بوابة الوفد:
2025-03-29@07:13:32 GMT

إلا هذه المرة

تاريخ النشر: 20th, March 2024 GMT

كان ونستون تشرشل رئيسًا لوزراء بريطانيا فى زمن الحرب العالمية الثانية، وكان يردد دائمًا أن الديمقراطية ليست أنسب أنظمة الحكم كما قد يتصور بعض الناس، وأن المشكلة هى أن العالم لم يتوصل بعد إلى نظام حكم أفضل منها، وإلى أن يتوصل لذلك ستبقى الديمقراطية أفضل نظم الحكم التى عرفها البشر. 
ولو أنك بحثت عن عاصمة تعيد تذكيرك بزاوية محددة فى هذا المعنى الذى عاش تشرشل يردده، فلن تجد إلا تل أبيب التى تتخذها الدولة العبرية عاصمةً لها.

 
ذلك أن الذين يتابعون الحرب الوحشية التى تشنها حكومة بنيامين نتنياهو على المدنيين فى قطاع غزة، يكتشفون أن هذه الحكومة تقول عن نفسها إنها جاءت من خلال العملية الديمقراطية المعتادة إلى مقاعد الحكم، وسوف يكتشفون أنها تمارس ما تمارسه باسم هذه الديمقراطية، وأن المظاهرات التى خرجت تحتج فى تل أبيب لم تفلح فى إزاحتها عن مقاعدها ! 
لقد دمرت غزة وحولتها إلى ركام، وقتلت النساء والأطفال فيها، وتجاوز عدد الذين قتلتهم الثلاثين ألفًا منذ بدأت الحرب فى السابع من أكتوبر، وكلما احتج العالم واعترض قالت إنها حكومة منتخبة، وأن الناخب الإسرائيلى هو الذى جاء بها، وأنها تفعل ما تفعله باسم ناخبيها !.. وقد يكون هذا صحيحًا، ولكن الأصح منه أن هذا الناخب نفسه عاجز عن تغييرها، وغير قادر على طردها من مقاعدها. 
هو عاجز عن ذلك وغير قادر، رغم أن آخر استطلاعات الرأى التى جرى الإعلان عنها فى اسرائيل يوم الخميس ٧ مارس، تقول إن الثقة فى هذه الحكومة تراجعت من ٢٨٪ عند بدء الحرب إلى ٢٣٪، وأن هذا معناه أن الانتخابات لو جرت اليوم فسوف تسقط حكومة نتنياهو بالتأكيد. 
ومع ذلك كله، فالحكومة لا تزال فى مقاعدها، ولا تزال تدمر وتقتل، ولا يزال الناخب الذى جاء بها عاجزًا عن إخراجها.. وهذا أمر لم يحدث من قبل فى تاريخ اسرائيل كله.. ففى كل مرة مماثلة أو مشابهة من قبل، كانت الانتخابات تجرى على الفور، وكان رئيس الوزراء يتغير، وكانت حكومة جديدة تأتى. 
إلا هذه المرة التى يعرف نتنياهو فيها جيدًا، أن إجراء انتخابات جديدة لا تتوقف نتائجه عند حد تغيير حكومته، وأن النتائج سوف تمتد إلى محاسبته ووقوفه أمام العدالة مرتين: مرة عن قضايا فساد متهم فيها من أيام ما قبل الحرب، ومرة أخرى عن مسئوليته عن هجوم السابع من اكتوبر، وعن تقصيره الذى أدى إلى وقوع الهجوم، وفى الحالتين فإن الإدانة تنتظره ومن بعدها العقوبة التى ستراها العدالة مناسبة. 
كان الأستاذ الإمام محمد عبده يكره السياسة، وكان يلعنها ويلعن كل مفرداتها، وكان يقول لعن الله السياسة، وساس، ويسوس.. ولا بد أن كل متطلع إلى ما تمارسه حكومة التطرف فى اسرائيل يردد ما كان يردده الأستاذ الإمام، ولكن مع الديمقراطية ومفرداتها هذه المرة.
 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: سليمان جودة خط أحمر الحرب العالمية الثانية الديمقراطية الحرب الوحشية

إقرأ أيضاً:

أمريكا.. الديمقراطية المتناقضة

 

 

سالم بن حمد الحجري

لا تُختزل التناقضات الأمريكية في مجرد فجوات بين المثاليات السياسية والممارسات الواقعية؛ بل هي جزءٌ من بنية تاريخية عميقة، تُظهر أن الولايات المتحدة لم تكن يوما واحة للديموقراطية كما تروج لها آلتها الإعلامية والدبلوماسية؛ بل قوة استعمارية جديدة، تلبس عباءة الأخلاق والمبادئ لتبرير هيمنتها، فمنذ القرن التاسع عشر، وهي تمارس الهيمنة الاقتصادية والسياسية باستخدام القوة العسكرية، وفرض إرادتها دون مبالاة لمبادئ السيادة التي تدعيها وتدافع عنها.

لا يمكن فهم الخطاب الأمريكي عن الديمقراطية دون تفكيك تاريخه الامبريالي والاستعماري، فلأجل المصالح الجيوسياسية تبرر الديمقراطية الأمريكية قتل الملايين في فيتنام وافغانستان والعراق وفلسطين وغيرها من الدول والشعوب، لكنها في الوقت ذاته داعمٌ قوي للأنظمة الديكتاتورية المتسلطة على الشعوب من شاه إيران إلى بينوشيه في تشيلي وصولا إلى الدعم المطلق للكيان الصهيوني الحافل بسجله الإجرامي ضد الشعب الفلسطيني، فضلا عن دعمه لأنظمة الاستبداد في عالمنا العربي، في ممارسة فاضحة لازدواجية المعايير التي تُظهر أن "الديمقراطية" في الخطاب الأمريكي ليست قيمة مطلقة؛ بل أداة لتبرير الوجه القبيح للاستعمار الجديد.

من جديد، يفتح ترامب الصندوق الأسود للفضائح السياسية في الولايات المتحدة، وهو نمطٌ متكررٌ يعكس أزمة نظام يقدّس القوة أكثر من المساءلة، ففضيحة ووترغيت للرئيس نيكسون كشفت جرائم مؤسسة الرئاسة، بينما كانت الحرب على العراق وغزوه عام 2003 إبان رئاسة بوش الابن مثالا صارخا على تزييف الحقائق ولي القانون الدولي لتبرير الغزو ونهب ثروات العراق، وحتى الرؤساء "التقدميون" مثل كلينتون وأوباما لم يسلموا من الاستغلال الجنسي وتهم الفساد والقضايا الأخلاقية ودعم الأنظمة الفاسدة، ويأتي ترامب في فترته الرئاسية الثانية ليحول مؤسسة الحكم الأمريكي إلى مسرح من الفوضى والتهريج السياسي، والحديث هنا ليس عن القرارات الاقتصادية التي اتخذها في أول يوم في هذه الفترة المشؤومة، ولا القرارات السياسية التي ستجر وبالاً كثيرا على الدولة، لكن الحديث عن أولى فضائح العهد الترامبي الذي يصفه بالذهبي بعد تسريب خطط عسكرية عبر برنامج محادثات يدعى سيجنال، أدى لأن تقوم قيامة دوائر التشريع والصحافة الامريكية بعد وصول تلك المعلومات وانتشارها والخوف من أن تشكل هذه الفضيحة خطرا على الأمن القومي الأمريكي، رغم أن استخدام هذا التطبيق المشفر شائع بين المسؤولين في الإدارات السابقة تجنبا للرقابة الرسمية، ما يعكس ازدواجية في معايير الأمن القومي.

لكن الأكثر سخرية، هو أن توجه واشنطن انتقادها حول الديمقراطية ومبادئ وحقوق الانسان لدول مثل روسيا والصين وإيران، بينما تُدار اللعبة الديمقراطية فيها بالمال السياسي الفاسد والسيطرة على وسائل الإعلام والخضوع للوبي اليهودي ودفع الرأي العام نحو زاوية الخوف والترهيب نتيجة المعلومات المغلوطة التي تبث عبر وسائل التكنولوجيا المتقدمة، أن تمارس الولايات المتحدة هيمنتها على دول العالم وتطلق أحكامها الاستبداية على الدول والكيانات بحسب مصالحها بينما تدعم علنيا الانقلابات الدموية في أفريقيا وأمريكا الجنوبية، طالما ذلك يحقق مصالحها في ممارسة فجة لنفاق خطاب القوة الأمريكي المتعجرف، وحتى تلك الأنظمة الديمقراطية الأوروبية العتيدة (بريطانيا-فرنسا-ألمانيا) والتي كانت تظن أنها تعيش في برج عاجي لا مجال فيه للتراجع عن مبادئ وقيم العمل السياسي والديمقراطية، أثبتت فشلها وتراجعها أمام تغلغل اللوبي الصهيوني في دوائر اتخاذ القرار، وفشل نخبها السياسية في حل الأزمات التي تنخر في جسد القارة العجوز، فضلا عن الهيمنة الأمريكية ليس فقط في قرارات حلف الناتو ولكن حتى في دهاليز صنع القرار في الاتحاد الأوروبي الذي بدا ضعيفا مشلولا لا يملك من أمره شيء أمام تهديدات ترامب بفرض الضرائب على صادرات الاتحاد التجارية.

هكذا ستجد أمريكا نفسها في مواجهة دول العالم في حال استمرار تعاملها مع الديمقراطية كسلعة قابلة للتصدير وبعقلية تجارية ضيقة الأفق، الأمر الذي ينذر بتقويض مؤسسات الدولة واتساع الانقسامات واختزال السياسة في معارك كلامية تغذيها طغمة حاكمة تعتقد أنها فوق القانون، فلا احترام لقواعد وسلوك، ولا حتى لمواثيق ومعاهدات طالما ذلك يحقق مصالح هذا العهد الأسود، والمواجهة مع الشعوب باتت أقرب من أي وقت مضى، والتي لسان حالها يقول: من يعيش في بيت من زجاج، لا ينبغي أن يرمي الآخرين بالحجارة.

مقالات مشابهة

  • عمر خورشيد: نقدم في «سندريلا كيوت» حب أفلاطوني أتنسى من زمان.. الكواليس مع حورية فرغلي «زي العسل».. وأقدم دور شرير لأول مرة في مسلسل «مملكة النحل»
  • البرهان: القوات المسلحة تعمل على تهيئة الظروف لتولي حكومة مدنية منتخبة
  • نشوى مصطفى: زوجي كان عشرة عمري.. وكان بمثابة أب وأخ وصديق وزوج
  • أمريكا.. الديمقراطية المتناقضة
  • وفد الأقباط الإنجليين يقدم التهنئة لمحافظ أسوان بمناسبة عيد الفطر المبارك
  • محافظ أسوان يستقبل وفد الأقباط الأرثوذكس للتهنئة بمناسبة عيد الفطر
  • محاكمة إمام أوغلو قانونية أم انقلاب على الديمقراطية؟
  • ليست المرة الأولى.. طفل يتسلل عبر السياج الخارجي للبيت الأبيض
  • ليست المرة الأولى.. طفل يتسلل عبر السياج الخارجي البيت الأبيض
  • السودان.. بين المجاعة واستعادة القصر!