كشف التضليل الممنهج في صنع معاداة السامية أو تحريم نقد إسرائيل
تاريخ النشر: 20th, March 2024 GMT
ليس غريبا أن تلتجئ دول الاستعمار إلى بث شؤونها ومد خيوطها إلى كل ناحية طلبا لإخضاع دول المحيط لسيطرتها وتهديدا لها في أمن بقائها، ولكن الأنكى في جرح الإنسانية أن تتعمد الكيانات المغتصبة أن تفرض المصطلحات العلمية وفق رأيها ولو كانت دلائل اللغة والتاريخ تعارضها ولا ترتضيها، وحتى تكون المصطلحات موغلة في القسوة تضرب لها الدول المغتصبة عقوبات حفاظا على مضمون المصطلح، وحتى يكون المساس به مساسا بثوابت الوجود الآمن.
من تلك المصطلحات الرائجة في أوروبا وأمريكا وخاصة يعلو صوته إبان العداء السافر على المسلمين في فلسطين مصطلح "معاداة السامية"، فما إن يقرب المُحِقون من محاكمة المجرم أو إعلاء صرخات الألم والحزن المتسببة بها أيدي العدوان الصهيوني حتى ترفع أمامهم "معاداة السامية" وكفا بها زاجرا لمن يحاول المساس بهالة الكيان المزيفة.
وهنا أعرض كتابا أجده من الأهمية أن يقف عنده المشتغلون بقضايا الإنسانية أولا، وبدراسة المصطلحات وأبعادها في المحيط السياسي والثقافي ثانيا، كتاب "صنع معاداة السامية أو تحريم نقد إسرائيل" للكاتب اليهودي أبراهام ملتسر.
نجد أيها الكريم أن عنوان الكتاب يقدح لك فكرة الربط بين معاداة السامية، ونقد الكيان الغاصب، إخراجا له من حقله الدلالي وإبعادا في غاية الفحش والظلم لمعناه المنحوت له.
نعم أيه القارئ؛ لقد وضع المؤلف كتابه منتقدا فيه ظاهرة "معاداة السامية" ووضعها في خط تستعمله دولة الاستيطان لإسكات كل صوت يعلو صوتها، في حين تستغل هي ذات المصطلح كي تظهر ثوب الضعف والمسكنة وأن العداء على السامية يثير في ذاكرتهم سجون النازية مثل أحياء الجيتو ومعسكرات أوشفيتز.
يذكر المؤلف في بداية الكتاب قصة خروجه هو وعائلته من ألمانيا إلى فلسطين متحدثا عن طفولته هناك وكيف رأى الوضع العام حوله من العرب المسلمين، وهنا يعترف أن المدرسة كان تعلمه "أن كل شعوب العالم كارهون دائما لليهود".
في ثنايا الكتاب يعبر المؤلف عن عدم اهتمامه بمعاداة السامية وذلك يعود إلى أن "قوانين الدولة ملزمة بحمايتي وحماية جميع اليهود وغير اليهود فيها بغض النظر عن الحزب الذي يصوتون له، وأي نوع من الموسيقى يحبونه.. ولهذا يصبح الخوف من معاداة السامية سيانا بالنسبة لي، ووجود معادي السامية من عدمه سواء".
لكن ما يؤرق المؤلف هنا أن يشغل هذا المصطلح جانب السياسة ويؤثر في إظهار تناقض مع المسكنة التي يحاول اليهود إضفاءها على أنفسهم وهم مقترنون بلباس الظلم والوحشية التي يقومون بها في فلسطين، يقول المؤلف: "ثمة كثيرون يعتقدون أن الهولوكوست تمنح اليهود الحق في تجاوز القوانين القائمة والأخلاق العالمية، ولكن هذا لا يسمح لنا أن نكون ضد الألمان، فضلا عن الفلسطينيين الذي لم يكن لهم ذنب قط في حدوث الهولوكوست"، ويقول أيضا: "هل انتقاد قمع اليهود لشعب آخر هو بالفعل عداء للسامية؟ لقد سبق لكارل ماركس، وهو ابن عائلة يهودية وحفيد حاخام أن قال (إن الشعب الذي يقمع شعبا آخر، لا يمكن أن يكون هو نفسه حرا) وبناء على هذا فلا يمكن إسرائيل ذاتها أن تكون حرة".
وقد سلط الضوء على جانب آخر وهو سفاهة بعض الصحفيين وعلى طليعتهم الصحفي "هنريك برودر" في ملاحقتهم من تشم منه رائحة معاداة السامية.
وكم ذكر المؤلف وانتقد ربط نقد سياسة إسرائيل بمعاداة السامية حيث يوضع من ينتقد السياسة الاستيطانية بأنه معاد للسامية فهناك من اليهود يجري خلف السياسة الإسرائيلية بقلب أعمى لا يميز الخطأ من الصواب، وفي حال كان النقد والتصحيح واجبا من اليهودي نفسه من ألمانيا أو غيرها ألصق به مباشرة أنه معاداة للسامية.
وينتقد المؤلف ضعف الهوية اليهودية وصعوبة اندماجهم في أوطانهم وبدلا من صحة الاختلاط الفعال تراهم يرتبطون مع الكيان الغاصب روحا وعقلا تاركين انشغالهم بما هو أصيل في بلادهم، كما أشار المؤلف في كتابه كثيرا أن اليهود ليسوا على قدم واحدة فمنهم المنتقد للكيان الغاصب وللحركة الصهيونية، وأن اليهود ليسوا بالضرورة إسرائيليين والعكس كذلك أيضا.
إن استيفاء جميع ما ورد في الكتاب في مقال يعسر على الكاتب وحسبك من السوار ما أحاط بالمعصم، وأخيرا أدعو إلى مراجعة الكتاب ونقده بذاته وإخراج ما يمكن أن تستفيد منه الأجيال القادمة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: معاداة السامیة
إقرأ أيضاً:
جمعة: "رسول الله ربّانا على القوة والمبادئ السامية"
أكد الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجمهورية السابق، أن سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم أرشدنا إلى قيم القوة والسعي للارتقاء بالنفس والمجتمع، وشدد على أن العجز مرفوض في الإسلام، خاصة إذا كان مرتبطًا بالتقصير في عبادة الله أو عمارة الأرض، ورغم ذلك، فإن المؤمن العاجز خير عند الله من الفاجر القوي، لأن المؤمن يمتلك القيم والأخلاق التي تعزز الحضارة الحقيقية.
العجز والقوة: رؤية إسلامية متوازنةأوضح جمعة أن الإسلام يدعو إلى الجمع بين الإنجاز والقيم، مشيرًا إلى أن الإنجاز الذي يخالف الأخلاق والقيم مرفوض تمامًا. وأضاف أن الإنجاز الحقيقي يتطلب الالتزام بالمبادئ والثوابت، وليس فقط تحقيق النجاح المادي أو الظاهري. وذكر أن الأمم السابقة، مثل قوم عاد، وقعوا في فخ الغرور بإنجازاتهم، كما ورد في القرآن الكريم.
قال الله تعالى:
(أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ)،
مشيرًا إلى أن نبي الله هود عليه السلام حاول تذكيرهم بأن نعم الله تزيد بالإيمان والتقوى، لكنهم تمسكوا بباطلهم وقالوا:
(سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ الوَاعِظِينَ).
التوازن بين الكم والكيفأكد الدكتور جمعة أن الإسلام يُعلي من شأن الكيف على الكم، والقيم الإنسانية على الإنجازات المادية. وأوضح أن المسلم الحقيقي هو من يقدّم التقوى على الإنجاز، ويراعي حقوق الإنسان قبل بناء المنشآت.
وما ترك الله لنا طريقًا يبلغنا رضاه وجنته إلا وقد أرشدنا إليه، وحثنا عليه رسوله الكريم ﷺ ، وما ترك لنا طريقا يؤدي بنا إلى النار إلا وحذرنا منه وأحدث لنا منه ذكرا، وتركنا رسول الله ﷺ على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
فلما زاغ الناس عن المحجة البيضاء شاع الفساد، وفشت الفتن من حولنا، تلك الفتن التي وصفها سيدنا رسول الله ﷺ فقال : (يخرج في آخر الزمان رجال يختلون الدنيا بالدين، يلبسون للناس جلود الضأن من اللين، ألسنتهم أحلى من السكر، وقلوبهم قلوب الذئاب، يقول الله عز وجل : أبي يغترون ؟ أم علي يجترئون ؟ فبي حلفت، لأبعثن على أولئك منهم فتنة تدع الحليم منهم حيرانًا) [رواه الترمذي]. وفي ذلك تصديق لقوله تعالى : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ) .
رسالة للمسلمين اليوماختتم جمعة حديثه بالدعاء أن يرزق الله المسلمين الرشد والصواب في أعمالهم، ويحقق التوازن بين الإنجاز المادي والروحي، مشددًا على أهمية تقديم القيم الإنسانية والدينية كمعيار أساسي للنجاح والتقدم.