بات لا يغفل على أحد أن مكتبة الإسكندرية تعد إحدى أبرز المعالم الثقافية فى العالم، وتحظى بسمعة عالمية كمركز للمعرفة والتثقيف، حيث تأسست المكتبة الحديثة فى العام 2002 وتعتبر تجسيدًا للتقاليد القديمة للمكتبات فى الإسكندرية التى شهدت ذروة التقدم الثقافى والعلمى فى العصور القديمة، وأصبحت المكتبة مركزًا حضاريًا شاملًا تجمع بين وظائف المكتبة التقليدية والمبتكرة وتضم المكتبة مجموعة هائلة من الكتب والمصادر المعرفية فى مختلف المجالات، مما يجعلها مصدرًا قيمًا للمعرفة والبحث العلمى، وتتوفر الموارد المعرفية فى المكتبة باللغات المختلفة مما يسهم فى إشراك وتلبية احتياجات الباحثين والقرّاء من مختلف الثقافات واللغات.
جسور التنمية وبناء الوعي
وإلى جانب الوصول إلى الموارد المعرفية، تلعب مكتبة الإسكندرية دورًا رئيسيًا فى التنوير وبناء الوعى فى المجتمع، حيث تنظم المكتبة العديد من الأنشطة الثقافية والتثقيفية، مثل الندوات والمحاضرات وورش العمل والمعارض، بهدف تعزيز الوعى العام وتوسيع آفاق المعرفة للمجتمع المحلى والعالمى.
دور بيت السنارى الثقافي
أود الإشادة ايضًا ببيت السنارى الثقافى والذى بات هو الآخر مساحة معرفية متعددة الاستخدامات، حيث يستضيف العديد من الندوات وورش العمل والمعارض والأدبيات والعروض المسرحية والفعاليات الثقافية الأخرى، ويعتبر منبرًا مهمًا للحوار الفكرى وتبادل المعرفة وتعزيز التفاعل الثقافى بين الفنانين والكتاب والمثقفين والجمهور وخلال هذا الشهر الكريم تنوعت الاحتفالات الثقافية والفنية والندوات الرمضانية التى تؤكد الدور المهم الذى تلعبه مكتبة الإسكندرية فى الحفاظ على الهوية وتعزيز قيمة الولاء والانتماء.
الدكتور أحمد أبو زيد
الدكتور أحمد زايد مدير المكتبة، هذا الرجل الذى يضطلع بدور قيادى فى توجيه الرؤية والأهداف الثقافية للمكتبة، حيث يعمل الدكتور جنبًا إلى جنب مع فريق متخصص من المكتبيين والباحثين والمختصين الثقافيين فى تطوير برامج وفعاليات تعزز دور المكتبة فى بناء الوعى وتعزيز التثقيف وكل فرد فى المكتبه تجده يحمل رسالة سامية وهدف نبيل فى المساهمة برفع الوعى والتثقيف والتنوير.
لا يجب أن نغفل أن المكتبة تتبنى إستخدام التكنولوجيا والوسائط المتعددة فى توصيل المعرفة والثقافة، وتوفر المكتبة واجهة إلكترونية متقدمة تسمح للمستخدمين بالوصول إلى الموارد الرقمية والبحث فى قواعد البيانات العلمية والثقافية عبر الإنترنت. بالإضافة إلى ذلك، تنشر المكتبة مجلة بحثية دورية تعمل على نشر الدراسات والأبحاث العلمية فى مختلف المجالات.
تحية للقائمين على مكتبة الإسكندرية وفروعها المتعددة ودورها المهم فى نشر الثقافة وإقامة الندوات والمهرجانات والاحتفالات فأصبحت مركزًا للتميز فى إنتاج ونشر المعرفة، ومكانًا للتفاعل بين الشعوب والحضارات وتسهم بشكل كبير فى تثقيف المواطنين فى ظل تحديات كثيرة تواجه الدولة المصرية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الدولة المصرية مكتبة الإسكندرية العصور القديمة الإسكندرية مکتبة الإسکندریة
إقرأ أيضاً:
فيلم "نه تشا 2" يشعل موجة جديدة من السياحة الثقافية في الصين
تشو شيوان **
في الآونة الأخيرة، تصدَّر الفيلم الصيني "نه تشا 2" (Ne Zha 2) قائمة الأفلام الأكثر مبيعًا في تاريخ السينما الصينية، مُحطِّمًا العديد من الأرقام القياسية المحلية والدولية، ولم يكتفِ الفيلم بتحقيق إيرادات تجاوزت 12 مليار يوان صيني فحسب، متفوقًا بذلك على جميع أفلام الرسوم المتحركة المحلية وحتى الدولية، بل أطلق أيضًا موجة ثقافية وسياحية تحت عنوان "السفر حول الصين مع الفيلم".
ولا يكمُن سر نجاح هذا العمل في إنتاجه الباهر أو قصته المؤثرة فحسب، بل في قدرته على الجمع بذكاء بين عناصر الأساطير الصينية العريقة واقتصاد السياحة الثقافية الحديثة، مما وفر للجمهور تجربة ثقافية ممتدة من الشاشة إلى أرض الواقع.
لقد ساهمت شعبية "نه تشا 2" بشكل كبير في تعزيز الاهتمام بالسياحة في المناطق المرتبطة بأسطورة "نه تشا"؛ حيث إن مدنًا مثل ييبين في مقاطعة سيتشوان، وتيانجين، وشيشيا في مقاطعة خنان، أصبحت وجهات سياحية مرغوبة لعشاق الفيلم، وذلك بفضل ارتباطها الوثيق بأسطورة "نه تشا". وتشير البيانات إلى أن عمليات البحث السياحي المتعلقة بـ"نه تشا" قد ارتفعت بأكثر من 5 أضعاف مقارنة مع العام الماضي، مع زيادة ملحوظة في عمليات البحث عن مدن مثل ييبين وجيانغيو بنسب تراوحت بين 225% و453% على أساس شهري.
من وجهة نظري، يُمثِّل نجاح "نه تشا 2" نموذجًا رائعًا لكيفية استغلال الصناعة السينمائية للتراث الثقافي لتعزيز السياحة والاقتصاد المحلي، فالفيلم لم يقدم قصة مرئية مذهلة فقط، بل نجح أيضًا في تحويل الأساطير القديمة إلى محرك للتنمية الاقتصادية والثقافية. هذا النهج الذكي في الدمج بين الفن والتراث والاقتصاد يُثبت أن الأفلام ليست مجرد وسيلة ترفيه؛ بل أداة قوية لتعزيز الهوية الثقافية وجذب السياحة العالمية، ويمكننا القول إن "نه تشا 2" ليس مجرد فيلم ناجح، بل ظاهرة ثقافية واقتصادية، وهذا يؤكد أن الفن عندما يُستثمر بشكل صحيح، يمكن أن يصبح جسرًا بين الماضي والحاضر، وبين الثقافة والاقتصاد.
وحتى يفهم القارئ العربي أسطورة "نه تشا"؛ فهي واحدة من أشهر الأساطير الصينية التي تعود جذورها إلى التراث الأسطوري الصيني القديم، والتي تُصوِّر "نه تشا" كبطل خارق وشجاع، غالبًا ما يُصوَّر على أنه طفل صغير يتمتع بقدرات خارقة وسلاح سحري يُعرف باسم "دوائر السماء والأرض". ووفقًا للأسطورة الأصلية، وُلد "نه تشا" بطريقة غير عادية؛ حيث خرج من بطن أمه على شكل كرة لحمية، ثم تشكل ليصبح طفلًا مُذهلًا. اشتهر "نه تشا" بمواجهته للشر والأعداء، بما في ذلك التنين الذي أثار الفوضى في البحر، مما جعله رمزًا للشجاعة والتضحية. تُعتبر قصته جزءًا من الروايات الكلاسيكية مثل "أسطورة خلق الآلهة"، والتي تجمع بين العناصر الأسطورية والدينية. و"نه تشا" ليس مجرد شخصية أسطورية؛ بل يمثل أيضًا قيمًا مثل البراءة والقوة؛ مما جعله شخصية محبوبة في الثقافة الصينية؛ سواء في الأدب أو الأفلام أو الفنون الشعبية.
وهذا الفيلم ليس حالة فريدة من نوعها، بل جزء من ظاهرة أوسع تشهدها الصين خلال السنوات الأخيرة؛ حيث ساهمت العديد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية في تعزيز السياحة في المناطق الصينية المختلفة. ومع ذلك، تكمُن خصوصية "نه تشا 2" في قدرته على بناء نظام بيئي ثقافي وسياحي متكامل، من خلال مسار مبتكر يبدأ بسيناريو القصة، مرورًا بإنتاج العمل الفني، ووصولًا إلى بناء علامة تجارية قوية للمنتج. على سبيل المثال، استخدمت مقاطعة جيانغشي التكنولوجيا الرقمية لإعادة إنشاء مكان ميلاد "نه تشا" عبر "ممر تشنتانغ الافتراضي"، بينما أطلقت مقاطعة سيتشوان دراما قصيرة غامرة حول الموضوع، مما حوّل السرد الأسطوري إلى منتجات سياحية تفاعلية. هذا التحول من مرحلة "التقاط الصور" إلى مرحلة "الانغماس الثقافي" يجعل السائحين ليسوا مجرد متفرجين، بل مشاركين فاعلين في العالم الأسطوري الذي يعيشونه.
من وجهة نظري، يثبت التأثير الثقافي والسياحي لفيلم "نه تشا 2" أن الأعمال السينمائية والتلفزيونية ليست مجرد وسائل ترفيهية استهلاكية، بل هي أيضًا أدوات قوية لنقل الثقافة وتعزيز التواصل الحضاري. عندما تقفز شخصية نه تشا من الشاشة إلى أرض الواقع، فإن ما يبحث عنه السائحون ليس مجرد مشاهد الفيلم، بل أيضًا الشعور بالارتباط الروحي مع الأساطير الصينية العريقة. وهذا الارتباط يخلق تجربة سياحية غنية تترك أثرًا عميقًا في نفوس الزوار.
في المستقبل، ومع تزايد انتشار حقوق الملكية الفكرية للأفلام والتلفزيون الصينية على المستوى الدولي، يمكن لصناعة السياحة الثقافية في الصين أن تفتتح فصلًا جديدًا من التكامل بين الثقافة والسياحة. هذا التكامل يمكن أن يعزز مفهوم "تشكيل السياحة من خلال الثقافة، وتعزيز الثقافة من خلال السياحة"، مما يجعل الأفلام دليلًا للعالم لفهم الصين بشكل أعمق. وبذلك، تصبح الثقافة الصينية جسرًا للتواصل بين الشعوب، وتتجذر الثقة الثقافية في رحلة السفر، مما يعكس صورة الصين كحضارة عريقة وحديثة في آن واحد.
خلاصة القول.. يُعد "نه تشا 2" نموذجًا رائدًا لما يمكن أن تحققه صناعة السينما الصينية عندما تجمع بين الإبداع الفني والترويج الثقافي، لقد تجاوز الفيلم حدود الشاشة ليصبح ظاهرة ثقافية وسياحية، مؤكداً قوة الفن في تشكيل الواقع وتحفيز الاقتصاد. ومن يدري؟ ربما تكون هذه مجرد بداية لموجة جديدة من الأفلام الصينية التي تسعى إلى تحقيق التكامل بين الثقافة والفن والسياحة.
** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية - العربية