذلك.
بإسقاط أحداث المسلسل العتيق، على مجريات ما يحدث اليوم في قطاع غزة وعموم الداخل الفلسطيني، تجد أن شخصيات المسلسل الثلاث تتجدد تماما دون أيةِ فوارق، سوى اختلاف الأسماء والأزمان، واختلاف الأصدقاء والخصوم
ولأن أبا جمعة أصبح بنظر أهل الحي جاسوسا للعسكر، فكان لا بد من إجراء وطني احترازي يُعيد شعبيته المتهالكة وثقة الناس فيه، كي يظهر بمظهر المتألم على المدنيين، المدافع عن حقوقهم في المحافل الدولية، الرؤوف بحال الأطفال والنساء الذين لا ذنب لهم، فعمدَ إلى تمثيليةٍ خبيثة، وذلك حينما استوقفَت دوريةٌ عسكريةٌ شابّتَين اثنتين في أحد أزقة الحي، تطلب منهما تفتيش صُرّة كانت بحوزتيهما، إلّا أنهما رفضتا ذلك، فاحتدم الموقف بين الطرفين، فانقضّ أبو جمعة كالنسر على الدورية توبيخا، وظهر بمظهر المدافع عن نساء الحي، الغيور عليهنّ، ما دفع بعناصر الدورية إلى الإيشاء ضده في الكركون، فاستدعاه رئيس الكركون للاستفسار والتوبيخ، فقال له أبو جمعة: لا تقلق سيدي، مجرد موقف متوتر بيني وبينكم أظهر به أمام الشعب، لأستعيد ماء الوجه كي يتسنى لي العمل بإمرتكم وتحت نواظركم وبإشرافكم، وبشأن الفتاتَين سيدي، لا تقلق، فقد أرسلتُ خلفهما بائع البليلا ليتتبّع أحوالهما وطريقهما، فربّتَ اليوزباشي على كتف أبي جمعة قائلا: "عفية عليك أبو جمعة أحسنت هاد هوا الشغل الصح".
وبإسقاط أحداث المسلسل العتيق، على مجريات ما يحدث اليوم في قطاع غزة وعموم الداخل الفلسطيني، تجد أن شخصيات المسلسل الثلاث تتجدد تماما دون أيةِ فوارق، سوى اختلاف الأسماء والأزمان، واختلاف الأصدقاء والخصوم. فأبو جمعة بنسخته الفلسطينية راح يحمّل المقاومة مسؤولية المجازر في غزة، والحصار وجلب الدبابات، ويتهم نصار بأنه مغامر بأرواح المدنيين، كرمى عيون يوزباشي الاحتلال، ويصدر بيانات التخوين كي يمنح الاحتلال حروفا من ذهب انتظرها طويلا ليقول للعالم إن الطوفان مرفوض فلسطينيا قبل أن يكون مرفوضا إسرائيليا، كما يلجأ أبو جمعة الفلسطيني بين الفينة والأخرى إلى تصريحات وطنية احترازية بغية امتصاص ثقة الشعب، ويتباكى على كارثة غزة رغم أنه جزء من الحصار، إلا أنه في نهاية المطاف مجرد مختار مُعيّن من قبل الاحتلال يعمل بإمرته.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات غزة الاحتلال المقاومة غزة الاحتلال المقاومة مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قطاع غزة أبو جمعة
إقرأ أيضاً:
رقم سرى.. شهد ودموع
تعرض قناة النيل للدراما التابعة لماسبيرو قلعة الإعلام المصرى والعربى عملين للكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة "الشهد والدموع" و"أرابيسك"... ولكل منهما رسالة أو عدة رسائل وبهما صراعات وشخصيات وتأصيل وتأريخ للمجتمع المصرى وفترات التحول السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى.... فى الشهد والدموع والتى عرضت أول مرة فى عام 1984 الجزء الأول ثم الجزء الثانى عام 1985... فإن الكاتب يعرض قصة وحكاية وطن تحول من الرأسمالية والإقطاع والملكية وحكم الباشوات إلى الاشتراكية والتحرر وكيف صعدت طبقة بسيطة من العمال وأصحاب الحرف إلى الطبقة الوسطى عبر التعليم والكفاح،فى ذات الوقت الذى شهدت فى مصر المحروسة ثورة 1952 وكذلك حرب 1956 ثم نكسة 1967 من خلال ذلك الصراع بين أسرتى حافظ وشوقى رضوان وهم الاشقاء لأب يعمل حلوانى فمن بنى مصر كان فى الأصل حلوانى.. محلات رضوان يرثها حافظ الابن الأكبر بالخديعة والسرقة ويترك آخاه شوقى المحب للفن والحياة فريسة للحزن والقهر ثم الموت تاركًا أسرة مكونة من زينب ابنة العامل الحلوانى جعفر وأربعة أبناء بلا مورد رزق أو معاش، لكن زينب العظيمة القوية تنجح فى تربية الأبناء ليتخرج أحمد مهندسًا وسهير طبيبة ونوال معلمة وحسين محاسبًا... وفى المقابل تفشل نازك سليلة الأتراك زوجة حافظ بك فتصبح ناهد أستاذة جامعية لكن معقدة محطمة نفسيا، ويهاجر سمير إلى أمريكا هو وأخته، بينما يعمل التبن الأصغر هانى مصورًا فتوغرافيا... ويتزوج فتاة ابنة عامل بسيط فى ورشة …المسلسل مليء بالشخصيات الرئيسية والفرعية والأحداث والمواقف والقصص التى تخدم جميعها الفكرة والخط الرئيسى عن مصر وتحولها وتغيرها وصورة الحياة آنذاك حتى حرب 67 وبدايات نصر 73 والعبور العظيم فى ضفيرة درامية غير مسبوقة ومشروع فنى ثقافى يحكى تاريخ مصر الحديث ما قبل الثورة وكل ما صحبها سياسيًا وإجتماعيًا محليًا وعالميًا فلم يغفل الكاتب أى شخصية أو حدث يسهم فى التصعيد الدرامى والمعالجة الفنية والعرض وكشف الشخصيات وبناء الحوار...
وعلى الجانب الآخر يتم عرض مسلسل جديد على الشاشات وعلى المنصات الجديدة من إنتاج 2024 بعنوان "رقم سري" للكاتب محمد سليمان عبدالملك والمخرج محمود عبدالتواب من بطولة ياسمين رئيس وصدقى صخر وعمرو وهبة ونادين ومحمد سليمان مع مجموعة جديدة من الممثلين... المسلسل كان من الممكن تقديمه فى 15 حلقة فقط وضغطه بدلًا من 30 حلقة فقدفقد الحبكة والإيقاع وباتت الحلقات معادة فى الأحداث والحوار والشخصيات..حيث بدأ المسلسل البوليسى بقضيتين الأولى تحويل بنكى غير سليم والثانية حفلة قتلت فيها مديرة فرع البنك ندى.. وتتوالى الأحداث لمعرفة من القاتل ومن حول الدولارات، وفى منتصف الأحداث تظهر قصة فرعية بعيدة عن الخط الرئيسى وذلك عن دور وسائل التواصل الإجتماعى فى هتك ستر الصغار والكبار حين صورت صديقة أخت الضابط صديقتها دون علمها وإذنها ثم نشرت تلك الصور وهى شبه عارية... وفجأة أنتهت الحدوتة دون أى مبرر أو إشارة للشابة الضحية أو المجرمة.. المسلسل يسير فى إطار تشويقى ويحاول خلق صراع وهمى بين أخلاقيات الحق والعدل والخير للمحامى لطفى عبود وبين الشر والفساد والخديعة للمحامية ماجدة علوان وهما يتصارعان فى أحداث ساذجة وسريعة يتم التقاضى بها وفق القانون بالحبس والإفراج فى أقل من أيام معدودات وتغير السيدات شهادتهن بالتحرش ضد المحامى لطفى نظير مبالغ مالية تدفع لهم مرة من قبل المحامية الشريرة ومرة من قبل مساعد المحامى الطبيب، أما موضوع البنك والتحويلات وانتهاك خصوصية العملاء والقروض فهو أمر فى غاية الخطورة والأهمية ويعد من أهم التيمات والموضوعات المثارة فى هذا العمل... الشخصيات كلها نمطية آحادية الأبعاد لا تتغير أو تنمو أو تتطور أما الأحداث فقد انحرفت عن المسار الرئيسى ولم تقدم أى جديد للبناء الدرامى التسلسل المنطقى للأحداث.. الغريب أن جميع الأعمال الدرامية الجديدة تحوى قصة قتل أو سرقة أو اغتصاب.. المهم جريمة تبحث عن حل كما لو كنا نتابع قصص"المغامرون الخمسة" للأطفال... ولا يوجد أى بعد سياسى أو خلفية تاريخية إجتماعية وثقافية للعمل فلا تعرف فى أى زمان أو مكان تجرى تلك الأحداث، ولا ما هى خلفية بناء الشخصيات وتكوينها وملامحها النفسية والبيئية والاجتماعية. هذه النوعية الدرامية هى المنتشرة على الشاشات والمنصات ومن ثم تفقد الدراما مكانتها وبريقها ومتابعيها لحظة حل اللغز وفك الشفرة ومعرفة الحل ومن الجانى.. لهذا لا يتم تسويقها ولا يتم إعادة عرضها وتذهب مع كلمة النهاية... الدراما فن وعلم وإبداع وتاريخ وجغرافيا وسياسة وثقافة وإجتماع وعلم نفس... الدراما حياة وهى جبرتى هذا العصر وكل عصر.