كيف يمكن الاستفادة من رمضان بعد انقضائه؟
تاريخ النشر: 20th, March 2024 GMT
خليفة بن عبيد المشايخي
khalifaalmashayiki@gmail.com
هناك أيام وشهور وأوقات تميَّزت عن غيرها، ونحن كمسلمين نعلم أنَّ الله تعالى ميَّز شهر رمضان عن سائر الأشهر بأنه أنزل فيه القرآن الكريم، وفيه ليلة القدر خير من ألف شهر، وفيه حدثت انتصارات إسلامية كثيرة، وفيه تصفد الشياطين وتفتح أبواب الجنة.
وميزه الله تعالى بأن ضاعف فيه الأجور والحسنات، فصلاة النافلة فيه تساوي فريضة، والفريضة مضاعفة إلى أضعاف كثيرة.
ولذا نسأل: كيف يُمكن أن نستفيد من شهر رمضان الفضيل بعد انقضائه.
أولاً: فيما يتعلق بفوائد الصوم وفوائد هذا الشهر الفضيل فهي معلومة وكثيرة ولا تعد ولا تحصى، لاسيما وأنَّ الله تعالى اختصه بالرحمات والنفحات الإيمانية وبالكثير الذي لا يتسع المجال لذكره، فبعد هذا الشهر الفضيل لماذا لا نجعل أوقاتنا وحياتنا بعده وكأننا دائمًا فيه.
والملاحظ من غالبية المسلمين في هذا الشهر الفضيل تحولهم وفرارهم إلى الله تعالى وهذا عمل جيِّد بل قمة الامتياز، كذلك اهتمامهم الملحوظ بالقرآن الكريم وبإقامة الصلاة وتأديتها جماعة، والاهتمام أيضًا بأعمال الخير والبر والإحسان والمسارعة إليها وفيها، دليل على أنَّ الخير فيهم وبهم، إلا أن هذه العادات والأعمال تضعف وتتلاشى بعد شهر رمضان الفضيل.
إنَّ المتتبع لما نادى به الله تعالى يجد بأنه جلَّ جلاله أمرنا بذكره كثيرا، وأمرنا أولا أن نستعين في شؤون حياتنا كلها بالصبر والصلاة.
فلماذا حثنا جل جلاله على الاستعانة بالصبر ومن ثم الصلاة، أولا حتى نؤدي الصلاة نحتاج إلى الصبر عليها وعلى أدائها، وقبلا نحتاج إلى ما يمكننا من تحقيقها وأدائها على الوجه الأكمل، فالمثبطات لدى الإنسان كثيرة، أولها نفسه الأمارة بالسوء وثانيها الشيطان الرجيم وثالثها الهوى ورابعها الدنيا، وكل هذه المهلكات بحاجة إلى قوة وصبر على تجاوزهن وتخطيهن.
ثانياً: لماذا جل جلاله أمرنا بالاستعانة بالصلاة بعد الصبر، لأنها هي الصلة الموصلة إليه تعالى، وهي الأصل في تقوية علاقتنا به جل جلاله.
فمتى انفكت هذه العلاقة ونقطة التواصل بالله ومع الله نلنا الشقاء؛ إذ قال فمن أعرض عن ذكري فإنَّ له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى.
كذلك قال الله تعالى ما سلككم في سقر قالوا لم نكن من المصلين، إذن بالصلاة ومعها الصبر، نستطيع أن نكون وكان كل أوقاتنا في شهر رمضان، ذلك لأن الإنسان إذا أراد أن يصوم صوماً صحيحًا ولا يصلي فلا صوم له ولا فائدة من صومه، ما يعني بأنه إذا أراد أن يصوم. سيضطر إلى الانضباط بتأدية الصلاة في أوقاتها ويشكلها الصحيح الذي أخبرنا به الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
إذن الشيء الأول الذي يمكن أن نجنيه ونستفيد منه بعد انتهاء شهر رمضان، هو المحافظة على الصلاة مثلما حافظنا عليها جماعة في أيام الشهر الفضيل، فامتلاء المساجد في شهر رمضان، دليل على أن المُسلمين بهم خير، وأنهم محبون لله تعالى وعلى الدوام متصلين به جلَّ جلاله، فقط يحتاجون إلى إرادة وتذكير ومواساة ومراعاة وهمة وعزيمة.
إن في شهر رمضان الفضيل كثرت أعمال الخير والبر والإحسان وقراءة القرآن الكريم تلاوة وحفظًا، فلماذا بعده لا نحافظ على كل ذلك.
إنَّ الالتزام بما أديناه وقمنا به من عبادات وطاعات في شهر رمضان الفضيل يحتاج إلى نية ومجاهدة وتطبيق عملي، فكل الذي ذكر بأنه ناقض للصوم، علينا أن نبتعد عنه بعد الشهر الفضيل، فحتى تستقيم حياتنا ينبغي أن يكون حالنا وكأننا في شهر رمضان، فبعد هذه الحياة هناك حياة طويلة أبدية، فكل منَّا مطالب بأن يقدم لحياته وليس في حياته، أي الحياة المستقبلية الحياة الأخروية بعد الموت الذي نحن مطالبون بالاستعداد له.
وزيادة الوعي والصحوة الإسلامية في أقطارنا التي نلاحظها في هذا الشهر المبارك، فإننا بحاجة لها بعده، وعلينا أن نجعل ما عشناه في هذه الأيام من روحانيات وإيمانيات، ملازم لنا طوال العام، ولنحمل معنا بعد انقضاء شهر رمضان زادًا كبيرًا يعيننا على الاستقامة والصلاح والإصلاح، ولنبقى مثلما كنَّا فيه، حتى نلاقيه مرة أخرى أن كتب لنا، ونحن في نفس المسار والقوة والأعمال الصالحة.
بوجود الدين في حياتنا، ستصطلح أحوالنا وسينصرنا الله تعالى على عدوه وعدونا، وسيجعل مجتمعاتنا آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا، وسيكفينا وهو السميع العليم.
تقبل الله منَّا جميعا صيامنا وقيامنا وصالحات أعمالنا، وأعاننا تعالى على ذكره وشكره وحسن عبادته.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
خصوصية جبل الطور وتجلي الله تعالى عليه لسيدنا موسى.. تعرف عليها
ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (لماذا تجلى الله على جبل الطور وكلَّم عليه سيدنا موسى عليه السلام دون بقية البقاع المباركة الأخرى؟
وقالت دار الإفتاء في إجابتها عن السؤال، إن اختصاص الله تعالى لأيِّ مخلوق من مخلوقاته بفضيلة أو ميزة، هو محضُ فضلٍ وتكرُّمٍ من الله تعالى، فهو سبحانه يفضل ما يشاء ويختار، واختصاص جبل الطور بالتجلي دون بقية البقاع الطاهرة من باب هذا التَّفضُّل والتكرم والتذكير بما وقع فيها من الآيات كما جعل له فضائل متعددة.
وأضاف أن جبل الطور من جبال الجنة، وهو حرز يحترز به عباد الله المؤمنين من فتنة يأجوج ومأجوج، وهو كذلك من البقاع التي حرَّمها الله على الدجال، وقد تواضع جبل الطور لله فرفعه واصطفاه، وهو الجبل الوحيد الذي وقع عليه تكليم الله لنبيه موسى عليه السلام.
وتابعت: جرت حكمة الله تعالى وإرادته أن يفاضل في خلقه بما يشاء وكيفما شاء، فمن البشر: فضَّلَ الأنبياءَ والرسل والأولياء على سائر خلقه، ومن البلاد: فضَّل مكةَ المكرمة والمدينة المنورة على سائر البلدان -على ما ورد فيه التفاضلُ بينهما-، ومِن الشهور: فضَّل شهرَ رمضان على ما عداه من الأشهر، وكذا الأشهر الحرم، ومِن الليالي فضَّلَ ليلةَ القدر على سائر الليالي، ومِن الأيام فضَّلَ يومَ عرفات على سائر الأيام، ومن الجبال: فضَّلَ جبلَ الطور بتجليه عليه، والكلُّ خلقُ الله سبحانه وتعالى، يفعل فيه ما يشاء ويحكم فيه بما يريد.
وقد خصَّ الله نبيه موسى عليه السلام بأنه كلمه تكليمًا، قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (7/ 280، ط. دار الكتب المصرية): [قوله تعالى: ﴿إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي﴾(الأعراف~144) الاصطفاء: الاجتباء، أي فضَّلتُك، ولم يقل على الخَلْق؛ لأنَّ من هذا الاصطفاء أنه كلَّمه، وقد كلَّم الملائكة وأرسله وأرسل غيره، فالمراد ﴿عَلَى ٱلنَّاسِ﴾ المرسل إليهم] اهـ.
أما عن تخصيص الله سبحانه وتعالى جبل الطور بالتجلي عنده دون بقية البقاع المباركة، فكان تشريفًا لهذه البقعة وتكريمًا وتذكيرًا لما وقع فيها من الآيات.
قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (17/ 58): [قوله تعالى: ﴿وَٱلطُّورِ﴾ [الطور:1] الطور اسم الجبل الذي كلَّمَ الله عليه موسى، أقسم الله به تشريفًا له وتكريمًا وتذكيرًا لما فيه من الآيات، وهو أحد جبال الجنة] اهـ.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَرْبَعَةُ أَجْبَالٍ مِنْ أَجْبَالِ الْجَنَّةِ، وَأَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ، فَأَمَّا الْأَجْبَالُ: فَالطُّورُ، ولُبْنَانُ، وطورُ سَيْنَاءَ، وطورُ زَيْتًا، وَالْأَنْهَارُ مِنَ الْجَنَّةِ: الْفُرَاتُ، وَالنِّيلُ، وَسَيْحَانُ، وَجَيْحَانُ» أخرجه الطبراني في "معجمه الأوسط"، وابن شبة في "تاريخ المدينة"، وابن عساكر في "تاريخ دمشق".
ومما يُبيِّن فضل جبل الطور ما جاء في حديث الدجال الطويل، أنَّ هذا الجبل سيكون حرزًا لعباد الله المؤمنين من فتنة يأجوج ومأجوج، وذلك في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «فَبيْنَما هو كَذلكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إلى عِيسَى: إنِّي قدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي، لا يَدَانِ لأَحَدٍ بقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إلى الطُّورِ، وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ» رواه مسلم في "صحيحه".
وكما سيُمنع يأجوج ومأجوج من دخول الطور، كذلك ورد في الحديث الشريف أن الله تعالى حرمه على الدجال، فقد جاء في "المسند" للإمام أحمد، و"المصنف" للإمام ابن أبي شيبة، ونعيم بن حماد في "الفتن"، أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال عن الدجال: «لَا يَقْرَبُ أَرْبَعَةَ مَسَاجِدَ: مَسْجِدَ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدَ الرَّسُولِ، وَمَسْجِدَ الْمَقْدِسِ وَالطُّورِ».
وجاء في بعض الآثار أنَّ الجبل تواضع لله تعالى، واستسلم لقدرته، ورضِيَ بقضائه ومشيئته، فلما تواضع الجبل لله تعالى ناسب أن يتجلى الله تعالى لسيدنا موسى عليه السلام عليه، ويكلمه عنده دون بقية الجبال، فقد أخرج الإمام أحمد في "الزهد"، وأبو نُعيم في "الِحلية"، وعبد الرزاق الصنعاني في "التفسير"، وأبو الشيخ الأصفهاني في "العظمة" بإسنادٍ حسنٍ عن نوفٍ البكالي، قال: "أوحى الله إلى الجبال إني نازل على جبل منكم فشمخت الجبال كلها إلا جبل الطور فإنه تواضع وقال: أرضى بما قسم الله لي، قال: فكان الأمر عليه".
وأوضحت أن هذه الفضائل تضاف إلى الفضيلة الكبرى المذكورة في القرآن الكريم من تكليم سيدنا موسى عنده، كما جاء في قوله تعالى: ﴿وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمًا﴾ [النساء: 164]، وكما في قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا﴾ [الأعراف: 143]، وكما في قوله تعالى: ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا﴾ [مريم: 52].