ما الذي أحسن شومر وبايدن فهمه عن نتانياهو؟
تاريخ النشر: 20th, March 2024 GMT
من القواعد الراسخة لدي في الصحافة هذه القاعدة: عندما ترى فيلا يطير، لا تضحك، ولا ترتب، ولا تسخر، وإنما دوِّن ملحوظاتك. وثمة شيء في منتهى الجدة والأهمية يجري وعلينا أن نفهمه.
في الأسبوع الماضي، رأيت فيلا يطير: إذ ألقى زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر - وهو مؤيد حقيقي لإسرائيل على مدى عمره - خطابا دعا فيه الإسرائيليين إلى إجراء انتخابات في أقرب وقت ممكن من أجل التخلص من رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو وحزبه اليميني الحاكم.
كان ذلك فيلا طائرا كبيرا. وقد أثار ردود الفعل المتوقعة من اليمين اليهودي (شومر خائن)، ومن نتانياهو (إسرائيل «ليست جمهورية موز»)، ومن المشككين (شومر يتملق اليسار الديمقراطي لا أكثر). وجميع ردود الأفعال المتوقعة، وجميع ردود الأفعال الخاطئة. ورد الفعل الصحيح سؤال: ما الذي اختل إلى هذه الدرجة في العلاقة بين الولايات المتحدة ونتانياهو ليدفع شخصا مخلصا لسلامة إسرائيل بقدر تشاك شومر إلى دعوة الإسرائيليين إلى تغيير نتانياهو ـ ويجعل خطابه، الذكي الحساس موضع إشادة من الرئيس بايدن نفسه إذ وصفه بأنه «خطاب جيد» يبرز مخاوف «العديد من الأمريكيين»؟
وإن تجاهل الإسرائيليين وأصدقاء إسرائيل لهذا السؤال الأساسي يعرضهم للخطر.
تتعلق الإجابة بتحول عميق في السياسة والجغرافيا السياسية الأمريكية في ما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط، تحول كشفته حرب غزة، وجعل من رفض نتانياهو التعبير عن أي رؤية للعلاقات الإسرائيلية الفلسطينية قائمة على أساس دولتين لشعبين تهديدا لكل من أهداف بايدن في السياسة الخارجية وفرصه في إعادة الانتخاب.
قبل أن أوضح السبب، أريد أن أكون في غاية الوضوح بشأن شيء واحد أوضحه شومر وبايدن أيضا: وهو أن حرب غزة فُرضت على إسرائيل بسبب هجوم شرس شنته حماس على مجتمعات إسرائيل الحدودية، التي يسكنها الإسرائيليون الأكثر حمائية في الطيف السياسي الإسرائيلي. فلو أنك تطالب بـ«وقف إطلاق النار الآن» في غزة وليس بـ«وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن الآن»، فإنك تزيد المشكلة سوءا؛ لأن ذلك يغذي مخاوف الإسرائيليين من أن العالم يقف ضدهم، بغض النظر عما يفعلونه.
فعلى من يحتجون على الحرب الإسرائيلية في غزة والضحايا العديدين هناك أن ينتقدوا حماس، وذلك ما فعله شومر. «فهي منظمة قاتلة جلبت الموت والدمار واليأس لشعب غزة، وذلك ما تفعله منذ الثمانينيات لتدمير إمكانية التوصل إلى حل الدولتين شأن أي جهة فاعلة في المنطقة».
ورجوعا إلى الحجة: لماذا أصبح نتانياهو يمثل مشكلة كبيرة للولايات المتحدة وبايدن على المستويين الجيوسياسي والسياسي؟.
الإجابة الوجيزة هي أن مجمل استراتيجية أمريكا في الشرق الأوسط الآن ـ وأضيف إليها مصالح إسرائيل بعيدة المدى ـ تعتمد على شراكة إسرائيل مع السلطة الفلسطينية غير التابعة لحماس ومقرها رام الله في الضفة الغربية، وعلى احتياجات الفلسطينيين التنموية بعيدة المدى، وفي نهاية المطاف، على حل الدولتين. وقد استبعد نتانياهو ذلك كله صراحة، إلى جانب أي خطة أخرى مكتملة لصباح اليوم التالي في غزة.
لماذا تحتاج إسرائيل والولايات المتحدة إلى شريك فلسطيني ورؤية لحل الدولتين؟ أرى لذلك ستة أسباب، وهذا كثير، لكنها جميعها تتعلق بالتحدي الذي يواجهه بايدن ويتعلق به مصيره السياسي:
1) لم يضطر جيش على الإطلاق إلى محاربة عدو في مثل هذه البيئة الحضرية الكثيفة التي تضم ما يقدر بنحو 350 إلى 450 ميلا من الأنفاق تحت الأرض الممتدة من أحد أطراف منطقة الحرب إلى الطرف الآخر. ونتيجة لذلك، فإن حرب مدن كهذه كانت لتتسبب دائما في وقوع العديد من الضحايا بين المدنيين الأبرياء، وإن خاضها أكثر الجيوش تحليا بالحذر، ناهيكم بجيش غاضب من قتل واختطاف العديد من الأطفال والآباء والأجداد. أما أولئك المدنيون في غزة الذين بقوا على قيد الحياة، فأنا متأكد من أنه لا يمكن أن يعوضهم شيء عن فقدان أطفالهم وآبائهم وأجدادهم. ولكن رغبة معلنة من إسرائيل في إقامة علاقة جديدة بين إسرائيل والفلسطينيين في غزة والضفة الغربية من غير التابعين لقيادة حماس من شأنها أن تعطي على أقل تقدير بصيص أمل لجميع الأطراف في أنه لن تحدث أبدا جولة سفك الدماء كهذه مرة أخرى.
2) هذه هي أول حرب إسرائيلية فلسطينية كبيرة تجري في عصر التيك توك. وقد تم تصميم التيك توك لمثل هذه الحرب مثل هذه ـ فتنهال طول الوقت مقاطع فيديو مدة الواحد منها خمس عشرة ثانية مسجلة أسوأ معاناة إنسانية. وفي مواجهة هذا التسونامي الإعلامي، كانت إسرائيل بحاجة إلى رسالة واضحة بالالتزام بعملية السلام بعد الحرب، والتوجه نحو حل الدولتين. ولم يكن لدى إسرائيل شيء من ذلك. ونتيجة لذلك، فإن إسرائيل لا تنفِّر العديد من الأمريكيين العرب والأمريكيين المسلمين فحسب، كما يقول مسؤولو إدارة بايدن، ولكنها أيضا معرضة لخطر فقدان دعم جيل كامل من شباب العالم (ومنهم بعض قاعدة الحزب الديمقراطي).
3) هذه ليست حربا «انتقامية»، شأن كل الحروب السابقة بين حماس وإسرائيل، إذ كانت إسرائيل تعاقب حماس على إطلاق الصواريخ على البلد، لكنها كانت تعود فتركتها بعد ذلك في السلطة عندما ينتهي القتال. ولكن هذه الحرب في المقابل تهدف إلى تدمير حماس إلى الأبد. ولذلك، كانت إسرائيل تحتج منذ البداية إلى تصور بديل للطريقة التي يمكن وينبغي حكم غزة بها حكما شرعيا يتولاه فلسطينيون من غير أتباع حماس، ولن يتقدم أي فلسطيني على الإطلاق لهذه المهمة دونما عملية شرعية لحل الدولتين على أقل تقدير.
4) كان هجوم حماس يرمي إلى منع إسرائيل من الاندماج في العالم العربي اندماجا يتجاوز أي اندماج سابق، بفضل اتفاقيات إبراهيم وعملية التطبيع الناشئة مع المملكة العربية السعودية. وعليه، كان لا بد من تصميم رد إسرائيل بحيث يحافظ على تلك العلاقات الحيوية الجديدة. وما كان لذلك أن يكون ممكنا إلا لو حاربت إسرائيل حماس في غزة بيد وسعت بنشاط إلى إقامة دولتين باليد الأخرى.
5) لقد كان في هذه الحرب عنصر إقليمي كبير. فسرعان ما وجدت إسرائيل نفسها تقاتل حماس في غزة ووكلاء إيران في لبنان واليمن وسوريا والعراق. وكان السبيل الوحيد الذي يمكن لإسرائيل من خلاله أن تقيم تحالفا إقليميا ـ وتمكِّن الرئيس بايدن من المساعدة في صفِّ الحلفاء الإقليميين ـ هو أن تسعى إسرائيل في الوقت نفسه إلى عملية سلام مع الفلسطينيين من غير المنتمين إلى حماس. وهذا أساس ضروري لتحالف إقليمي ضد إيران. وبدون هذا الأساس، فإن استراتيجية بايدن الكبرى لإقامة تحالف ضد إيران وروسيا (والصين) ممتد من الهند عبر شبه الجزيرة العربية عبر شمال إفريقيا وحتى الاتحاد الأوروبي/حلف شمال الأطلسي ستواجه وضعا حرجا. فلا أحد يرغب في الانضمام لحماية إسرائيل الخاضعة لهيمنة حكومة متطرفين راغبين في احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة احتلالا دائما.
ولهذا السبب قال شومر: «لا أحد يتوقع من رئيس الوزراء نتانياهو أن يفعل ما ينبغي فعله لكسر دائرة العنف، والحفاظ على مصداقية إسرائيل على المسرح العالمي، والعمل من أجل حل الدولتين»، في حين دعا شومر أيضا رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى التنحي جانبا وإفساح المجال أمام جيل جديد يحكم على نحو أفضل.
6) أوضح لي أستاذ العلوم السياسية جوتام موكوندا، مؤلف كتاب «اختيار الرؤساء»، هذه النقطة الأخيرة الجيدة: «إن صعود اليسار التقدمي وتحالف نتانياهو الضمني مع ترامب أدى إلى إضعاف دعم الديمقراطيين لإسرائيل. فلو أن إسرائيل تخوض حربا في غزة تؤدي إلى سقوط كل أولئك الضحايا المدنيين، ولا تقدم أي أمل سياسي في مستقبل أفضل لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين، فإنها بمرور الوقت تطمس ذكريات الناس عن أهوال السابع من أكتوبر وتنال من دعمهم لإسرائيل في أعقابها. ويزيد هذا من صعوبة مواصلة دعم الحرب في مواجهة ثمن هائل دوليا ومحليا، حتى على أمريكيين شديدي التأييد لإسرائيل من أمثال شومر.
لكل هذه الأسباب، وإنني أرفع صوتي بهذا إلى أقصى حد ولا أبلغ الحد الواجب أبدا، فإن لإسرائيل مصلحة قصوى في السعي إلى أفق الدولتين. ولا أستطيع أن أقول هذا في كثير من الأحيان بما فيه الكفاية. لا أعرف ما إذا كانت السلطة الفلسطينية قادرة على توحيد جهودها لتكون الحكومة التي يحتاج إليها الفلسطينيون والإسرائيليون، ولكنني أعرف فقط أن للجميع الآن مصلحة هائلة في محاولة تحقيق ذلك.
وهكذا فإنني أعتقد أن استراتيجية بايدن سوف تتكشف غالبا على هذا النحو: الضغط بأقصى قدر ممكن على جميع الأطراف للتوصل إلى وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن مرة أخرى. ومن شأن وقف الأعمال العدائية أن يؤدي بعد ذلك إلى تجميد أي خطط عسكرية إسرائيلية لغزو واسع النطاق لرفح إما للقبض على قادة حماس أو قتلهم إذ يعتقد أنهم متحصنون هناك، ومن المرجح كثيرا أن يتسبب غزو كهذا في سقوط العديد من الضحايا المدنيين. (وأفترض أن الولايات المتحدة سوف تحث إسرائيل على استخدام وسائل أكثر استهدافا).
وبعد ذلك، يتم استعمال وقف إطلاق النار من أجل التوصل إلى مبادرة سلام كبيرة جديدة أمريكية عربية أوروبية توفر للإسرائيليين نطاقا وعمقا من التطبيع مع دول عربية، منها المملكة العربية السعودية، وضمانات أمنية، أكثر من أي وقت مضى، ويكون ذلك مرافقا لحل الدولتين.
وبتوفير ذلك، يمكن أن يضع بايدن إطارا للاختيار في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة: «خطة بايدن في مقابل لا-خطة نتانياهو»، بدلا من أن يكون الخيار بين شخص بايدن وشخص نتانياهو. وليختر نتانياهو بين أن يتذكره الناس رئيس وزراء وقع هجوم السابع من أكتوبر في عهده أو أن يكون رئيس وزراء فتح الطريق إلى المملكة العربية السعودية.
والوقت ينفد. هناك مليون جزء متحرك، وأي جزء منها قد يفشل. لكن هذا هو شعوري الغريزي بشأن الكيفية التي يمكن أن تنتهي بها المرحلة التالية من الصراع في غزة، وما يبين أن خطاب شومر لم يكن محض تأملات شخصية، ولكنه كان انعكاسا عميقا لأهم المصالح الأمريكية في هذا الوقت، وأفضل مصالح الإسرائيليين والفلسطينيين كذلك في تقديري.
توماس فريدمان كاتب عمود رأي في الشأن الخارجي في صحيفة نيويورك تايمز ومؤلف كتاب «من بيروت إلى القدس».
خدمة نيويورك تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: وقف إطلاق النار حل الدولتین العدید من فی غزة
إقرأ أيضاً:
"تعثر التهدئة في غزة".. إسرائيل تعلن خطة السيطرة المستقبلية
في ظل تعثر الجهود للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس عن خطة بلاده المستقبلية لقطاع غزة.
جاءت التصريحات لتوضيح ملامح المرحلة المقبلة بعد أسابيع من التصعيد العسكري، حيث أكد كاتس أن السيطرة الأمنية على القطاع ستظل بيد الجيش الإسرائيلي، مشددًا على إنهاء أي وجود عسكري لحركة حماس.
السيطرة الأمنية بيد إسرائيلصرّح كاتس، أثناء زيارته لمنطقة محور فيلادلفيا شمال غزة، أن “السيطرة الأمنية في غزة ستبقى في أيدي الجيش الإسرائيلي، ولن يكون هناك حكم لحماس أو سيطرة عسكرية لها”.
وأكد أن الجيش سيحتفظ بحق التصرف الكامل لإزالة التهديدات، بما في ذلك تدمير الأنفاق ومنع بناء البنية التحتية التي وصفها بـ”الإرهابية”.
كما أشار إلى أن إسرائيل ستعمل على إنشاء مناطق عازلة ومواقع سيطرة داخل القطاع، لضمان أمن البلدات الإسرائيلية المحاذية للحدود، وللحيلولة دون ظهور أي تهديدات مستقبلية مشابهة لتلك التي واجهتها خلال الحرب الحالية.
تعثر جهود التهدئةتزامنت تصريحات كاتس مع تعثر المفاوضات بين إسرائيل وحماس بشأن وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى.
وأكدت حركة حماس في بيان لها أن إسرائيل وضعت شروطًا جديدة تعرقل التوصل إلى اتفاق، فيما ردت إسرائيل باتهام الحركة بخلق “عقبات جديدة” تعيق المفاوضات.
في هذا السياق، غادر وفد أمني إسرائيلي العاصمة القطرية الدوحة لإجراء مشاورات داخلية في إسرائيل حول استكمال المفاوضات.
يأتي ذلك بعد هدنة واحدة قصيرة نُفذت في نوفمبر 2023، تم خلالها إطلاق سراح نحو 100 أسير إسرائيلي مقابل مئات الأسرى الفلسطينيين.
التصعيد مستمر منذ أكتوبراندلعت المواجهة الحالية في السابع من أكتوبر الماضي، عقب هجوم واسع شنته حركة حماس على مستوطنات وقواعد عسكرية إسرائيلية في محيط غزة.
ومنذ ذلك الحين، يواجه القطاع المحاصر حملة عسكرية إسرائيلية مكثفة، أسفرت عن استشهاد الآلاف من الفلسطينيين، فيما تستمر المقاومة الفلسطينية في توجيه ضربات موجعة لقوات الاحتلال.
الآفاق المستقبليةتعكس تصريحات كاتس رؤية إسرائيل لمرحلة ما بعد الحرب، حيث تسعى إلى إعادة صياغة الواقع الأمني في غزة بما يخدم مصالحها الاستراتيجية.
ومع تعثر المفاوضات، تبقى الأوضاع في القطاع مفتوحة على مزيد من التصعيد، وسط دعوات دولية متزايدة لوقف القتال وإيجاد حل دائم يضمن حقوق الفلسطينيين وأمن المنطقة.