تنظيم أوقاف المستقبل.. أن نسبق الواقف بخطوة
تاريخ النشر: 20th, March 2024 GMT
ما أطيب اللحظة التي يقرر فيها إنسان ما أن يجود بجزء من ماله ليكون وقفا لله، طالبا به رضا الله، راجيا به تحقيق منفعة لأبناء مجتمعه، هي لحظة من اللحظات التي تدعو للتفكر، فما الذي كان يدور بفكر ذلك الواقف من أمنيات التعبد الأخروية، وآمال المستقبل الدنيوية، (وقف للمسجد الفلاني، أو للمدرسة الفلانية في القرية الفلانية، أو لفقراء البلد الفلاني)، هو توفيق من الله أن هيأ له تلك اللحظة السعيدة، التي لها ما بعدها، وهي من اللحظات التي تجعل المهتم بتطوير الأوقاف وتنظيمها مستقبلا أن يتساءل لماذا يؤطر الواقفون أوقافهم بإطار جغرافي محدود جدا، هل أثّرت عليهم الثقافة السائدة؟ هل أسهمت العاطفة الجياشة دورا في توجيه أوقافهم؟ ذلك لأن هذا التأطير الضيق قد يؤدي مع الزمن إلى تراكم في بعض الأوقاف، وشح في أوقاف أخرى، كما أنه عامل ضعف في تطوير الأوقاف ذلك لأن تأطير الوقف جغرافيا يؤدي إلى محدودية انتشاره، وجذب الداعمين له، وعلى كل الحال فإن الوقف خير في كل جوانبه، وأينما كانت اتجاهاته، إلا أن التنظيم يجعل الخير أجمل والمنفعة منه أكمل.
كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- رجل دولة من طراز رفيع، فحين فتح المسلمون في عهده أرض السواد بالعراق، وألقت إليه الدولة الفارسية المنهارة بما كسبته أيادي قادتها مما كانت تظلم فيه الناس من أراض زراعية واسعة هناك، نظر إليها -رضي الله عنه- نظرة رجل الدولة المخطط للمستقبل بواقعية، فقرر جعل تلك الأراضي وقفا للمسلمين، وأبى أن تنالها قسمة الغنائم، على الرغم من معارضة كثير من الصحابة لهذا التوجه، إذ كان يرى أن الدولة الناشئة بحاجة لتأمين حدودها من الأعداء المتربصين بها، وما توفره تلك الأراضي من مال؛ كفيل بتوفير الاحتياجات العسكرية والأمنية، وأن قسمة تلك الأموال وتوزيعها إلى إقطاعيات فيه هدر لمورد مهم من موارد الدولة، وبذلك استطاعت النظرة الأكثر بعدا، والأوسع أفقا إقناع الناس، فكان أن تحقق ما أراد عمر.
إن واقع الوقف اليوم، والنظرة المستقبلية له، تستدعي منا أن نستلهم فكرة عمر ذات الأفق الواسع، وأن نُجَنِّب الوقف النظرة الضيقة المؤطرة له في منشأة واحدة، أو في منطقة واحدة، وأن نخطط لأوقاف المستقبل بطريقة نسبق بها الواقف بخطوة، حتى نجمع شتات الوقف، ونوجه الأوقاف الجديدة توجيها جامعا، يخدم المصلحة العامة على مساحة الوطن العزيز، مع الأخذ في الاعتبار أن يتسم الوقف بمرونة تسمح لإدارته بأن تكيِّفه وفق المستجدات والتطورات الحادثة في الوقف نفسه، وفي المجتمع.
إن توجيه أوقاف المستقبل -من وجهة نظري- يتطلب عدة أمور، ينبغي على القائمين على الأوقاف توجيه الاهتمام إليها، ويمكن أن نجملها في ثلاث نقاط، النقطة الأولى: إنشاء بنك المشروعات الوقفية: بحيث تكون لدينا أفكار جاهزة لمشاريع أوقاف مبنيَّة على واقع حال المجتمع واحتياجاته، وتراعي جوانب التجديد والإبداع في مجال الوقف، على أن يتم عرض تلك المشاريع على الراغبين في الدخول إلى مجال الوقف، وتسويقها جماهيريا بطرائق مناسبة، النقطة الثانية: الشمولية، بحيث تؤَسَّس الأوقاف الجديدة لتخدم غرضا محددا على أن يشمل كل ما يتعلق بخدمة ذلك الغرض في سلطنة عمان من أقصاها إلى أقصاها، النقطة الثالثة: المرونة: بحيث تكون صيغة الوقف مرنة تسمح بتوسيع نطاق الوقف مع مرور الزمن، فتتيح للإدارة القائمة على الوقف توجيه الفائض من أموال ذلك الوقف إن وجدت، إلى جهة أخرى تخدم التوجه نفسه بطريقة مباشرة، أو بطريقة غير مباشرة قد تكون ضرورية جدا في مرحلة أخرى، ولو كانت بعد مرحلة تأسيس الوقف بمائة سنة أو أكثر ولم تكن معروفة في وقت التأسيس، لأنه قد تنتفي الحاجة في المجال الموقوف له أصلا في مرحلة من مراحل الزمن المتغير، فتُوجَّه تلك الأوقاف إلى جهة أكثر فائدة، وبذلك نكون قد سبقنا الواقف بخطوة، ومهّدنا الطريق لأن تسير أوقاف المستقبل إلى وجهات مدروسة ومخطط لها بعيدا عن العشوائية، وبما يرضي الواقف ويحقق له هدفه.
إن النقاط الثلاث سابقة الذكر هي قواعد انطلاق وتوجيه، فهي سابقة لجوانب الإدارة والاستثمار، كما أنها تتسق مع الجانب الشرعي المؤطر للوقف ولا تتعارض معه، فهي تحقق فلسفة الوقف والحكمة الشرعية منه، وهي أنه صدقة جارية مستدامة، توجه في أمر مباح شرعا، برضا الواقف، كما أنها ستكون قادرة على استقطاب أوقاف جديدة من شريحة واسعة من أبناء المجتمع، وبالتالي ستكون أكثر قدرة على الدخول في أسواق الاستثمار.
د. خالد بن محمد الرحبي: باحث في التاريخ الحضاري العُماني عمومًا، والوقف على وجه الخصوص.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
الحوثيون.. أول توجيه من ترامب ضد أنصار الله في اليمن يوضح فيه الغرض والسياسة والتنفيذ
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)— أصدر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب بيانا مطولا فصل فيه خطوات للتعامل مع جماعة انصار الله في اليمن أو ما يعرفون باسم الحوثيين، وذلك في أول بيان له منذ توليه منصبه، وفيما يلي نص البيان:
بموجب السلطة المخولة لي كرئيس وبموجب دستور وقوانين الولايات المتحدة الأمريكية، بما في ذلك قانون الهجرة والجنسية وما يليه، آمر بموجب هذا على النحو التالي:
القسم 1. الغرض:
يبدأ هذا الأمر عملية يتم بموجبها اعتبار جماعة أنصار الله، المعروفة أيضًا باسم الحوثيين، منظمة إرهابية أجنبية..
بدعم من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي الإيراني، الذي يقوم بتسليح وتدريب المنظمات الإرهابية في جميع أنحاء العالم، أطلق الحوثيون النار على السفن الحربية التابعة للبحرية الأمريكية عشرات المرات منذ عام 2023، مما يعرض الرجال والنساء الأمريكيين الذين يرتدون الزي العسكري للخطر، ومنذ الاستيلاء على معظم المراكز السكانية اليمنية بالقوة من الحكومة اليمنية الشرعية في 2014-2015، شن الحوثيون العديد من الهجمات على البنية التحتية المدنية، بما في ذلك هجمات متعددة على المطارات المدنية في المملكة العربية السعودية، والهجمات القاتلة في يناير/ كانون الثاني 2022 على الإمارات العربية المتحدة، تم إطلاق أكثر من 300 قذيفة على إسرائيل منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كما هاجم الحوثيون السفن التجارية التي تعبر باب المندب أكثر من 100 مرة، مما أسفر عن مقتل أربعة بحارة مدنيين على الأقل وجرح آخرين، مما أجبر بعض حركة المرور التجارية البحرية في البحر الأحمر على تغيير مسارها، مما ساهم في التضخم العالمي.
تهدد أنشطة الحوثيين أمن المدنيين والأفراد الأمريكيين في الشرق الأوسط، وسلامة أقرب شركائنا الإقليميين، واستقرار التجارة البحرية العالمية.
ثانية. 2. السياسة:
تتمثل سياسة الولايات المتحدة في التعاون مع شركائها الإقليميين للقضاء على قدرات أنصار الله وعملياتها، وحرمانها من الموارد، وبالتالي إنهاء هجماتها على الأفراد والمدنيين الأمريكيين، وشركاء الولايات المتحدة، والشحن البحري في البحر الأحمر.
ثالثا. 3. التنفيذ:
(أ) في غضون 30 يومًا من تاريخ هذا الأمر، يجب على وزير الخارجية، بعد التشاور مع مدير المخابرات الوطنية ووزير الخزانة، تقديم تقرير إلى الرئيس، من خلال مجلس الأمن القومي، بشأن التصنيف. تصنيف أنصار الله كمنظمة إرهابية أجنبية بما يتوافق مع القانون رقم 8 U.S.C. 1189.
(ب) في غضون 15 يومًا بعد تقديم التقرير المطلوب بموجب القسم الفرعي (أ) من هذا القسم، يتعين على وزير الخارجية اتخاذ جميع الإجراءات المناسبة، بما يتوافق مع 8 U.S.C. القرار رقم 1189 بشأن تصنيف جماعة أنصار الله منظمة إرهابية.
(د) بعد تصنيف أنصار الله كمنظمة إرهابية أجنبية بموجب القانون رقم 8 U.S.C. بموجب القرار رقم 1189، يجب على وزير الخارجية ومدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) إجراء مراجعة مشتركة لشركاء الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمقاولين الذين تعمل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية من خلالهم في اليمن، وتحديد أي كيانات لها علاقة، مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية التي قامت:
بدفع مبالغ لأعضاء أنصار الله أو الكيانات الحكومية التي تسيطر عليها؛ أوانتقدت الجهود الدولية لمواجهة أنصار الله بينما فشل في توثيق انتهاكات أنصار الله بشكل كافٍ.يجب على مدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية اتخاذ جميع الإجراءات المناسبة لإنهاء المشاريع أو المنح أو العقود المحددة بموجب القسم الفرعيرابعا. 4. أحكام عامة:
لا يجوز تفسير أي شيء في هذا الأمر على أنه يضعف أو يؤثر بطريقة أخرى على:
السلطة التي يمنحها القانون لإدارة تنفيذية أو وكالة أو لرئيسها؛ أووظائف مدير مكتب الإدارة والميزانية فيما يتعلق بمقترحات الميزانية أو الإدارة أو التشريع.يجب تنفيذ هذا الأمر بما يتوافق مع القانون المعمول به ويخضع لتوافر الاعتمادات.لا يهدف هذا الأمر ولا ينشئ أي حق أو منفعة، موضوعية أو إجرائية، قابلة للتنفيذ بموجب القانون أو في حقوق الملكية من قبل أي طرف ضد الولايات المتحدة أو إداراتها أو وكالاتها أو كياناتها أو مسؤوليها أو موظفيها أو الوكلاء أو أي شخص آخر.