الأرقام كبيرة: موجة صرف موظفي المصارف مُستمرة.. ماذا عن إعادة هيكلة القطاع؟
تاريخ النشر: 20th, March 2024 GMT
لسنوات عديدة شكّل القطاع المصرفي ركيزة رئيسية وكان بمثابة العمود الفقري للاقتصاد اللبناني، الا انه منذ عام 2019 يُعاني من أسوأ أزمة في تاريخه نتيجة الانهيار المالي والاقتصادي الذي عصف بالبلاد، فإلى جانب نقص السيولة وحجز أموال المودعين، عمدت المصارف إلى التخفيف من مصاريفها التشغيلية عبر إقفال فروع لها وبالتالي صرف موظفين.
عمليات صرف الموظفين بدأت منذ عام 2019 ولا زالت مُستمرة، فبعد موجة صرف حُكي عنها في أواخر عام 2023، انتشرت أخبار في الأيام القليلة الماضية عن نية أحد المصارف صرف 40 بالمئة من موظفيه، مُبرراً ذلك بأن خطّة تقليص حجم المصرف كانت موجودة قبل الأزمة المالية، إذ ان هناك فروعاً لا لزوم لها في بعض المناطق حيث يوجد أكثر من فرع، وأصبح هناك ضرورة اليوم لتفعيل هذه الخطة مقارنة مع حجم الأعمال المتدنّي.
وتُفيد المعلومات بأن التعويضات التي يدفعها هذا المصرف للموظفين المصروفين مُرتفعة، وهو ما دفع بموظفين آخرين إلى تقديم استقالاتهم للاستفادة من هذه الفرصة، ولا سيما الذين لم يتبقَّ لديهم سنوات خدمة كثيرة قبل بلوغ سن التقاعد. فما صحة هذه الأخبار؟ وما هو وضع موظفي المصارف حالياً بعد مرور نحو 5 سنوات على انهيار هذا القطاع؟
في هذا الإطار، يوضح رئيس نقابة موظّفي المصارف ابراهيم باسيل في حديث عبر "لبنان 24" أن "ما حُكي مؤخرا عن عملية صرف موظفين في أحد البنوك مرده إلى ان المصرف المذكور اتخذ قرارا بتقليص النفقات عبر إقفال عدد من فروعه وتقليل عدد العاملين وذلك بالإتفاق مع الموظفين الذين قبلوا بالتعويضات المُقدمة كونها مُرتفعة".
وأكد باسيل ان "النقابة لم تتبلّغ بأي شكوى من العاملين المصروفين وبالتالي لا يمكنها التحرّك إلا في حال وجود شكوى".
وقال باسيل: "هناك عملية صرف مُبطنة للموظفين مُستمرة منذ سنوات، ولا أحد يملك الأرقام الحقيقية لأعداد المصروفين ومن المُفترض ان تكون التعويضات المُقدمة وفق قانون العمل وليس وفق أي بروتوكولات أخرى".
وأوضح ان "المصرف الذي يتخذ قرار صرف موظفين عليه إبلاغ وزارة العمل ثم عقد اتفاق مع الموظفين بشأن التعويضات كي تكون عادلة ولكن هذا الأمر لا يُطبق حاليا".
ويُشير باسيل إلى انه "في نهاية عام 2019 كان عدد العاملين في القطاع المصرفي يبلغ نحو 24 ألف موظف أما الآن فأصبح العدد أقل من 12 ألف موظف أي ان نسبة من غادر القطاع تبلغ نحو 42 %".
وأشار إلى أن "بعض الموظفين رأوا ان هذا القطاع لم يعد يُلبي طموحاتهم فقرروا الاستقالة وهناك من هاجر إلى الخارج وثمة من تمّ صرفه وقبض تعويضه وثمة من أُجبر على الاستقالة".
ويؤكد باسيل ان "موظف المصرف هو الأكثر غبنا كونه خسر أمواله في المصارف، حاله حال سائر المودعين وبين عمله والضغط الذي يشعر به نتيجة الأزمة الحاصلة".
ورأى انه "طالما لم يتم إعادة هيكلة المصارف ووضع استراتيجية للإصلاح المالي الأزمة ستستمر والمصارف مُضطرة لخفض عدد موظفيها وإقفال عدد من فروعها بما انها فقدت وظيفتها والخدمة التي كانت تبيعها للزبون لم تعد تملكها".
وشدد باسيل على ان "هناك "مجزرة" تُرتكب بحق موظفي المصارف المصروفين فهُم من دون ودائع ومن دون تعويضات مُنصفة ولاسيما الموظف الذي عمل 25 سنة في هذا القطاع وصُرف من عمله وبالتالي أصبح من الصعب جدا ان يجد عملا جديدا"، مُشيراً إلى ان "الرواتب في القطاع المصرفي لا تزال بالليرة اللبنانية الا ان بعض إدارات المصارف قررت في بداية السنة الحالية دفع نسبة 20 بالمئة من الراتب بالدولار".
ماذا عن إعادة هيكلة المصارف؟
بدوره، اعتبر الخبير في المخاطر المصرفية والباحث في الاقتصاد الدكتور محمد فحيلي ان "ما يحصل في القطاع المصرفي هدفه التخفيف من المصاريف التشغيلية لأن قدرة المصارف التجارية على تحصيل إيرادات أصبحت صعبة جدا بعد توقف القروض كما خف التعاطي معها عقب الأزمة"، مُشيرا إلى ان "إيرادات المصارف اليوم تأتي من العمولات بنسبة 90 بالمئة وهي تحاول قدر المُستطاع الاستمرار في الخدمة والبقاء على "قيد الحياة".
وتابع فحيلي في حديث لـ "لبنان 24": "المصاريف التشغيلية تتأتى من الفروع والموظفين لذا تم إقفال العديد من الفروع وصرف موظفين من الخدمة وهذا أمر طبيعي بوجود أزمة بحجم الأزمة التي يُعاني منها القطاع المصرفي في لبنان".
وعن ضرورة إعادة هيكلة المصارف، قال فحيلي: "نحن اليوم في وضع المطلوب فيه من كافة مكونات القطاع الاقتصادي اللبناني وأيضا من الوزارات التي تُقدم خدمات تصويب الأداء وليس إعادة الهيكلة".
وأوضح ان "تصويب الأداء لا يعني ان المطلوب من الدولة اليوم صرف موظفين من الخدمة بل تقديم خدمات للمواطنين والتي هي اليوم مفقودة لذا المطلوب تصويب الأداء لأن إعادة الهيكلة في الوقت الحالي ستؤدي لأزمة اجتماعية مُتفاقمة لبنان بغنى عنها وهذا الأمر ينطبق أيضا على مكونات القطاع الخاص".
وتابع: "المصارف حاليا تخفف من المصاريف التشغيلية وهذا أمر ضروري ولكن إعادة الهيكلة لا يمكن المباشرة فيها الآن لأنها تحتاج لتمويل وموارد وهذان الأمران غير متوفرين حاليا".
وجدد التأكيد ان "تصويب الأداء اليوم هو الأهم وإطلاق عجلة ترميم الثقة من خلال التواصل الإيجابي والشفاف مع المواطن اللبناني او المودع ينفع أكثر وهذا ما نحن بحاجة له للتخفيف من التداعيات الاجتماعية".
وأخيرا لا بد من الإشارة إلى ان عدد فروع المصارف التجارية في لبنان تراجع من 1090 فرعًا في بداية الأزمة إلى 710 فروع أي تمّ إقفال نحو 280 فرعاً إستناداً الى تقرير المؤشرات المصرفية الصادر عن جمعية المصارف في لبنان لغاية نيسان 2023، وبالتالي العمل في مصرف الوظيفة التي كانت تُعتبر "الوظيفة الحلم" للعديد من اللبنانيين جراء التقديمات والتسهيلات التي تميزت بها قبل الأزمة تحوّلت إلى كابوس يؤرق من يعمل فيها.
المصدر: لبنان 24
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: القطاع المصرفی إعادة هیکلة صرف موظفین فی المصارف إلى ان
إقرأ أيضاً:
تحديات تواجه إعادة إعمار ما دمرته إسرائيل في لبنان
البقاع- "قاعدون بالطرقات، لا نستطيع بناء ما دمره العدو الإسرائيلي" بهذه العبارة واجهنا محمد قمر أحد أبناء بلدة سحمر البقاعية وهو يقوم بإزالة ركام منزله الذي سقط بواحدة من الغارات الإسرائيلية، التي قتلت في قريته 51 شخصا، وأوقعت أضرارا كلية وجزئية بـ600 وحدة سكنية .
وأكد في حديث للجزيرة نت، أن إزالة أنقاض منزله المُدمر تتم على حسابه، وهو الذي يعيش ظروفا اقتصادية صعبة، جراء تهجير دام نحو 3 أشهر، رجع بعدها ليجد بيته وقد سوِّي بالأرض. ويعتقد قمر أن ما يعانيه ينسحب على كل المتضررين في المناطق التي استهدفها العدو الإسرائيلي في لبنان.
ومنذ وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، عاد مليون شخص، حسب ما أعلنه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، إلى مدنهم وقراهم، بعد رحلة تهجير قسرية، بدأت في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وبلغت ذروتها في 23 سبتمبر/أيلول 2024، ليجد الآلاف منهم ممتلكاتهم وقد سويت بالأرض.
وسحمر نموذج يشبه بتفاصيله، مختلف المناطق المتضررة.
ترقب و انتظار
يقول علي موسى من متضرري البقاع الغربي "عُدنا إلى قرانا المنكوبة، لكنهم أوقعونا في حيرة لكثرة اللجان والقرارات بشأن إزالة الأنقاض والتعويض المادي، نحن بأمسّ الحاجة لدور فاعل وسريع للدولة، وللهيئات المعنية، كي تُخرجنا من هذه الكارثة، فحتى اليوم، الناس بلا منازل وبلا تعويضات".
إعلانوفي حديث للجزيرة نت يتساءل موسى عمن يعوض وكيف؟ الدولة أم البلديات؟ مجلس الجنوب أم جهاد البناء؟
ويوضح "نُرمم على حسابنا ومن ثم يدفعون لنا، أم هم مَنْ يتولى إعادة إعمار ما تهدم؟ يقيّمون الأضرار ويدفعون لنا، ومن ثم نحن نرمم أو نعيد البناء؟ لست أدري، أسئلة كثيرة أطرحها ويطرحها أبناء الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية".
ويتطابق كلام موسى مع مشاهدات الجزيرة نت الميدانية، حيث باشر أصحاب منازل متضررة جزئيا، ترميمها على نفقتهم، وبقي نحو 70% من المدمّر بحالها، فيما نشطت فرق المجلس البلدي في مجالات فتح الطرق، وتنظيف الساحات، وإصلاح شبكات المياه والكهرباء، بالتعاون مع الإدارات الرسمية.
وفي هذا الإطار، لفت رئيس المجلس البلدي في سحمر أيمن حرب إلى "مواصلة أعمال الكشف على الوحدات السكنية، والصناعية، والتجارية، والخدمية المتضررة في البلدة". وقال في حديث للجزيرة نت "إن فرقا من مجلس الجنوب، وجهاد البناء التابعة لحزب الله، أنجزت ملفات 136 وحدة سكنية، ونحن الآن بصدد البدء بتعبئة استمارات للمتضررة آلياتهم ومزارعهم".
وعن الأهالي الذين باشروا أعمال الترميم على نفقتهم الخاصة، يقول حرب "كل مواطن أتم ترميم أضرار في منزله، أو مؤسسته، يقوم بتعبئة استمارة مرفقة بفواتير، وصور، وفيديو قبل وبعد الترميم، ويرفعها إلى البلدية، التي بدورها تحتفظ بالاستمارة كمستند يحفظ حقه، على أن تدفع له الأموال اللازمة، فور توفرها من الدولة أو الهيئات المانحة".
وأضاف "العبء كبير جدا، والمسؤولية أكبر، خصوصا وأن الخسائر المادية والمعنوية، طالت نحو سبعة آلاف مواطن، من سكان بلدتنا، التي سقط منها 51 شهيدا، وعشرات الجرحى، وطال الدمار البنى التحتية".
وطالب الدولة بتقديم العون بأسرع ما يمكن، مشيرا لحلول فصل الشتاء، ووجود العشرات من دون مأوى مناسب.
ورش خاصة لإزالة الأنقاض في سحمر (الجزيرة) اعتمادات ماليةوغير بعيد من موضوع الإجراءات الإدارية لرفع الأنقاض وإعادة الإعمار، أعلن وزير الأشغال العامة في حكومة تصريف الأعمال علي حمية في أعقاب اجتماع لمجلس الوزراء اللبناني بتاريخ 17 ديسمبر/كانون الأول 2024، موافقة مجلس الوزراء على دفتري الشروط (تلزيم رفع الأنقاض، وتلزيم مسح الأضرار) وتحويل اعتمادات إلى اتحاد بلديات الضاحية، والهيئة العليا للإغاثة، ومجلس الجنوب، بقيمة 900 مليار ليرة لكل جهة، على أن تبدأ عملية رفع الأنقاض ومسح الأضرار في كل لبنان.
إعلانيقول عضو قيادة الجنوب في حركة أمل محمد الخشن "الحكومة وضعت آلية لإطلاق العمل، وهي تسير وفق القنوات الرسمية، وكلنا يعلم أن الموضوع رهن توفر الأموال للدولة اللبنانية".
وقال للجزيرة نت "إن مجلس الجنوب بعث بفرق متخصصة فور وقف إطلاق النار، وقد أنجزت مسح مئات الوحدات السكنية المتضررة في البقاع الغربي والجنوب خاصة سحمر، وتحتاج لبعض الوقت كي تستكمل عملها في المنطقة".
وأوضح المسؤول أن مجلس الجنوب تولى إجراء مسح للأضرار في الجنوب والبقاع الغربي وراشيا، فيما تولت الهيئة العليا للإغاثة مناطق جبل لبنان والضاحية وبعلبك ومنطقة الشمال.
وأفاد المتحدث ذاته أن مجلس الجنوب دخل إلى كل منزل في سحمر وهو ينتظر تأمين المبالغ المطلوبة للبدء بدفع تعويضات لمستحقيها.
تنظيم عملية التعاون
وانسحب "الإرباك" الحاصل على مستوى التنسيق بين اللجان المعنية، و تساؤلات الأهالي في أكثر من منطقة متضررة، نسبيا، على العلاقة بين الهيئات المعنية ونقابة المهندسين في بيروت والشمال.
يقول أمين سر نقابة المهندسين في بيروت هيثم إسماعيل "إن غياب الرؤية وضعف الإمكانيات المادية، أثّرا سلبا على ملف إعادة الإعمار برمته، مع العلم أن النقابة شكلت لجنة طوارئ في 27 سبتمبر/أيلول الماضي، ووضعت إمكانياتها وخبراتها بتصرف الحكومة والهيئات المعنية"
وكشف في حديث للجزيرة نت، عن بعض الملاحظات مثل عدم استشارة النقابة بشأن موضوع السلامة العامة، أو تحديد الأبنية الآئلة للسقوط، معتبرا أن هذه مهمة المهندسين.
وأضاف في السياق نفسه أن موضوع نقل الردم وسلامة البيئة، ودفاتر الشروط لا وجود للمهندس فيها. وقال "طرحنا هواجسنا في لقاءات مع المعنيين، ومنها اللقاء الذي جمع نقيب المهندسين في بيروت، ونقيب المهندسين في الشمال مع لجنة الأشغال العامة".
ويرى إسماعيل أنه لا يمكن الحديث عن آلية لدفع التعويضات للمتضررين، أو عن سير عملية إزالة ونقل الردم وغيرها من الأمور الملحة، قبل أن تنتظم عملية التعاون بين الهيئات المعنية بهذا الملف الكبير والثقيل، تمهيدا لانطلاق ورشة عمل متجانسة تأخذ فيها النقابة دورها الطبيعي والريادي، الذي اضطلعت به في محطات سابقة مشابهة.
إعلانوكانت نقابة المهندسين في بيروت قد أعلنت أن كل الأبنية التي هُدمت بسبب العدوان الإسرائيلي يعاد ترميمها أو بناؤها من دون كُلَف مادية، كما أن مجلس النقابة قرر دفع تعويضات مالية من صندوق النقابة لـ60 مهندسا استشهدوا خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان.
ولحقت بلبنان أضرار بشرية ومادية جراء العدوان الإسرائيلي الذي بدأ في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتواصل حتى 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، بلغت 3823 شهيدا و15 ألفا و859 جريحا، حسب وزارة الصحة اللبنانية.
وقدرت الخسائر المادية بنحو 11.2 مليار دولار، ودمرت 46 ألف وحدة سكنية بشكل كلي، في حين أن 30 ألف وحدة أخرى تصدعت أجزاء منها مما جعلها غير صالحة للسكن، و45 ألف وحدة سكنية تضررت جزئيا، حسب الدولية للمعلومات.
في حين أصيبت بنى تحتية ومرافق عامة وشبكات مياه وكهرباء بأضرار كبيرة في معظم مدن الجنوب والبقاع وجبل لبنان، خاصة الضاحية الجنوبية.