المأكولات التراثية في اللاذقية… ارتباط بمناسبات اجتماعية ومنتجات من خير الأرض والبحر
تاريخ النشر: 20th, March 2024 GMT
اللاذقية-سانا
يزخر الساحل السوري بغنى مائدته من “المأكولات التراثية” التي حافظت على وجودها على موائد أهالي المنطقة منذ مئات السنين، وارتبط حضور الكثير منها ببعض المناسبات الاجتماعية، وقد تكون بحرية لقربها جغرافياً من البحر مثل مأكولات ثمار البحر.
ووفقاً للباحث في التراث اللامادي بسام جبلاوي الذي أوضح في حديثه لسانا أن من أشهر المأكولات التراثية في الساحل السوري “القمحية” والتي يحرص معظم الأهالي على إعدادها في مناسبات عدة مثل عيد القديسة “بربارة”، ويتم تحضيرها من القمح المقشور والمنقوع بالماء الساخن، ثم يطبخ باللحم والسمن ويسميها البعض بـ “الهريسة”، واللفظ مأخوذ من هرس القمح أي بمعنى دقّه، ويمكن أن يؤكل على شكل “مرق” سائل أو يتم هرسه مع اللحم، ويختلط مع بعضه حتى يصبح متماسكاً، ويمكن تناوله ساخناً أو بارداً.
ثم يأتي طبق “الكبيبات بالسلق” ثاني أشهر هذه الأطباق التراثية، ويستخدم البرغل لإعداد الكبة المشهورة، ويتم حشوها بنبات السلق كبديل للحم، وتطهى عن طريق السلق بالماء المغلي على الحطب، وعند التقديم يضاف إليها خليط الثوم المدقوق ودبس الفليفلة وعصير الليمون وزيت الزيتون الساحلي الدسم والمعروف بـ “زيت الخريج”.
وأوضح جبلاوي أن “الكبيبات بالسلق” تعد أحد الأطباق الرئيسية في احتفال أهالي الساحل السوري برأس السنة الشرقية، أو كما تسمى محلياً بـ “عيد القوزلة” والذي يعد موروثاً وتقليداً شعبياً تحافظ عليه بعض القرى في الساحل منذ مئات السنين، مبيناً أن كلمة “قوزلة” تعني في الكنعانية نهاية شيء وبداية شيء آخر، وفي الآرامية تعني بداية الشيء، وفي الآشورية “قوزلو” تعني إشعال النار.
وأشار جبلاوي إلى أن تقديم طبق الكبيبات بالسلق بهذه المناسبة يعتبر من عادات تكريم الضيف نسبة للمجهود الكبير في إعدادها ونكهتها ومذاقها اللذيذ، لافتاً إلى أنه يتم إعداد “الزِنكُل” أو زلابية بهذه المناسبة، وهي عبارة عن رقائق عجين محشوة باللحم والبصل متطاولة الشكل يتم قليها بالزيت، ومنها ما يتم قليه بالزيت بلا حشوة “الزليبة”، فيما كانت تكتفي الجدات قديما برش العجين بالملح وإضافة حبة البركة والسمسم، وهي ذات طعم شهي ومميز وتسمى “كماجة”.
ولكون البحر يشكل هوية متفردة لأهل اللاذقية فقد تفنن سكان هذه المحافظة في طرق طهو السمك فكانت الصيادية والسمكة الحرة أحد أشهر وألذ الأطباق الرئيسية عند استقبالهم للضيوف من خارج المحافظة.
وعن طريقة طهوها قال جبلاوي: يتم سلق السمك مع الأرز وإضافة التوابل إليهما، ثم يوضع لحم السمك فوق صحن الأرز عند تقديم الطبق، أما طبق السمكة الحرة فهو سمك يطهى بطريقة ينفرد بها طهاة الساحل، حيث يتبل السمك بالتوابل الحارة ويحمر بقليل من الزيت، ويضاف إليه زيت الزيتون ودبس الفليفلة والجوز والثوم وعصير الليمون.
وبين أنه قديماً كانت توضع السمكة في الفرن الحجري “التنور” والذي لايزال يستخدم حتى يومنا هذا في إعداد الفطائر الشهية للمسافرين عبر ريف اللاذقية والتي تسمى بفطائر التنور، إضافة إلى خبز التنور.
وأشار إلى أن هناك طبق الكبة بالسمك، والذي عرف فيه أهل اللاذقية قديماً عن طريق جبل البرغل بلحم السمك بدلاً من لحم الضأن، موضحاً ارتباط معظم المأكولات التراثية، وتحديداً الكبة بالأمثال الشعبية اللطيفة.
وبين أن الطبق التراثي الأكثر انتشاراً في الساحل السوري “البرغل بحمص المطهو بمرق اللحم والذي يعتبر تقليداً تراثياً في الأعياد والمناسبات، ويتم طبخه في هذه الحالة في أوعية كبيرة جداً تسمى “الدست” وهو وعاء كبير مصنوع من النحاس الأصفر، ويمكن أيضاً إعداده في المقلي المصنوع من الفخار، ويطهى على نار الحطب المتوسطة، ولإعداده تقوم أولاً بسلق لحم الخاروف أو الدجاج مع الحمص في الماء مع إضافة المطيبات ثم يضاف البرغل وبعد نضجه يسقى بزيت ” الخريج أو زيت الزيتون العادي، وهو من ألذ الأطباق الريفية الساحلية.
وبالنسبة للحلويات التي تتفرد بها محافظة اللاذقية تأتي “حلوى الجزرية” في المقدمة، وهي عبارة عن الجزر المطحون المضاف إليه سكر وماء الزهر، وتغلى جيداً مع بعضها، ومن ثم تضاف المكسرات مثل الجوز أو اللوز أو الفستق الحلبي.
ومن الحلويات الشعبية المشهورة أيضاً والتي تمتلىء بها أسواق اللاذقية “مربى القرع” المقرمش، والذي يتم إعداده عبر نقع القرع بالكلس من ثم غسله وإضافة السكر والليمون وغليه لمدة ساعتين تقريباً.
وهناك حلوى الهيطليِّة أو “الهيلطية” ويتم إعدادها من الحليب والنشاء والسكر، ويكون قوامها عادة طريّاً، ومن العادات القديمة كان الأهالي يتناولون “هيطلية النشا” بعد الكبّة بالسمك، حيث كانت تقدم بصحون وملاعق خاصة صيفاً، وهي ضيافة محلاة بالدبس ومبردة بالثلج.
ويعتبر “المعمول بالجبن” من الحلويات التي كانت تتفرد بها اللاذقية قديماً وتصنع في الفرن بمكونات معروفة، وهي السميد والطحين والسمن والجبن، إضافةً إلى بعض المطيّبات مثل الهال والقرفة وماء الزهر ثمَّ يقدَّم ساخناً مزيّناً بالسكر المطحون، وقد ارتبط تناول هذه الحلوى قبل بدء الصيام بيوم عند الطوائف المسيحية في محافظة اللاذقية، ويطلق عليها اسم “مَرفَع الجبن” أي يوم رفع الجبن عن الطاولة والتوقف عن تناوله.
وهناك حلوى “الكرابيج” وتصنع من عجين السميد المجبول بالسمن المحشو باللوز أو الجوز والسكر وتخبز، ويقدم معها الناطف “الناضف” وهو القطر الممزوج بماء وعرق الحلاوة ويرش عليها مدقوق القرفة.
نورالدين يونس ومنال عجيب
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
كلمات دلالية: الساحل السوری
إقرأ أيضاً:
باحثون: العمارة التراثية تجسيد للهوية في الإمارات والمغرب
الرباط (الاتحاد)
أكد باحثون ومختصون أن العمارة التراثية في دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة المغربية لا تقتصر على الجانب الجمالي، بل تجسد الهوية الثقافية والاجتماعية للشعوب، وتعكس خصوصيات البيئات المحلية وتاريخ التحولات المجتمعية عبر العصور.
جاء ذلك خلال جلسة حوارية بعنوان «جماليات العمارة التراثية الإماراتية والمغربية»، نظمتها هيئة الشارقة للكتاب ضمن فعاليات الشارقة ضيف شرف الدورة الثلاثين لمعرض الرباط الدولي للنشر والكتاب، بمشاركة الدكتور حمد بن صراي من دولة الإمارات، والدكتورة زهور كرام من المملكة المغربية، وأدارتها الكاتبة شيخة المطيري.
استعرض الدكتور حمد بن صراي ملامح العمارة التراثية في دولة الإمارات، موضحاً أن فهم مواطن الجمال للعمارة يتطلب المقارنة بين الماضي والحاضر والمستقبل، وأشار إلى أن العمارة الإماراتية ارتبطت بالبحر في كثير من عناصرها، حيث وظف الإنسان الإماراتي التراث العمراني للتعبير عن هويته واحتياجاته البيئية.
وأوضح ابن صراي أن أماكن استيطان الإنسان الإماراتي توزعت بين المناطق الصحراوية والجبلية والساحلية، فكانت العمارة تتكيف مع الظروف المناخية ومتطلبات الحياة اليومية.
كما تناول أنظمة التهوية التقليدية، كالأسطح المستوية المناسبة لقلة الأمطار، والبراجيل المستخدمة لتهوية المنازل، والنوافذ التي روعيت فيها اعتبارات الخصوصية الاجتماعية.
واستعرض الباحث الإماراتي المواد التقليدية المستخدمة، مثل الجبص، والنخيل، وأخشاب المانغروف المستوردة من الساحل الشرقي لأفريقيا، إلى جانب الأحجار والمرجان والطين والقصب (البامبو)، مشيراً إلى الزخارف الدقيقة التي تزين الأبواب والأقواس والأسقف.
كما توقف عند العناصر الجمالية كالشمسيات المعمارية والأقواس المدببة التي تظهر في بعض المساجد التاريخية مثل مسجد البدية.
من جانبها، أوضحت الدكتورة زهور كرام أن العمارة التراثية المغربية تتسم بتوافق عميق بين الشكل والجوهر، حيث امتد تأثيرها إلى العمارة المعاصرة، معبرة عن روح الشخصية المغربية واستمرارية تقاليدها الاجتماعية والثقافية.
وأشارت كرام إلى وجود تشابهات بارزة بين العمارة المغربية والإماراتية، أبرزها انتماؤهما إلى روح العمارة الإسلامية التي تقوم على الزخارف الهندسية والأشكال الرمزية، بعيداً عن تصوير الكائنات الحية.
وأكدت أن العمارتين تعكسان الهوية المجتمعية لكل من المغرب والإمارات، وتعبران عن الخصوصيات البيئية لكل مجتمع، حيث تظهر العمارة كاستجابة مباشرة لظروف المناخ والبيئة المحلية.
واستعرضت كرام خصوصية الزليج المغربي (البلاط المزخرف)، باعتباره نموذجاً على دقة الحرفة الفنية في المغرب، موضحة أن الاستعمار الفرنسي سعى إلى إضعاف هذه الحرف لما تحمله من رمزية وطنية وثقافية عميقة.