بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كانت منظمة تُدعى زاكا حاسمة في نشر الدعاية الوحشية التي تم تكرارها بشكل واسع في الصحافة الغربية.

زاكا هي منظمة تطوعية إسرائيلية يتولى أعضاؤها بشكل أساسي انتشال جثث القتلى في الوفيات "غير الطبيعية". تتمتع بتصنيف رسمي كـ "منظمة غير حكومية" في إسرائيل. يُشار أيضًا إلى أعضائها بأنهم الاستجابة الأولية، أو خبراء البحث والاستعادة.

هذه التسميات منحت الكثير من الشرعية لزاكا، وكان أعضاؤها في موقع مثالي للتحدث إلى الصحافة حول ما حدث في 7 أكتوبر/تشرين الأول. جمع متطوعو زاكا القتلى في قبيلة نوفا راف والكيبوتسين الاثنَين: بئيري وكفار عزة، ورووا قصصهم أمام مجموعات من الصحفيين. اعتمدت وسائل الإعلام بشكل كبير على شهاداتهم. أصبحوا مصادر أساسية لشبكات الإعلام الدولية بما في ذلك سي إن إن، فوكس نيوز ديجيتال، بي بي سي، وغيرها الكثير، بالإضافة إلى نيويورك تايمز.

على قائمة ما نشرته "هآرتس" نجد العناوين: "أكوام من الأطفال المحروقين"، و"تمزق معدة المرأة الحامل، وطعن جنينها". وتلخيصًا للنتائج التي توصلت إليها، شككت "هآرتس" في أن كل هذه الشهادات الكاذبة يمكن أن تكون تفسيرات خاطئة عرضية

المشكلة هي أن الكثير من شهاداتهم تتكون من حكايات فظيعة لم يتم التحقق منها حتى يومنا هذا. ومع ذلك، تم قبول قصصهم في كثير من الأحيان دون شك، وتكررت في حسابات وسائل الإعلام التي كانت أساسية لتشويه سمعة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وبالتالي جميع الفلسطينيين. وقد كانت الخطوة الأولى اللازمة لتبرير رد إسرائيل غير المتناسب، الذي اعتبرته محكمة العدل الدولية الآن "إبادة جماعية".

لا يتم إخبار جمهور وسائل الإعلام بأن متطوعي (زاكا) ليسوا سوى ممثلين محايدين، لأنهم يعملون بالتنسيق الكامل مع قوات الأمن والإنقاذ الإسرائيلية. ولا يتّبع نشطاء (زاكا) المعايير الإنسانية المعمول بها للاستجابة لحالات الطوارئ المعقدة، ولا يتم تدريبهم على الإجراءات الطبية أو علم الطب الشرعي. وكما قال متحدث باسم زاكا: "كونك منظمة تطوعية بدون أجندة سياسية يؤدي إلى الانفتاح والمزيد من التقبل.. إن شهاداتنا مقبولة تمامًا كما لو كانت صادرة من متطوع إنساني دولي أو طبيب".

من المعروف الآن أن معظم روايات شهود "زاكا" لما عثروا عليه بعد مداهمة حماس هي افتراءات، تم فضحها في وسائل الإعلام الدولية والإسرائيلية، ومن قبل الصحفيين الاستقصائيين والمواقع الإخبارية المستقلة في الولايات المتحدة.

خذ على سبيل المثال قصة الأطفال مقطوعي الرؤوس التي التقطتها شبكات البث وأصبحت أخبار الصفحات الأولى في الصحافة الغربية. وكما ذكرت "منت برس نيوز" أن قصة الكشف عن "جثث 20 طفلًا برؤوس مقطوعة" تم تدويرها، حتى بعد أن رفض الجيش الإسرائيلي تأكيدها.

وأدرجت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية سلسلة من روايات "زاكا" الكاذبة عن الفظائع التي يُزعم أن (حماس) نفذتها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وعلى قائمة ما نشرته "هآرتس" نجد العناوين: "أكوام من الأطفال المحروقين"، و"تمزق معدة المرأة الحامل، وطعن جنينها". وتلخيصًا للنتائج التي توصلت إليها، شككت "هآرتس" في أن كل هذه الشهادات الكاذبة يمكن أن تكون تفسيرات خاطئة عرضية.

تم نشر قصة طعن الجنين من قبل متطوع يدعى يوسي لانداو، (رئيس قيادة زاكا الجنوبية)، الذي ظهر في العديد من وسائل الإعلام الدولية. اتهمت صحيفة "هآرتس" لانداو بالمسؤولية الشخصية عن نشر بعض أسوأ الفظائع المزيفة.

ومثل معظم المتحدثين البارزين باسم زاكا، كان لانداو لبقًا أمام الكاميرا واستخدم لغة عاطفية، والوقفات الإستراتيجية المحسوبة وكثرة الإيماءات. وفي شريط فيديو أمام المراسلين، يمكن رؤية لانداو والدموع في عينيه، واضطر إلى التوقف، وهو يروي الحكاية المفصلة عن مشاهدته لـ "امرأة حامل، بطنها ممزق، والجنين خارج من رحمها ومربوط بالحبل السري، والجنين نفسه طعن بسكين".

لكن عندما أجرت "هآرتس" مقابلات مع سكان الكيبوتس "أنكروا وجود مثل هذه الحالة أو حتى وجود امرأة حامل بين جيرانهم". وأكدت الصحيفة لاحقًا أن قصة الأم المذبوحة وجنينها، ببساطة، لم تحدث.

أثبت لانداو أنه مصدر غير موثوق به في وقت مبكر، عندما اعترف علانية بأن قصصه مختلقة. وفي وقت لاحق في شريط الفيديو المذكور أعلاه، يشرح لانداو للصحفيين الأجانب أن متطوعي (زاكا) يستخدمون خيالهم: "عندما نذهب إلى منزل، ونحن نستخدم خيالنا. الجثث تخبرنا بالقصص التي حدثت هناك، هذا ما حدث".

لا يزال يوسي لانداو وغيرهم ممن اختلقوا مثل هذه الحسابات يُستخدمون كمصادر إعلاميَّة.

ظهر لانداو في صحيفة "نيويورك تايمز" في أواخر 28 ديسمبر/كانون الأول 2023، كمصدر لتحقيق في الصفحة الأولى للصحيفة حول "العنف الجنسي لحماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول. وتستخدم هذه الصحيفة لانداو لوجوب تصديق قصص "زاكا" الفظيعة، على الرغم من أن الصحيفة تعترف بأنه لا يوجد أي دليل شرعي – ولم يتم إصدار أي وثائق بصرية- لتأكيد الادعاء بأن (حماس) قامت بشكل منهجي باستخدام الاغتصاب كسلاح في ذلك اليوم. وتحت الصورة الكبيرة للانداو، نقلت الصحيفة عنه قوله: إنّه لم يلتقط صورًا للجثث لأنه غير مسموح بها.

لكن حتى هذه الجملة البسيطة للانداو هي مجرد كذبة، حيث أكد متطوعون آخرون يروون القصص للصحفيين أنهم التقطوا صورًا. وعلى سبيل المثال، نقلت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" عن مسؤول (زاكا) سيمشا غرينيمان، قوله: إن صورهم أرسلت مباشرة إلى السلطات الرسمية، على الرغم من أن الصحيفة لم تتمكن من الحصول على صور. وقد تفاخر غرينيمان في ثلاث مناسبات مختلفة بأن لديهم "كل الصور وكل الأدلة" لإثبات حكاياتهم.

تتجاهل "نيويورك تايمز" الروابط بين (زاكا) ودورها في حملات "هاسبارا" الرسمية الإسرائيلية، أي الدعاية. وتعمل (زاكا) من خلال المكتب الصحفي الحكومي. في الواقع، اعترف مدير مكتب العمليات العامة: "من الصعب تخيل هاسبارا الإسرائيلية مع مراسلين أجانب دون الدور الرائع والقيم والفعّال لرجال زاكا. نشاطهم مهم للغاية في هاسبارا.

عندما التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه بفرق (زاكا) في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، حثّهم على مواصلة جهودهم، لأنها ضرورية "لإضفاء الشرعية على الحرب وتمديد فترتها.

هذه القصص والرواة لا يزالون مستمرين في دعايتهم، ولا تزال وسائل الإعلام تنشر لهم، بل إنّ مسؤولًا إسرائيليًا استخدم قصصهم كدفاع ضد تهمة "الإبادة الجماعية" في محكمة العدل الدولية. ويواصل الرئيس الأميركي جو بايدن تكرار مزاعم الأطفال مقطوعي الرؤوس. طوال شهر ديسمبر/كانون الأول 2023، عندما أقامت جنوب أفريقيا قضيتها في محكمة العدل الدولية التي اتهمت إسرائيل بالإبادة الجماعية، تصاعد خطاب الشيطنة ضد حماس، مما ساعد على التغاضي عن الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة.

لكن هذا قد يكون على وشْك التغيير.

خضعت تقارير "نيويورك تايمز" عن العنف الجنسي المزعوم لحماس لتدقيق وانتقاد مكثفين، مع وصف أحد أساتذة الكتابة بأنها "صحافة سيئة"، مضيفًا أن التقارير السماعية تطرح السؤال: "هل تفقد صحيفة نيويورك تايمز مصداقيتها حول فلسطين وإسرائيل؟"، بالإضافة إلى وصف اعتماد الصحيفة على (زاكا) أثناء إخفاء علاقات المجموعة بمصادر الدعاية، عندما نشرت قصة تحمل عنوان:" صرخات بلا كلمات" بأنه" تحقيق مشين" وتم فضحها لادعائها تزويد القراء بأدلة قاطعة، مع عدم تقديم أي دليل على الإطلاق على الاغتصاب الجماعي.

ولكن عندما كشف الصحفيون التحقيقيون أن واحدةً من الكتاب الثلاثة، أنات شفارتز، كانت مخرجة أفلام إسرائيلية ومسؤولة سابقة في الاستخبارات الجوية مع قليل من الخبرة الصحفية، وكانت قد أعجبت بمنشور على تويتر يطالب بتحويل غزة إلى "مذبحة"، فقد تعرض التقرير لانتقادات داخلية في غرفة الأخبار في "نيويورك تايمز"، الأمر الذي دفع بعض المحررين للاستقالة.

السؤال الآن، هل ستقوم صحيفة "نيويورك تايمز" بتقديم تقارير أكثرَ دقةً وحقيقةً وتوازنًا حول الحرب الإسرائيلية على غزة الآن بعد هذا الكشف المخزي الذي كررته عن الدعاية الإسرائيلية؟ هل يمكنها حتى تسمية ما تقوم به إسرائيل في غزة، كما يعرف العالم الآن، بأنه إبادة جماعية؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات وسائل الإعلام نیویورک تایمز تشرین الأول

إقرأ أيضاً:

هآرتس: كاهانا مسيحهم ونتنياهو حماره

قالت صحيفة هآرتس إن إسرائيل على بعد خطوة تاريخية من إكمال عملية تحويل الأطراف الصهيونية الهامشية من الشتات والمتدينين والعنصريين إلى التيار الرئيسي في البلاد، ومن المثير للقلق أنها قطعت حتى الآن معظم الطريق، ولكن من المؤسف أن الطريق لا يزال طويلا، وأنه لا يزال هناك مجال للسقوط إلى مستوى أدنى.

وذكّرت الصحيفة -في تقرير بقلم كارولينا لاندسمان- بحفل التأبين السنوي للحاخام مائير كاهانا والذي أقيم هذا الأسبوع وعرضت فيه أجزاء من مقابلة أجراها كاهانا مع مايك والاس في برنامج "60 دقيقة" بعد انتخابه في الكنيست عام 1984، وكأن 40 عاما مرت في غمضة عين بين دخول كاهانا للكنيست ودخول خليفته إتمار بن غفير وزارة الأمن العام.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 21 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنساlist 2 of 2نيويورك تايمز: كيف يمكن للمحكمة مقاضاة نتنياهو وغالانت؟end of list

وإذا كان تحويل الصهيونية إلى أيديولوجية كاهانا أمرا لا مفر منه، كما تشير المقابلة، فإن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ليس سوى حمار مسيح تلك الأيديولوجية، ومن المعتاد أن نعزو انحرافه الحاد نحو اليمين إلى محاكمته وخوفه من المقاطعة السياسية، أي باعتبارها رد فعل على المشاعر التي تنادي بالتخلص منه.

وإذا كان نتنياهو وزملاؤه في الليكود استبعدوا في الماضي الجلوس مع بن غفير في الحكومة ولم ينضموا إليه إلا في غياب خيار سياسي آخر، فإن الكنيست ليس المكان الوحيد الذي يتم فيه تشكيل الائتلافات، إذ إن نتنياهو وبن غفير كانا صديقين في ائتلاف الحياة منذ أيام المقاومة لاتفاقيات أوسلو والتحريض على رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين.

وأشارت الصحيفة إلى أن مصدر قوة نتنياهو الغريب على جانبي الطيف السياسي هو أنه يُنظَر إليه من قبل اليمين باعتباره يمهد الطريق لاستكمال عملية تحويل الصهيونية إلى أيديولوجية كاهانا، مما يوجب دعمه، ومن قبل اليسار يُنظَر إليه باعتباره نوعا من الكابح لمنع استكمال العملية بصرف النظر عن مدى حدة انحرافه إلى اليمين وعن عدد الكاهانيين المحيطين به وكأنه منفصل عنهم.

كهنة يهود يرتدون "تاليت" خلال صلاة الكوهانيم في عيد الفصح أمام الحائط الغربي بالبلدة القديمة في القدس (الفرنسية)

وكما يقول كاهانا في المقابلة فإن "كابوس اليساريين هو أن يصبح كاهانا رئيسا للوزراء"، ولذلك تتساءل الصحيفة هل سيظل الإسرائيليون يذهبون إلى الخدمة العسكرية إذا كان بن غفير رئيسا للوزراء؟ مشيرة إلى أنه كلما رفع نتنياهو العلم يشير إلى أن تحت طبقة عدم الثقة فيه توجد طبقة من الثقة فيه باعتباره أشكنازيا علمانيا درس في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا.

وخلصت الصحيفة إلى أن هذه الحرب ليست حربا تتأثر بمصالح البقاء السياسي، وتستخدم ذريعة لتأجيل محاكمة نتنياهو، وتلحق ضررا غير مسبوق بسكان قطاع غزة، بل تستخدم كبرنامج سياسي للاحتلال والترحيل والاستيطان، وأبدت أسفها على أن الإسرائيليين لن يفهموا من وماذا كانت تخدم إلا عندما يتحقق "الكابوس" وتكتمل العملية وينزل المسيح كاهانا عن حماره بيبي (لقب نتنياهو)، لكن حينها سيكون الأوان قد فات على الأرجح.

مقالات مشابهة

  • بالفيديو.. محمد أبو هاشم: شر البقاع هي الأسواق (يكثر فيها الكذب والغش)
  • ما شكل القوات الإسرائيلية التي هاجمت لبنان؟
  • الحكومة الإسرائيلية تعاقب صحيفة "هآرتس" بسبب انتقاداتها لحربي غزة ولبنان
  • الحكومة الإسرائيلية تقاطع صحيفة هآرتس وتتهمها بدعم «الأعداء»
  • صباغ : سورية تجدد إدانتها للاعتداءات الإسرائيلية السافرة على دول المنطقة وشعوبها، وإدانة جرائم الحرب، وجرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني
  • الحكومة الإسرائيلية تقر بالإجماع فرض عقوبات على صحيفة هآرتس بسبب انتقاداتها للحرب في غزة
  • هآرتس: ربع الأسرى أصيبوا بمرض الجرب مؤخرا
  • تايمز: رفض الحريديم التجنيد ينذر بإحداث شرخ في الحكومة الإسرائيلية
  • حوار مثير لميركل مع صنداي تايمز: وبّخت نفسي على مصافحة ترامب
  • هآرتس: كاهانا مسيحهم ونتنياهو حماره