لجريدة عمان:
2025-04-28@23:21:35 GMT

تنظيم أوقاف المستقبل.. أن نسبق الواقف بخطوة

تاريخ النشر: 20th, March 2024 GMT

تنظيم أوقاف المستقبل.. أن نسبق الواقف بخطوة

ما أطيب اللحظة التي يقرر فيها إنسان ما أن يجود بجزء من ماله ليكون وقفا لله، طالبا به رضا الله، راجيا به تحقيق منفعة لأبناء مجتمعه، هي لحظة من اللحظات التي تدعو للتفكر، فما الذي كان يدور بفكر ذلك الواقف من أمنيات التعبد الأخروية، وآمال المستقبل الدنيوية، (وقف للمسجد الفلاني، أو للمدرسة الفلانية في القرية الفلانية، أو لفقراء البلد الفلاني)، هو توفيق من الله أن هيأ له تلك اللحظة السعيدة، التي لها ما بعدها، وهي من اللحظات التي تجعل المهتم بتطوير الأوقاف وتنظيمها مستقبلا أن يتساءل لماذا يؤطر الواقفون أوقافهم بإطار جغرافي محدود جدا، هل أثّرت عليهم الثقافة السائدة؟ هل أسهمت العاطفة الجياشة دورا في توجيه أوقافهم؟ ذلك لأن هذا التأطير الضيق قد يؤدي مع الزمن إلى تراكم في بعض الأوقاف، وشح في أوقاف أخرى، كما أنه عامل ضعف في تطوير الأوقاف ذلك لأن تأطير الوقف جغرافيا يؤدي إلى محدودية انتشاره، وجذب الداعمين له، وعلى كل الحال فإن الوقف خير في كل جوانبه، وأينما كانت اتجاهاته، إلا أن التنظيم يجعل الخير أجمل والمنفعة منه أكمل.

كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- رجل دولة من طراز رفيع، فحين فتح المسلمون في عهده أرض السواد بالعراق، وألقت إليه الدولة الفارسية المنهارة بما كسبته أيادي قادتها مما كانت تظلم فيه الناس من أراض زراعية واسعة هناك، نظر إليها -رضي الله عنه- نظرة رجل الدولة المخطط للمستقبل بواقعية، فقرر جعل تلك الأراضي وقفا للمسلمين، وأبى أن تنالها قسمة الغنائم، على الرغم من معارضة كثير من الصحابة لهذا التوجه، إذ كان يرى أن الدولة الناشئة بحاجة لتأمين حدودها من الأعداء المتربصين بها، وما توفره تلك الأراضي من مال؛ كفيل بتوفير الاحتياجات العسكرية والأمنية، وأن قسمة تلك الأموال وتوزيعها إلى إقطاعيات فيه هدر لمورد مهم من موارد الدولة، وبذلك استطاعت النظرة الأكثر بعدا، والأوسع أفقا إقناع الناس، فكان أن تحقق ما أراد عمر.

إن واقع الوقف اليوم، والنظرة المستقبلية له، تستدعي منا أن نستلهم فكرة عمر ذات الأفق الواسع، وأن نُجَنِّب الوقف النظرة الضيقة المؤطرة له في منشأة واحدة، أو في منطقة واحدة، وأن نخطط لأوقاف المستقبل بطريقة نسبق بها الواقف بخطوة، حتى نجمع شتات الوقف، ونوجه الأوقاف الجديدة توجيها جامعا، يخدم المصلحة العامة على مساحة الوطن العزيز، مع الأخذ في الاعتبار أن يتسم الوقف بمرونة تسمح لإدارته بأن تكيِّفه وفق المستجدات والتطورات الحادثة في الوقف نفسه، وفي المجتمع.

إن توجيه أوقاف المستقبل -من وجهة نظري- يتطلب عدة أمور، ينبغي على القائمين على الأوقاف توجيه الاهتمام إليها، ويمكن أن نجملها في ثلاث نقاط، النقطة الأولى: إنشاء بنك المشروعات الوقفية: بحيث تكون لدينا أفكار جاهزة لمشاريع أوقاف مبنيَّة على واقع حال المجتمع واحتياجاته، وتراعي جوانب التجديد والإبداع في مجال الوقف، على أن يتم عرض تلك المشاريع على الراغبين في الدخول إلى مجال الوقف، وتسويقها جماهيريا بطرائق مناسبة، النقطة الثانية: الشمولية، بحيث تؤَسَّس الأوقاف الجديدة لتخدم غرضا محددا على أن يشمل كل ما يتعلق بخدمة ذلك الغرض في سلطنة عمان من أقصاها إلى أقصاها، النقطة الثالثة: المرونة: بحيث تكون صيغة الوقف مرنة تسمح بتوسيع نطاق الوقف مع مرور الزمن، فتتيح للإدارة القائمة على الوقف توجيه الفائض من أموال ذلك الوقف إن وجدت، إلى جهة أخرى تخدم التوجه نفسه بطريقة مباشرة، أو بطريقة غير مباشرة قد تكون ضرورية جدا في مرحلة أخرى، ولو كانت بعد مرحلة تأسيس الوقف بمائة سنة أو أكثر ولم تكن معروفة في وقت التأسيس، لأنه قد تنتفي الحاجة في المجال الموقوف له أصلا في مرحلة من مراحل الزمن المتغير، فتُوجَّه تلك الأوقاف إلى جهة أكثر فائدة، وبذلك نكون قد سبقنا الواقف بخطوة، ومهّدنا الطريق لأن تسير أوقاف المستقبل إلى وجهات مدروسة ومخطط لها بعيدا عن العشوائية، وبما يرضي الواقف ويحقق له هدفه.

إن النقاط الثلاث سابقة الذكر هي قواعد انطلاق وتوجيه، فهي سابقة لجوانب الإدارة والاستثمار، كما أنها تتسق مع الجانب الشرعي المؤطر للوقف ولا تتعارض معه، فهي تحقق فلسفة الوقف والحكمة الشرعية منه، وهي أنه صدقة جارية مستدامة، توجه في أمر مباح شرعا، برضا الواقف، كما أنها ستكون قادرة على استقطاب أوقاف جديدة من شريحة واسعة من أبناء المجتمع، وبالتالي ستكون أكثر قدرة على الدخول في أسواق الاستثمار.

د. خالد بن محمد الرحبي: باحث في التاريخ الحضاري العُماني عمومًا، والوقف على وجه الخصوص.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

أمين الأعلى للشئون الإسلامية يلقي كلمة وزارة الأوقاف في مؤتمر كلية الشريعة

ألقى الدكتور محمد عبد الرحيم البيومي، الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، كلمة وزارة الأوقاف نيابةً عن الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، وذلك خلال مشاركته في فعاليات مؤتمر: “بناء الإنسان في ضوء التحديات المعاصرة”، الذي تعقده كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، تحت رعاية كريمة من فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف.

نائب رئيس جامعة الأزهر: ‏المسجد محور مهم للتربية والثقافة وترسيخ الهوية‏رئيس جامعة الأزهر: تقوية مناعة الروح بمكارم الأخلاق ضرورة لتحصين الإنسان ضد الانحرافات

وقد استهل البيومي، كلمته بنقل تحيات معالي وزير الأوقاف وتقديره للقائمين على تنظيم هذا المؤتمر المهم، ثم افتتح حديثه بالتأكيد على أن الإرادة الأزلية، التي اقتضتها الحكمة الإلهية، قد شاءت أن يكون الإنسان خليفة الله في أرضه، مشيرًا إلى الحوار الذي دار في الملأ الأعلى حول كينونة الاستخلاف وأحقيته.

وأكد في كلمته أن الأزهر الشريف في عالم الإنسان وبنائه، قد دثر الكون على اختلاف ألسنته وألوانه بدفء معارفه وعلومه، فما استشعر وافد إليه بغربة في وجهه وجسده ولسانه، وكأنها أرواح تلاقت على غير أنساب بينها، فحقق لها الأزهر المعمور واقعية اللقاء، وقد كانت مثلا في ما ورائيات الفضاء. 

وأضاف أن الأزهر إذا ما أصقل وليده في بنيانه، وصنعه على عينه، أركبه سفن النجاة، وأعاذه من غوائل الأفكار بصلوات إثرها دعوات، وكأنه يقول: جنبك الله الشبهة وعصمك من الحيرة، وجعل بينك وبين المعرفة نسبا وبين الصدق سببا، وحبب إليك التثبت، وزين في عينيك الإنصاف، وأذاقك حلاوة التقوى، وأشعر قلبك عز الحق، وأودع صدرك برد اليقين، وطرد عنك ذل اليأس، وألهمك ما في الباطل من الذلة، وما في الجهل من القلة، فإذا بأبواب السماء وقد تفتحت عرفانا بماء منهمر، وتفجرت ينابيع الحياة لديه كوثرا وعيونا، وإذا بعناية السماء تتعانق مع إرادات الأرض، فيأتي الأزهري في حقيقة أمره على أمر قد قدر،" تحوطه يد الرعاية وبوارق الهداية "وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا"، فلعمري:
لَيسَ الَّذِي يَبنِي الحِجَارَةَ مِثلَ مَن
يَبنِي العُقُولَ النَّيِّرَاتِ وَيَعْمُرُ
مَا شَادَ بَانٍ فِي الكِنَانَةَ مِثْلَمَا
شَادَ المُعِزُّ الفَاطِمِيُّ وَجَوهَرُ.

وأضاف أن الأزهر في منهجية بنائه وقد رأى من أمر العالم عجبا، فأنبأه بما لم يحط به خبرا، ورأى العالم يستقبل الصباح يستيقظ فيه الإنسان، ولم تستيقظ فيه الإنسانية، وتستيقظ فيه الأجسام، ولا تستيقظ فيه القلوب والأرواح، وما أكثر النهار المظلم والصبح الكاذب في مسيرة العالم وتاريخه، هنا استلهم الأزهر من صحة نسبه واتصال سنده ما تشرق به الأرض بنور ربها، ثم سطره الأبرار عند ربهم في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها "وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا".

واختتم البيومي كلمته بهذه الكلمات المؤثرة:
وما الأزهر في احتفاله اليوم إلا لأنه رأى مجدًا تفجر من أنوار يعقوب، عاينه وقد اتخذ من العلم محرابًا يتقرب به إلى الله، وجعله سببًا لشفاء القلوب من آلامها، بعدما ظنت أنها قد وقفت على أعتاب الدنيا تودع الحياة، فإذا بأقدار الله تجري تتلمس الأسباب من الأرض وتتعلق بالرحمات من السماء، فحق للأزهر أن يفاخر بأن لعظماء الرجال في الحياة مواقف، وصنع هو لنفسه مواقف تنحني لها عظماء الرجال.

طباعة شارك الأوقاف الأزهر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية مؤتمر كلية الشريعة كلية الشريعة والقانون

مقالات مشابهة

  • كل ما تريد معرفته عن مشروع قانون تنظيم الفتوى.. متحدث الأوقاف يكشف
  • الأوقاف تُحيل قانون تنظيم الفتوى إلى البرلمان وتحدد الجهات المصرح لها بالإفتاء
  • مناقشة تفعيل آلية الحفاظ على ممتلكات الأوقاف بمديريات القطاع الغربي بصنعاء
  • وكيل أوقاف كفر الشيخ يتفقد اختبارات مركز الثقافة الإسلامية| صور
  • محافظ بني سويف يلتقي عاصم القبيصي وكيل وزارة الأوقاف الجديد
  • أمير القصيم يرعى حفل تخريج الدفعة الـ 16 من طلبة جامعة المستقبل
  • محافظ بني سويف يلتقي وكيل الأوقاف الجديد: دوركم لا يقتصر على الجوانب الدعوية
  • وزير الأوقاف: العمل بروح الفريق الواحد والالتزام بتطوير العمل الدعوي ‏والتعليمي
  • أمين الأعلى للشئون الإسلامية يلقي كلمة وزارة الأوقاف في مؤتمر كلية الشريعة
  • اجتماع في صنعاء يناقش تفعيل آلية الحفاظ على ممتلكات الأوقاف بمديريات القطاع الشمالي