رمضان ليس فقط طاعات بل هو أيضا إنتصارات
تاريخ النشر: 20th, March 2024 GMT
لكل من يجدّ ويجتهد في العبادات خلال شهر رمضان، هنيئا لك وطوبى لك كمّ من الإنتصارات والإنجازات التي سيكون وقعها كمثل الترياق تكسبك عزيزي المسلم وبفضل الله ورحمته نشوى ولذة ورضا،والأكبر من ذلك عزّة. ففي رمضان عدّة إنتصارات يحرزها من أخلص صيامه وأتقن عبادته وتفنن فيها ، ومن جملة هذه الإنتصارات:
الانتصار الذاتي:وهذا الإنتصار يلخّص هزم الذات والتغلب على النفس وشهواتها، إحتسابا لوجه الله تعالى ومبغاة لرضاته.
وقد قال صلى الله عليه وسلم:( حُفت الجنة بالمكاره، وحُفت النار بالشهوات ).
الانتصار العبادي:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : يَا ابْنَ آدَمَ، تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلَأْ صَدْرَكَ غِنًى، وَأَسُدَّ فَقْرَكَ، وَإِلَّا تَفْعَلْ مَلَأْتُ يَدَيْكَ شُغْلًا، وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ ) أخرجه الترمذي وغيره.فتقديم العبادات على عديد المغريات والملذات أمر لا يستصيغه إلا من أراد نشوى الإيمان وضحد الأعمال غير المجدية، فالتزود بالتقوى وشحذ الهمة لا يقدم عليه إلا لبيب عرف الهدف فإجتهد.
الانتصار الإيماني :بالاستجابة لأمر الله وشرعه، وتذكر الآخرة وطلبها، والذنوب ورجاء مغفرتها وذبولها، والصوم إيماناً وحسبةً، وليس عادةً وتبعية، ولكنه يجسّد إيمانه باحتمال الجوع والتباعد عن الشهوات.
الانتصار الاجتماعي:ويكون هذا بتحسين العلاقات الإجتماعية ورفع شعار التسامح والتصافي ، والتواصل مع الأحبة والجيران، والترفع عن توافه الخصومات أو الانشغال بنزاعات بالية قد تبدّد معنى الشهر الفضيل.
الانتصار العسكري:بامتلاك قلوب المؤمنين الصائمين باليقين والقدرة على تجاوز الأخطار، واستعصامهم بالله، مع ضعف العتاد والعدة، كما حصل في (غزوتي بدر وفتح مكة) ومشاهد إسلامية أخرى، أظهرت أن العبادة قبل الجهاد وقود وحماس وهمة، تكلل بالنجاح غالبا، قال تعالى:( إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون ) من سورة الأنفال .
الانتصار التراحمي:ويكون هذا بالإحسان للمعوزين وإحتضان الفقراء في جوّ كلّه ودّ وتلاحم من أجل الفوز العظم، وأي فوز هو يكرمنا الله به من خلال دخولنا الجنة من باب الريان المعدّ خصيصا للصائمين التوابين الأوابين.فتراحموا وتلاحموا.
الانتصار الخُلقي:هو ذلك الإنتصار الذي يدرأ الغضب، ويدفع على الحِلم والكرم والتواضع، وترك المعايب والسَّفساف، حيث قال صلى الله عليه وسلم ( إنما بُعثت لأتممَ مكارم الأخلاق ). ورمضان موسم اختبار الأخلاق وفحص جذورها، والنّاجي فيه فائز و منصور ، متغلب على طبائع اجتماعية ونفسية، ومؤثر لسلامة الصيام، ونيل رضا الله تعالى.
الانتصار العقلي:وهو بتقديم الأحق والأبقى على السفاسف من الأمور، و وبترجيح الغالي على الرخيص، و كذلك بتغليب الجوهر على المظهر، والتفكير فيما عند الله تعالى، وإن كان أشق ابتداءً، إلا أنه أثمر ثمارا يانعة، تجنى بعد صبر واحتساب ومصداقية . وفِي ذلك تغليب للشرع على الهوى، وللعقل على العاطفة، واعتقاد أن الملذات لا تؤخذ على كل حال، وأن تأخيرها أحيانا خير للعبد وأطيب وأحكم.
الانتصار الأممي:وهو ذاك الذي يظهرنا أمام الأمم والشعوب، ويعلي ديننا ، ويجعلهم يلتفون في إعجاب حول هذه الشريعة، و يستخلصون من الصوم أسليبا لمداواة مرضاهم، وصدى التراويح المدوي في الفضائيات، وموائد الصائمين، وكيف استمتع بها وإبتهج لها المسلمون عبر اصقاع العالم، وكانت سببا في إسلام العديد ممن عادوا إلى الله وتابوا.
الانتصار الهممي:ويظهر هذا جليا في تولد همة جديدة، وإنبات عزيمة متقدة، تجعل المرء يراجع نفسه كثيرا، فلقد سما وتفوق عباديا، وقرآنيا وخلقيا، فلماذا لا يحافظ على ذلك، ويجعله أيقونة انطلاق بعد رمضان ، فيجد جهدا ملتهبا، ويحافظ على خير بناه وأسسه، وفِي القرآن: ( ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ) سورة النحل . وقال الإمام الجُنيد رحمه الله : (عليكم بحفظ الهمة، فإن الهمة مقدمة الأشياء ). وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه ، وتقبل منا أجمعين.
إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور
المصدر: النهار أونلاين
إقرأ أيضاً:
خطيب الجامع الأزهر: الأمانة قيمة عظيمة يجب الحفاظ عليها وعدم التفريط فيها
ألقى خطبة الجمعة اليوم في الجامع الأزهر فضيلة الدكتور حسن الصغير، المشرف العام على لجان الفتوى بالجامع الأزهر، والأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية للشئون العلمية والبحوث، والتى دار موضوعها حول حفظ الأمانة.
وقال د. حسن الصغير: إن للأمانة قيمة عظيمة في الإسلام، وفي كتاب الله عزّ وجلَّ وسنة النبي محمد ﷺ وسلم ما يدل على أن الأمانة هى حجر الزاوية في صلاح الدين والدنيا يقول تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا﴾، وقال ﷺ: (أدِّ الأمانةَ إلى من ائتمنَك، ولا تَخُنْ من خانَك).
وأوضح خطيب الجامع الأزهر، أن الشرع الحكيم جعل الأمانة حجر الزاوية في كل ما كلفنا به الشرع من تكاليف وتعاليم وأخلاق، فهى كلها أمانة، والحفاظ عليها أمانة، وتضييعها خيانة وحسرة وندامة وخسران، فعبادة الفرد أمانة، وإذا ما ضُيعت العقيدة وتم الإخلال بها، أو أُنكر ثابت من ثوابتها فَثمَّة الخيانة، وثم الضياع، فصلاة المرء وزكاته وصومه وحجه أمانة، حتى نفسه التي بين جنبيه أمانة يقول تعالى: ﴿وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.
غدا.. انطلاق مؤتمر كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر حول "بناء الإنسان"
شيخ الأزهر يعزي المستشار ناصر معلا نائب رئيس مجلس الدولة في وفاة والده
مرصد الأزهر يشارك في جولة المشاورات المصرية الصينية لمكافحة الإرهاب ببكين
خالد الجندي: لازم نلتزم برأي الأزهر في الفتوى العامة التي تمس المجتمع
وتابع فضيلته بقوله: ما يعول الإنسان من زوجة وأولاد، هو أمانة، يجب الحفاظ عليها وعدم التفريط فيها، لأن في عدم الاهتمام بهم، وعدم القيام على شؤونهم وتربيتهم خيانة يقول تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾، فالله جل وعلا سوف يسأل كل راعٍ عما استرعاه، وكما يُسأل الرجل عن أهل بيته، فسوف يُسأل أيضاً عن عمره وشبابه وماله وعلمه، فهذا من الأمانات، يقول ﷺ: لا تَزولُ قَدَمَا عَبْدٍ يومَ القيامةِ، حتَّى يُسأَلَ عن عُمُرِه؛ فيمَ أفناه؟ وعن عِلْمِه؛ فيم فعَلَ فيه؟ وعن مالِه؛ من أين اكتسَبَه؟ وفيم أنفَقَه؟ وعن جِسمِه؛ فيمَ أبلاه؟)، فالتكليف برمته مجالٌ واسعٌ، والشريعة والدين أمانة في عنق كل مؤمن ومؤمنة، ولذا فليس بمستغرب أن يصور الحق سبحانه وتعالى كل ذلك في صورة في قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ﴾.
وخلال كلمته نَّوَه خطيب الجامع الأزهر، إلى أن عيد تحرير سيناء يذكرنا بنصر الله عزّ وجلَّ، ومن الأمانة أن نواكب هذا العيد، بأن ننصر الله عزّ وجلَّ، وأن ننصر دينه وشريعته، لكن نرى بين الحين والآخر من يخوضون في شريعة الله ويشككون في الثوابت ويوَلون وجوه الناس عن المهمات الحياتية التي تعيش فيها الأمة إلى وجهات أخرى مكررة منذ سنوات بنصها وتفصيلها، فكان من الواجب على من أثار الثائرة، أن يتقِي الله عزّ وجلَّ في إثارة الناس، فلا يعكر عليهم دينهم، ولا يعكر على الوطن، استقراره وأمنه والفكر والاجتماعي، ويخوض في ثوابت الدين ليشتت أفكار الناس وأذهانهم واهتماماتهم، ويجرهم إلى هذا الكلام الذي تستغربه عقولهم ولا تعيه أفئدتهم، وهذا ما نبه عليه النبي ﷺ بأن كتاب الله وسنة نبيه ﷺ ليست مضماراً لأغراض دنيوية، وفي القرآن الكريم ما يشير إلى ذلك، فعلينا الاستيقاظ حتى لا نؤخذ بجرتهم.
وختم د. الصغير حديثه بقوله: عند الاحتفال بعيد تحرير سيناء لابد أن نذكر بأسباب النصر، ولابد أن يندحر وينزوي أولئك المغدورون الذين يلحدون في آيات الله ويحرفون الكلم عن مواضعه، فكلامهم مردود عليه بنص الكتاب والسنة، وهذا الكلام يفتح بابا ومجالا كبيرا لتحكيم الناس بشرع الله، فالإدعاء بالمساواة بين البنين والبنات، والأخوات والأخوة، والأب والأم، والزوج والزوجة، ادعاء باطل، والزعم بأن الآيات تقرر حقاً وليس واجباً أمر مرفوض ولا يعقل، فهذه أنصبة مفروضة، وهي حدود الله عزّ وجلَّ، لا ينبغي علينا أن نتجاوزها أو نعتدي عليها، يقول تعالى: ﴿وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾. ففكرة وضع قانون يخالف شريعة القرآن المحكمة وطرحه للاستفتاء أكبر كذبة، ويرد عليها بقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا﴾.
ودعى خطيب الجامع الأزهر، الذين أسرفوا على أنفسهم بوجوب الرجوع ووجوب الاعتذار لجموع الناس وللوطن، فنحن في وقت أحوج ما نكون فيه بأن نذكر بأن نكون على قلب رجل واحد، وأن نثبت الناس على الحق، وأن ننبذ الفرقة بدل أن ننشرها يقول تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾، مذكراً إياهم بالتوبة والاستغفار، وتقدير الأمر بقدره، وبالعلم الذي سوف يسألون عنه يوم القيامة ماذا عملوا فيه؟