أحمد حلمي.. استخدم قلمه الحر ليستعرض بشاعة الاحتلال، لم يتوانَ في خدمة بلاده ورصد أشكال العنف والفساد الممارس عليهم، وقف في وجه السلطة العلوية، ودفع ثمن آرائه وتوجهاته، إلا أن ذلك لم يمنعه من استكمال مسيرة النضال، فدون التاريخ حياته بأحرف من ذهب، وترك إرثا خالدًا شاهدًا على نضاله، إنه الصحفي المصري أحمد حلمي، والذي نستحضره معنا في حوار من نسق الخيال، ليرصد مسيرته وتاريخه في محاربة الظلم والقهر والاستعباد.

في البداية نود أن نتعرف أكثر عن نشأتك

فأجاب مبتسما:«ولدت بحي الحسين بالقاهرة عام 1875، ومات والدي قبل ولادتي، إلا أن خالي هو من اهتم بتربيتي وساعدني في إدراك قطار الوظيفة الحكومية»، ثم حلق نظره عاليا وكأنما يستعيد ذكريات طفولته، وما لبث أن قال:« كانت والدتي تعيش بمنزل خالي الذي كان يعمل حينها بوزارة الأشغال كاتباً في هندسة ري الترعة الإسماعيلية، وكان يذهب بي إلى مكتب يدعي «خان جعفر» بالحي الحسيني، حيث تعلمت القراءة والكتابة وحفظ القرآن وكثيراً ما كان خالي يقدم لي نماذج مما اعتاد أن يكتبه في عمله، لإعدادي لأن أكون كاتباً مثله في أحد دواوين الحكومة».

وأكمل: «الإسكندرية، كان لها الفضل في تكويني معتمدًا على ذاتي، ففي نحو الخامسة عشرة من عمري، هاجرت إلى الإسكندرية مشياً على الأقدام وهناك عملت في إحدى الشركات الأجنبية وتعلمت اللغة الفرنسية كما تلقيت ثقافة إسلامية أخذتها عن أئمة المساجد في الإسكندرية، كما نجحت في امتحان وزارة المالية وعملت بها مؤقتًا، إلى أن تقدمت باستقالتي لأعود للعمل بمصلحة المساحة، واتجهت بعد ذلك للكتابة وكنت أراسل جريدة السلام التي صدرت في الإسكندرية في مايو سنة 1898 وأوافيها بأخبار القصر والوزارات والمصالح».

ـ وما هي نقطة البدء الحقيقية لكتابتك الصحفية؟

فأجاب بشغف، قائلًا:« كانت جريدة اللواء التي أصدرها مصطفى كامل في يناير 1900 هي نقطة البدء، حيث التحقت بهيئة تحريرها، وتدرجت في المناصب حتى أصبحت رئيس تحرير اللواء وكنت أول من نادى فيها بضرورة إنشاء وزارة للزراعة لمصر».

الصحفي أحمد حلميـ وماذا عن الحدث الأبرز في مسيرتك؟.. كيف بدأت قصتك مع حادثة دنشواي؟

فتهللت أسارير وجهه لما في هذا الحدث من بطولات دونها التاريخ، ثم قال « في يونيو 1906 سافرت إلى دنشواي كي انقل للعالم ما حدث في حادثة دنشواي على يد الاستعمار الإنجليزي وكتبت مقالتي الشهيرة بعنوان «يا دافع البلاء»، والتي استعان بها مصطفى كامل في مقالته المنشورة بصحيفة «لو فيجارو» الفرنسية، والتي اعتمد عليها في مساعيه لعزل اللورد كرومر، وبرز دوري حينما كونت حملة لرفض التفرقة بين المصريين على أساس الدين، والتي دعا لها المندوب السامي جورست، حيث اعتمد على مبدأ فرق تسد، فهاجم الأقباط ومنع عنهم بعض الوظائف بدعوى أن المسلمين أحق بها، وهاجمته في مقالة باللواء بعنوان «مصر لكل المصريين».

ـ وهل كان لك دور في إنشاء أيه صحف أو مجلات مصرية؟

فأومأ برأسه، قائلًا:« بالطبع، بعد وفاة مصطفى كامل، أنشأت مجلة القطر العربي التي تبنت القومية المصرية، رافعا شعار مصر للمصريين، كما حملت لواء الدعوة إلى توقيع آلاف العرائض للمطالبة بالدستور وتقديمها إلى الخديوي «عباس حلمي»، فكان لهذه العرائض، والتي بلغت جملة التوقيعات عليها 75 ألف توقيع تأثير كبير في البلاد ودعاية كبيرة للمطالبة بدستور».

ـ وما هي الصحف التي عملت بها؟

فأجاب مسرعا: «كتبت في عدة صحف أخرى مثل صحيفة وادي النيل وكتبت في «العلم» العديد من المقالات عن السجون المصرية مطالبا بإصلاحها وبعد إغلاق العلم صدر بدلاً منها «الشعب» فاتجهت إليها، ثم أصدرت صحيفة «الشرق» في 4 يوليو سنة 1914م، ومع بدء الحرب العالمية الأولى وما تبعها من تقييد الحرية وإعلان الأحكام العرفية في نوفمبر من ذات العام وفرض الرقابة على الصحف، وتم اضطهاد الحزب الوطني وملاحقة رجاله ونفي بعضهم فاتجهت إلى العمل في الزراعة».

ـ وهل تخليت عن مهنتك بهذه السهولة؟

فأسرع لينفي السؤال، قائلًا:«مطلقا، لم أنسى عملي الأول ككاتب صحفي، وواصلت إرسال مقالاتي إلى الصحف وأنشأت جريدة الزراعة في 25 أغسطس سنة 1919، وقد تخصصت بشؤون الزراعة، كما قمت بتأليف كتاب «السجون المصرية في عهد الاحتلال الإنجليزي»».

ـ وكيف كانت توجهاتك إزاء الأسرة العلوية؟

فبدا الامتعاض على وجهه، قائلًا:«في العدد الـ 27 للمجلة عام 1909 انتقدت في مقال بعنوان «مصر للمصريين الأسرة العلوية»، وكان أبرز ما في هذا المقال: «إذا عرف المصري أن شقاؤه وبلاؤه ليس له سبب سوى عائلة محمد علي، فقد وجب عليه أن يتخلص منها لأن هذه العائلة سلّمت مصر للإنجليز» وأضاف: «بأي حق تأخذ عائلة محمد علي من الخزينة المصرية 350 ألف جنيه سنويا، بأي حق، فأي شر دفعوه عنها، وأي خير جلبوه لها حتى يستحقوا هذا الثمن؟».

ـ وماذا كان رد فعل السلطات على هذا التعدي؟

فأغلق عينيه ورفع حاجبيه للدلالة على الاعتراض، قائلًا: «قامت السلطة الحاكمة بتقديمي للمحاكمة بتهمة الدعوة لقلب نظام الحكم، وحكم علي بالحبس سنة مع الأشغال الشاقة وإعدام كل ما يضبط من العدد ٣٧ وتعطيل جريدتي «القطر المصري» لستة أشهر، وكنت ضحية أول حكم تصدره المحاكم المصرية ضد حرية الرأى والتعبير، وكان ذلك في شهر أبريل عام 1909م، حيث صدر حكم ضدي بتهمة «إهانة الذات الخديوية»، أصدرته محكمة السيدة زينب الجزئية».

ـ وماذا عن وفاتك؟

فمال رأسه قليلا، ثم قال «كانت النهاية في يناير سنة 1936 في عمارتي بشبرا»، ثم أسرع وكأنما يسابق الزمن، مضيفًا: «إلا أن إرثي لم ينقطع، فظللت أناضل، وزرعت حب النضال في حفيدي صلاح جاهين، فسقيته من كل منابع الحرية، ليتسكمل مسيرتي من بعدي».

اقرأ أيضاًأحمد حلمي يشارك لحظة استهداف الاحتلال مجموعة من الصحفيين بالطيران الحربي

«الأسبوع».. 26 عامًا.. من «جيل المؤسسين» إلى «الجيل الإلكتروني».. مقاتلون في «خندق الشرف الصحفي»

صلاح جاهين.. محطات في حياة صانع البهجة وفيلسوف الفقراء

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: أحمد حلمي دنشواي مصطفى كامل وفاة أحمد حلمي أحمد حلمی قائل ا

إقرأ أيضاً:

محمد فاروق سليمان .. عناد في زمان السقوط

إختيار المتاريس للمعادن النفيسة ، الشحيحة في زمان العهر جهراً !!؟؟
زمان فيه قُتِل النضال بخناجر مسمومة في موائد اللصوص ..
زمان فيه مواكب الإنحطاط تتردي فتسقط .. وضجيجها الكالح الخائب .. يجاهد سيرة النضال الجسور... ليطمس معالم المبادئ!!؟؟
خائبة هي ..
فالفينق لا يموت .. تبقى جمراته تستعر .. ليومض دوماً من جديد..
هكذا هو أستاذي وصديقي محمد فاروق سليمان فينيق مشتعل علي الدوام منذ أن إلتقيناه .. أيقونة علي صدور جميع الشرفاء .. وإن غاب في غياهب جب الجبناء بين كل حين .. يبقي وهجه الأبدي يضيئ الدروب ليرسم معالم الطريق لتحرير البشر.. هكذا علمتنا مسيرته علي الدوام .. علمتنا أن لن يكون الإنحطاط نضالاً .. ولو تسربل بألوان هي بريئ منه .. بل هو النقيض.. علمتنا سيرته أن لن يكون هذا المسخ نضالاً
ولن يكسو ذيل الإنكسار وهج الشمس.. فهذا مخالف لسيرة البشر
يذهب الذيل .. ويبقى الوهج .. والنار متقدة .. علمتنا مسيرته أن نكون على العهد باقون ..
لا مساومة في المبادئ ... فهي ليست شعاراً فارغاً ... أو لافتةً يتوارى خلفها الخنوع ..
فرِدتهم تخصهم وحدهم ... وشمس الصمود تبقى بيننا..
وده في أحلك الظروف دائما بيننا .. دائما يتقدم الحديث عنه لتكن سيرته مضيئة تضبط أوتار النضال على إيقاع ٍ ثوريٍ عنيد..
كيف لا وهي سيرة جمرات الفينق المشتعلة .. ضرام نار أبدية .. لن تُخمِد جذوتها ردةٌ نشاز .. دائما وجهه علي إنسان أعيننا، ذلك الثابت على المبادئ الصارم المستقيم .. تدوزن أوتار النضال..

كم هو مؤلم ومفزع ياصديقي وأنت خلف القضبان في زمان إعوجاج الدروب !!
غياب قلمٍ وقول عنيدٍ ثابت على قواعد العمق الرصين..
في زمان فيه الثبات على المبادئ فجور .. والحقيقة حسب ما يطلبه اللصوص‎..
فهذا زمان شرط أن تكون مناضلا هو أن لا تكون حقيقيا زمان يسقط الحقيقي فيه دون قاع.. دون قرار ..متشبثاً براية لن تسقط معه مطلقاً ... هذا مستحيل
هي راية وهجٌ لا يمكن أن يقبع خلفه الظلام ولا يلتحف عباءة غوغاء جوفاء فارغة مايعة ..
كم هو مفجع أن يحاولو إسكات صوتك المطلق في الحقيقة كما هو .. فليتهم يعلمون أن سهمك مستقيم لا يضل الطريق ولا يلتوي ..
ليتهم يعلمون تاريخ عنادك ضد الإنكسار ... تماماً .. كما يجب أن يكون صوت المناضل الحقيقي في زمان ترادفت فيه المتناقضات زمان زُيفت فيه المبادئ .. مُسِخت زمان النضال الناعم المأجور …
نضال الهبوط الآمن أو الناعم كما عرفوه !! زمان فيه النضال تحت تصرف طغمة اللصوص .. ووفق هواهم .. ورؤاهم زمان تفرقت فيه دماء الشرفاء .. مسفوحة على موائد بلطجية العالم حولنا وفي الأفق البعيد !! وقطاع الطرق حتى كان للجيفة الشيطان فيها نصيب!!؟؟
زمان أضحى فيه النضال إستكانة ضد المبادئ وليس تمرداً وكفي..
مدخل للخروج :
سيكون دائما بيننا إحتمال لقاء ياصديقي ..
فإلي ذلك الإشعار حاول أن تكون بخير ياسيدي الإنسان وكفي ..

mohamed79salih@gmail.com

   

مقالات مشابهة

  • مسؤول إغاثي يروي للجزيرة نت عن مجزرة بيت لاهيا
  • بالفيديو.. شاهد هلع وخوف و “جرسة” الفنان السوداني عبد العزيز القلع من “ثعبان” الصحفي “دندش” وكيف كانت ردة فعله عندما طالبه الأخير بلمسه
  • محمد فاروق سليمان .. عناد في زمان السقوط
  • الكاتب الصحفي صلاح الدين عووضه يروي تفاصيل جديدة عن نجاته من “الوحوش”.. ونجوت!!
  • شبكة "حماية الصحفيين" تحمل الحوثيين مسؤولية اختفاء الصحفي أحمد عوضة
  • رامز جلال يسخر من رحمة أحمد: ضحية المطبلاتية واللجان الإلكترونية
  • مهرجان هوليوود للفيلم العربي يكرّم أحمد حلمي
  • مسلسل النص الحلقة 13.. أحمد أمين يسلم نفسه للإنجليز ودرويش يفاجئه
  • الكاتب الصحفي صلاح الدين عووضه يروي تفاصيل مثيرة .. ونجوت من الموت!!
  • دعاء المظلومين.. هتريح قلبك مع الدكتور أحمد هارون