القاهرة – تقاطرت المساعدات المالية الدولية على مصر في اللحظات الأخيرة من أسوأ سيناريو اقتصادي كان ينتظرها، زحزحتها عن السقوط في هاوية العجز عن الوفاء بالتزاماتها المالية الضخمة التي تفوق مواردها الدولارية المحدودة.

وضمنت مصر الحصول على مليارات الدولارات أتت بكاملها من الخارج عبر مصادر لا تتسم بالاستدامة، إلا أنها كانت كافية لخروجها من عنق الزجاجة، وسط تساؤلات بشأن قدرتها على تفادي ممارستها السلبية السابقة وتصويب أخطاء الماضي.

كان آخر هذه المساعدات من مجموعة البنك الدولي، الذي أعلن اعتزامه تقديم أكثر من 6 مليارات دولار لمصر على مدى السنوات الثلاث المقبلة، بواقع 3 مليارات دولار ستوجه إلى البرامج الحكومية، ومثلها لدعم القطاع الخاص.

ووفق بيان للبنك الدولي، وصلت الجزيرة نت نسخة منه أمس الاثنين، فإن هذه البرامج ستركّز على زيادة فرص مشاركة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، خاصة من خلال برنامج الطروحات الحكومية.

وجاءت أحدث دفعة من المساعدات بعد يوم من ترقية العلاقة بين مصر والاتحاد الأوروبي إلى "شراكة إستراتيجية وشاملة"، وموافقة الأخير على تقديم حزمة مالية إلى القاهرة بقيمة 7.4 مليارات يورو (8.06 مليارات دولار)، على مدى 4 أعوام في مجالات عدة، تشمل قروضا واستثمارات وتعاونا في ملفي الهجرة إلى أوروبا التي تؤرقها.

وتوزع التمويل الأوروبي على قروض ميسرة بقيمة 5 مليارات يورو (5.44 مليارات دولار)، واستثمارات بقيمة 1.8 مليار يورو (1.96 مليار دولار)، ومنح قدرها 600 مليون يورو (653 مليون دولار) من بينها 200 مليون يورو (217.7 مليون دولار).

آثار وتعهدات

توصلت مصر خلال الشهر الجاري إلى اتفاق تاريخي مع صندوق النقد الدولي لزيادة برنامج قرض إلى 8 مليارات دولار، وذلك بعد ساعات من تحرير سعر صرف الجنيه، ورفع أسعار الفائدة 600 نقطة أساس، استجابة لشروط الصندوق.

وذكرت الحكومة المصرية ومسؤولون بالصندوق أن مصر، علاوة على ذلك، ضمنت قرضا آخر بقيمة 1.2 مليار دولار للاستدامة البيئية، ما يجعل القيمة الإجمالية لقرض الصندوق تتجاوز 9 مليارات دولار.

وكانت بداية الانفراجة الكبرى الإعلان في 23 فبراير/شباط الماضي عن صفقة استثمار وصفت بالتاريخية بين مصر والإمارات بقيمة 35 مليار دولار لتطوير مدينة رأس الحكمة على الساحل الشمالي لمصر، تسلمت منها 10 مليارات دولار بشكل مباشر و5 مليارات دولار هي جزء من ودائع إماراتية لدى البنك المركزي.

منطقة رأس الحكمة تقع في الساحل الشمالي الغربي لمصر على البحر المتوسط (مواقع التواصل) ساعدت الحزم المالية التي انهالت على مصر في أمور عدة من بينها: تراجع في سعر صرف الجنيه مقابل الدولار مقارنة بالسوق الموازي وزيادة مقارنة بأسعار البنوك. عودة النقد الأجنبي إلى النظام المصرفي وتحجيم السوق الموازي. تجنب خطر التعثر في سداد أقساط وفوائد الدين الخارجي. تشجيع الأموال الساخنة على العودة للاستثمار في أدوات الدين المحلية.

وأصبحت مصر صاحبة ثالث أعلى عائد من أذون الخزانة والسندات بالعملة المحلية من بين 23 دولة نامية يتم متابعتها من قبل وكالة بلومبيرغ، بفائدة تتجاوز 32% رغم حديث المسؤولين المصريين عن تعلمهم الدرس من "الأموال الساخنة".

وأكدت الحكومة المصرية أنها لن تتواكل على الموارد الدولارية، لكنها ستكون بمثابة "بداية لإصلاح الأوضاع الاقتصادية"، وتعهدت بترشيد الإنفاق الاستثماري، وتعزيز الحوكمة، ومنح القطاع الخاص فُرصا واسعة في مختلف القطاعات الاقتصادية.

الدولار ارتفع في مصر مقارنة بسعر البنوك لكنه تراجع عن السعر الذي سجله في السوق السوداء (الجزيرة) مكاسب سريعة التآكل

ورغم النظرة الإيجابية المحلية والدولية تجاه التدفقات النقدية الضخمة التي شهدتها مصر وخفض قيمة العملة ورفع أسعار الفائدة، لكنها ليست مقنعة بما فيه الكفاية لتعديل التصنيف الائتماني للبلاد، وفق وكالة فيتش للتصنيف الائتماني رغم أنها تدخل بالفعل في التصنيف ونظرته المستقبلية المستقرة.

ونقلت رويترز عن رئيس قطاع التصنيف السيادي بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا لدى الوكالة، توبي أيلز قوله: "إذا لم يتم السماح لسعر الصرف بالتحرك بمرونة، وإذا ظل التضخم مرتفعا، فإن مكاسب الأسابيع القليلة الماضية يمكن أن تتآكل سريعا كما حدث بعد تخفيض قيمة العملة في 2016".

وأشار أيلز إلى أن مسار الدين في مصر أصبح "قاسيا للغاية"؛ إذ تقترب قيمة مدفوعات الفائدة نسبة إلى الإيرادات الحكومية من 50%، كما تقترب نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي من 100%.

 اختبار أخير

يقول الخبير الاقتصادي، إبراهيم نوار، لـ"الجزيرة نت"، إن كل هذه التدفقات لا جدوى منها من دون إصلاحات اقتصادية حقيقية، مضيفا أن السؤال الحقيقي هو "كيف ستتصرف الحكومة المصرية في هذه الموارد الإضافية وتتجنب أخطاء الماضي؟".

وأضاف أن برنامج الصندوق ومشروع الشراكة الأوروبية يتضمنان ضرورة إجراء إصلاحات هيكلية في الاقتصاد بما في ذلك تقليص دور الجيش، معتبرا أن هذه التدفقات ليست مكافأة للحكومة بقدر ما هي مساعدات لضمان التوازن وعدم السقوط أو عدم الاستقرار.

وأوضح أن هذا الدعم السخي جاء لأسباب جيو-إستراتيجية، ومن منطلق أن ضمان استقرار النظام الإقليمي لا يمكن من دون استقرار مصر، ومن ثم فإن دعم الاقتصاد المصري أساسي في هذه المرحلة لدعم الاستقرار السياسي والاجتماعي.

بين الواقع والمأمول

ودعا نائب رئيس الوزراء المصري، ووزير التعاون الدولي الأسبق زياد بهاء الدين إلى عدم الإفراط في التفاؤل بأن الأزمة قد زالت، قائلا: "الذي جرى -ببساطة شديدة- أننا كنا على حرف الهاوية، ولم يبعدنا عن السقوط فيها إلا صفقة رأس الحكمة، واللجوء إلى واحدة من أكبر حزم الاقتراض التي عرفتها مصر مؤخرا".

وأضاف في مقال له بإحدى الصحف المحلية: "لكن يُقلقني أن ما شاهدته وسمعته خلال الأسابيع القليلة الماضية لا ينم عن تغيير حقيقي في المسار، بل أراه معبرا بشكل ضمني عن استمرار ذات المنطق القديم".

تغيير السياسات

وأعربت عميدة كلية السياسة والاقتصاد سابقا بجامعة القاهرة، عالية المهدي، عن اعتقادها أن "التزامن في تهافت المساعدات المالية الدولية بهذا الشكل على مصر ليس من قبيل الصدفة البحتة، إذ لعبت التطورات السياسية في المنطقة وخاصة الحرب في قطاع غزة دورا مهما في بلورتها وقبلها كانت الأمور لا تسير في هذا الاتجاه؛ بل كانت هناك تشديدات من قبل صندوق النقد الدولي والشركاء الإقليميين والدوليين".

ولم تستبعد في حديثها لـ"الجزيرة نت" أن تكون الولايات المتحدة قد لعبت دورا مهما في تسهيل هذه الاتفاقيات الدولية وجاءت في لحظات حرجة للاقتصاد المصري، لكنها لا تعني أن الأزمة قد انتهت، بل قد تساعد على فتح صفحة جديدة للاقتصاد وليس بالضرورة في ظل استمرار السياسات الاقتصادية والمالية القديمة.

ورأت أن مصر لم تبتعد كثيرا عن الأزمة؛ لأن التدفقات الدولارية سوف تساعدها على تحقيق مكاسب مهمة لكن ليست دائمة، والمهم هو استعادة دور القطاع الخاص وتقليص دور الدولة وتجنب التوسع في الاقتراض وخفض التضخم وترشيد الإنفاق على مشروعات البنية التحتية، من دون ذلك سوف نعود للمربع صفر، وفق قولها.

وأكدت المهدي أن وجود صندوق النقد والبنك الدوليين والاتحاد الأوروبي في المشهد لا يعني أن مصر سوف تنجح بدون عمل إصلاحات اقتصادية هيكلية وعليها أن تستعيد ثقة تلك المؤسسات لاستكمال برنامج المساعدات للنهاية.

في مواجهة الغلاء

ووفق المؤسسات الدولية المانحة فإن أحد أكبر التحديات أمام الحكومة المصرية هو كبح جماح الأسعار وخفض التضخم الذي قفز إلى 36% من 31.2% في يناير/كانون الثاني السابق عليه، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وصنفت البيانات الرسمية حوالي 30% من السكان على أنهم فقراء قبل جائحة كوفيد-19 وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية ومسلسل خفض الجنيه عدة مرات، ويقول المحللون إن الأرقام تجاوزت هذا الرقم بكثير.

وتشير بعض التقديرات الدولية إلى أن ما يصل إلى 60% من مواطني مصر البالغ عددهم 106 ملايين نسمة يعيشون تحت خط الفقر أو قريبون منه.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات الحکومة المصریة ملیارات دولار القطاع الخاص

إقرأ أيضاً:

الكاتب الصحفي صلاح الدين عووضه يروي تفاصيل جديدة عن نجاته من “الوحوش”.. ونجوت!!

حصريا على “تاق برس ” .. الكاتب الصحفي صلاح الدين عووضه يروي تفاصيل جديدة عن نجاته من “الوحوش”.. ونجوت!!

ونجوت !! (2)
كان عددهم كبيرا… وجاري عماد – صاحب البيت المواجه – يقف في منتصف سياج البيت الحديدي المنبثة في أرجائه شجيرات ونباتات وزهور..
يقف ناظرا إليهم وهم يحاولون تسلق السياج بعد رفضه فتح بابه لهم..
وبعد قليل رأيت أضألهم جسما يتسلقه – كما القرد – من جهة نقطة ضعفه الوحيده وهي السبيل..
وسرعان ما نجح في ذلك . بخفة نسناس – ليفتح الباب لبقية زملائه من الوحوش..
وعند هذا الحد كففت عن التحديق عبر ثقب الباب وهرولت نحو الداخل..
فقد سمعت صياحا قريبا وصوت أحدهم يزمجر آمرا : أطرقوا جميع هذه الأبواب..
فأدركت – عندئذ – أن عددهم أكبر مما كنت أظن..
وأنهم يحاصرون غالب بيوت حينا لا منزل عماد وحده..
وعلمت من جارنا هذا – عند انقشاع الغمة – أنه نجا من القتل بأعجوبة..
القتل طعنا بالسونكي تجنبا لإطلاق أعيرة نارية؟..
كانوا يكثرون من تحذير بعضهم بعدم استخدام الرصاص بما أن الجيش وصل عند حدود منطقتنا
الشمالية..
وهم بقدر خشيتنا منهم يخشون الجيش ؛ وأكثر..
سيما – حسبما يتهامسون فيما بينهم كتائب البراء…ودوابي الليل…وقوات العمل الخاص..
ويفرون من أمامها – ومن جميع أفراد القوات النظامية – فرار الأرنب البري من كلاب الصيد السلوقية..
وينطبق على كل واحد منهم شطر بيت الشعر القائل : أسد علي وفي الحروب نعامة..
نجا جاري -كما ذكرت – من الموت طعنا بالسونكي مرتين..
وعند محاولة طعنه للمرة الثالثة حدث شيء كان سببا في نجاته..
ونجاتي أنا – كذلك – بفضل الله..
وقبل أن أواصل قصتي أنا مع هؤلاء الوحوش أحاول التمهيد لذلك – تشبيها – بما خيم على
ذهني في تلكم اللحظات..
هل منكم من شاهد فيلم الرعب الأمريكي الشهير (الفزاعة)؟..
إن كان منكم من شاهده فلا يمكن أن ينسى عربة كائن الفزاعة المخيفة ؛ شكلا ، وصوتا ، ولونا..
وما يعنيني هنا الصوت ؛ فهو ما كان متاحا لي وأنا وراء الباب..
فقد دوى في فضاء حينا – فجأه – هدير عربة مرعب..
هدير لم أسمع له مثيلا إلا ذاك المنبعث من عربة كائن الفزاعة..
وتزامن صخبه مع قرع عنيف على بابي مصحوب بشتائم في غاية البذاءة.. ولا يمكنا أن تصدر إلا من بذيئين..
ثم أعقب ذلك قسم بقتلي – شر قتلة – فور اقتحامهم البيت..
وسمعت أحدهم يصرخ بغضب شديد : فلنقتلع
هذا الباب اللعين اقتلاعا بواسطة عربتنا..
وعربتهم هذه كان هدير محركها المرعب قد اقترب مني كثيرا..
فلم يخالجني أدنى شك في أنهم سيسحبون الباب إلى الخارج بها ، أو يدفعونه نحو الداخل بمؤخرتها..
وما من حل ثالث ؛ بما أن سلك (غوانتنامو) الشائك يحول دون تسلق الحائط..
وعربة كائن الفزاعة تهدر وكأن محركها محرك شاحنة ضخمة ، وإطاراتها إطارات مجنزرة عسكرية..
وازداد الطرق على الباب ضخبا مع تزايد ضجيج العربة..
وسمعت من يصرخ بأعلى صوته ليسمع في خضم هذا الصخب والضجيج : أين أنتم يا أولاد ال……..؟…لقد أخرجنا السيارة ؛ دعونا (نتخارج) سريعا..
فأدركت – لحظتها- أن عربة كائن الفزاعة كانت منشغلة بسحب عربة جارنا عمر..
وأنشغل بهذا الأمر أيضا كثير من الوحوش التي بالخارج..
فكان في فقد عمر لعربته نجاة لعماد ؛ ولشخصي..
من موت محقق !!

مقالات مشابهة

  • فيتنام وأمريكا توقعان اتفاقيات اقتصادية بقيمة 90.3 مليار دولار
  • الكاتب الصحفي صلاح الدين عووضه يروي تفاصيل جديدة عن نجاته من “الوحوش”.. ونجوت!!
  • "مجلس الكنائس العالمي يدعو للمشاركة بندوة حول دور الدين في الشؤون الدولية"
  • أستاذ اقتصاد: 10 مليارات دولار الاستثمارات المصرية في أفريقيا
  • الاتحاد الأوروبي يعلن عن استثمارات بقيمة 5 مليارات دولار في جنوب أفريقيا
  • نقل «الأولمبياد» بـ3 مليارات دولار
  • 200 مليون يورو.. فنلندا تدعم أوكرانيا بحزمة أسلحة جديدة
  • بقيمة 4 مليارات دولار.. تمويل مشروعات الطاقة المتجددة للقطاع الخاص ببرنامج نوفي
  • النفط يتراجع وسط مخاوف اقتصادية رغم توقعات بطلب قوي
  • المشاط: 4 مليارات دولار تمويلات ميسرة من شركاء التنمية للقطاع الخاص