مسعود أحمد بيت سعيد

masoudahmed58@gmail.com

 

 

لم يعرف تاريخ العلاقات السياسية بين الدول سوى شكلين علاقة قائمة على القهر والتبعية، وأخرى قائمة على المبادئ والقيم الإنسانية المشتركة، وفي ظل التفاوت الحضاري التاريخي وعدم التكافؤ بين الأطراف تطلبت الأخيرة نضالات وطنية حارقة، من أجل استقلالية القرار السيادي والاختيارات الاجتماعية والسياسية بمظاهرها المتعددة.

وعلى ضوء هذه الحقيقة ولدت العلاقات العربية الروسية في ظروف ومناخات مضطربة، رغم أن المؤشرات الأولية كانت توحي بإمكانية واقعية لرحلة طويلة من العلاقة الاستراتيجية؛ حيث شكل انتصار الثورة البلشفية سنة 1917 حدث عظيم في التاريخ البشري المعاصر، غيَّرت نمط العلاقات الدولية، وأرست نموذحا اقتصاديا واجتماعيا وفكريا جديدا، وفتحت مجالات وأسعة أمام الشعوب المستعبدة، وكان من انعكاساتها المباشرة على الصعيد العربي إشهار اتفاقية "سايكس- بيكو" التي أعدتها الإمبراطوريتان البريطانية والفرنسية لتقسيم المشرق العربي ووراثة ما يعرف في الأدبيات السياسية بتركة "رجل الشرق المريض"، في إشارة إلى الدولة العثمانية. غير أن القوى الاستعمارية الغربية التي واكبت نشوء الكيانات العربية الحديثة على أنقاض وأشلاء الدولة العثمانية المنهارة، كانت قد وطّدت أركان وجودها مع القوى الإقطاعية التقليدية وكبلتها بسلسلة معقدة من الاتفاقيات العلنية والسرية المحمية بالقواعد العسكرية، لم تستطيع الفكاك منها الى الآن رغم عصف المتغيرات.

وقد رسمت نتائج الحرب العالمية الثانية مضامين التحالفات المقبلة المعبأة بالإيديولوجيات الطبقية المتناقضة، وكان من الطبيعي أن تتطلع الشعوب النامية المثقلة بالترسبات التاريخية المتراكمة والتي تَرسِفُ تحت أشكال من النير الاستعماري المتعدد الأوجه، إلى الاتحاد السوفيتي وسلطة البروليتاريا الثورية المناهضة للرأسمالية العالمية، وهو ما حدث لمعظم شعوب القارات الثلاثة التي حققت استقلالها الوطني تحت واقع موازين القوى الذي فرضه الاتحاد السوفييتي طيلة سبعة عقود. بينما لم تجرِ الأمور في المنطقة العربية بهذا الاتجاه؛ حيث اصطفت الحكومات العربية الرجعية، ولا تزال، في خندق الإمبريالية وخاضت معارك آيديولوجية، فكرية وسياسية وعسكرية في خدمة أهدافها وأجندتها الخاصة، وهي مسألة معروفة تاريخيًا. وقد أشار محمد حسنين هيكل إلى الدور العربي في تدمير الاتحاد السوفييتي؛ حيث بذل الغرب جهودًا جبارة في التضليل والترويج للخطر السوفيتي تحت عناوين مختلفة، ولاعتبارات مفهومة تُمكِّن من طمس الحقائق الحسية الملموسة رغم عنف الشواهد الماضية والراهنة، ودون تبرير الخطأ المبدئي الذي وقع فيه الاتحاد السوفيتي حيال قرار تقسيم فلسطين الذي يعزوه البعض لنفوذ الحركة الصهيونية في بنية الدولة السوفيتية، والتي استخدمت أحد مبادئها المتعلقة بحق تقرير المصير بخلاف مفهومه وشروطه وخارج مضمونة التقدمي بشكل انتقائي ولغايات محددة، ناهيك عن التقديرات الخاطئة للبيروقراطية الروسية التي عبَّر عنها الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين بالقول "زرعنا خازوقًا لخوزقة الأنظمة الإقطاعية" بحسب نايف حواتمة الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.

وفي السياق ذاته، يذكر خالد بكداش الأمين العام للحزب الشيوعي السوري أن "المندوب السوفيتي استنفد جهده في التنسيق مع الوفود العربية من أجل صياغة مشروع متكامل قبيل صدور القرار، إلذا أنهم لم يتجاوبوا معه؛ حيث كانوا يراهنون على الموقف البريطاني وأن الأنظمة العربية التي رفضت قرار التقسيم ليس لأنها ضده؛ بل لكي تفسح المجال أمام إسرائيل لاحتلال أراضٍ أوسع من تلك التي ينص عليها القرار نفسه".

وبعيدًا عن تلك الحيثيات والنوايا، فإن مجريات الأحداث اللاحقة تزكي الى حد كبير هذا الاستنتاج؛ اذ إن الأوساط الرجعية التي استغلت الخطأ الروسي كما لم تستغل غيره، ولم تمتد مواقفها القومية المتشددة نحو القوى الكولنيالية (الاستعمارية) الغربية التي تحتل أجزاءً من الأراضي العربية، إضافة لدورها الرئيسي في إنشاء الكيان الصهيوني؛ الأمر الذي أبقى العلاقات لسنوات بين المد والجزر. ويمكن اعتبار أن التأسيس الفعلي للعلاقات العربية السوفيتية المعاصرة بدأ أثناء العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على مصر سنة 1956؛ حيث قدم الاتحاد السوفيتي حينها لمصر أسلحة متطورة عبر تشيكوسلوفاكيا عُرفت بصفقة الأسلحة التشيكية، والتي كسرت بموجبها الاحتكار الغربي للسلاح. وبصرف النظر عن ملابسات تلك المرحلة، فإن التاريخ يحفظ لموسكو سابقًا ولاحقًا مواقفها في المحافل الدولية لنصرة القضايا العربية العادلة وفي تسليح الجيشين المصري والسوري بعد نكسة يونيو سنة 1967، الذي مكنهما من خوض معركة 6 أكتوبر المجيدة سنة 1973.

الالتزام الأخلاقي يحتم في هذه اللحظة المفصلية دعم روسيا الاتحادية في مواجهة الإرهاب الإمبريالي الصهيوني، والإقلاع عن المناورات التكتيكية الانتهازية لاستدرار عطفها عندما نتعرض للنكبات وتضييق الخيارات. ويبقى السؤال الذي لا بُد من طرحه بعد سقوط كافة المسوغات والمحاذير السابقة وحصاد السنين العجاف: ماذا استفادت الأمة العربية من انهيار الاتحاد السوفيتي؟

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

حراك أوروبي لرفع سريع للعقوبات التي تعيق تعافي سوريا

قال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو الأربعاء، إن العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على سوريا وتعوق حاليا تسليم المساعدات الإنسانية وتعافي البلاد قد تُرفع سريعا.

وأصدرت الولايات المتحدة الاثنين، إعفاء من العقوبات للمعاملات مع المؤسسات الحاكمة في سوريا لمدة ستة أشهر في محاولة لتسهيل تدفق المساعدات الإنسانية إلى البلاد بعد سقوط بشار الأسد.

وذكر بارو في حديث لإذاعة فرانس أنتير أن الاتحاد الأوروبي قد يتخذ قرارا مماثلا في وقت قريب، دون الإشارة إلى موعد محدد.

وأضاف، أن رفع المزيد من العقوبات السياسية يتوقف على كيفية قيادة الحكام الجدد للفترة الانتقالية وضمانهم أن تكون شاملة لجميع السوريين.

اظهار ألبوم ليست



وتابع، "هناك (عقوبات) أخرى تعوق حاليا وصول المساعدات الإنسانية وتعوق تعافي البلاد. ويمكن رفع هذه العقوبات سريعا".

وأردف، "أخيرا، هناك عقوبات أخرى نناقشها مع شركائنا الأوروبيين ويمكن رفعها، ولكن من الواضح أن ذلك يعتمد على السرعة التي تؤخذ بها توقعاتنا لسوريا فيما يتعلق بالنساء والأمن في الاعتبار".

وقال ثلاثة دبلوماسيين طلبوا عدم ذكر أسمائهم إن الاتحاد الأوروبي سيسعى إلى الموافقة على رفع بعض العقوبات بحلول الوقت الذي يجتمع فيه وزراء خارجية الاتحاد في بروكسل في 27 من الشهر الجاري.

وأوضح اثنان من الدبلوماسيين أن أحد الأهداف هو تسهيل المعاملات المالية للسماح بعودة الأموال إلى البلاد وتسهيل النقل الجوي وتخفيف العقوبات التي تستهدف قطاع الطاقة لتحسين الإمدادات. وقال الثالث إن ألمانيا قدمت ورقة موقف بشأن العقوبات المحتملة التي يتعين رفعها.

وقال المتحدث باسم الخارجية الألمانية كريستيان فاجنر، "بسبب الوضع الجديد، تخضع العقوبات الحالية للتدقيق. طرحت ألمانيا بالفعل أفكارا حول هذه القضية".

وأضاف "التركيز ينصب على المسائل الاقتصادية وإعادة أموال المغتربين السوريين".



ورحبت وزارة الخارجية السورية، بإعفاءات واستثناءات الولايات المتحدة الأمريكية بشأن العقوبات الاقتصادية المفروضة على دمشق.

وقالت في بيانها: "نرحب بالإعفاءات والاستثناءات المتعلقة بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا والتي صدرت عن الإدارة الأمريكية".

وأضافت: "حققنا هذا التقدم نتيجة الجلسات المكثفة التي عقدناها مؤخرا، ونشكر كافة الكوادر السورية الرائعة التي بذلت جهدا كبيرا في هذا الصدد".

وأكدت الخارجية أن "العقوبات الاقتصادية باتت تستهدف الشعب السوري بعد زوال السبب الذي وجدت من أجله، ورفعها بشكل كامل بات ضروريا لدفع عجلة التعافي في سوريا، وتحقيق الاستقرار والازدهار".

مقالات مشابهة

  • حراك أوروبي لرفع سريع للعقوبات التي تعيق تعافي سوريا
  • الإعلان المشترك للقمة المصرية اليونانية القبرصة: نرحب بترفيع العلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية
  • هل تستطيع أوروبا مواجهة تحديات الغاز مع حلول فصل الشتاء وبعد توقف الإمدادات الروسية؟
  • حزب المصريين: قمة القاهرة الثلاثية تعكس عمق العلاقات الاستراتيجية بين مصر واليونان وقبرص
  • السيسي: القمة «المصرية القبرصية اليونانية» تجسد العلاقات التاريخية التي تجمع شعوبنا
  • طائرات بدون طيار أوكرانية تهاجم مدينة يتمركز فيها أسطول القاذفات الاستراتيجية الروسية..تفاصيل
  • ليس الخطأ في الجولاني بل في القوى التي دعمته
  • السفير الرحبي: زيارة الدكتور بدر عبد العاطي إلى مسقط تؤكد عمق الروابط الأخوية التي تجمع البلدين
  • من الذي يحكمنا الآن !!
  • مسابقات إقليمية وعالمية في روزنامة الموسم الجديد للقوى