في حوار تخيلي.. الصحفي أحمد حلمي يروي رحلته مع النضال السياسي والتصدي للإنجليز
تاريخ النشر: 20th, March 2024 GMT
أحمد حلمي.. استخدم قلمه الحر ليستعرض بشاعة الاحتلال، لم يتوانَ في خدمة بلاده ورصد أشكال العنف والفساد الممارس عليهم، وقف في وجه السلطة العلوية، ودفع ثمن آرائه وتوجهاته، إلا أن ذلك لم يمنعه من استكمال مسيرة النضال، فدون التاريخ حياته بأحرف من ذهب، وترك إرثا خالدًا شاهدًا على نضاله، إنه الصحفي المصري أحمد حلمي، والذي نستحضره معنا في حوار من نسق الخيال، ليرصد مسيرته وتاريخه في محاربة الظلم والقهر والاستعباد.
فأجاب مبتسما:«ولدت بحي الحسين بالقاهرة عام 1875، ومات والدي قبل ولادتي، إلا أن خالي هو من اهتم بتربيتي وساعدني في إدراك قطار الوظيفة الحكومية»، ثم حلق نظره عاليا وكأنما يستعيد ذكريات طفولته، وما لبث أن قال:« كانت والدتي تعيش بمنزل خالي الذي كان يعمل حينها بوزارة الأشغال كاتباً في هندسة ري الترعة الإسماعيلية، وكان يذهب بي إلى مكتب يدعي «خان جعفر» بالحي الحسيني، حيث تعلمت القراءة والكتابة وحفظ القرآن وكثيراً ما كان خالي يقدم لي نماذج مما اعتاد أن يكتبه في عمله، لإعدادي لأن أكون كاتباً مثله في أحد دواوين الحكومة».
وأكمل: «الإسكندرية، كان لها الفضل في تكويني معتمدًا على ذاتي، ففي نحو الخامسة عشرة من عمري، هاجرت إلى الإسكندرية مشياً على الأقدام وهناك عملت في إحدى الشركات الأجنبية وتعلمت اللغة الفرنسية كما تلقيت ثقافة إسلامية أخذتها عن أئمة المساجد في الإسكندرية، كما نجحت في امتحان وزارة المالية وعملت بها مؤقتًا، إلى أن تقدمت باستقالتي لأعود للعمل بمصلحة المساحة، واتجهت بعد ذلك للكتابة وكنت أراسل جريدة السلام التي صدرت في الإسكندرية في مايو سنة 1898 وأوافيها بأخبار القصر والوزارات والمصالح».
ـ وما هي نقطة البدء الحقيقية لكتابتك الصحفية؟فأجاب بشغف، قائلًا:« كانت جريدة اللواء التي أصدرها مصطفى كامل في يناير 1900 هي نقطة البدء، حيث التحقت بهيئة تحريرها، وتدرجت في المناصب حتى أصبحت رئيس تحرير اللواء وكنت أول من نادى فيها بضرورة إنشاء وزارة للزراعة لمصر».
فتهللت أسارير وجهه لما في هذا الحدث من بطولات دونها التاريخ، ثم قال « في يونيو 1906 سافرت إلى دنشواي كي انقل للعالم ما حدث في حادثة دنشواي على يد الاستعمار الإنجليزي وكتبت مقالتي الشهيرة بعنوان «يا دافع البلاء»، والتي استعان بها مصطفى كامل في مقالته المنشورة بصحيفة «لو فيجارو» الفرنسية، والتي اعتمد عليها في مساعيه لعزل اللورد كرومر، وبرز دوري حينما كونت حملة لرفض التفرقة بين المصريين على أساس الدين، والتي دعا لها المندوب السامي جورست، حيث اعتمد على مبدأ فرق تسد، فهاجم الأقباط ومنع عنهم بعض الوظائف بدعوى أن المسلمين أحق بها، وهاجمته في مقالة باللواء بعنوان «مصر لكل المصريين».
ـ وهل كان لك دور في إنشاء أيه صحف أو مجلات مصرية؟فأومأ برأسه، قائلًا:« بالطبع، بعد وفاة مصطفى كامل، أنشأت مجلة القطر العربي التي تبنت القومية المصرية، رافعا شعار مصر للمصريين، كما حملت لواء الدعوة إلى توقيع آلاف العرائض للمطالبة بالدستور وتقديمها إلى الخديوي «عباس حلمي»، فكان لهذه العرائض، والتي بلغت جملة التوقيعات عليها 75 ألف توقيع تأثير كبير في البلاد ودعاية كبيرة للمطالبة بدستور».
ـ وما هي الصحف التي عملت بها؟فأجاب مسرعا: «كتبت في عدة صحف أخرى مثل صحيفة وادي النيل وكتبت في «العلم» العديد من المقالات عن السجون المصرية مطالبا بإصلاحها وبعد إغلاق العلم صدر بدلاً منها «الشعب» فاتجهت إليها، ثم أصدرت صحيفة «الشرق» في 4 يوليو سنة 1914م، ومع بدء الحرب العالمية الأولى وما تبعها من تقييد الحرية وإعلان الأحكام العرفية في نوفمبر من ذات العام وفرض الرقابة على الصحف، وتم اضطهاد الحزب الوطني وملاحقة رجاله ونفي بعضهم فاتجهت إلى العمل في الزراعة».
ـ وهل تخليت عن مهنتك بهذه السهولة؟فأسرع لينفي السؤال، قائلًا:«مطلقا، لم أنسى عملي الأول ككاتب صحفي، وواصلت إرسال مقالاتي إلى الصحف وأنشأت جريدة الزراعة في 25 أغسطس سنة 1919، وقد تخصصت بشؤون الزراعة، كما قمت بتأليف كتاب «السجون المصرية في عهد الاحتلال الإنجليزي»».
ـ وكيف كانت توجهاتك إزاء الأسرة العلوية؟فبدا الامتعاض على وجهه، قائلًا:«في العدد الـ 27 للمجلة عام 1909 انتقدت في مقال بعنوان «مصر للمصريين الأسرة العلوية»، وكان أبرز ما في هذا المقال: «إذا عرف المصري أن شقاؤه وبلاؤه ليس له سبب سوى عائلة محمد علي، فقد وجب عليه أن يتخلص منها لأن هذه العائلة سلّمت مصر للإنجليز» وأضاف: «بأي حق تأخذ عائلة محمد علي من الخزينة المصرية 350 ألف جنيه سنويا، بأي حق، فأي شر دفعوه عنها، وأي خير جلبوه لها حتى يستحقوا هذا الثمن؟».
ـ وماذا كان رد فعل السلطات على هذا التعدي؟فأغلق عينيه ورفع حاجبيه للدلالة على الاعتراض، قائلًا: «قامت السلطة الحاكمة بتقديمي للمحاكمة بتهمة الدعوة لقلب نظام الحكم، وحكم علي بالحبس سنة مع الأشغال الشاقة وإعدام كل ما يضبط من العدد ٣٧ وتعطيل جريدتي «القطر المصري» لستة أشهر، وكنت ضحية أول حكم تصدره المحاكم المصرية ضد حرية الرأى والتعبير، وكان ذلك في شهر أبريل عام 1909م، حيث صدر حكم ضدي بتهمة «إهانة الذات الخديوية»، أصدرته محكمة السيدة زينب الجزئية».
ـ وماذا عن وفاتك؟فمال رأسه قليلا، ثم قال «كانت النهاية في يناير سنة 1936 في عمارتي بشبرا»، ثم أسرع وكأنما يسابق الزمن، مضيفًا: «إلا أن إرثي لم ينقطع، فظللت أناضل، وزرعت حب النضال في حفيدي صلاح جاهين، فسقيته من كل منابع الحرية، ليتسكمل مسيرتي من بعدي».
اقرأ أيضاًأحمد حلمي يشارك لحظة استهداف الاحتلال مجموعة من الصحفيين بالطيران الحربي
«الأسبوع».. 26 عامًا.. من «جيل المؤسسين» إلى «الجيل الإلكتروني».. مقاتلون في «خندق الشرف الصحفي»
صلاح جاهين.. محطات في حياة صانع البهجة وفيلسوف الفقراء
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: أحمد حلمي دنشواي مصطفى كامل وفاة أحمد حلمي أحمد حلمی قائل ا
إقرأ أيضاً:
محفوظ ولد الوالد يروي قصة انضمامه للمجاهدين الأفغان وتأسيس القاعدة
في الحلقة الأولى من برنامج "مع تيسير"، قال ولد الوالد إنه ولد سنة 1967 في خيمة صحراوية بمقاطعة الركيز التابعة لولاية الترارزة التي تبعد نحو 200 كيلومتر عن العاصمة نواكشوط.
وكان ولد الوالد -المكنَّى بأبي حفص الموريتاني- عضوا في مجلس شورى تنظيم القاعدة ورئيس لجنة التنظيم الشرعية فيه. وقد نشأ في بيئة متدينة متعلمة تعتز بدينها وبعروبتها وثقافتها، وهو يقول إن هذه البيئة أثرت في تكوين شخصيته إلى حد كبير.
وكعادة غالبية القبائل العربية الموريتانية، كانت قبيلة ولد الوالد مقاطعة للتعليم التابع للاستعمار ومن ثم فقد تلقى علومه في المحضرة، وهي مؤسسة تعليمية متنوعة تستقبل طلاب العلم من دون تقيد بسن معينة وتترك له حرية اختيار ما يدرسه.
وأكمل ولد الوالد حفظ القرآن في محضرة بن غربال، مسقط رأسه، ثم اتجه لتعلم العربية وأصول الدين، وخلال تعليمه أبدى اهتماما بالتعرف على الأخبار والجماعات الدينية في دول أخرى.
بعد ذلك، انتقل إلى المعهد السعودي للبحوث الإسلامية التابع لجامعة محمد بن سعود بنواكشوط حيث بدأت شخصيته تتكون وفق ما تلقاه من علوم جديدة وما شارك به من نشاطات ثقافية وفنية واجتماعية.
الميل للصحافة والانضمام للإخوان المسلمينوخلال وجوده بالمعهد -الذي كان يغلب عليه الطابع الإسلامي وخصوصا فكر الإخوان المسلمين– أبدى ولد الوالد ميلا للكتابة الصحفية والعمل الإذاعي.
إعلانوكان المعهد يضم أيضا تيارات أخرى من الناصريين والقوميين، لكنه وجد ميلا إلى جماعة الإخوان المسلمين التي كانت صاحبة الصوت الأعلى بالمكان، وانضم للتنظيم سنة 1985، وتمت ترقيته بشكل سريع، كما يقول.
وأظهر ولد الوالد تفوقا في الدراسة، فبعد 3 سنوات في المعهد، قفز 3 سنوات دراسية عندما نجح في مسابقة الالتحاق بالبكالوريا (الثانوية العامة) الحكومية، وفي الوقت نفسه التحق بكلية الشريعة وانتسب لكلية العلوم القانونية والاقتصادية بنواكشوط، وبعد عام التحق أيضا بالقسم الجامعي بالمعهد السعودي.
وتولى ولد الوالد خلال الدراسة رئاسة فرع الطلاب الإسلاميين في معهد البحوث الإسلامية، وكانت أول معرفته بحركات الجهاد الأفغاني عام 1982 من خلال متابعته لإذاعة "بي بي سي" البريطانية التي يقول إنها كانت رافدا ثقافيا مهما له.
لكن تعرفه على الرؤية الجهادية كان من خلال أشرطة الشيخ عبد الله عزام، وبعض المجلات التي كانت تنشر أخبار المجاهدين الأفغان ومنها: الجهاد، المجتمع الكويتي، الإصلاح الإماراتية، والدعوة التابعة للإخوان المسلمين.
وفي 1985، التقى ولد الوالد لأول مرة وفدا من الجهاديين الأفغان خلال فعالية نظمتها الجمعية الثقافية الإسلامية التابعة للإخوان المسلمين في نواكشوط.
ورغم أن هؤلاء المجاهدين لم يكونوا يجيدون اللغة الغربية إلا أن ما نقلوه للحاضرين من مشقة وآلام وجدت صدى كبيرا في نفس ولد الوالد، وتركت فيه دافعا للالتحاق بهم.
وحتى ذلك الحين لم يكن ولد الوالد قد استشعر وجوب الجهاد، لكن عندما أصدر عبد الله عزام كتاب "الدفاع عن أراضي المسلمين أهم فروض الأعيان"، زاد تعلقه بالقضية الأفغانية.
الالتحاق بالمجاهدين الأفغانوعندما قتل عزام سنة 1989، ظهرت حالة من الفراغ بالنظر إلى دوره الكبير في دعم الجهاد وتنسيق العمل الإغاثي والخيري والتعليمي، ومن هنا تعززت قناعة ولد الوالد بضرورة الانضمام للمجاهدين.
إعلانوتتطلب الأمر من ولد الوالد إقناع والديه بأهمية هذه الخطوة وضرورة الدفاع عن الأفغان، وقد عارضه والده في هذا الأمر لكنه ترك له الخيار في نهاية الأمر.
ولم تكن موافقة الوالدين هي العائق الوحيد أمام انضمام محفوظ للمجاهدين الأفغان، فقد كانت هناك التكلفة المادية التي تغلب عليها ولد الوالد بمدخراته التي تحصل عليها من تفوقه في التعليم، والمخاطر الأمنية، لكنه تغلب عليها بالسفر لأداء فريضة الحج ومنها إلى باكستان، ليكون واحدا من أول 3 موريتانيين ينضمون للقاعدة.
وفي مضافة الأنصار التي أسسها أسامة بن لادن بمدينة بيشاور الباكستانية، ترك ولد الوالد حاجياته وجواز سفره واتجه إلى أحد مراكز تدريب الجهاديين قرب ولاية خوست الأفغانية، وكان ذلك سنة 1991.
تأسيس القاعدةوكان المجاهدون العرب قد استشعروا ضرورة تكوين تنظيم عسكري يخصهم وذلك بعد انتصارهم الكاسح على السوفيات في معركة جاجي سنة 1987، وقد تبنى بن لادن الفكرة وأسس تنظيم القاعدة وكان أكثر المتبرعين له.
وكان بن لادن قد استشعر ضيقا من سيطرة الإخوان المسلمين على مكتب الخدمات الذي كان يستقبل المجاهدين ويوزعهم، وهذا ما دفعه لتبني فكرة القاعدة، كما يقول ولد الوالد.
ونفى ولد الوالد وجود خلاف بين بن لادن وعبد الله عزام، لكنه تحدث عن خلاف بينه وبين الإخوان المسلمين لأنهم كانوا يسيطرون على حركة المجاهدين بينما كان هو يحب أن يكون صاحب الكلمة.
وتحدث محفوظ عن دعم الغرب والدول العربية للمجاهدين والذي كان مبعثه الخوف من سيطرة الاتحاد السوفياتي على أفغانستان القريبة من الخليج العربي، وضمها لحلف وارسو.
ووفقا لمحفوظ، لم يكن الدعم العسكري العربي للمجاهدين كبيرا كما يشاع، لكنه كان موجودا -وخصوصا من دول الخليج- بموافقة أميركية.
وقد لفت محفوظ إلى خطورة الوضع الجغرافي لأفغانستان، بقوله إن قاعدة شندند العسكرية الأفغانية لا تبعد عن مياه الخليج العربي سوى 20 دقيقة بالطائرة، مشيرا إلى أن هذا الأمر جعل خطر سيطرة الروس على هذه البلاد كبيرا.
إعلان 2/4/2025