تشكّل الحوارات مصادر معرفية يلجأ إليها الباحثون في بحوثهم ودراساتهم، خصوصا مع الأدباء الذين يختارون نتاجهم الإبداعي للفحص والتحليل، ولن يتمكّنوا من التواصل معهم .
وفي إصداره الجديد «همس في عتمة الكلمة.. رحلة وراء الأحرف المكتومة مع غالية آل سعيد» يأخذنا الكاتب والإعلامي فيصل العلوي في رحلة مضيئة في عالم السيّدة غالية ف.
مسقط.. المجتمع والمهمَّشون، الكتابة كجسرٍ للتجربة والتجسيد، الاعتناق وجدل التحرُّر، رقصة العناوين، التأثير والتحرير في عوالم النصّ، ما وراء الأثر الغربي، القضايا التي تشغل المثقف العربي والتحديَّات التي يواجهها، واقع المرأة في مجتمعات محافظة، الموروث العماني وصناعة الثقافة، جدليَّة القصَّة والرواية، الرواية وتحديَّات التواصل الإنساني العميق، التداخل الشعري في السرد، شغف المقتنيات وقصّة إنشاء متحف «المكان والناس» وهي شذرات من عناوين تلك الفصول، وقد استرسلت الكاتبة في إجاباتها، حتى أن بعضها جاء على امتداد صفحات، والسؤال الذكي يفتح الشهيّة للكلام، وهذا ما فعله العلوي الذي خطرت بباله فكرة الحوار بعد أن اطّلع على نتاج الكاتبة، وهو نتاج ليس بالقليل بدأته برواية (أيّام في الجنة) عام 2005 م، تبعتها بـ(صابرة وأصيلة) 2007م، و( سنين مبعثرة) 2008 م و(جنون اليأس) 2011، و(سأم الانتظار) 2012بجزئين و«حارة العور» 2019 م، وتشكّلت لديه تساؤلات معرفيّة، حاول البحث عن إجابات لها، ولكنّ حوارات صاحبة السمو السيدة د.غالية قليلة، فتواصل معي لأوفر له نسخة من كتابنا (دهشة ثلاثية الأبعاد)، وحين قرأه ازداد نهمه الثقافي، وهنا لم يجد سوى إجراء حوار جديد مع الكاتبة، وهو أمر ليس باليسير، فهي زاهدة بالظهور في وسائل الإعلام، فقد أسّست عالمها الخاص، ونظّمت وقتها بين القراءة والكتابة، ومتابعة شؤون متحفها (متحف المكان والناس) الكائن في مطرح، ومما زاد من صعوبة المحاولة أنه سبق أن بذل محاولات لمحاورتها لكنّها باءت بالفشل، كما يشير في مقدّمته للكتاب، لكنه لم ييأس، وقد أحببتُ به هذه الجرأة، والإصرار، لذا، تدخّلت بالأمر، فرحّبت الكاتبة بعد اطّلاعها على نوعيّة الأسئلة، فالعلوي، الفائز بجائزة الصحافة العربية عام 2016 عن حوار أجراه مع الروائي واسيني الأعرج، يحضّر جيّدا، ويدرس نتاج الشخصيّة التي ينوي محاورتها، وقد عرف عمق شخصيّة الكاتبة الثقافيّة، وسعة اطلاعها، على الآداب المحلّيّة والعالمية، لذا اغتنم الفرصة جيّدا ووضع أسئلة استغرق بكتابتها أيّاما، وحاول من خلالها سبر أغوار تجربتها، ويبدو أن الأسئلة فتحت شهيّتها في الإجابة عنها، وطلبت أن تأخذ الوقت الكافي لوضع الإجابات، فوافق، وكان يظنّ أن الإجابات ستصل إليه بعد شهر، أو شهرين، لكنّه لم يتوقّع أنّ المدّة ستصل إلى سنة كاملة! ومما يُحسب للكاتبة، أن الإجابات جاءت مستوفية، ومكتوبة بعناية، وهذا يعكس جانبا من شخصيّة الكاتبة، فهي تتأنّى بالكتابة، ولن تُخرج الرغيف من فرنها حتى ينضج نضوجا كاملا.
وحين أتمّت الإجابات، وجد العلوي أن نشرها يحتاج إلى صفحات وصفحات، لذا طرأت بباله فكرة أن يقوم بنشر جزء من الحوار، في الصحيفة، فيما ينشره كاملا في كتاب، وهذا ما جرى، وصدر الكتاب مؤخّرا عن دار (أهوار) العراقية من باب أهمية الحوار، وعمق الإجابات، وحرص العلوي على توثيق الحوار «ليشمل كل ذلك الأفق الواسع من التفاصيل التي لم تجد مكانها في تلك الصفحات الورقية» كما يقول في المقدمة «هذا التوثيق يهدف إلى ضمان عدم فقدان أدنى جزء من هذا المحتوى المليء بالعمق والإجابات الدقيقة التي قدّمتها الكاتبة، في رحلة استكشاف عوالم غامضة عن شخصيتها، في رحلة القراءة وتكشف جزءًا من عالمها الروحي وثرائها الثقافي الرائع» وفيصل العلوي يعرف جيدا كيف يدير دفة الحوار في كتابه الرابع، إذ سبق له أن أصدر ثلاثة كتب هي (أرق) -2008م ـ مجموعة شعرية ـ و (بوح الشعر الشعبي) (2014م) مقالات وديوانه الشعري (بوجه الريح والصحراء) (2018م)، فنجح في استنطاق عوالم غالية آل سعيد، وهي عوالم تستند على ذاكرة المكان فالكاتبة، كما يقول الشاعر سماء عيسى في مقدّمته «لا تذهبُ إلى أبعدِ من تجربتها الشخصيَّة في تقديم شخصيات رواياتها المحليَّة أكثر مما تختزنه ذاكرتها في مسقط ومطرح، مدن نشأتها وتعليمها، إلّا أنَّ التابوهات التي تحرِمُ المرأة حقَّ حياتها الشخصيّة، ودرجة عقابها التي تصل إلى القتل، وخلو العقل البشري الذكوري من أيِّ تطورٍ حضاريٍّ يحميه من التردِّي والانزلاق إلى الحضيض، كلُّ ذلك يمتدُّ أفقيًّا من الساحل حتى الداخل، ومن البحر، حتى الأودية. وصولًا إلى الصحراء، تقدِّمُ تحليلًا منطقيًّا لما أحدثه التحوّلُ النفطيُّ في حياةِ الكثيرِ من الناس».
لقد حاول العلوي الإحاطة بتجربة الكاتبة، فجاء الكتاب ثريّا بمحتواه الثقافي ليشكّل إضافة للمكتبة العربية التي تفتقر إلى هذا النوع من الكتب.
عبدالرزّاق الربيعي شاعر وكاتب مسرحي عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: ة الحوار
إقرأ أيضاً:
إنجازات مضيئة وأثر بارز.. جهود الأعلى للشئون الإسلامية خلال 2024
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
واصل المجلس الأعلى للشئون الإسلامية مسيرته المتميزة خلال عام ٢٠٢٤، محققًا إنجازات واسعة النطاق في مجالات الدعوة والفكر والثقافة، تجسدت في عدد من الفعاليات والمؤتمرات والأنشطة التي تؤكد دوره الريادي في خدمة الإسلام والمجتمع، وجائت الإنجازات كالتالي:-
أقام المجلس الأعلى للشئون الإسلامية المؤتمر الدولي السنوي الخامس والثلاثين تحت عنوان «المؤتمر الدولي الأول للواعظات: دور المرأة في بناء الوعي»، الذي انعقد في الفترة من ٢٥ إلى ٢٦ أغسطس، مسلطًا الضوء على أهمية المرأة ودورها المحوري في تعزيز الوعي الديني والفكري.
ونظم المجلس ملتقى الفكر الإسلامي بمسجد الإمام الحسين رضي الله عنه، خلال شهر رمضان المبارك، إذ اجتمع العلماء والدعاة لمناقشة قضايا الإيمان والتقوى، مقدمين رؤى ثرية حول القيم الإسلامية.
وحرص المجلس أيضًا على تعزيز دوره في نشر القرآن الكريم، إذ شارك في تنظيم النسخة الحادية والثلاثين من المسابقة العالمية للقرآن الكريم، وأقام النسخة الخامسة من مسابقة الطلاب الوافدين الدارسين بالأزهر الشريف، والتي توّجت بفوز إحدى المتسابقات وتمثيل ٢٠ متسابقًا في المسابقة العالمية.
واستكمالًا لدوره الثقافي، نفذ المجلس ثمانية معسكرات تثقيفية استهدفت الأئمة والواعظات والطلاب الوافدين، مقدمًا برامج تدريبية متقدمة تهدف إلى تطوير مهاراتهم وتعزيز وعيهم الديني. كما أقام المجلس ٢٧ معرضًا لعرض وبيع مطبوعاته، أبرزها مشاركته في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته ال٥٥، محققًا إيرادات تجاوزت ١.٦٥ مليون جنيه.
وعلى صعيد الإصدارات، قام المجلس بطباعة ٣٦ كتابًا جديدًا، من بينها ترجمة «المنتخب في تفسير معاني القرآن الكريم» إلى الروسية والألمانية والإنجليزية، إضافة إلى إصدار ١٢ عددًا من مجلتي «منبر الإسلام» و«الفردوس»، اللتين تم تحويلهما لاحقًا إلى نسخ إلكترونية متطورة.
وفي إطار دعمه للطلاب الوافدين، قدم المجلس ٤١٠٠ منحة دراسية للدارسين بالأزهر الشريف، إضافة إلى تصدير تسع مكتبات علمية تضم ١٤٤٤ كتابًا علميًا إلى تسع دول مختلفة، ما يعزز دوره في نشر الفكر الوسطي عالميًا.
من ناحية أخرى، شهد العام عقد عدد كبير من الفعاليات العلمية والثقافية، منها ثماني لجان علمية وأربعة صالونات ثقافية، إضافة إلى تنظيم ٦٥ مجلس حديث في المساجد الكبرى، تخللتها قراءة كتب مثل «الأربعون النووية» و «موطأ الإمام مالك» و «صحيح الإمام البخاري».
عمل المجلس كذلك على تطوير موقعه الإلكتروني ليواكب مكانته العلمية والثقافية، وتم إنشاء مركز إعلامي متخصص لنشر كل ما يتعلق بأنشطة المجلس، بما في ذلك المؤتمرات والمعارض والمجالس الحديثية؛ ما عزز من تواصله مع الجمهور.
سعى المجلس إلى الحفاظ على التراث الإسلامي، إذ كلف مجموعة بحثية بالبحث عن الكتب والتسجيلات النادرة؛ ما أثمر عن اكتشاف تلاوات قرآنية نادرة وكتب تراثية قيمة سيعاد نشرها للاستفادة منها.
أولى المجلس اهتمامًا خاصًا باللغة العربية، إذ نظم احتفالات إلكترونية بمناسبة يوم اللغة العربية على صفحاته الرسمية طوال أسبوع كامل، ما يؤكد التزامه بدعم اللغة وتعزيز مكانتها.
كما أقام المجلس معرضًا خاصًا عن آل البيت في مساجدهم، مسلطًا الضوء على الجوانب الإنسانية المشرقة من سيرهم، لتكون مصدر إلهام للأجيال في بناء مجتمع متماسك أخلاقيًا وروحيًا.
واستكمالًا لجهوده في دعم التراث، نظم المجلس تدريبًا ميدانيًا لطلاب كلية أصول الدين بالمنوفية، لتعليمهم كيفية تحقيق كتب التراث، وهو ما يؤكد اهتمامه بتأهيل الكوادر العلمية الشابة.
اهتم المجلس أيضًا بتطوير بنيته التحتية، إذ تم تجديد أساس المقر وترتيبه بما يليق بمكانته بوصفه مؤسسة علمية وثقافية، بما يعزز من قدرته على تقديم خدماته بجودة وكفاءة.