لجريدة عمان:
2025-02-01@21:59:02 GMT

للحديث نظير.. رواية مختلفة من فلسطين

تاريخ النشر: 20th, March 2024 GMT

للحديث نظير.. رواية مختلفة من فلسطين

أحب الجرأة وحس المغامرة في الكتابة، أحب قراءة السرد الذي يأتي صادقا من تجربة الكاتب الحياتية وخياراته وقناعاته اللغوية والفكرية، أحبه وهو يذهب الى بنية تخالف السائد، ولغة يحبها صاحبها ويراها ملائمة، أمامي رواية فلسطينية غريبة، (للحديث نظير) لبروفسور الكيمياء البيوعضوية أشرف ابريق، صادرة حديثا عن دار كل شيء في حيفا، لم أقرأ قبل هذه الرواية روايات فلسطينية يجلس فيها الأدب مع العلم في غرفة واحدة، رواية من النوع الذي يحيرك، ويجعلك تسأل نفسك: أأنا أمام رواية أم كتاب علمي، وبعيدا عن هذا السؤال، كان الانبهار بالمعلومات العلمية في الكيماء والطب وعلم النفس والاقتصاد وغيره من العلوم متضافرا مع المتعة في تأمل شخصية و علاقة وعواطف الابن مع الأب، الذي كان يعمل أستاذا جامعيا في الكيمياء الحيوية، ودرس خصائص البروتينات في سياق أمراض مختلفة كالسرطان والبركنسون.

الصفحات التي استرسل فيها الأب في الحديث عن مسائل علمية بحتة، كانت خفيفة وخالية من الجفاف والتفاصيل المملة، ومشدودة الى السياق الدرامي للراوية، وهذا ما أنقذ الرواية من الضعف، وهو أيضا ما جعلني أكمل القراءة فضولا واستمتاعا. تأخذنا بنية هذه الرواية الى رواية (عالم صوفي) الشهيرة لغوستان غاردر نشرت باللغة النرويجية عام 1990 وهي عبارة عن مراسلات وأحاديث في تاريخ الفلسفة، بين صوفي بطلة الرواية ورجل غامض اسمه البرتو كونكس، الجديد في رواية البروفسور أشرف إبريق هي أنها كتبت داخل سياق فلسطيني بحت وبلغة مختلفة، وبروح أقرب لتخصصه وعالمه الشخصي والإنساني.

ولأن الكاتب لديه خبرة واضحة في فن السرد الروائي، تبدأ الرواية بداية مشوقة مدروسة، تصطاد فضولنا، وتقودنا بسلالة الى ما ينتظرنا، فهو يصف بلغة مؤثرة توتره وخوفه وانفعالاته في طريقه الى الأب المريض بمرض نادر في الاعصاب، أحببت تداعياته وهو يفكر في الأب ورعبه من احتمال غيابه، ونعثر على مفتاح الرواية داخل هذا الباب، يقول الطبيب للراوي: (عليك أن تحاول اشغاله، في الحديث معك قدر المستطاع، فهذا يقوي الجهاز العصبي، التواصل الكلامي يحثنا على افراز هرمونات خاصة تقوي الشبكة العصبية وتعزز الحالة العامة للجسم، وبالتالي يكون لذلك أثر هائل على صحتنا). هنا تبدا أحاديث العلم والأدب مع الوالد المريض الذي تتحسن حالته العامة وهو يروي قصص العلماء وتاريخ العلم.

(ما هي اهم مكونات هذا الكون يا أبي؟ اتسعت عيناه ، ازداد بريقها، وحرك جسده نحوي، أخذ نفسا عميقا وبدا كأن السؤال أثاره.)

وهنا بدأ الاب يروي ويحكي عن الكون والحقائق العلمية وعن الحيوان والنبات والجماد والهواء وعن أن كل ما حولنا مبني من مواد مختلفة لها تركيبتها الكيماوية، او بكلمات أخرى مبنية من ذرات تتفاعل فيما بينها وفق قوانين الكيمياء. وهنا لا يسترسل الراوي في الاحاديث والاسئلة العلمية مع الأب، المساحات محسوبة، وهو لا يريد أن ننسى أن ثمة حكي شخصي وسرد أدبي وانفعالات وعواطف وتذكرات وتداعيات درامية هنا، فيذهب بنا الى مشهد اقتراب موعد غداء الاب وكيف صحح الراوي جلسته وساعد في رفع القسم العلوي من السرير وملاحظة ان والده يأكل بشهية، ثم سرد حب والده للطبخ الشرقي، الذي اعتبره جزءا أساسيا من حياة العائلة، وفي لحظة ما، نجد أنفسنا نخرج من مشهد تناول الوالد الطعام الى حديث علمي عن الحاجات الجسدية من لذة ومتعة وتغذية .( أن عملية الطبخ بعد اكتشاف النار منحت الانسان القديم، الفرصة لاستغلال السعرات الحرارية الضرورية بنجاعة أكثر، أذ أراح بطهيه الطعام جهازه الهضمي ووفر القسم الأكبر من الطاقة للتفكير وتطوير دماغه وهذا مكن الانسان من التطور).

(للحديث نظير) رواية فلسطينية مميزة مختلفة وأجمل ما فيها أن كاتبها كتب سياقه وحياته وشفغه.

الكاتب في سطور

البروفيسور أشرف إبريق من مواليد قرية أبو سنان. التحق بجامعة بئر السبع حيث درس الكيمياء وأحرز اللقب الأول. ثم أنجز اللقب الثاني في الكيمياء العضوية في التخنيون - معهد العلوم التطبيقية، واللقب الثالث في الكيمياء البيو عضوية أيضًا في التخنيون بالتعاون مع "معهد سكربس" في سان دييجو في كاليفورنيا، حيث أكمل تعليمه وتخصّصه هناك. تم تعينه في عام 2007 محاضرًا من الدرجة الأولى كلية الكيمياء في جامعة بئر السبع. وفي عام 2012 تمت ترقيته إلى رتبة بروفيسور كامل. في عام 2015 انتقل إلى معهد التخنيون كبروفيسور كامل في كلية الكيمياء، وبروفيسور ابريق هو عالِم معروف عالميًا ويرأس اليوم فريق أبحاث يتكوّن من 15 باحثًا وباحثه من دول مختلفة.

وكان قد نشر أكثر من 155 مقالة علميّة في أفضل المجلات العلمية وتسجيل العديد من براءات الاختراع. في عام 2011 حصل على جائزة الكيميائيّ الشاب الأكثر نجاحًا، وعلى جائزة شركة "طيفع" لعام 2013. كما حصل على جائزة "تتراهدرون" للباحثين الشباب في مجال الكيمياء البيولوجية والطبية لعام 2013 من دار النشر "السيفير". وفي عام 2015 حصل على جائزة "هيراطا" من اليابان وجائزة من مؤسسة "الهومبولد" الشهيرة في المانيا وأصدر كتابين في مجال الادب: نوتات الكيميائي وللحديث نظير.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: على جائزة فی عام

إقرأ أيضاً:

“فكر وإبداع” تناقش رواية "الهامسون" للكاتبة هالة البدري بمعرض الكتاب

استضافت قاعة "فكر وإبداع"؛ ضمن فعاليات الدورة الـ56 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، ندوة لمناقشة رواية "الهامسون" للكاتبة الصحفية هالة البدري، حيث أدارت الندوة الدكتورة رشا صالح، وناقشها كل من: الناقدة الأدبية الدكتورة؛ سناء صليحة، والناقد الدكتور؛ حسام جايل.

وفي بداية الندوة، أشادت الدكتورة رشا صالح؛ بطريقة المؤلفة في سرد أحداث الرواية؛ واستخدام رمزية الوشم التي ترتبط بالوعي الجمعي، كما استعرضت مسيرة الكاتبة الإبداعية والجوائز التي حصلت عليها والدول التي سافرتها؛ وأوضحت أن الحب في نظر الكاتبة حالة خاصة في حياة الإنسان، وأن شخصياتها تتسم بالاستقلالية والبحث عن حرية الإنسان؛ وأشارت إلى أن الكاتبة استخدمت التجريب في مناطق غير مضمونة، وهو ما يعد من أهم العناصر الأساسية التي تميز تجربتها؛ وتستغرق روايتها أزمانًا طويلة؛ وتطرح تساؤلات عن الحياة والموت، كما استخدمت إشارات "الهمس" وكيفية همس الشخصيات في الرواية؛ مؤكدة أن الرواية ممتعة؛ وعادت إلى مراحل مختلفة من التاريخ.

وقالت الدكتورة سناء صليحة: "إن هالة البدري تحتل مساحة كبيرة على الساحة الإبداعية في الوطن العربي، ولاحظت تطورًا واضحًا في أسلوبها ورؤاها وقدرتها على إطلاق العنان لخيالها؛ وتوظف ثقافتها على التأريخ والاهتمام واستشراف المستقبل.

وأضافت: "أظن أنني لا أضيف جديدًا إذا قلت إن الكاتبة "هالة البدري" تحتل مكانة متميزة في المشهد الروائي المصري والعربي؛ فعلى مدار سنوات، عكست أعمالها تطورًا ونضجًا في الرؤى؛ وجرأة في إطلاق العنان لخيالها؛ ولطاقات التجريب الفني من حيث تعدد أساليب السرد والمزج بين الواقع والفانتازيا، وكذلك التنقل السلس بين التأريخ لحدث ما أو تتبع معلومة تستشرف المستقبل".

وأشارت صليحة؛ إلى أن رواية "الهامسون" لا تقتصر على هذه اللمسات، بل تلخص حكاية مصرية تتشابك خطوطها وتلتقي مساراتها مع حكايات وتاريخ صاحبات التاء المربوطة؛ من خلال معاناة تتعرض لها أربعة نساء؛ هن: هنية وعفاف ودميانة وكاميليا، واللاتي يظهرن على أماكن مختلفة في أجسادهن وشم ثم يختفي؛ كما أوضحت أن الكاتبة حرصت على إبراز الهوية الاجتماعية لشخصياتها، فبدا أن سطور "الهامسون" كأنها دراسة حالة تتطابق مع مفهوم عالم الاجتماع الأمريكي "تالكوت بارسونز" للثقافة وتحديدها في رموز تعمل على توجيه الفعل، والعناصر الذاتية والأنماط المؤسسية للأنظمة الاجتماعية.

وقالت صليحة: "إن الانتقال من حكاية إلى أخرى في "الهامسون" يكشف تدريجيًا واقعًا مليئًا بالحكايات الموشومة بالدم، وبوجع وآهات الروح؛ وهذه الحكايات لم نوثقها أو نؤرشفها، فظلت مجرد حكايات شفهية، واستمراريتها مرهونة ببقاء الرواية على قيد الحياة"؛ موضحة أن الكاتبة، في تنقلها بين شخصيات روايتها، وما ترويه من أحداث ببساطة ويسر، تقدم حياة المصريين بتفاصيلها الصغيرة وتربط بين الخاص والعام.

وأوضحت أن اختيار الكاتبة "المتوالية الزمنية" في بداية كل فصل مثل العصر والفجر والظهيرة، يخرج بالشخصيات من الحيز الزماني والمكاني الضيق المحدود، لتصبح الشخصيات والحدث والرواية ككل عابرة تعبر عن حكاية، وكأنها همسات متكررة تتردد في فضاء كون لا نهائي؛ وأشارت إلى أن الكاتبة اختارت كلمة "الهمس" ودلالتها وارتباطها بحالة البوح الكوني التي عاشتها عبر سطورها؛ فالهمس، بما يكتنفه من غموض وصدق مع النفس، يجمع بين حديث النفس والقدرة على التواصل مع عوالم غيبية، والشعور برؤى وأشخاص وأحداث لا علاقة لها بالواقع.

ومن جانبه، أشاد الناقد الدكتور حسام جايل؛ بطريقة السرد الروائي لدى الكاتبة، التي تبرز الهم الإنساني بلغة راقية وبروح طيبة؛ وأشار إلى أن الكاتبة في الرواية تسعى إلى استشراف المستقبل مع المزج بين الماضي والحاضر؛ وأشاد بلغة الرواية البسيطة، التي هي فصحى مطعمة بالعامية، وتحمل عبارات قريبة من القارئ، موضحة بإتقان في الحوار الذي يسير بشكل جيد؛ قال: "نجد في معظم الروايات الأخيرة صوت البطل العليم أو المتكلم، لكن هالة البدري أعادتنا إلى فكرة الحوار، وهو عبارة عن فصول متداخلة ومتسلسلة؛ معظم الأشياء التي توظفها هالة البدري في روايتها تحمل أحداثًا درامية".

وأضاف جايل: " إن الأحلام في الرواية نوع من الهمس، الذي يظهر على شكل وشم، حيث يركز على الحلم واستدعاء الماضي"؛ كما استعرض بعضًا من فصول الرواية، والدلالات الرمزية فيها، وحرص الكاتبة على تقسيم الفصول حسب الوقت، حيث استخدمت توثيقًا صامتًا لأحداث تاريخية، وذكرت كيف تحولت الشخصيات إلى توثيق الذاكرة عبر التاريخ؛ وكيف تؤثر الأنظمة السياسية على الأفراد".

وفي ختام الندوة، قامت الكاتبة هالة البدري؛ بقراءة جزء من روايتها، وتحدثت عن فكرة الرواية وعن عناوينها؛ كما استعرضت بعضًا من فصول الرواية وشخصياتها، والظروف التي كتبت فيها، وبينت سبب استخدام الرموز والدلالات والوشم، بالإضافة إلى تسلسل الأحداث وتتابعها.

مقالات مشابهة

  • جامعة الشارقة تنظم مهرجان الكيمياء الـ 11 وتوعي بالمخاطر
  • وفــاة أب بعد ساعات من دفن نجله
  • هل أصلح صناع فيلم بضع ساعات في يوم ما أخطاء الرواية؟
  • قراءة في رواية ” ينال” للأديب العراقي أمجد توفيق
  • معرض الكتاب يناقش رواية أحمد القرملاوي"الأحد عشر" .. صور
  • مؤلّف شيفرة دافينشي يصدر رواية جديدة قريبا
  • جريمة بالذكاء الاصطناعى فى رواية «حب مسموم»
  • مفيدة شيحة: سكوت هنغني كان لنجلاء بدر.. والفنانون لم يتقاضوا أجرا نظير ظهورهم
  • “اللجنة” لصنع الله إبراهيم: كيف تسائل الرواية أنظمة القهر؟
  • “فكر وإبداع” تناقش رواية "الهامسون" للكاتبة هالة البدري بمعرض الكتاب