الجوع يمزق أبدان أطفال غزة والحزن يعتصر قلوب الأمهات
تاريخ النشر: 20th, March 2024 GMT
سرايا - أعراض سوء التغذية الحاد واضحة على فادي الزنط (6 أعوام) فأضلعه تبرز تحت جلد رقيق وعيناه غائرتان وساقاه النحيلتان تعجزان عن حمله ولا يقله إلا سرير في مستشفى كمال عدوان في شمال غزة حيث يلوح في الأفق شبح المجاعة.
ويظهر فادي في صور له قبل الحرب طفلا مبتسما يتمتع بصحة جيدة مرتديا سروال جينز أزرق بجوار توأمه الأطول وشعره جيد التصفيف.
وفادي يعاني من التليف الكيسي. وتقول والدته شيماء الزنط إنه قبل اشتعال الصراع في القطاع كان يأخذ الأدوية، التي لم تعد عائلته تستطيع العثور عليها، ويتناول مجموعة متنوعة ومتوازنة بعناية من الأطعمة لم تعد متوفرة في القطاع الفلسطيني.
وقالت شيماء في مقطع فيديو حصلت رويترز عليه من أحد الصحفيين المستقلين "ضله (ظل) يتدهور حالته شوية.. شوية لما وصل للمرحلة هيك.... لو استمرت الحرب هيك، حالته بتسوء وبيضعف أكتر... وكل شوية بيفقد حاجة... يعني بطل (لم يعد) يقدر يمشي، بطل يقدر يقف، باوقفه ما بيقدرش يسند حاله... فكل شوية بأحس أن الولد بيسوء أكتر من قبل".
ويقول أطباء ووكالات إغاثة، إن نقص الغذاء والأدوية والمياه النظيفة في غزة يتفاقم، بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على الحملة البرية والجوية التي شنتها إسرائيل ردا على عملية السابع من تشرين الأول.
وعالج مستشفى كمال عدوان الذي يرقد فيه فادي معظم الأطفال الذين تقول وزارة الصحة في غزة، إنهم توفوا بسبب سوء التغذية والجفاف في الأسابيع القليلة الماضية وعددهم 27.
وقالت الوزارة، إن آخرين لقوا حتفهم في مستشفى الشفاء بمدينة غزة في الشمال أيضا وفي مدينة رفح بأقصى الجنوب حيث تقول وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، إن أكثر من مليون فلسطيني لجأوا إليها هربا من الهجوم الإسرائيلي.
وشاهدت رويترز عشرة أطفال يعانون من سوء التغذية الحاد في أثناء زيارة الأسبوع الماضي، إلى مركز العودة الصحي في رفح تمت بالترتيب مع طاقم تمريض سمح لوكالة الأنباء بالوصول دون عوائق إلى الجناح. ولم تتمكن رويترز من التحقق بشكل مستقل من الوفيات التي أعلنتها الوزارة.
وقال التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، الخاص بمراقبة الجوع عالميا، في تقرير الاثنين، إنه إذا لم يتم اتخاذ إجراء عاجل، ستنتشر المجاعة في الفترة من الآن وحتى أيار، في شمال غزة حيث يحاصر القتال 300 ألف شخص.
وقال الاحتمال الأكثر ترجيحا في المراجعة إن "مستويات خطيرة للغاية من سوء التغذية الحاد والوفيات" أصبحت وشيكة بالنسبة لأكثر من ثلثي السكان في الشمال. ويتألف التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي من وكالات للأمم المتحدة وجماعات إغاثة دولية.
ولم ترد وحدة تنسيق الأنشطة الحكومية في المناطق مع الفلسطينيين، وهي هيئة عسكرية إسرائيلية تتولى مسؤولية نقل المساعدات إلى غزة، على أسئلة رويترز تحديدا فيما يتعلق بوفيات الأطفال بسبب الجوع والجفاف. بل قالت الوحدة إن إسرائيل لا تضع أي قيود على كمية المساعدات التي يمكن دخولها.
وفي أعقاب تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، نشر المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية إيلون ليفي على موقع إكس، أن عدد شاحنات الغذاء قد زاد في شهر آذار، وأن إسرائيل تتخذ إجراءات لتعزيز "جهود التوصيل" إلى الشمال.
ووصف المتحدث تقرير التصنيف المرحلي بأنه "تقييم سيء يستند إلى صورة تجاوزها الزمن".
وأحال البيت الأبيض رويترز، إلى تعليقات مستشار الأمن القومي جيك سوليفان الذي قال؛ إن مسؤولية معالجة المجاعة الوشيكة "تبدأ أولا وفي المقام الأول عند إسرائيل".
وقالت سامانثا باور مديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، إن تقييم التصنيف المرحلي يمثل "مرحلة محورية مروعة" ودعت إسرائيل إلى فتح طرق برية أخرى.
وردا على سؤال من رويترز على تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، قال سامي أبو زهري القيادي في حماس، إن "هذا التقرير الدولي هو رسالة للمجتمع الدولي للتحرك قبل فوات الأوان، وعدم الارتهان لمواقف نتنياهو الذي يتحدى الجميع ويستمر في قتل الناس بالقنابل والتجويع".
وقالت وكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة، إن "العقبات الهائلة" التي تعترض نقل المساعدات إلى شمال غزة لا يمكن تذليلها إلا بوقف إطلاق النار وفتح المعابر الحدودية التي أغلقتها إسرائيل بعد السابع من تشرين الأول.
نازحون
في الأيام الخوالي، كان طعام فادي الزنط المفضل هو شاورما الدجاج، وكان يأكل كثيرا من الفاكهة ويشرب كثيرا من الحليب، بحسب قول والدته شيماء.
وأضافت أنه حين بدأت الحرب، فرت الأسرة من منزلها في حي النصر بمدينة غزة الذي أضر به القصف الإسرائيلي بشدة. وأضافت أنهم نزحوا 4 مرات قبل وصولهم إلى بيت لاهيا.
وقالت إن "فادي يمكن له شهرين بدأت حالته تتدهور، صار العلاج مش متوفر، يعني له علب الكريون، حبوب لازم ياخدها دايما عشان ما يصيرش معاه (حتى لا يصيبه) سوء لامتصاص الغذا في جسمه، فصار معاه إسهال ومقدرناش نوقفه. يسهل في اليوم يمكن في الليلة عشر مرات يسهل. واخده وأنقله على المستوصفات ومحدش عارف (يعالجه) لأن دكاترته (الأطباء) اللي هو بيتابع عندهم مش موجودين لأنهم في الجنوب".
وكريون عقار يحتاجه الأشخاص المصابون بالتليف الكيسي لتكملة إنزيمات البنكرياس التي تساعد على هضم الطعام، ولم يعد العقار متوافرا في القطاع.
وقبل الحرب، كان وزن فادي 30 كيلوغراما لكن وزنه الآن 12 كيلوغراما، بحسب قول والدته.
وقالت الأم شيماء الزنط "قبل الحرب كان ما شاء الله يأكل وكان طفل كويس... وعلاجه متوفر فكان وجهه ناصع، وكان طفل تحسش (لا تشعر) أنه مريض وبيروح على (يذهب إلى) الروضه هو وأخوه كمان عادي".
ولم ترد وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق على سؤال حول توافر عقار كريون، لكنها قالت إن إسرائيل "لم ترفض أي شحنة من الإمدادات الطبية".
ولم تتمكن رويترز من التأكد بشكل مستقل من احتمالات منع هذه الشحنات ولم تتمكن أيضا من التحقق من مسؤولي المستشفى عن مدى تعطل إمدادات كريون.
وتقول وزارة الصحة في غزة، إن نقص الأدوية أسهم في تدهور أوضاع الأطفال الذين توفوا.
وتقول وكالات الأمم المتحدة، إنه بالإضافة إلى الأطفال الذين يعانون من أمراض سلفا، مثل فادي، تتزايد سريعا المخاطر التي تحدق بعدد كبير من الأطفال الآخرين في غزة.
وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) الجمعة، إن نحو طفل واحد من بين كل ثلاثة أطفال دون الثانية من العمر في شمال غزة يعاني من سوء التغذية الحاد، أي مثلي العدد الذي كان عليه في كانون الثاني.
وأضافت يونيسف أن 4.5% من الأطفال في الملاجئ والمراكز الصحية التي زارتها المنظمة وشركاؤها يعانون من هزال شديد، وهو أكثر أشكال سوء التغذية خطرا على الحياة.
وقالت كاثرين راسل، المديرة التنفيذية ليونيسف الثلاثاء، في بيان مشترك مع برنامج الأغذية العالمي "إذا لم يتوقف القتال وتتاح لوكالات الإغاثة حرية الوصول بشكل كامل إلى أنحاء غزة، فإن مئات الأطفال، إن لم يكن الآلاف، سيموتون جوعا".
وقال تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، إنه إذا مضت إسرائيل قدما في الهجوم الذي تتوعد به على رفح، فمن المتوقع أن يواجه 1.1 مليون شخص في غزة، أي نصف السكان، نقصا حادا في الغذاء.
وقال الكولونيل إيلاد جورين من وحدة تنسيق أعمال الحكومة مع الفلسطينيين الخميس الماضي، للصحفيين إن الحصول على الغذاء مستقر في جنوب ووسط القطاع.
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش في أواخر شباط، إن إسرائيل تعرقل توفير الخدمات الأساسية ودخول وتوزيع الوقود والمساعدات المنقذة للحياة في غزة. وأضافت أن هذا "عقاب جماعي" ويعتبر جريمة حرب بموجب القانون الإنساني الدولي.
وقالت وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق مع الفلسطينيين، إن إسرائيل تبذل "جهودا مكثفة لزيادة كمية المساعدات التي تدخل غزة" بما يتجاوز التزاماتها.
وأضافت "أي ادعاءات بخلاف ذلك، بما في ذلك الادعاءات المتعلقة بالعقاب الجماعي، لا أساس لها من الواقع والقانون".
رفح
في مركز العودة الصحي في رفح، جلست أو وقفت أكثر من اثنتي عشرة امرأة لرعاية أطفالهن الذين يعانون من سوء التغذية.
وقال أقارب إن معظم الأطفال في الجناح كانوا يعانون بالفعل من مشاكل طبية قبل الحرب، لكن الصور التي عرضها آباء اثنين منهم لرويترز، أظهرت أنهم كانوا يبدون أكثر صحة عما هم عليه الآن.
وفي الرابع من آذار، توفي يزن الكفارنة البالغ من العمر 12 عاما، والذي كان مصابا بالشلل الدماغي في جنوب غزة، بعد أيام من التقاط رويترز صورا أظهرت هزاله الشديد.
وقالت ممرضة تدعى أميرة أبو جويد إن المستشفى غير قادر على توفير ما يكفي من الحليب للأطفال، وإن ما بين 5 إلى 10 حالات تصل يوميا في ظل ظروف "كارثية". ولم تذكر الممرضة كمية الحليب التي كانت متوفرة قبل الحرب.
وأضافت "وضع كارثي جدا وكل يوم عن يوم بيزيد بزيادة. الاطفال عندنا بيعانوا من سوء تغذية بشكل مخيف. بنشوف يوميا بيمر علينا من خمس إلى 10 حالات لأطفال عندهم نقص حاد في التغذية خاصة في الحليب... كل حالة لها حليب خاص بها، اسم مش موجود... الحليب مش موجود وغلاء الأسعار وسوء التغذية... الأشياء مش موجودة يعني إحنا مش قادرين نشتريها من السوق. الوضع بقى كارثي إحنا مش عارفين كيف ممكن نفيدهم بنقف مكتوفين الأيدي صراحة".
وجلست أم مصباح حجي وهي تحتضن ابنتها إسراء البالغة من العمر خمس سنوات، وهي مصابة بشلل رباعي وصرع.
ولم تعد أدوية إسراء متوفرة، وفقدت الكثير من وزنها. وأضافت الأم أنه قبل الحرب كانت تطعمها البيض والحليب في الإفطار والكبدة في الغداء والأرز في العشاء. وفي بعض الأحيان، كانت تعطيها الزبادي والفاكهة.
وقالت الأم "بنتي تعاني من شلل رباعي وفيه عندها تشنجات. تم فقدان هذه الأدوية والبعدين صار عندها سوء التغذية نظرا للأحوال اللي احنا عايشين فيها وبنتي كتير ضعفت وما في تغذية ولا في أشي وما في أدوية للتشنجات... أنا الحمد لله كنت في بيتي في غزة أجيب لها اللبن المشكل (المضاف إليه) بالفواكه، والسريلاك والكبدة واللحوم وأهرس لها إياها. الأكل كان متوفر لكن بعد الحرب مفيش أشي، نقص في كل شيء، ما في عمل وما في أشي، ونزحنا في خيمة ومفيش عندي لا فلوس ولا أكل متوفر.
وأضافت "أنا في اليوم بأموت ألف مرة، باتقطع عليها أما أشوفها بتتشنج، ومفيش دوا وباعرف أنها جعانة ومش متوفر الأكل إللي هي بتاكله".
إسهال
المرض يفاقم النقص الحاد في الغذاء. ويتسع نطاق سوء التغذية نتيجة الجفاف الناجم عن الإسهال والذي تقول منظمة الصحة العالمية، إنه منتشر في مدن الخيام التي يقيم فيها النازحون دون صرف صحي مناسب أو مياه نظيفة.
وأحد آثار الجوع الحاد هو تقليل وتقليص المناعة ضد أمراض المعدة هذه.
وقالت منظمة الصحة العالمية الشهر الماضي، إن 90% من الأطفال دون سن الخامسة في غزة أصيبوا بواحد أو أكثر من الأمراض المعدية، وإن 70% أصيبوا بالإسهال في الأسبوعين السابقين، وهي زيادة قدرها 23 ضعفا عن الحالات قبل الحرب.
وتحدثت كيرستين هانسون، وهي طبيبة أميركية تعمل في مجال التغذية مع منظمة أطباء بلا حدود، عن بداية التدهور الجسدي الناجم عن سوء التغذية والجفاف.
وقالت إن الأطفال يصبحون في حالة خمول وأقل انتباها. وتفقد بشرتهم ما بها من دهون بحيث إذا تم شدها من مكانها فإنها قد تبقى في هذا الوضع. وتغور العيون ويصبح الجسم منهكا.
وحتى بالنسبة للأطفال الذين كانوا يتمتعون بصحة جيدة قبل الحرب، فإن استمرار سوء التغذية يمكن أن يعيق النمو البدني والعقلي لديهم.
وقالت هانسون إنه مع انتشار سوء التغذية الحاد، يتوقف جسم الطفل عن النمو، ثم يتوقف كل شيء ما عدا الوظائف الحيوية.
وأضافت "سيستمر قلبك ورئتيك في أداء وظائفهما، لكن... ربما لا توجد طاقة كافية للحفاظ على عمل جهازك المناعي".
بعد ذلك، "يبدأ الجسم في أكل نفسه نوعا ما، باستخدام العضلات والدهون وأي مكان آخر يمكن أن يجد فيه الطاقة لمواصلة التنفس ومواصلة العمل بأي كلفة ممكنة، وحين لم يعد هذا ممكنا بحال من الأحوال، يتوقف الجسم عن العمل".
وقالت هانسون إنه حتى عندما لا يصل سوء التغذية إلى هذه المرحلة الخطيرة، فقد يكون من المستحيل تعويض تأثيره على النمو إذا استمر. فقد لا يستعيد الأطفال أبدا السنتيمترات المفقودة من النمو.
رويترز
إقرأ أيضاً : لابيد: "إسرائيل" تشهد انهيارا بعلاقاتها الخارجية بسبب حكومة "مهملة"إقرأ أيضاً : اتفاق بالكونغرس الأميركي يمنع تمويل الأونروا حتى آذار 2025إقرأ أيضاً : حكومة أسكتلندا تعلق تعاملاتها مع سلاح الجو الاسرائيلي
المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية
كلمات دلالية: مستشفى غزة زفاف القطاع القطاع غزة مستشفى الصحة مستشفى الشفاء غزة مدينة الوفيات الخاص غزة الحكومة شهر الجميع الناس غزة شاورما غزة اليوم الله الحكومة الصحة غزة الحكومة الحكومة الوضع غزة اليوم الصحة الصحة غزة العمل شاورما الوضع زفاف الوفيات مدينة الصحة اليوم الحكومة الناس الله العمل مستشفى غزة الشفاء الثاني الجميع الخاص القطاع شهر سوء التغذیة الحاد من سوء التغذیة إن إسرائیل وحدة تنسیق قبل الحرب یعانون من شمال غزة أکثر من فی غزة
إقرأ أيضاً:
في يومهم العالمي.. أطفال القدس يُعذّبون داخل السجون وخارجها
القدس المحتلة- أُعلن يوم الطفل العالمي عام 1954 باعتباره مناسبة عالمية يُحتفل بها في 20 نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام، لتعزيز الترابط الدولي وإذكاء الوعي بين أطفال العالم وتحسين رفاههم.
واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلان حقوق الطفل عام 1959، واتفاقية حقوق الطفل عام 1989، ومنذ عام 1990 يحتفى باليوم العالمي للطفل بوصفه الذكرى السنوية لتاريخ اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة لإعلان حقوق الطفل وللاتفاقية المتعلقة بها، ويُنشر على الموقع الرسمي للأمم المتحدة موضوع الاحتفالية كل عام.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 220 جمعية حقوقية تطالب السلطات التونسية بوقف ملاحقة الناشطينlist 2 of 2تجنبا لـ"تصريحات معادية للسامية".. فرنسا تمنع عقد مؤتمر لمحام فرنسي فلسطينيend of listوحسب الموقع، فإن الاحتفال هذا العام تحت شعار "استمع إلى المستقبل.. قف مع حقوق الأطفال". وجاء على الصفحة الرئيسية لهذه الاحتفالية أن "اليوم العالمي للطفل يتيح لكل منا نقطة وثبة ملهمة للدفاع عن حقوق الطفل وتعزيزها والاحتفال بها، وترجمتها إلى نقاشات وأفعال لبناء عالم أفضل للأطفال".
لكن منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول من عام 2023 المنصرم انهار عالم الأطفال الفلسطينيين، وانحدرت قيم الدفاع عنهم وأصبحوا عرضة لاعتداءات خطيرة تنتهك جميع المواثيق الدولية، وتناقض كل بنود اتفاقية حقوق الطفل.
الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال: الاحتلال قتل 2451 طفلا فلسطينيا منذ عام 2000 باستثناء شهداء الحرب الحالية على غزة (رويترز) الحق في الحياة مسلوبتفيد معطيات الموقع الإلكتروني للحركة العالمية للدفاع عن الأطفال (فرع فلسطين) بأن الاحتلال الإسرائيلي قتل منذ عام 2000 حتى اليوم 2451 طفلا فلسطينيا، ولا يشمل هذا الرقم الأطفال الغزيين الذين قُتلوا منذ اندلاع الحرب الحالية.
وحسب الموقع أيضا فإن 164 طفلا فلسطينيا قتلوا في الضفة الغربية منذ اندلاع الحرب، بينهم 22 في القدس.
ولا تتوقف الانتهاكات عند حد حرمان الأطفال من حقهم في الحياة، بل بانتهاك حريتهم بتنفيذ حملة اعتقالات واسعة منذ "طوفان الأقصى" وصفها رئيس لجنة أهالي الأسرى المقدسيين أمجد أبو عصب بـ"الصاخبة".
وقال في مستهل حديثه للجزيرة نت إنه تم تنفيذ نحو 2400 حالة اعتقال في مدينة القدس منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، وشملت الاعتقالات 350 طفلا لم تتجاوز أعمارهم 18 عاما، بالإضافة إلى 35 طفلا دون سن الـ12.
أبو عصب: 55 قاصرا مقدسيا يقبعون حاليا في سجن مجدو الإسرائيلي (الجزيرة) اختطاف وحشيوخلال الاعتقال تعرض القاصرون -وفقا لأبو عصب- للضرب المبرح الذي أحدث كسورا في أجسادهم، بالإضافة لاختطاف بعضهم بطريقة وحشية، وتم التحقيق مع هؤلاء ومحاكمة بعضهم تحت قانون محاربة الإرهاب بتهمة التحريض على مواقع التواصل الاجتماعي، أو المشاركة في المواجهات في كل من البلدة القديمة والعيساوية والطور وسلوان ومخيم شعفاط وغيرها.
وكشف أبو عصب أن 55 قاصرا مقدسيا يقبعون حاليا في سجن مجدو، بالإضافة إلى مجموعة من الأشبال الذين ما زالوا في مركز تحقيق "المسكوبية"، ومن المقرر أن ينقلوا في الفترة القريبة المقبلة إلى السجن ذاته.
وأضاف رئيس اللجنة أن المقدسي محمد أبو قطيش الذي دخل السجن طفلا وبلغ من العمر 18 عاما مؤخرا هو صاحب أطول حكم بين الأشبال، إذ صدر حكما بسجنه فعليا لمدة 15 عاما لاتهامه بتنفيذ عملية طعن أواخر عام 2022.
كما ينتظر الطفلان محمد الزلباني ومحمود عليوات (15 عاما) أحكاما عالية بالسجن الفعلي، ومن المتوقع أن تعقد جلسة النطق بالحكم للطفل الزلباني الأسبوع المقبل، وأُبلغت عائلته أن حكما بالسجن لمدة 18 عاما من المرجح أن يصدر بحقه بعد تخفيف عقوبة السجن المؤبد، وفق أبو صعب.
انتهاكات خطيرة
وللخوض أكثر في تفاصيل ما يتعرض له القاصرون خلال التوقيف أو داخل السجون منذ اندلاع الحرب الحالية قال محام (فضل عدم ذكر اسمه) يعمل في مركز معلومات وادي حلوة المختص بمتابعة ملفات القاصرين، إن معاملة الأطفال تغيرت بشكل كلي داخل محطات الشرطة ومراكز التحقيق وفي السجون من قبل الإدارة والسجانين.
وأضاف المحامي المقدسي أن أيا من القاصرين لم يفرج عنهم من دون شروط منذ اندلاع الحرب، ومعظمهم تم تحويلهم لعقوبة الحبس المنزلي لأيام أو أشهر أو حتى انتهاء الإجراءات القانونية، بالإضافة إلى أن عددا منهم تم تقديم لوائح اتهام ضدهم.
"حتى لو كان القاصر مشتبها به وتم التحقيق معه في محطة الشرطة وتم التوصل إلى أنه بريء من الاشتباه لا يتم الإفراج عنه من دون شروط".
وأشار المحامي إلى أن مئات الأطفال تم تحويلهم للحبس المنزلي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ومن قُدمت ضده لائحة اتهام دون أن يكون تجاوز سن الـ14 تم نقله إلى المؤسسات الداخلية المغلقة الأشبه بالسجون حتى يبلغ السن القانونية الذي يسمح بانتقاله إلى السجن.
وعن التُهم التي استوجبت اعتقال ومحاكمة مئات الأطفال المقدسيين، قال المحامي المقدسي إن القاصرين شاركوا في المواجهات التي اندلعت في بداية الحرب، و"قام بعضهم برشق الحجارة تجاه قوات الأمن أو سياراتهم أو منازل المستوطنين، أو ألقوا زجاجات حارقة أو نشر بعضهم منشورات اعتبرت تحريضية على 4مواقع التواصل الاجتماعي".
ظروف سجن القاصرين
وعن أصعب الملفات التي تعامل معها هذا المحامي قال إن 4 قاصرين من بلدة سلوان اتُهموا بتشكيل خلية عسكرية ومحاولة تجهيز عبوات ناسفة متفجرة، وتطالب النيابة العامة الإسرائيلية الآن بسجنهم لمدة تزيد على 4 أعوام.
وأُفرج عن اثنين من هؤلاء للحبس المنزلي حتى انتهاء الإجراءات القانونية بشرط تقييدهم بسوار إلكتروني لمراقبة مساحة تحركهم، وتتراوح أعمار القاصرين الأربعة بين 14 و15 عاما.
أما عن حال القاصرين داخل السجون وما يسمعه منهم خلال عرضهم على المحاكم عبر تقنية "زوم"، فقال إنهم جميعا يشتكون من رداءة الطعام وكمياته الشحيحة، إذ "يزود 9 قاصرين في الغرفة بإفطار لشخص واحد وهو عبارة عن علبة لبنة وزبدة ومُربى وحمص، وفي المساء يُدخل إلى الغرفة صحن من الأرز أو برغل تالف وخضروات رائحتها كريهة لا تصلح للأكل، وهكذا فقد معظمهم نصف وزنهم".
وبعدما تقدمت مؤسسات حقوقية بالتماس للمحكمة الإسرائيلية العليا تحسنت نوعية وكمية الطعام المقدمة للمعتقلين. وعند سؤاله: ماذا يقول كمتابع لملفات الأسرى الأطفال في مدينة القدس مع احتفال العالم باليوم العالمي للطفل؟
أجاب المحامي "أنصح المؤسسات التي تعنى بحقوق الأطفال سواء تلك التابعة للأمم المتحدة أو غيرها بتقديم التماسات للمحكمة العليا من أجل تحسين الظروف المعيشية داخل السجون، لأننا دخلنا في موسم الشتاء ولا تتوفر الأغطية الكافية للأطفال، فلا يتوفر سوى فرشتين وغطاءين لـ9 أسرى، ويتناوب هؤلاء على النوم عليها وعلى الأرض".