الديمقراطية العالمية تنحدر لأدنى مستوياتها منذ 20 عامًا
تاريخ النشر: 20th, March 2024 GMT
وصلت الديمقراطية في مختلف أنحاء العالم إلى أدنى مستوياتها منذ عقدين من الزمن، مع تصاعد الرقابة على وسائل الإعلام، والانتخابات غير العادلة، والقيود المفروضة على الحريات المدنية، وفقا لتقرير حديث صادر عن مؤسسة برتلسمان ستيفتونغ في ألمانيا.
وبحسب ما نشرته صنداي تايمز، كشف تقرير مؤسسة برتلسمان ستيفتونغ في ألمانيا، أن أربعة بلدان - بنين والسلفادور وقيرغيزستان وتونس - تحولت إلى أنظمة استبدادية، متجاوزة عدد الديمقراطيات بأكبر هامش مسجل.
ومن بين الأنظمة الاستبدادية الجديدة التي أبرزها التقرير تونس، حيث تراجع الرئيس قيس سعيد عن الإصلاحات الديمقراطية منذ عام 2019، وقيرغيزستان، حيث قام الرئيس صدر جباروف بتفكيك حرية الصحافة بعد احتجاجات حاشدة.
في بنين، قام الرئيس باتريس تالون بمركزية السلطة واستهدف أصوات المعارضة منذ توليه منصبه في عام 2016، بينما في السلفادور، أثارت حملة الرئيس ناييب بوكيلي على العصابات المخاوف بشأن الاستبداد.
يقوم مؤشر مؤسسة برتلسمان ستيفتونغ في ألمانيا للتحول (BTI) بتقييم 137 دولة نامية ومرحلة انتقالية، ويكشف عن انخفاض في الانتخابات الحرة والنزيهة في 25 دولة وتشديد القيود على حرية التعبير في 39 دولة خلال العامين الماضيين.
ويحذر هوك هارتمان، أحد كبار الخبراء في مؤسسة برتلسمان ستيفتونغ، من أن نجاح حكام مستبدين مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يمكن أن يلهم الطغاة في المستقبل، مؤكدا ضرورة اليقظة ضد الأنظمة الفاسدة والقمعية.
وفي حين خالفت بعض البلدان هذا الاتجاه من خلال عمليات ديمقراطية ناجحة، بما في ذلك البرازيل وكينيا وزامبيا، فإن التآكل العام للديمقراطية يسلط الضوء على أهمية النشاط على مستوى الشارع والضوابط المؤسسية على سلطة الحكومة.
تشير نتائج التقرير إلى وجود صراع عالمي من أجل الديمقراطية، مع آثار تتجاوز بكثير الدول المتضررة بشكل مباشر. وكما يؤكد المستشار الألماني أولاف شولتز، فإن حماية الديمقراطية تتطلب عملاً جماعياً والتزاماً لا يتزعزع من جانب المواطنين في جميع أنحاء العالم.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الديمقراطية العالم
إقرأ أيضاً:
الديمقراطية السائبة: طوفان بلا سدود
8 مارس، 2025
بغداد/المسلة: كتب رياض الفرطوسي
إنها الريح العاتية حين لا تجد جداراً يوقفها، والماء المتدفق حين تُهدم السدود من أمامه، فتتلاعب به المنحدرات، وتأخذه حيث تشاء المصالح، لا حيث تقتضي المصلحة الوطنية. إنها الديمقراطية السائبة، حين يُرفع عنها الغطاء القانوني، وتُترك دون ضوابط تحدد مساراتها، فتصبح بلا هوية، تتأرجح بين الولاء للوطن والانصياع لجهات أجنبية تملي شروطها خلف ستائر المصالح الخفية.
الديمقراطية في العراق، كما وصفها السياسي المستقل الأستاذ عزت الشابندر، تعاني من فقدان الحدود الواضحة التي تحكمها، فهناك سياسيون يتنقلون بين السفارات كما يتنقل العابر بين محطات استراحة، يلتقون بمسؤولين أجانب، ويتفاخرون بالصور التي تجمعهم بهم، وكأنهم حصلوا على ختم القبول من جهات خارجية ترفع شأنهم في الداخل، فيصبح ولاؤهم معلّقاً بين طرفين، لا بين شعبهم ووطنهم.
إن خطورة الديمقراطية السائبة تكمن في أنها تفتح الأبواب لمن هبّ ودبّ ليقدم أوراق اعتماده في المزاد السياسي، متناسياً أن العمل السياسي هو مسؤولية لا مساحة للعبث فيها. حين تصبح الديمقراطية جسراً لعبور المصالح الأجنبية، تتحول إلى أداة اختراق تُضعف الدولة، وتجعلها هشّة أمام العواصف.
الديمقراطية المنتجة التي يمكن أن يضع أسسها الراسخة البرلمان العراقي في مشروعه الإصلاحي، هي الديمقراطية التي يحرص على حمايتها وتطويرها بما يتماشى مع احتياجات التنمية والتطور في العراق، وفي إطار دستوري يجلب الاستقرار والرخاء والازدهار للجميع. إنها الديمقراطية التي تناسبنا، التي تعتبر امتداداً طبيعياً لتاريخنا وحضارتنا، وتراعي قيمنا ومبادئنا وثقافتنا والتطور التاريخي لمجتمعاتنا.
هذه الديمقراطية تختلف اختلافاً جذرياً عن الديمقراطية السائبة التي نرى إفرازاتها عند تصريحات ولقاءات بعض المسؤولين ونتائجها وعواقبها الوخيمة على مستقبل الوضع السياسي، وهو نوع من الانفلات. الأنكى من ذلك أن الغرب مؤمن أن نموذجه الديمقراطي هذا هو أحدث ابتكارات تراكمات الفكر السياسي عبر العصور، وأنه يصلح لكل مكان وكل أمة وشعب وتجمع بشري، ولذلك يعمل على نشر هذا النموذج في العالم، وقد ظهرت تجلياته في وضعنا السياسي من خلال الديمقراطية المشوّهة.
فرض ديمقراطية مستوردة من خارج الحدود هو أبشع أشكال الانفلات، فليس هناك من عاقل يكره الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، ولكن الواعي وحده يعرف أن الغرب يستخدم هذه المفردات الجميلة لتحقيق مكاسب سياسية، وزعزعة المجتمعات المستقرة، والضغط على أنظمتها، وخلخلتها، والعبث بمساراتها التاريخية والاجتماعية، ثم السيطرة على مقدراتها بعد إنهاكها بالحروب والنزاعات والفتن.
تؤدي الديمقراطية السائبة إلى قلب مراكز القوة في الدولة على المستوى الإعلامي والسياسي، وتعطل وتعرقل مسيرة البناء، لأنها تساهم في عدم التزام سياسة واحدة، مما يغري الجميع على التجاوز والاستقواء بالخارج على حساب القرار السياسي الداخلي للدولة. الفيلسوف وعالم الاجتماع جان جاك روسو يقول: “هناك شخص يمكن أن يمثل أشخاصاً آخرين لمجرد أنه حاز على عدد أصوات أكبر في الانتخابات، لكن من المفروض أن يعمل لصالح الناخبين، فكيف به إذا عمل ضد مصالح الناخبين سراً وعلانية؟” هنا تأتي أهمية الرقابة البرلمانية، وعلى المسؤولين أن يدركوا أنهم لا يتمتعون بتفويض مفتوح من الناخبين ليقوموا بما يحلو لهم من أعمال.
نحتاج إلى نضج سياسي وبصيرة في الفصل بين الديمقراطية السائبة والديمقراطية المنتجة.
إصلاح المسار قبل فوات الأوان
إن الحاجة مُلحّة اليوم لتشريعات واضحة، تُحدد معايير التعامل مع الجهات الخارجية، وتضع فواصل دقيقة بين العمل السياسي المسموح، والتسيب الذي يؤدي إلى الإضرار بمصالح الدولة. هناك عراقيون يتصلون بمسؤولين أجانب ويزورون السفارات دون علم الحكومة، وبعضهم يحصلون على رواتب وأموال من الدولة ثم يستغلون مواقعهم ضد نظامهم السياسي، وهذا سلوك خطير يجب التصدي له عبر قوانين صارمة ورقابة مشددة.
لا بد أن تُعاد هيكلة الديمقراطية في العراق لتكون ديمقراطية ذات هوية واضحة، لا يعبث بها الانتهازيون، ولا تتقاذفها أمواج المصالح الخارجية. فالوطن أكبر من أن يكون ساحة للتجارب السياسية، وأمنه القومي أقدس من أن يُرهن باتصالات عابثة لا تخدم إلا أصحابها.
إن لم يوضع حد لهذه الديمقراطية المنفلتة، فسيظل العراق ساحةً مشرّعة للنفوذ الخارجي، وستبقى المصالح الوطنية في مهبّ الريح، يتلاعب بها من لا يهمه سوى بقاؤه السياسي، ولو كان ذلك على حساب الأرض والشعب.
فإما ديمقراطية محكومة بالقانون، أو فوضى تتلبّس قناع الديمقراطية، تجرّ الوطن نحو الضياع.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author moh mohSee author's posts