الاقتصاد الروسي... في مواجهة العقوبات
تاريخ النشر: 20th, March 2024 GMT
"روسيا بعيدة كل البعد عن الانهيار الاقتصادي الذي توقّعه الغرب".. بهذه الجملة يمكن اختصار واقع الاقتصاد الروسي بعد فرض أكبر حزمة عقوبات غربية عليه، منذ بداية الحرب في أوكرانيا إلى اليوم.
في ذاك الوقت، كانت الصحف الغربية تنظر إلى روسيا بازدراء، وتصفها بأنّها "دولة أفريقية تغطيها الثلوج"، و"محطة وقود بأسلحة نووية"، أو "الدولة القزم" نسبة لحجم اقتصادها، لكن بعد مرور عامين على فرض تلك العقوبات، أثبت الاقتصاد الروسي قوته على نحو مدهش.
أرقام تخالف التوقعات
فقد نما الاقتصاد الروسي بنحو 3 في المئة، كما ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.6 في المئة في العام الفائت 2023، مسجلا رقما قياسيا كأسرع قوة اقتصادية، لتيخطى بذلك اقتصاديات جميع دول الاتحاد الأوروبي، أي تلك الدول الفارضة للعقوبات، محققا بذلك أداء اقتصاديا إيجابيا برغم الحرب.
وبحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فإنّ نسبة نمو الاقتصاد في روسيا قد سجلت وتيرة "جيدة جدا" خلال العام الماضي، ووصلت إلى 3.6 في المئة، وهو معدل تعتبره موسكو "ممتازا" بالنسبة لمتوسط نمو الاقتصاد العالمي، كما أنّه أعلى بمرتين من نسبة النمو في الدول المتطورة.
أمّا هذا العام، فيتوجّه الاقتصاد الروسي للنمو بنسبة يُرجح أن تصل إلى 2.6 في المئة، مستفيدا من الإنفاق العسكري الضخم والجهود التي اتخذت لتحفيز قطاع الإنشاءات في البلاد، ناهيك عن تراجع معدل إغلاق الأعمال التجارية إلى أدنى مستوى له في 8 سنوات، بعد أن تمكنت الشركات الروسية من إنشاء سلاسل توريد جديدة بخلاف تلك الغربية، بحيث بات أكثر من نصف واردات السلع في روسيا تأتي من الصين.
وحتى التضخم الذي لا يزال يتجاوز 7 في المئة على أساس سنوي وفق أرقام شهر كانون الثاني/ يناير، لا يبدو أنّه يثير الكثير من القلق لدى السلطات الروسية، خصوصا في ظل توقعات تُرجّح بدء تلاشي الضغوط التضخمية بعد أن أصبحت روسيا أكثر استقلالية واكتفاء ذاتيا في إنتاج الغذاء.
وعلى مستوى التضخّم، فقد استقر هو الآخر خلال شهر كانون الثاني/ يناير الفائت عند 7.4 في المئة على أساس سنوي، في حين تسعى السلطات الروسية إلى احتوائه عند مستوى 4 في المئة فقط، خصوصا في حال واصلت أسعار النفط التحسّن مع ازدياد الطلب عليه حول العالم.
ليس هذا وحسب، فقد انخفض دين الدولة الخارجي من 46 مليار دولار إلى نحو 32 مليار دولار، كما حقّقت التجارة السلعية خلال العام الجاري فائضا، بلغ 308 مليارات دولار حسب هيئات الإحصاء الروسي (منظمة التجارة العالمية تعترف بأنه الفائض بلغ 292 مليار دولار فقط)، فاحتلت روسيا من خلال ذلك الفائض الكبير، المركز الثاني بعد الصين.
كل هذه الأرقام تدلّل على أنّ موسكو نجحت إلى حد كبير في التصدّي لتأثير العقوبات الغربية، كما كانت رافعة دعم قوية لموقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال الانتخابات الرئاسية التي انتهت قبل أيام بـ"فوز نظيف"، بدا فيه مرتاحا جدا منذ البداية، خصوصا بعد أن حصل على أعلى نسبة تصويت عن الدورات كلها، التي فاز بها من قبل، محقّقا زيادة بـ10 نقاط عن انتخابات العام 2018.
ما سرّ هذا الصمود؟
لا شكّ بأنّ هذا الصمود الاقتصادي خلفه أسباب، وهي بالدرجة الأولى تعود إلى عوامل عدّة مكّنت موسكو من مقاومة العقوبات الغربية الشرسة، ويمكن حصر تلك الأسباب بالتالي:
- استعدادات روسيا المسبقة لسيناريو الحرب. فالعقوبات التي فرضتها الدول الغربية على روسيا تجاوزت 19200 عقوبة، وفي مقدمتها عقوبات أمريكية وكندية وسويسرية وأخرى تعود إلى دول الاتحاد الأوروبي. وقد وصلت حزم العقوبات المفروضة على روسيا إلى 12 حزمة، تغطّي نحو 1800 فرد وكيان. تلك الاستعدادات اكتسبتها روسيا منذ العام 2014، يوم تعرضت لعقوبات مماثلة بعد ضم شبه جزيرة القرم، وهي ما دفع السلطات الروسية إلى التفكير جديّا بضرورة بناء نظام مشابه لـ"سويفت" الخاص بتحويل الأموال، والذي أُخرجت منه روسيا. فقد نجحت روسيا منذ العام 2014، في تعزيز الجبهة الداخلية من خلال مجموعة من الإجراءات الاستباقية، وهي الإجراءات التي خففت من وطأة وتأثير العقوبات بعد ذلك عليها بعد الحرب في أوكرانيا.
- بعد خروج كل من "فيزا كارد" و"ماستر كارد" من روسيا، بذل البنك المركزي الروسي قبل العملية العسكرية الجهود لإقامة البطاقات الوطنية في روسيا، وهو ما سمح من جديد للمواطنين أن يستعملوا البطاقات الائتمانية، كما تمكنت من تنويع العلاقات النقدية والمالية مع الدول الأخرى غير الغربية.
- أقامت موسكو اتصالات اقتصادية وتجارية مع الدول الشرقية والجنوبية بما في ذلك الدول العربية والأفريقية، وهذا ما جعلها تتجاوز المشكلات المتعلقة بالعقوبات، ومكّنتها من إيجاد مستهلكين جدد للبضائع الروسية، ولذلك صمد النظام الاقتصادي.
- استطاعت روسيا أن تحوّل ضغوط العملية العسكرية في أوكرانيا إلى "فرص"، وذلك من خلال "عسكرة الاقتصاد"، وافتتاح مصانع جديدة لصناعة الأسلحة وهو ما ساهم في تطوير الاقتصاد الروسي وتنميته.
- لعبت "الدول الصديقة" في آسيا الوسطى وبعض تلك الأوروبية والدول الخليجية، وتلك في أميركا اللاتينية وفي قارة أفريقيا دورا فاعلا في مساعدة موسكو على تخطي العقوبات، خصوصا أنّ تلك الدول رفضت السير بتلك العقوبات، وقرّرت ألاّ تكون شريكا للتوجهات الأمريكية والأوروبية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه روسيا الاقتصادي عقوبات اقتصاد روسيا اوكرانيا عقوبات مدونات مدونات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة صحافة سياسة صحافة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاقتصاد الروسی فی المئة
إقرأ أيضاً:
منير أديب يكتب: سوريا الجديدة وتحديات مواجهة داعش
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
لا أحد يستطيع أنّ ينكر أنّ خطر تنظيم داعش مازال يُهدد سوريا، بعد التغيير السياسي والديمغرافي التي مرت به خلال الشهرين الماضين، وبعد أنّ وصلت هيئة تحرير الشام إلى السلطة، هذا من ناحية، وفي ظل احتلال إسرائيل لبعض الأراضي السورية استغلالًا لحالة التوتر والفوضى التي تعم سوريا من ناحية أخرى.
الأخطر من هذا وذاك، هو أنّ التنظيم وضع يده بالفعل على مخازن الأسلحة كانت بحوز النظام السابق، وبالتالي بات داعش هنا أقوى مما كانت عليه في العام 2014.
الوضع السياسي والأمني في سوريا ليس على ما يُرام، في ظل تصدع الدولة بكامل أجهزتها، فضلًا عن حل كل الأجهزة الأمنية بدءً من الشرطة الداخلية وانتهاءً بوزارة الدفاع، وهو ما انعكس بصورة كبيرة على أمن الشارع، خاصة وأنّ إعادة ترتيب الأجهزة الوليدة يأخذ وقتًا، فضلًا على عدم وجود الخبرة اللازمة لدى هذه الأجهزة.
اتخذت داعش من سوريا عاصمة للخلافة الإسلامية التي أعلنوا دولتها في 29 يونيو من العام 2014؛ فكانت الرقة مقر الحكم للخليفة أبو بكر البغدادي، حتى أنه قتل في سوريا بعد سقوط مملكته في 22 مارس من العام 2019، وهنا يُراود خلايا داعش العودة، فعلى هذا الأساس تتحرك الخلايا الخاملة والنشطة في سبيل تحقيق ذلك.
التكهنات الخاصة بخروج القوات الأمريكية من سوريا ربما يُعزز هذه الفكرة بصورة كبيرة، صحيح لم يُعلن دونالد ترامب ذلك صراحة، ولكن هناك مؤشرات لخروج قواته من سوريا، وهو ما يصب في صالح داعش وأخواتها.
الخطورة تكمن في أنّ مقاتلتي داعش وعوائلهم داخل السجون والمخيمات في سوريا؛ فإننا نتحدث عن قرابة 26 سجنًا، ويُقدر أعداد السجناء فيه بنحو 12 ألف سجين من عناصر التنظيم، وهم من جنسيات مختلفة.
يوجد بخلاف مقاتلي التنظيم قرابة 56 ألف شخص من عوائل التنظيم بينهم ثلاثين ألف طفل، وهؤلاء موزعين ما بين 24 منشأة احتجاز ومخيّمين هما الهول وروج في شمال شرق سوريا.
هذه الأعداد المهولة من عوائل التنظيم من الأطفال النساء، التنظيم لم ينساهم ولن ينساهم، خاصة وأنّ قياداته دائمًا ما يُحرضون على تحرير هذه المخيمات، وخرجت أكثر من رسالة من أبو بكر البغدادي قبل أنّ يُقتل في أكتوبر من العام 2019، يدعو فيها إلى تحرير هذه المخيمات.
وإذا كانت هناك أهمية في تحرير هذه المخيمات، فخلايا التنظيم الخاملة والنشطة تضع ضمن أولوياتها تحرير السجون التي يتواجد فيها مقاتلي داعش والتي تصل إلى 26 سجنًا وتحوي قرابة 12 ألفًا من مقاتليه، فخروج هؤلاء سوف يُعيد دولتهم المزعومة من جديد.
لهذه الأسباب يستعد التنظيم لعملية كبيرة قد تكون أكبر من قدرات قوات سوريا الديمقراطية، وقد لا تستطيع السلطة الجديد في سوريا مواجهتها، وهنا يبدو الخطر، خاصة وأنّ التنظيم سوف يختار الوقت، وطريقة تنفيذ العملية وسوف يستفيد من أخطاءه في عملية اقتحام سجن غويران في السابق.
عامل المفاجأة سوف يصب في صالح خلايا داعش، التي سوف تتعامل مع نقاط الضعف، مستغلًة الظرف السياسي والأمني لصالحها، والخلاف الموجود بين هذه القوات وبين قوات سوريا الديمقراطية، وهنا يبدو خطر داعش الذي يلوح في الأفق.
تقديري أنّ التنظيم قد ينجح في تنفيذ هذه العملية بعد الإعداد لها في وقت زمني في حدود الـ 6 أشهر، تزيد المدة أو تقل قليلًا، وبعدها سوف بتفاجأ العالم بداعش جديد تطل عليه، سوف تكون أشرس بكل تأكيد من النسخة القديمة، ومواجهتها سوف تكون أصعب في ظل تعقيد سياسي وأمني في سوريا والمنطقة العربية وفي ظل الصراع الإسرائيلي واحتمال عودة الحرب في قطاع غزة مرة ثانية.