كان الثالث عشر من أكتوبر من العام الماضي هو يوم مميز على الرغم من كل الأيام السوداء الأخرى، كنت متثاقلا للاستيقاظ في صباح تلك الجمعة، بعد سهرة خميس صاخب مع الأصدقاء في أحد أماكن السهر المطلة على بحر العرب من علو قمة شاهقة من قمم مدينة صلالة الخضراء، كانت تلك الفترة من العام تدعى بموسم الصرب، وهي التي تلحق أفول الخريف وانقطاع الرذاذ وانقشاع السحب الكثيفة مع ظهور خجول للشمس بين الفينة والأخرى، حيث تكتسي السهول بالأزهار البرية المعروفة بألوانها الصفراء والحمراء والبنفسجية والبيضاء.
يا له من صباح جميل
قررت فجأة، بعد أن تذكرت بأنني عائد إلى مسقط بعد أسبوع من الآن، أن أنهض وأنتعل حذائي وأذهب إلى اليمن، هكذا فجأة، التي لطالما نويت زيارتها منذ قدومي إلى صلالة قبيل الشتاء المنصرم، وما أخّرني عن زيارتها هو خوفي من المشاكل الأمنية الناتجة عن الحرب وضياع النظام، وما سمعته من قصص ذاع صيتها عن تعرّض بعض العمانيين لإطلاق نار وقتل ووقوع آخر رهينة في أيدي العصابات، لكنني بعد أن استعلمت من اليمنيين الكثر المقيمين في عُمان، ومن صديقي سالم المعشني علمت أن المنطقة الحدودية آمنة نوعا ما لشخص مغامر مثلي، حيث اعتاد الشباب الظفاريون قضاء إجازة نهاية الأسبوع في محافظة المهرة للاستمتاع باللانظام الشائع هناك، حيث يمكنهم ممارسة الصيد واقتناء الأسلحة وتناول القات في الجلسات الطربية المعروفة، وهكذا أخرجت جواز سفري وقدت سيارتي التيدا متجها جنوبا غربا نحو اليمن السعيد، عبرت ريسوت بجبالها الشاهقة ومررت على سفينتها العالقة أسفل الجرف، ثم مضيت حتى وصلت أرض المغسيل بشواطئها الهائجة وأفقها المكسو بالضباب والظلام في أعماق المحيط المتلاطم، ثم صعدت منها في طريق جبلي متعرج نحو أعالي جبل القمر ثاني أعلى قمة في عُمان، حيث تقطنه قبائل مهرية وجبالية منتشرة في ثلاث ولايات هي رخيوت ثم ضلكوت ثم صرفيت، كنت أستمتع بجمال المناظر الخلابة وأنا أقود سيارتي بروية مصورا الكثير من تلك المناظر التي تطل بك على طريق مكسو ضفتاه بالعشب ثم أسفل منه منحدر وأسفل المنحدر غيوم متفرقة أسفلها شواطئ لا تكاد أمواجها تُرى لبعدها الساحق عن موقعك.
في ضلكوت استوقفني رجل يحمل معه كيسا عملاقا وثقيلا، فتوقفت، أخبرني بأنه بنجالي وأنه يريد توصيلة إلى المزرعة التي يعمل ويقيم فيها في صرفيت، ظننت أن صرفيت قريبة فأخذته معي وهو فرح لندرة السيارات الذاهبة إلى صرفيت في هذا اليوم البهيج، سألته ما الذي جاء به إلى ضلكوت، فأخبرني أنه جاء لأجل اقتناء بعض الاحتياجات اللازمة له وللمزرعة التي يعمل فيها، ثم سألني عن وجهتي فأخبرته اليمن، ولم تبد عليه أي علامات استغراب بل أخذ يتحسس ذقنه براحة يده، قال لي وبشرته داكنة جدا كبشرة الجباليين: "كثير نفر عماني يروح يمن مشان زواج، أنت روح زواج؟" قلت له: لا، قال: "أنت روح أكل قات"، قلت: لا. فصمت وهو يبتسم وكأنه توصل إلى حقيقة ما لم يشأ إخباري بها، كانت صرفيت بعيدة جدا والطريق إليها هبوطا من قمم جبل القمر، حيث جداول الماء الغزيرة تسيل على جوانب الشارع، وقد ترى أناسا يستحمون أو جمالا وحيوانات ترتوي من تلك الجداول والشلالات، وصلنا أخيرا إلى المزرعة وكانت بهية خضراء بأنواع كثيرة من الفواكه والحيوانات وقريبة أيضا من الشارع إذ تقع على منحدر بين البحر والجبل، ودّعته مسرعا بعد أن حاول أن يدفع لي أجرة الطريق، وأخبرني أن الحدود بعد 10 كليومترات فقط، وفعلا كانت صرفيت آخر قرية عمانية فيها أسواق ومحطة بنزين ومسجد ومطعم وأماكن للاستراحة، عبرت الحدود العمانية وهي بذات تصميم وهندسة باقي مباني الشرطة الحدودية في عُمان، وعندما خرجت إلى المركز الحدودي اليمني لم ألاحظ أي تغيير كبير، سوى أن مبناهم أكثر تواضعا فهو عبارة عن قاعة كبيرة أمامها نافذتان يقعد خلف أحدها رجل كان يدخن سيجارة في الخارج عندما ترجلت من سيارتي مستفسرا عن الإجراءات، أخذ مني الجواز ورسوم الدخول وأعطاني ورقة، قال لي عندما تعود غدا اعطنِ إياها، وهكذا مضيت بسيارتي حتى مكان التفتيش المظلل، وأشار عسكري مدجج بالأسلحة بأن أذهب وذهبت، وعندما وصلت إلى المخرج جاءني شاب يحمل سلاحا رشاشا كبيرا مخيفا إلا أنه كان مبتسما، سألني عن ورقة الخروج فأعطيته الورقة، رآها ثم طلب مني سيجارة، قلت له: إنني لا أدخن، ففتح الباب وتركني أمضي في حال سبيلي، دون أن تكون هناك أي مضايقات أو رِشى كما أفهمني صديقي خالد شداد في صلالة.
شعرت براحة وأنا أمرق أخيرا في أرض اليمن السعيد أرض الأبطال والطيبين وأجمل الشعراء والمطربين، وأول منطقة تستقبلك من اليمن هي "حوف" قرية جميلة هادئة على سفح جبل ذات معماري عربي حجري قديم فجميع المباني من الحجر والآجر ولا وجود للأسمنت والطابوق إلا فيما ندر من المباني الجديدة، وبسرعة ربطت المذياع بأغاني أبي بكر سالم المحفوظة في هاتفي، ومضيت بسيارتي مسرعا ألتهم الشارع النظيف الذي شُيّد على نفقة حكومة عُمان على ما أخبرني بعض الشباب اليمنيين الذين التقيت بهم في فندق موفينبيك المهرة. كنت استمع إلى أغنية "رسينا يا شواطي الشوق، رسينا.." وأنا أنطلق في الطريق البحري وأشاهد قوارب الصيد اليدوية في البحر، حتى وصلت إلى قرية اسمها الفتك وهي قرية كبيرة جدا وأغلب مبانيها من الحجر والطين ولم أكد أرى أناسا إلا ما ندر وفي وسطها واد واسع تكثر فيه أشجار النخيل والليمون والمانجو وهو أقرب شبها بالأودية في جبال الحجر من داخلية عمان، ثم أكملت طريقي فوجدت أطفالا رثي الملابس وأُمًّا واقفة على مبعدة منهم استوقفوني واستجدوني فأعطيتهم ريالا وسألوني عن قيمته باليمني فقلت لا أعرف، وسألتهم عن منزلهم وأشاروا إلى نخلة تحتها حقيبة وصناديق كارتونية، فرثيت لحالهم. ثم مضيت حتى وصلت إلى طريق مغلق بسيارة بيكاب وحولها رجال مدججون بالرشاشات، وعندما وصلت فتحوا لي الطريق دون أن يسألوني شيئا، مضيت حتى استوقفني شابان، سألاني إذا كان بالإمكان أن أقلهم إلى المحطة، فقلت نعم، فإذا بجميع الشباب خلفهم يصعدون السيارة، اثنان في الأمام وأربعة في الخلف واثنان في الدبة، كانت المحطة عبارة عن محطة بنزين وبدا أنهم كانوا ذاهبين للعمل في تلك المحطة، شكروني ودعوا لي بالتوفيق..، ثم وصلت إلى منطقة اسمها "الفيدمي" واستوقفتني مجموعة من الشباب فلم أقف لهم، واستوقفني ثلاثة أطفال على مسافة أمتار منهم بشرتهم سمراء، فوقفت لهم وصعدوا، سألني أحدهم: لماذا لم تقف لمجموعة الشباب الذين استوقفوك قبلنا، فلم أجبه، قال لي: "أحسن لك ما زينين". ثم أخبروني بأنهم أطفال صوماليون هاجر آباؤهم إلى اليمن هربا من الحروب في الصومال، وقد وجدوا راحة في الحديث معي فأخذوا يمزحون كثيرا ومندهشون جدا من سيارتي التيدا موديل 2011 وتقنياتها، وسعيدون أيضا بالحياة في اليمن ففيها أمان وخير كثير على حد قول أكبرهم، وهم يعملون في الصيد مع الكبار الذي يؤمّن لهم قوت يومهم ويرتادون المدارس ولديهم وقت فراغ للعب والعبث. طبعا كانوا حفاة جياعا وملابسهم رثة.
كانوا قاصدي مدينة "الغيضة" وهي عاصمة محافظة المهرة، وهي مقصدي أيضا، كانوا في مهمة لشراء الأرز والطحين والزيت وإحضار الثلاجة من محل التصليح، كان اثنان في عمر 10 سنوات لمهمة التبضع والأكبر 14 سنة لإحضار الثلاجة، ولم أسأله كيف سيعيد الثلاجة إلى قريته النائية. لمدينة الغيضة بوابتان عليهما علم اليمن، إحداهما من الشارع المقبل من عُمان والثانية للشارع المقبل من المكلا وفي كلتا البوابتين جنود مدججون بالسلاح فتحوا لنا البوابة دون أن يستوقفونا على غير العادة، أما الغيضة فهي حاضرة قبائل المهرة القاطنة في الجبال والسهول المحيطة بها ومركزهم وهم يعتزون بها وبلغتهم المهرية ويدرسونها في مدارسهم، وفي شوارعها تجد الأعلام الفلسطينية أكثر انتشارا من الأعلام اليمنية نصرة لأهالي غزة ضد العدوان، قال لي الأطفال قبل توديعي: "اذهب إلى الكورنيش وهناك ستجد فندقا كبيرا هو أحسن واحد لكنه غالي"، وذهبت فوجدت الكورنيش كبيرا جدا فيه شوارع كثيرة ومواقف كثيرة ومظلات وحمامات ومحلات للبيع بأحسن ما يكون من تصاميم لم أر مثلها من اتساع ورفاهية في بلدي عُمان، وكانت أكياس القات تتطاير في كل مكان، أما الفندق الذي دلوني عليه فكان مبنى المحافظ وليس فندقا، فرجعت أدراجي إلى السوق وهناك دلتني امرأة يمنية التقطتها في الطريق على فندق موفينبيك المهرة والذي جرت فيه حكايات شيقة سأسردها لكم في فرصة أخرى.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
حزب الاصلاح بمحافظة المهرة يحتفي بذكرى التأسيس واعياد الثورة ويدعو لاستعادة مؤسسات الدولة
أقام المكتب التنفيذي بالتجمع اليمني للإصلاح بمحافظة المهرة صباح اليوم السبت حفلا فنيا وخطابيا بمناسبة ذكرى التأسيس الرابعة والثلاثين وذكرى اعياد الثورة اليمنية 26سبتمبر و14 أكتوبر و30نوفمبر
وفي كلمة السلطة المحلية قال وكيل محافظة المهرة حسين المسعدي أن المرحلة الراهنة تستدعي من كل القوى الوطنية توحيد الصفوف تجاه المعركة والمصيرية وتحرير ما تبقى من محافظات من تحت سيطرة المليشيات الحوثية المدعومة ايرانيا
كما هنأ المسعدي التجمع اليمني للإصلاح بذكرى تأسيسه مشيرا إلى ان توحيد القوى الوطنية بالمحافظة سيدفع بعجلة التنمية نحو التقدم ويحافظ على أمنها واستقرارها
من جانبه قال رئيس المكتب التنفيذي لإصلاح المهرة الاستاذ سالم السقاف أن اليمنيون يعيشون ظروف بالغة التعقيد بسبب استمرار مليشيات الحوثي بإنقلابها على مؤسسات الدولة ومحاولتها إعادة الوطن إلى الوراء من خلال إثارة النعرات الطبقية والمناطقية وتجريف الحياة السياسية
وطالب السقاف في كلمته التي ألقاها بالحفل الحكومة بدعم الجيش الوطني والمقاومة الشعبية وتوحيد كل القوى نحو المعركة المصيرية لاستعادة مؤسسات الدولة من الانقلاب الحوثي
وأشار إلى أن الإصلاح تعرض لحملات تشوية وتهميش واقصاء الا أنه ظل صامدا بوجه تلك التحديات ومدافعاً على الثوابت الوطنية ولم يلتفت لتلك العراقيل مشيدا في الوقت ذاته بنضالات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية لدحر الانقلاب
لافتا إلى أن الإصلاح يُجدد عهده على وحدة الصف الوطني، والسعي إلى تحقيق تطلعات الشعب اليمني في بناء وطن مستقر وآمن.
كما أشاد السقاف بالتحالف العربي خاصة المملكة العربية السعودية التي وقفت إلى جانب اليمنيين في هذه الظروف الصعبة التى تمر بها البلاد
وأوضح رئيس إصلاح المهرة ان مايعيشه المواطن في هذه الايام
من معاناة نتيجة ارتفاع العملة الوطنية ومانتج عنها من ارتفاع أسعار السلع الأساسية تستدعي من الحكومة والمجلس الرئاسي لوضع الحلول المستعجلة وانقاذ مايمكن انقاذه ووضع الحلول للازمة الاقتصادية
وحول مواقف الاصلاح بالمحافظة قال السقاف أن الإصلاح لايزال يدعم جهود السلطة المحلية في الحفاظ على مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية وفرض هيبتها وابعاد المحافظة عن اي صراع مشيدا بالدور الإيجابي لكل المكونات للحفاظ على أمن واستقرار المحافظة وابعادها عن ظاهرة الغلو الديني الذي قد يولد المزيد من الانقسام الداخلي
وحول موقف الإصلاح من القضية الفلسطينية قال السقاف أن الخذلان الذي تعرض له الشعب الفلسطيني خاصة سكان غزة جعل العدو يتمادي في بطشه إلا أن صمود المقاومة بوجه العدوان الاسرائيلي يعتبر نصرا كبيرا
من جانبه قال رئيس دائرة الطلاب بإصلاح المهرة محمد الحذيري أن الإصلاح كان له دور كبير في دعم الشباب والوقوف إلى جانبهم وتنمية قدراتهم في مختلف المجالات.
مشيرا إلى أن الشباب الإصلاحي يتذكرون التضحيات التي قدمت من أجل الوطن ويجددون العهد على مواصلة النضال لاستعادة مؤسسات الدولة من المليشيات الحوثية.
في كلمة المراة أوضحت رئيس دائرة المراة بإصلاح المهرة سميرة سالم أن اليمنيين يحتفون بثورة سبتمبر واكتوبر في الوقف الذي يسعى الانقلاب الحوثي الى طمس اهدافها ومعالمها واعادة الإمامة لتكريس السلالة والجهل والتخلف وزرع الطبقية في مجتمعنا غير مكترث بالآلام المواطنين ومعاناتهم
وأشارت إلى أن المرأة الإصلاحية كان له دورا نضالي في مقاومة ذلك الانقلاب فهي اما ام شهيد او بنت شهيد او شهيدة امام ذلك الصلف الكهنوتي وهي ايضا اليوم مناضلة في كل المجالات السياسية والثقافية وحاضرة في كل المحافل لتعبر عن تطلعاتها وأهدافها في استعادة الدولة ومكانة اليمن وحضورها الدولي والاقليمي
واضاف ان دائرة المرأة في التجمع اليمني للإصلاح في محافظة المهرة سعت ومنذ وقت مبكر الى اكساب المرأة الإصلاحية المهارات والتأهيل لتكون رقما اساسيا في الحزب متطلعة نحو افق مستقبلي لعمل المرأة السياسي وفق النظام الاساسي واللوائح المنظمة وقد قطعت شوطا كبيرا وهي اليوم سياسية ومثقفه وجامعية وأكاديمية وتمثل النموذج الأسمى في إبداعها وتفانيها وانتظامها
لافتة إلى إن المرأة الإصلاحية تمد يدها الى كافة القطاعات النسوية بالمهرة والاحزاب السياسية للعمل المنظم برؤية وتنسق مشترك لمصلحة المحافظة وتبني هموم المواطن والعمل على التخفيف من معاناته معبرة عن تطلعها لمواصلة الطريق نحو تحقيق الامال والأهداف التي نرتقي بالمحافظة
كما تخلل الحفل فقرات فنية وقصائد شعرية تشيد بدور الإصلاح واسهاماته الوطنية منذ تأسيسه إلى جانب شركاء العمل السياسي .
كما شهد الحفل حضور قيادات بعض الأحزاب السياسية وشخصيات اجتماعية وسياسية وجمع غفير من المواطنين.