الصدقة والتكافل الاجتماعى ومساعدة المحتاجين من العبادات المحببة في شهر رمضان

أطلقنا صفحة إلكترونية مخصصة لشهر رمضان تنشر محتوى متعلق بالصيام والعبادات

زكاة الفطر هذا العام 35 جنيهًا مصريًا كحد أدنى للفرد

تقود دار الإفتاء الدور التوعوي والفكري في المجتمع، وتأتي على رأس المؤسسات الدينية في الدولة في تصحيح المفاهيم الخاطئة المنتشرة لدى الأفراد، كما تقوم بدورها التاريخي والحضاري من خلال وصل المسلمين المعاصرين بأصول دينهم وتوضيح معالم الإسلام، هذا إلى جانب دورها الذي يبرز مع شهر رمضان المبارك، وذلك من خلال خطتها التي تضع فيها كيفية اغتنام الشهر الفضيل نصب أعينها، لذا توجهنا بالحديث مع الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، في حوار من القلب، ليكشف لنا عن جهود دار الإفتاء في تنمية الوعي الفكري، وخطتها الجديدة في شهر رمضان هذا العام.

ـ كيف تقوم دار الإفتاء بتنمية الوعي والفكر لدى أفراد المجتمع؟

*أخذت دار الإفتاء المصرية على عاتقها مهمة بناء الوعي وتصحيح المفاهيم وبذلت الكثير من الجهود في هذا المجال في الداخل والخارج خاصة لدى الشباب، لأن تزييف الوعي وتضليل العقل أخطر على الشباب من جميع مُغيِّبات العقل ومُذهِبَات الفهم، فغياب الوعي من أكبر الأخطار المهددة لهم، وهذا هو ما يعلمه أعداء الأمة وأعداء البشرية من حماة التطرف والإرهاب فيستخدمونهم بابًا لتسريب أفكارهم ومِعوَلًا لهدم أساس الأمة وبنائها».

ـ وماذا عن دور دار الإفتاء في تصحيح المفاهيم الخاطئة في المجتمع وبخاصة جيل الشباب؟

*استشعرت دار الإفتاء خطر الفتاوى الشاذة والمضللة على الأمة فأنشأت في 2014 مرصد «الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة»، وقد سار هذا المرصد على نهج الصحابي ابن عباس رضي الله عنهما في جداله وحواره مع الخوارج بالحجج والبراهين، وهو مرصد يعمل على مدار الساعة من خلال محاور ثلاثة، الأول: عملية رصدية لما يصدر من فتاوى تكفيرية وآراء متشددة، والثاني: تحليل هذا المرصود من خلال وحدة التحليل الموجودة في دار الإفتاء المصرية، والأمر الثالث: إصدار تقرير عن عملية الرصد، مشيرًا إلى أن المرصد أصدر أكثر من 1000 تقرير حتى الآن كلها تعكس الخبرة التي اكتسبناها من خلال تحليل الأحداث والفتاوى.

كما قامت دار الإفتاء بدراسة المنشورات والكتابات المتطرفة، ويقوم فريق متخصص بتصنيفها، وكثيرًا ما يتم استهداف الدار من خلال كتائب إلكترونية، خاصة عندما يتم نشر أي شيء يخص دعم الدولة الوطنية لتكوين رأي عام مضاد، ونحن نقف طويلًا عند أي آراء بناءة نصحح من خلالها المسار وفكرة النقد البناء هامة وفكرة الوعي هامة أيضًا.

ـ من وجهة نظر فضيلتكم ما الذي ينقصنا اليوم لنشر ذلك الوعي؟

*يلزمنا اليوم أن ننظر إلى بناء الوعي كمسئولية مشتركة، يؤدي كلٌّ منَّا فيها دوره في نَسَقٍ متكامل، وهذا النسق الذي تنتظم فيه الجهود التوعوية لا يمكن أن ينتظم إلا من خلال بناء جسور دائمة من التعاون المستمر بين مؤسسات الدولة المصرية، وانطلاقًا من تلك الرؤية شاركت دار الإفتاء المصرية في تلك المبادرة التي أطلقتها وزارة التضامن الاجتماعي بواسطة مجموعة من قياداتها وكوادرها في الحلقات التدريبية التي تضمنتها المبادرة.

ـ وهل هناك استعدادات تقوم بها دار الإفتاء مع الدخول في شهر رمضان المبارك؟

*بكل تأكيد.. كعادتها كل عام أخذت دار الإفتاء استعداداتها لشهر رمضان المبارك 2024 من خلال خطة متكاملة ومتنوعة تضم العديدَ من الأنشطة والفعاليات والبرامج الرمضانية لتقديم الخدمات الإفتائية للجمهور وطالبي الفتوى خلال الشهر الكريم عبر مختلف الوسائل.

ـ وما هي خطة دار الإفتاء لرمضان هذا العام؟

*تشمل خطة دار الإفتاء لشهر رمضان مجموعة متنوعة من الخدمات الشرعية، تهدف إلى تسهيل التواصل بين طالبي الفتوى والدار باستخدام التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بها، وخلال هذا الشهر الفضيل، ستزيد الدار من ساعات البث المباشر عبر صفحتها الرسمية، وستمتد ساعات استقبال الأسئلة عبر الاتصالات الشفهية والهاتفية والإلكترونية حتى الساعة التاسعة مساءً، إلى جانب هذا تم إطلاق صفحة إلكترونية مخصصة لشهر رمضان تنشر محتوى متعلقا بالصيام والعبادات، وتحتوي على فتاوى معتمدة من دار الإفتاء المصرية، كما يشارك علماء الدار في برامج تلفزيونية للرد على استفسارات المشاهدين حول رمضان وأحكام الصيام، وسيتم توفير الفتاوى والبيانات الصحفية اليومية لفضيلة المفتي ودار الإفتاء، وإضافة إلى ما سبق تتواصل الدار أيضًا مع المسلمين في الخارج من خلال تطبيق "Fatwa Pro" ومنصة "IFatwa.org"، وبدأت الدار في إطلاق حملات إلكترونية عبر منصات التواصل الاجتماعي لتعزيز الإيمان وتقديم نماذج من الطاعات والعبادات.

ـ مع الدخول في شهر رمضان المبارك نود أن نتعرف من فضيلتكم كيف نحسن استغلال الشهر الكريم؟

*استعداد الإنسان لشهر رمضان المبارك يتطلب تنظيمًا واستعدادًا شاملًا على الصعيدين الروحي والجسدي، ومن بين الطرق التي يمكن للإنسان الاستعداد بها لشهر رمضان: التوبة والاستغفار، فيجب على الإنسان التوبة من الذنوب والتقرب إلى الله بالاستغفار، استعدادًا لاستقبال شهر الرحمة والمغفرة، وكذلك الاستعداد روحيًا لاستقبال نفحات الشهر الكريم، فينبغي على الإنسان أن يقوي علاقته بالله من خلال الصلاة والقرآن والذكر والدعاء، وذلك ليكون قلبه مستعدًا لاستقبال ليالي العبادة والتأمل في هذا الشهر الفضيل، لذا علينا في رمضان أن نغيِّر من سلوكياتنا وأفعالنا السيئة إلى الأعمال الحسنة والإيجابية والتوبة من الأفعال التي لا يرضاها الله عز وجل، فيكون لهذا مردود على كل من يحيط بنا، ولِما لا وقد خصَّ الله تعالى شهر رمضان من بين سائر شهور العام بالتكريم والبركة، وجعله موسمًا عظيمًا تنهل منه الأمة من الخير ما لا يمكن حصره ووصفه، حتى بات هذا الشهر الكريم يمثل غاية كبرى وأمنية منشودة للصالحين يتمنون على ربهم بلوغها وإدراك هذا الزمان المبارك والاستعداد والتهيؤ ظاهرًا وباطنًا لإحيائه بإخلاص النية لله تعالى والعزم على اغتنام أوقاته والاجتهاد فيه بالأعمال الصالحات وهم في صحَّة وعافية ونشاط.

ـ وما هي أكثر الأعمال المستحبة في شهر رمضان؟

*أبواب الخير كثيرة، والتنافس في الطاعات من الأمور الجميلة المطلوبة في هذا الشهر الكريم خصوصًا وفي كل وقت عمومًا، ومن بين الطاعات والأعمال المستحبة في شهر رمضان المبارك، هناك العديد من الأعمال والطاعات المستحبة التي يمكن للمسلمين القيام بها لزيادة الأجر والقرب من الله، ومن بين هذه الأعمال والطاعات: قراءة القرآن الكريم وتدبره على مدار أيام شهر رمضان، فرمضان هو شهر القرآن وفيه نزل، هذا إلى جانب صلاة القيام والتهجد فينبغي للمسلم أن يكثر من الصلوات والأذكار في شهر رمضان، خاصة في الليالي الفضيلة مثل العشر الأواخر وتحري ليلة القدر.

ومن العبادات المحببة في شهر رمضان الفضيل الصدقة والتكافل والاجتماع بكافة صوره ومساعدة المحتاجين وقد ورد في الحديث الشريف عن سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «إن الصدقة لتطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء»، مما يظهر أهمية الصدقات في تطهير النفوس ورضا الله، وكذلك إطعام الطعام وتفطير الصائمين، وتعتبر هذه الأعمال من أفضل الطاعات في شهر رمضان، حيث يجزي الله سبحانه وتعالى من يفطر مسلمًا بمثل أجر الصائم دون أن ينقص من أجر الصائم شيئا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا»، مما يظهر فضل إطعام الطعام وتفطير الصائمين في شهر رمضان، وعلاوة على ما سبق كل أعمال الخير والطاعات وخدمة المجتمع فيمكن للمسلم أن يقوم بأعمال خيرية ويخدم المجتمع بشكل فعّال في شهر رمضان، مثل توزيع الطعام على الصائمين وزيارة المساجد والمستشفيات وتقديم يد العون للمحتاج.

ـ وما هو حكم الإفطار عمدا في رمضان؟

*الإفطار في نهار رمضان بلا عذر كبيرةٌ من كبائر الذنوب، وتجب التوبة على مَنْ أفطر في رمضان لغير عذر، فلا بد من أن يتوب المفطر منها التوبة الصادقة، وذلك عملا بقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ، مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلا مَرَضٍ لَمْ يَقْضِهِ صِيَامُ الدَّهْرِ، وَإِنْ صَامَهُ»، كما أن نصوص الفقهاء جاءت في هذا الأمر أن من أفطر في نهار رمضان متعمدًا بأكل أو شرب بدون عذرٍ لجبرِ ما فاته من طاعة وتكفير ما لحقه من إثم، فأجمعوا على أنه يلزمه القضاء، فمن أكل أو شرب في نهار رمضان عامدًا عالمًا بوجوب الصوم عليه من غير عذر ولا ضرورة من سفر أو مرض أو نحوهما، فقد ظلم نفسه باقتراف كبيرة من كبائر الذنوب، والواجب عليه في هذه الحالة أن يتوب إلى اللهِ تعالى منها بالاستغفار والندم، مع وجوب قضاء الصوم.

ـ وهل يقبل الصوم ممن دخل عليه رمضان قبل قضاء ما عليه من أيام؟

*الأيام التي أفطرها المسلم في رمضان بعذر شرعي تعتبر من الأعذار المبيحة للفطر يجب قضاؤها وهي دين في رقبته لا ينفك إلا بالقضاء، لكن من حيث صحة صيام شهر رمضان قبل قضاء ما على الإنسان من أيام أفطرها فإن ذلك لا يؤثر على صحة صوم رمضان الحالي، فإذا صام المسلم رمضان هذا العام ولا يزال عليه أيام لم يقضها خلال عام وأقبل رمضان الجديد بينما ذمته مشغولة بـالأيام الماضية التي أفطرها، فإنه يجب عليه صوم رمضان هذا العام، ولا تأثير للأيام التي مضت على صحة صومه الحالي، وعليه قضاءها في أسرع وقت.

ـ وما هو فضل ليلة القدر وكيف يغتنمها منها العبد بالتقرب إلى الله؟

*ليلة القدر ليلة عظيمة في شهر رمضان، وهي ليلة تُعد من أفضل الليالي في السنة وأعظمها قدرًا وثوابًا، وقد ورد في القرآن الكريم أن ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر، كما جاء في سورة القدر يقول تعالى: «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ»، (القدر: 1-3)، وفي هذه الليلة، يُغفر الله سبحانه وتعالى لعباده التائبين الذنوب ويُعتق من النار، وتُرفع الأعمال الصالحة إلى الله، ويُقضى فيها أمر الخلق بما يُقدر لهم من الأرزاق والأعمال، وتنزل فيها الملائكة ويعم فيها الشعور بالسلام والسكينة حتى مطلع الفجر، وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن ليلة القدر تقع في العشر الأواخر من شهر رمضان، وخاصة في الليالي الفردية منها، ومن فضائلها أيضًا أن الدعاء في هذه الليلة مستجاب بإذن الله، لذا يجب علينا أن نجتهد في العبادة طوال شهر رمضان وخاصة في العشر الأواخر، خاصة في الليالي الفردية منها، والتضرع إلى الله بالدعاء والتوبة والاستغفار، والقيام بالأعمال الصالحة، عسى أن يكرمنا بنفحات وبركات ليلة القدر.

ـ وماذا عن مقدار زكاة الفطر هذا العام في ظل ظروف الغلاء؟

*مقدار زكاة الفطر هذا العام 35 جنيهًا مصريًا كحد أدنى عن كل فرد مع استحباب الزيادة عن ذلك لمن يستطيع، وتقدير قيمة زكاة الفطر لهذا العام، جاءت بالتنسيق مع مجمع البحوث الإسلامية برئاسة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وتم حسابها بما يعادل «2.5» كيلوجرام من القمح عن كل فرد، نظرًا لأنه غالب قوت أهل مصر، كما أن دار الإفتاء المصرية أخذت برأي الإمام أبي حنيفة في جواز إخراج زكاة الفطر بالقيمة نقودًا بدلًا من الحبوب، تيسيرًا على الفقراء في قضاء حاجاتهم ومطالبهم، والفتوى مستقرة على ذلك.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: مفتي الجمهورية شوقي علام رمضان 2024 دار الإفتاء المصریة شهر رمضان المبارک رمضان هذا العام صلى الله علیه الشهر الکریم فی شهر رمضان زکاة الفطر لشهر رمضان لیلة القدر هذا الشهر فی رمضان إلى الله خاصة فی من خلال فی هذا من بین

إقرأ أيضاً:

حكم إلقاء السلام من الرجال على النساء.. دار الإفتاء توضح

اجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونة:"هل يجوز شرعًا إلقاء السلام من الرجال على النساء؟ وهل يختلف الحكم بين الجماعة أو الانفراد؟".

لترد دار الإفتاء، موضحة: أنه يجوز شرعًا إلقاء السلام وردُّه بين جماعة كل من الرجال والنساء، أو بين جماعة الرجال وامرأة منفردة، أو بين جماعة النساء ورجل منفرد، أو بين رجل وامرأة منفردين إذا أمنت الفتنة، وإلَّا حرم الإلقاء والرد، فقد ورد عن السيدة أسماء ابنة يزيدَ رضي الله عنها قالت: «مرَّ علينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في نسوة، فسلَّم عليْنا» رواه ابن ماجه في "سننه".

بيان فضل إفشاء السلام وحكم إلقائه وردِّه

إفشاء السلام مِن أحبِّ الأعمال إلى الله عز وجل، ومن الفضائل التي تنشر الود بين الناس، وهو تحية المسلمين فيما بينهم في الدنيا، وتحية أهل الجنة كما أخبر بذلك عز وجل؛ فقال سبحانه: ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا﴾ [الأحزاب: 44].

بل إنَّه من أجلِّ القُرَب الموصِّلة إلى دخول الجنة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا؛ أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» رواه مسلم في "صحيحه".

قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (2/ 36، ط. إحياء التراث العربي): [وفيه الحث العظيم على إفشاء السلام وبذله للمسلمين كلهم من عرفت ومن لم تعرف كما تقدم في الحديث الآخر، والسلام أول أسباب التألف ومفتاح استجلاب المودة، وفي إفشائه تَمَكُّنُ أُلفة المسلمين بعضهم لبعض، وإظهار شعارهم المميز لهم من غيرهم من أهل الملل، مع ما فيه من رياضة النفس ولزوم التواضع وإعظام حرمات المسلمين... وفيها لطيفة أخرى وهي أنها تتضمن رفع التقاطع والتهاجر والشحناء وفساد ذات البين التي هي الحالقة] اهـ.

وإلقاءُ السلام هو حقُّ المسلم على أخيه المُسلم؛ لما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ». قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتْبَعْهُ» رواه مسلم في "صحيحه".

وهو سُنَّة عَيْنٍ على المُنفرِد المارِّ على غيره، وسُنَّة كفائيَّة على الجماعة المارين على غيرهم بحيث إذا ألقاه بعضهم سقط الطلب به عن الباقين، وأمَّا رَدُّ السلام ففرضُ عينٍ في حق المُنفرِد، وفرضُ كفايةٍ في حقِّ الجماعة، بحيث يأثمون جميعًا بتركه، ويسقط الإثم بردِّ أحدهم.

قال الإمام أبو عبد الله الموَّاق في "التاج والإكليل" (4/ 539، ط. دار الكتب العلمية): [ورد السلام واجبٌ، والابتداء به سنّة، وإذا سلم واحد من الجماعة أجزأ عنهم، وكذلك إن رد واحد منهم] اهـ.

وقال الإمام الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (6/ 14-15، ط. دار الكتب العلمية): [(و) من فُروض الكفايات (جوابُ سلامٍ) لمسلمٍ عاقلٍ ولو صبيًّا مميِّزًا (على جماعة) من المسلمين المكلفين... (ويُسن ابتداؤه) أي السلام على كلِّ مسلمٍ حتى على الصبي، وهو سُنَّة عين إن كان المسلم واحدًا، وسُنَّة كفاية إن كان جماعة] اهـ.

وقال العلامة البهوتي في "شرح منتهى الإرادات" (1/ 383-384، ط. عام الكتب): [السلام (سُنّة) عين من منفرد، (ومن جمع) اثنين فأكثر (سنة كفاية)... (ورده)؛ أي: السلام إن لم يكره ابتداؤه (فرض كفاية)؛ فإن كان الْمُسَلَّمُ عليه واحدًا تعيّن عليه] اهـ.

حكم إلقاء السلام من الرجال على النساء


مع أنَّ الأمر بنشر تحية الإسلام جاء عامًّا يشمل الرجل والمرأة، إلا أنَّ للرجل مع المرأة الأجنبية أحكامًا تخصهما في ابتداء السلام ورَدِّه؛ دفعًا للمفسدة وأمنًا للفتنة.

فمن المقرر جواز إلقاء السلام ورده مِن الرجال على النساء أو العكس إن كان المُلقِي جمعًا والمُلقَى عليه فردًا، أو كان المُلقِي فردًا والمُلقَى عليه جَمْعًا، وذلك ما لم تخش فتنة؛ لما ورد عن أسماء ابنة يزيدَ رضي الله عنها قالت: «مرَّ علينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في نسوة، فسلَّم عليْنا» رواه ابن ماجه في "سننه".

قال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (4/ 601، ط. دار الفكر): [ولو كان النساء جمعًا فسلم عليهن الرجل أو كان الرجال جمعًا كثيرًا فسلموا على المرأة الواحدة فهو سنة إذا لم يخف عليه ولا عليهن ولا عليها فتنة] اهـ.

أمَّا إن كان إلقاءُ السَّلام بين فرادى كإلقاء الرجل المنفرِد على المرأة أو العكس: فقد فرَّق الفقهاء بين العجوز والشابَّة، فاتفقوا على جواز ابتداء السلام وردِّه في حق المرأة العجوز، أمَّا في خصوص المرأة الشابَّة فاختلفوا فيه، فذهب الحنفية إلى كراهة ابتدائه مِن أحدهما، فإن بدأهُ الرجل ردَّت المرأة في نفسِها لا بلسانها، وإن بدأتهُ هي ردَّ الرجل في نفسِهِ لا بلسانِهِ، وعَبَّرَ بعضُ الحنفية بالحرمة.

قال العلامة سراج الدين ابن نجيم في "النهر الفائق شرح كنز الدقائق" (1/ 271، ط. دار الكتب العلمية): [يكره السلام على المصلي والقارئ والجالس للقضاء أو البحث في الفقه أو التخلي، وزيد عليه مواضع، وأحسن من جمعها الشيخ صدر الدين الغزي فقال رحمه الله تعالى: سلامك مكروه على من سَتَسْمَعُ...كذا الأجنبياتُ الفتيَّاتُ أمنعُ] اهـ.

وقال العلامة ابن عابدين في "رد المحتار" (1/ 616، ط. دار الفكر): [(قوله سلامك مكروه) ظاهره التحريم] اهـ.

وقال العلامة ابن مودود الموصلي في "الاختيار لتعليل المختار" (4/ 165، ط. دار الكتب العلمية): [ويجب على المرأة رد سلام الرجل ولا ترفع صوتها... وإن سلمت عليه؛ فإن كانت عجوزًا رد عليها، وإن كانت شابَّة ردَّ في نفسه] اهـ.

وذهب المالكيةُ إلى كراهة إلقاء السلام وردِّه على المرأة الشَّابة، قال العلَّامة أبو عبد الله المواق المالكي في "التاج والإكليل" (2/ 224): [ويكره السلام على الشابة ولا بأس به على المتجالة] اهـ.

وقال العلامة الحطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (1/ 459): [وأما السلام على الشابة، فقال الفاكهاني في "شرح العمدة" في (باب اللباس): [ولا يسلم على الشابة بخلاف المتجالة انتهى، وصرَّح الجزولي بأنه يكره السلام على الشابة، وأنه يجوز للشاب أن يسلم على المتجالة وللمتجالة أن تسلم على الشاب] اهـ.

وذهب الشافعيةُ إلى كراهة ابتدائه وردِّه في حق الرجل، وإلى الحُرمة في حقِّ المرأة ابتداء وردًّا، فإن سلَّم الرجل حرم على المرأة الرَّد، قال الشيخ زكريا الأنصاري في "شرح روض الطالب" (4/ 184، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(ويسن) السَّلام (للنساء) مع بعضهن وغيرهن، (لا مع الرَّجالِ الأجانبِ) أفرادًا وجمعًا (فيَحْرُم) السلام عليهم (مِن الشَّابةِ ابتداءً ورَدًّا) خوف الفتنة، (ويُكرَهان) أي: ابتداء السلام وردُّه (عليها)] اهـ.

وذهب الحنابلة إلى كراهة ابتدائِهِ منهما مطلقًا، أمَّا الردُّ فلا يلزمها إن بدأ الرجل بالسلام، وإن بدأت المرأة به لزم الرجل الردُّ، قال الشيخ أبو النجا الحجاوِي الحنبلي في "الإقناع" (1/ 239، ط. دار المعرفة): [وإن سلَّمت شابةٌ على رجل ردَّه عليها، وإن سلَّم عليها لم تردَّه] اهـ.

واستثنوا من هذه الكراهة الشابة البَرْزَة، وهي المرأة العفيفة العاقلة التي من عادتها الخروج لحوائجها وملاقاة الرجال بحيث تخرج وتدخل آمنة على نفسها، فلا يكره إلقاء السلام ورده بينها وبين الرجل؛ وعللوا ذلك بأمن الفتنة غالبًا.

قال العلَّامة الرحيباني في "مطالب أولي النهى" (1/ 939، ط. المكتب الإسلامي): [(ولا يلزم رد سلام ابتداؤه مكروه كمسلم على مشتغل بنحو أكل)... (وأجنبية غير عجوز)، أي: غير جميلة؛ فلا يكره السلام عليها، (و) لا على (برزة)، لأمن الافتتان بها غالبًا] اهـ.

وقال الشيخ محمد الخَلْوَتِي في "حاشيته على منتهى الإرادات" (2/ 72، ط. دار النوادر) عطفًا على من يكره ابتداء إلقاء السَّلام عليها: [وكذا أن يُسلم على امرأة أجنبية، إلا أن تكون عجوزًا أو بَرْزَةً] اهـ.

ويستفاد مما سبق أنَّ إلقاء السلام ورده بين الرجال والنساء جماعة أو فرادى دائر مع أمن الفتنة وجودًا وعدمًا؛ فحيث أمنت الفتنة جاز الإلقاء والردُّ، وإلَّا حرُمَ، وهو ما أفادته رواية ابن ماجه السابقة عن السيدة أسماء ابنة يزيدَ رضي الله عنها، والذي فيها إلقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم السلامَ على جمعٍ من النساء من غير كراهة أو نهي عن ذلك، أو تخصيص بعددٍ دون عددٍ؛ لـما فيه من انتفاء الفتنة، وهو ما فهمه العلماء ونصُّوا عليه.

قال العلامة السندي في "حاشيته على سنن ابن ماجه" (2/ 398، ط. دار الجيل): [قال الحليميُّ: كان النبي صلى الله عليه وسلمَ يُسلِّمُ للعصْمَةِ، وكان مأمونًا من الفتنة، فمن وثق من فتنته بالسلام فليسلم، وإلا فالصمتُ أسلم اهـ. فالحاصل أن سلام الرجل عليهنَّ جائز في نفسه، بل مسنون، لكن بشرط السلامة بأن ظنَّ بها، وإلا تعين الترك] اهـ.

الخلاصة
بناءً على ذلك وفي السؤال: فيجوز شرعًا إلقاء السلام وردُّه بين جماعة كل من الرجال والنساء، أو بين جماعة الرجال وامرأة منفردة، أو بين جماعة النساء ورجل منفرد، أو بين رجل وامرأة منفردين إذا أمنت الفتنة، وإلَّا حرم الإلقاء والرد.

مقالات مشابهة

  • مفتي الجمهورية يعزى تركيا في ضحايا حادث حريق منتجع كارتال كايا
  • مفتي الجمهورية يُعزي تركيا في ضحايا حادث حريق منتجع كارتال كايا
  • بيان مدى مشروعية المديح والابتهالات النبوية
  • مفتي الجمهورية يستقبل وفد أئمة من ستِّ دول برئاسة الدكتور المحرصاوي
  • مفتي الجمهورية يستقبل وفد أئمة من ست دول ويُشيد بجهود أكاديمية الأزهر
  • مفتي الجمهورية يستقبل وفد أئمة من 6 دول أجنبية
  • موعد بدء شهر رمضان 2025 وأفضل الأعمال والعبادات خلال الشهر الكريم
  • وقفة.. الأمم المتحدة ليست متحدة
  • حركة لبنان الشباب أقامت قداسا على نية رئيس الجمهورية
  • حكم إلقاء السلام من الرجال على النساء.. دار الإفتاء توضح