على موائد الطعام حيزًا مهمًا في الكتابات التراثية العربية، وهي نوع من الحكايات تجمع بين الطرافة والفكاهة، وتحقق لدى القارئ درجة عالية من المتعة المعرفية، فهي أيضا تشمل جانبا مهما يكشف عن الجوانب العقلية والفلسفية التي تمتع بها المتطفلون أو الطفيليون كما تسميهم كتب التراث.

وقصة اليوم من مرويات كتاب (التطفيل) لمؤلفه الخطيب البغدادي، وتدور حول حيل المتطفلين للوصول إلى موائد الطعام بعد صدهم وطردهم بعيدا عنها، فمنهم من ذهب إلى بقال ورهن خاتمه وأخذ منه أقداح وذهب لوليمة فسأله البواب، فقال له أما تعرفني أنا الذي بعثوني أشتري لَهُمُ الأقداح.

ففتح لَهُ, فدخل, فأكل وشرب على الْقَوْم. ثم خرج بالأقداح فردها للبقال وأخذ خاتمه.

ومن أشهر الطفيليين رجل يقال "بنان" وآخر اسمه "أشعب"، وعنهما حكى الخطيب البغدادي قصة نسبت لهما، ففي الأولى يقول أن بنان جاء إِلَى وليمة, فأغلق الباب دونه, فاكترى سلمًا, ووضعه عَلَى حائط الرجل, وتسور, فأشرف عَلَى عيال الرجل وبناته, فَقَالَ لَهُ الرجل: يا هَذَا! أما تخاف اللَّه؟ رأيت أهلي وبناتي! فَقَال له بنان: يا شيخ (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ) (سورة هود الآية٧٩). فضحك الرجل, وَقَالَ لَهُ: انزل فَكُل.

ومن الطريف في القصة هو حضور ذهن "بنان" وطرافته، فعندما ضاق الرجل صاحب الوليمة به، من اعتلاء لحائط منزله وكشفه لنساء البيت، صارخا فيه "أما تخاف الله"، فما كان من "بنان" إلا أن استشهد بآية من سورة هود وردت في سياق الجدل نبي الله لوط وقومه، الذين تطفلوا على منزل نبيهم عندما عرفوا أن عنده ضيوف من الرجال الحسان، فعرض على قومه الزواج من بناته، والابتعاد عن ضيوفه، لكنهم رفضوا وقالوا: "مالنا في بناتك من حق". هذا الرد الذي أطلقه "بنان" أضحك صاحب الوليمة، فتراجع عن غضبه، وأشركه معه في الطعام.

وقد وردت نفس القصة عن أشعب المشهور بالتطفيل، روى الخطيب البغدادي عن مُصْعَب الزبيري أنه قال: خرج سالم بْن عَبْد اللَّه متنزهًا إِلَى ناحية من نواحي الْمَدِينَة هُوَ وحرمه وجواريه. وبلغ أشعب الْخَبَر, فوافى الموضع الَّذِي هُمْ بِهِ يريد التطفيل, فصادف الباب مغلقًا, فتسور الحائط, فَقَالَ لَهُ سالم: ويلك يا أشعب! معي بناتي وحرمي, فَقَالَ: (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ), فوجه إِلَيْهِ سالم من الطعام مَا أكل وحمل إِلَى منزله.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: موائد الطعام

إقرأ أيضاً:

عاد ترامب... الرجاء ربط الأحزمة

هذا اليوم لا يشبه أسلافه. سيترك بصماته على جسد أمريكا والعالم. لا البلاد عادية ولا الرجل عادي. والمشهد مثير وعنيف ولامع ومؤثر. حين تحتفل أمريكا بتنصيب دونالد ترامب، على العالم أن يرابط أمام الشاشات.

ليس من حق أحد أن يتذرع بانشغالات. لا يمكن العثور على موعد أكبر أو أخطر. الحضور إلزامي ولا جدوى من افتعال الأعذار. وهذا يشمل المواطن العادي كما يشمل الإمبراطور الجالس على عرش ماوتسي تونغ. يشمل زيلينسكي القلق كما يشمل القيصر المقلق.
الحضور إلزامي سواء كنت جالساً في مكتب شارل ديغول أم في مكتب ونستون تشرشل. وهذا اليوم يعني بنيامين نتانياهو. السيد الجديد للبيت الأبيض لا يتهاون في صورته. ما كان ممكناً مع جو بايدن لم يعد ممكناً. لا يحق لحليف صغير أن يتلاعب بالإمبراطورية التي تضخ الدم في عروقه. لا يقبل ترامب بأقل من إدارة اللعبة وفق فوضى قواعده. الموعد يعني المرشد الإيراني أيضاً. عاد الرجل الذي أمر بقتل سليماني إلى قمرة القيادة والرجاء ربط الأحزمة.
الموعد مثير. والرجل مثير، ومفاجئ، ولا يمكن التكهن بما يدور في أوردة رأسه. قادر على إبرام الصفقة، وقادر على قلب الطاولة. رجل انحيازات وكراهيات. جمله القصيرة قنابل كبيرة. إرادته حديدية، وحظه ذهب.
اليوم سيضاف جبل جديد إلى جبال غروره. لقد هزمهم؛ بارونات الحزب الجمهوري الذين اعتبروه متسللاً، ومنافسوه من الحزب الديمقراطي. دفع جو بايدن إلى خارج الحلبة وهزم كامالا هاريس. هزم هيلاري كلينتون وزوجها وميشال أوباما وزوجها. هزم جهابذة الإعلام الذين استسهلوا نشر لحمه على حبال الشاشات ومواقع التواصل. وهزم المحاكم التي تداولته والقضاة الذين وعدوا أنفسهم وزوجاتهم بتركيع الرجل الأقوى. وهزم ملفات التهرب الضريبي والتحرش وسوء التصرف. في أمريكا تكفي تهمة واحدة لإرغام الرئيس على التقاعد.
ترامب قصة أخرى. يسبح في بحر الاتهامات ويطل. يعرف سر التحدث إلى أنصاره. بايعوا السيد الرئيس ولن يصدقوا أي تهمة ضده. وهو يجيد تجديد الخيط الذي يربطهم به. بشعاراته، وقبعته، وحركة يديه، ورقصته. وبصورة قبضته تطل فيما خيط الدم يرتسم على وجهه. الرصاصة التي نجا منها هي الرصاصة التي أصابت منافسيه.
أخطأوا في التقدير. حين قلبوا صفحة ولايته السابقة توهموا أنهم دفعوه إلى التقاعد والشيخوخة ومرارات الجروح والذكريات. لا تنطبق القواعد عليه. قصته مختلفة ولا تشبه إلا نفسها. اخترع صورته واخترع أسلوبه. رجل الضربات والصفقات. يخاطب الجمهور الخائف على أمريكا وهويتها واقتصادها ودورها. وهو رجل لا يدخل هادئاً ولا يغادر هادئاً. وهكذا من دون سبب مقنع أنكر نتائج الانتخابات. اتهمهم بسرقة البيت الأبيض منه. وصدق أنصاره أنه أزيح بمؤامرة، وأن سبب استبعاده إصراره على استعادة عظمة أمريكا. وضع المدماك الأول لاستعادة القصر السليب.
لقد عاد. الرجاء ربط الأحزمة. لا تتظاهر أنك بعيد، وأن الأمر لا يعنيك، وأن بلادك استهلكت أسلافه ولم يرفَ لها جفن. حين يذهب الأمريكيون إلى صناديق الاقتراع يختارون رئيسهم ويتوجونه جنرالاً في «القرية الكونية». ولا حاجة إلى الإكثار من الأدلة. الخوف من رياح «الجحيم» عجَّل في إبرام اتفاق غزة. اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب لبنان ولد في الحاضنة الأمريكية. اللجنة التي تسهر على مراقبة تطبيقه يقودها جنرال أمريكي.
لا بد من أمريكا وإن طال السفر. لا بد منها إذا أردت معرفة مستقبل الشرق الأوسط، ومستقبل إيران، ومستقبل تايوان، ومصير الحرب الروسية في أوكرانيا، ومستقبل الكوكب، والاحترار المناخي، واللائحة طويلة. أمريكا قصة استثنائية، ليست مجرد أساطيل تشبه دولاً صارمة متحركة، إنها اقتصاد، ومبادرات، وحريات، وتكنولوجيا، وجامعات، وذكاء اصطناعي، وقدرة استثنائية على ارتكاب الأخطاء وتصحيحها.
لا يملك رئيسها على الإطلاق الصلاحيات التي كان يملكها بشار الأسد، ولا الهالة التي كانت تحيط بصدام حسين، ولا حرية التصرف بالبلاد والعباد التي كان يحتكرها معمر القذافي. كان القذافي يعتبر أمريكا ضعيفة، كان يرفع الصوت قائلاً: «طز في أمريكا». وكان صدام يعتبر أن أمريكا تحترم القوي بغض النظر عن أسلوبه. وكان بشار يعتقد أنه يمكن التشاطر على «الشيطان الأكبر» و«قانون قيصر». وكان والده حافظ يتظاهر بالإقامة في حضن موسكو وعينه على واشنطن. أين بشار؟ وأين صدام؟ وأين القذافي؟ وماذا فعلوا لبلادهم؟ وماذا فعلوا بها؟
أمريكا لاعب متمرس، يسقط وينهض. أضرم فيديل كاسترو النار في ردائها وكاد يتسبب بوليمة نووية. أذلها هوشي منه فغادرت سايغون مهزومة مع علمها. وتلاقت الصين والاتحاد السوفياتي على استنزافها في الحرب الكورية. كوبا الآن تصارع في زمن ما بعد كاسترو. فيتنام تحاول إغراء المستثمرين والسياح الأمريكيين. وكوريا كوريتان. قسمها الشمالي يعيش في عهدة حفيد كيم إيل سونغ مع الفقر والصواريخ فيما يعيش الشطر الجنوبي في عصر آخر بفضل المظلة الأمريكية. والاتحاد السوفياتي يقيم حزيناً في متاحف التاريخ.
لقد عاد. ستكون الأيام مثيرة، من الـ«تيك توك» الصيني إلى البرنامج النووي الإيراني. من التعامل مع «الخطر الصيني» إلى التصدي لخطر الهجرة. من السلام في الشرق الأوسط إلى السلام في أوكرانيا. السلام الصعب والأثمان الباهظة. هددهم بالجحيم فأخذوا تهديده على محمل الجد. سيكون الرجل صعباً. إنه سيد البيت الأبيض. مقامر كبير لا يقبل الخسارة. بانتخابه ألقت أمريكا حجراً هائلاً في بحيرة العالم. الرجاء ربط الأحزمة.

مقالات مشابهة

  • ماذا قال الشيخ الشعراوي عن السحر؟ لا يضرون
  • ضرائب وأجور رسمية مرتفعة.. مختصون: المواطن يدفع ثمن عجز الموازنة
  • حكم قراءة سورة يس بعد صلاة الفجر
  • حكايات من قلب غزة
  • حكايات من قلب الغزة
  • أسرى القدس المحررون.. حكايات وأوجاع
  • أذكار الصباح.. الحصن اليومي للمسلم وأفضل أوقاتها
  • أدعية الإسراء والمعراج المأخوذة من القرآن الكريم
  • عاد ترامب... الرجاء ربط الأحزمة
  • 3 فوائد لقراءة سورة البقرة.. حصن البيت من الشياطين