حقبة اقتصادية جديدة في مصر.. وشبح الممارسات القديمة يلاحقها
تاريخ النشر: 20th, March 2024 GMT
القاهرة – تقاطرت المساعدات المالية الدولية على مصر في اللحظات الأخيرة من أسوأ سيناريو اقتصادي كان ينتظرها، زحزحتها عن السقوط في هاوية العجز عن الوفاء بالتزاماتها المالية الضخمة التي تفوق مواردها الدولارية المحدودة.
وضمنت مصر الحصول على مليارات الدولارات أتت بكاملها من الخارج عبر مصادر لا تتسم بالاستدامة، إلا أنها كانت كافية لخروجها من عنق الزجاجة، وسط تساؤلات بشأن قدرتها على تفادي ممارستها السلبية السابقة وتصويب أخطاء الماضي.
كان آخر هذه المساعدات من مجموعة البنك الدولي، الذي أعلن اعتزامه تقديم أكثر من 6 مليارات دولار لمصر على مدى السنوات الثلاث المقبلة، بواقع 3 مليارات دولار ستوجه إلى البرامج الحكومية، ومثلها لدعم القطاع الخاص.
ووفق بيان للبنك الدولي، وصلت الجزيرة نت نسخة منه أمس الاثنين، فإن هذه البرامج ستركّز على زيادة فرص مشاركة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، خاصة من خلال برنامج الطروحات الحكومية.
وجاءت أحدث دفعة من المساعدات بعد يوم من ترقية العلاقة بين مصر والاتحاد الأوروبي إلى "شراكة إستراتيجية وشاملة"، وموافقة الأخير على تقديم حزمة مالية إلى القاهرة بقيمة 7.4 مليارات يورو (8.06 مليارات دولار)، على مدى 4 أعوام في مجالات عدة، تشمل قروضا واستثمارات وتعاونا في ملفي الهجرة إلى أوروبا التي تؤرقها.
وتوزع التمويل الأوروبي على قروض ميسرة بقيمة 5 مليارات يورو (5.44 مليارات دولار)، واستثمارات بقيمة 1.8 مليار يورو (1.96 مليار دولار)، ومنح قدرها 600 مليون يورو (653 مليون دولار) من بينها 200 مليون يورو (217.7 مليون دولار).
آثار وتعهداتتوصلت مصر خلال الشهر الجاري إلى اتفاق تاريخي مع صندوق النقد الدولي لزيادة برنامج قرض إلى 8 مليارات دولار، وذلك بعد ساعات من تحرير سعر صرف الجنيه، ورفع أسعار الفائدة 600 نقطة أساس، استجابة لشروط الصندوق.
وذكرت الحكومة المصرية ومسؤولون بالصندوق أن مصر، علاوة على ذلك، ضمنت قرضا آخر بقيمة 1.2 مليار دولار للاستدامة البيئية، ما يجعل القيمة الإجمالية لقرض الصندوق تتجاوز 9 مليارات دولار.
وكانت بداية الانفراجة الكبرى الإعلان في 23 فبراير/شباط الماضي عن صفقة استثمار وصفت بالتاريخية بين مصر والإمارات بقيمة 35 مليار دولار لتطوير مدينة رأس الحكمة على الساحل الشمالي لمصر، تسلمت منها 10 مليارات دولار بشكل مباشر و5 مليارات دولار هي جزء من ودائع إماراتية لدى البنك المركزي.
منطقة رأس الحكمة تقع في الساحل الشمالي الغربي لمصر على البحر المتوسط (مواقع التواصل) ساعدت الحزم المالية التي انهالت على مصر في أمور عدة من بينها: تراجع في سعر صرف الجنيه مقابل الدولار مقارنة بالسوق الموازي وزيادة مقارنة بأسعار البنوك. عودة النقد الأجنبي إلى النظام المصرفي وتحجيم السوق الموازي. تجنب خطر التعثر في سداد أقساط وفوائد الدين الخارجي. تشجيع الأموال الساخنة على العودة للاستثمار في أدوات الدين المحلية.وأصبحت مصر صاحبة ثالث أعلى عائد من أذون الخزانة والسندات بالعملة المحلية من بين 23 دولة نامية يتم متابعتها من قبل وكالة بلومبيرغ، بفائدة تتجاوز 32% رغم حديث المسؤولين المصريين عن تعلمهم الدرس من "الأموال الساخنة".
وأكدت الحكومة المصرية أنها لن تتواكل على الموارد الدولارية، لكنها ستكون بمثابة "بداية لإصلاح الأوضاع الاقتصادية"، وتعهدت بترشيد الإنفاق الاستثماري، وتعزيز الحوكمة، ومنح القطاع الخاص فُرصا واسعة في مختلف القطاعات الاقتصادية.
الدولار ارتفع في مصر مقارنة بسعر البنوك لكنه تراجع عن السعر الذي سجله في السوق السوداء (الجزيرة) مكاسب سريعة التآكلورغم النظرة الإيجابية المحلية والدولية تجاه التدفقات النقدية الضخمة التي شهدتها مصر وخفض قيمة العملة ورفع أسعار الفائدة، لكنها ليست مقنعة بما فيه الكفاية لتعديل التصنيف الائتماني للبلاد، وفق وكالة فيتش للتصنيف الائتماني رغم أنها تدخل بالفعل في التصنيف ونظرته المستقبلية المستقرة.
ونقلت رويترز عن رئيس قطاع التصنيف السيادي بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا لدى الوكالة، توبي أيلز قوله: "إذا لم يتم السماح لسعر الصرف بالتحرك بمرونة، وإذا ظل التضخم مرتفعا، فإن مكاسب الأسابيع القليلة الماضية يمكن أن تتآكل سريعا كما حدث بعد تخفيض قيمة العملة في 2016".
وأشار أيلز إلى أن مسار الدين في مصر أصبح "قاسيا للغاية"؛ إذ تقترب قيمة مدفوعات الفائدة نسبة إلى الإيرادات الحكومية من 50%، كما تقترب نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي من 100%.
اختبار أخيريقول الخبير الاقتصادي، إبراهيم نوار، لـ"الجزيرة نت"، إن كل هذه التدفقات لا جدوى منها من دون إصلاحات اقتصادية حقيقية، مضيفا أن السؤال الحقيقي هو "كيف ستتصرف الحكومة المصرية في هذه الموارد الإضافية وتتجنب أخطاء الماضي؟".
وأضاف أن برنامج الصندوق ومشروع الشراكة الأوروبية يتضمنان ضرورة إجراء إصلاحات هيكلية في الاقتصاد بما في ذلك تقليص دور الجيش، معتبرا أن هذه التدفقات ليست مكافأة للحكومة بقدر ما هي مساعدات لضمان التوازن وعدم السقوط أو عدم الاستقرار.
وأوضح أن هذا الدعم السخي جاء لأسباب جيو-إستراتيجية، ومن منطلق أن ضمان استقرار النظام الإقليمي لا يمكن من دون استقرار مصر، ومن ثم فإن دعم الاقتصاد المصري أساسي في هذه المرحلة لدعم الاستقرار السياسي والاجتماعي.
بين الواقع والمأمولودعا نائب رئيس الوزراء المصري، ووزير التعاون الدولي الأسبق زياد بهاء الدين إلى عدم الإفراط في التفاؤل بأن الأزمة قد زالت، قائلا: "الذي جرى -ببساطة شديدة- أننا كنا على حرف الهاوية، ولم يبعدنا عن السقوط فيها إلا صفقة رأس الحكمة، واللجوء إلى واحدة من أكبر حزم الاقتراض التي عرفتها مصر مؤخرا".
وأضاف في مقال له بإحدى الصحف المحلية: "لكن يُقلقني أن ما شاهدته وسمعته خلال الأسابيع القليلة الماضية لا ينم عن تغيير حقيقي في المسار، بل أراه معبرا بشكل ضمني عن استمرار ذات المنطق القديم".
تغيير السياساتوأعربت عميدة كلية السياسة والاقتصاد سابقا بجامعة القاهرة، عالية المهدي، عن اعتقادها أن "التزامن في تهافت المساعدات المالية الدولية بهذا الشكل على مصر ليس من قبيل الصدفة البحتة، إذ لعبت التطورات السياسية في المنطقة وخاصة الحرب في قطاع غزة دورا مهما في بلورتها وقبلها كانت الأمور لا تسير في هذا الاتجاه؛ بل كانت هناك تشديدات من قبل صندوق النقد الدولي والشركاء الإقليميين والدوليين".
ولم تستبعد في حديثها لـ"الجزيرة نت" أن تكون الولايات المتحدة قد لعبت دورا مهما في تسهيل هذه الاتفاقيات الدولية وجاءت في لحظات حرجة للاقتصاد المصري، لكنها لا تعني أن الأزمة قد انتهت، بل قد تساعد على فتح صفحة جديدة للاقتصاد وليس بالضرورة في ظل استمرار السياسات الاقتصادية والمالية القديمة.
ورأت أن مصر لم تبتعد كثيرا عن الأزمة؛ لأن التدفقات الدولارية سوف تساعدها على تحقيق مكاسب مهمة لكن ليست دائمة، والمهم هو استعادة دور القطاع الخاص وتقليص دور الدولة وتجنب التوسع في الاقتراض وخفض التضخم وترشيد الإنفاق على مشروعات البنية التحتية، من دون ذلك سوف نعود للمربع صفر، وفق قولها.
وأكدت المهدي أن وجود صندوق النقد والبنك الدوليين والاتحاد الأوروبي في المشهد لا يعني أن مصر سوف تنجح بدون عمل إصلاحات اقتصادية هيكلية وعليها أن تستعيد ثقة تلك المؤسسات لاستكمال برنامج المساعدات للنهاية.
في مواجهة الغلاءووفق المؤسسات الدولية المانحة فإن أحد أكبر التحديات أمام الحكومة المصرية هو كبح جماح الأسعار وخفض التضخم الذي قفز إلى 36% من 31.2% في يناير/كانون الثاني السابق عليه، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وصنفت البيانات الرسمية حوالي 30% من السكان على أنهم فقراء قبل جائحة كوفيد-19 وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية ومسلسل خفض الجنيه عدة مرات، ويقول المحللون إن الأرقام تجاوزت هذا الرقم بكثير.
وتشير بعض التقديرات الدولية إلى أن ما يصل إلى 60% من مواطني مصر البالغ عددهم 106 ملايين نسمة يعيشون تحت خط الفقر أو قريبون منه.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات الحکومة المصریة ملیارات دولار القطاع الخاص
إقرأ أيضاً:
ب 8.8 مليون دولار رئيس اقتصادية قناة السويس يوقع عقد مشروع "دينم ريز"
وقع وليد جمال الدين، رئيس الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، صباح اليوم، بمقر الهيئة بالعاصمة الإدارية، عقد مشروع شركة "دينم ريز – Denim Rise" التركية لصناعة الملابس الجاهزة، بإجمالي تكلفة استثمارية 8.8 مليون دولار، على مساحة 26 ألف متر مربع، وبما يوفر 1000 فرصة عمل مباشرة، جوبنسبة تصدير 70% من إجمالي منتجات المشروع، وقام بتوقيع العقد حسين جوزل، عضو مجلس إدارة الشركة.
وفي هذا السياق أوضح وليد جمال الدين أن منطقة القنطرة غرب الصناعية تُعد من أفضل المناطق الصناعية للمشروعات كثيفة العمالة نظرًا لقربها من محافظات القناة والدلتا، بالإضافة إلى موقعها الاستراتيجي، والذي يتوسط مواني الهيئة على البحر الأحمر والبحر المتوسط، وبالتالي تضمن لمستثمريها سهولة النفاذ إلى مختلف الأسواق الإقليمية والدولية، كما عبر عن سعادته بمشروع "دينم ريز – Denim Rise) الذي يُعد رابع مشروع باستثمارات تركية داخل منطقة القنطرة غرب الصناعية، مما يدل على عمق العلاقات الاقتصادية بين البلدين، ويبشر بمستقبل يحمل المزيد من التعاون لأجل التنمية.
كما أكد وليد جمال الدين أن القنطرة غرب الصناعية تمثل أهمية كبرى لما تعكسه من رؤية المنطقة الاقتصادية لقناة السويس المتعلقة بتطوير البنية التحتية لتهيئة مناخ مواتي للاستثمار، وجذب المزيد من الاستثمارات في القطاعات المستهدفة.
أكد أن التعاون مع الاستثمارات التركية في مجال صناعة الملابس الجاهزة والمنسوجات، يعظم الاستفادة من الموارد المتاحة لخدمة هذا المجال، كما يساعد على تحقيق تكامل صناعي وزيادة القيمة المضافة للمنتجات، حيث ستضم القنطرة غرب أيضًا مصانع لتصنيع إكسسوار الملابس الجاهزة، وطباعة وصباغة المنسوجات، وتصنيع الحقائب وأمتعة السفر.
من جانبه أعرب حسين جوزل عن سعادته بالتعاون مع المنطقة الاقتصادية لقناة السويس من خلال مشروع تصنيع الملابس الجاهزة بمنطقة القنطرة غرب الصناعية لتكون بداية لمزيد من التوسعات للشركة بالأسواق الخارجية.
وأشار إلى أنه سيتم وضع حجر الأساس للمشروع في القريب العاجل؛ حتى يتم افتتاحه خلال النصف الثاني من عام 2025 بالتزامن مع بدء التشغيل بعدد من المشروعات المماثلة بالقنطرة غرب الصناعية.
والجدير بالذكر أنه بعد توقيع عقد شركة "دينم ريز – Denim Rise” تكون اقتصادية قناة السويس انتهت من توقيع عقود 9 مشروعات من المرحلة الأولى بمنطقة القنطرة غرب الصناعية، بإجمالي استثمارات يصل إلى 317.8 مليون دولار أمريكي، على إجمالي مساحة 777 ألف متر مربع، وبما يوفر نحو 15200 فرصة عمل.