هكذا تبدو مائدة الغزيين الرمضانية في شمال قطاع غزة
تاريخ النشر: 20th, March 2024 GMT
#سواليف
هل نحن في #رمضان أم هي أيام #المجاعة ذاتها التي نواجهها منذ شهور؟”، كثيرا ما أوجه هذا السؤال إلى نفسي ويوجهه لي الجيران والمعارف، يقول الصحفي عبد الهادي عوكل المقيم في شمال قطاع غزة.
عوكل يسكن مع زوجته وأطفاله السبعة حاليا في مخيم #جباليا، وقد انتقل إليه قبل أيام قليلة من شهر رمضان المبارك بعد تدمير شقته السكنية في بناية بمنطقة تل الزعتر القريبة من المخيم في شمال القطاع.
يقول عبد الهادي للجزيرة نت إن الناس في الشمال نالت منهم #المعاناة وبلغ #الجوع مبلغه، وحل عليهم شهر رمضان وهم صيام منذ شهرين وأكثر، ويعيشون عزلة حادة وقد قطع عنهم الاحتلال الإمدادات الإنسانية، وباتت سبل الحياة أمامهم محدودة للغاية حتى أكل الكثير منهم أعلاف الحيوانات وورق الشجر.
مقالات ذات صلة شهادتا طبيبين فرنسيين عائدين من غزة على الوضع “الفظيع” للمستشفيات في القطاع 2024/03/20باستثناء فضل هذا الشهر عن غيره من شهور العام بثواب صيامه وأجر الصلاة والأعمال الصالحة ليس هناك فرق كبير بينه وبين شهور الحصار الخانق الذي تفرضه إسرائيل على شمال القطاع منذ فصله عن جنوبه إثر اندلاع الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
#مائدة_رمضان
تمضي أيام رمضان ولم نشعر بها في شمال القطاع كما يجب، وقد غابت صلاة التراويح عن المساجد التي حولت أغلبيتها غارات إسرائيلية إلى أكوام من الركام، وحرمنا من المائدة الرمضانية التي تبدع في إعدادها النساء في غزة، من حيث أصناف الطعام والشراب التي تدخل البهجة على أفراد أسرهن، خاصة الصغار حديثي العهد بالصيام.
في اليوم الأول من رمضان لم تنبعث رائحة الملوخية المميزة والشهية من منازل مدينة غزة وشمالها، فلا توجد ملوخية وخضار في النصف الشمالي من القطاع، وقد دمرت صواريخ الاحتلال وقنابله الأراضي الزراعية.
ربما يتوارد إلى ذهن الكثيرين سؤال: ما هو شكل المائدة الرمضانية في شمال غزة؟ وإليكم الإجابة بما تناولته وزوجتي وأطفالي، أكبرهم كريم (13 عاما) وأصغرهم الرضيعة سارة (عام ونصف).
اليوم الأول: صلصة بندورة (معجون الطماطم) تخلط بما يتوفر من بهارات كي نتقبل طعمها، وإلى جانبها القليل من الفلفل وبضعة أرغفة من الخبز، وقد كنت محظوظا بشراء رطل طحين (3 كيلوغرامات من الدقيق الأبيض) بسعر 150 شيكلا، علما بأن الكيس زنة 25 كيلوغراما كان سعره لا يتعدى 40 شيكلا قبل الحرب (الدولار يعادل 3.9 شواكل).
اليوم الثاني: توفر لدينا كيلو من الأرز، وقد كان طعامنا الوحيد على مائدة الإفطار.
اليوم الثالث: كان هذا اليوم الأقرب إلى المائدة الرمضانية المعتادة من حيث تنوع الطعام والشراب، فقد تمكنت من شراء 9 وجبات من المساعدات التي ألقتها طائرات أميركية، وتحصل عليها غالبا فئة من التجار الجدد، ويتراوح ثمن الوجبة الواحدة (أشبه بوجبة عسكرية للجنود) بين 25 و35 شيكلا.
اليوم الرابع: جاءتنا جارتنا بنصف كيلو من العدس أعدته زوجتي كوجبة طبيخ، وهي غير معتادة لدينا في البيت، فهذه النوعية من العدس تعدها الأسر في غزة خلال رمضان وفي أيام فصل الشتاء كشوربة إلى جانب وجبة الطعام الرئيسية.
اليوم الخامس: حصلت على نصف كيلو من الأرز المصري بسعر 40 شيكلا، فيما كان لا يتعدى 4 شواكل قبل الحرب، وأعدته زوجتي وإلى جانبه صحن من صلصة البندورة كي يتمكن الأطفال من ابتلاعه وهضمه.
مهمة يومية
“ماذا سنأكل اليوم؟”، ربما هذا السؤال الأكثر ترددا على ألسنة الأطفال في شمال القطاع، وأطفالي يتساءلون “متى تنتهي الحرب ونرجع نأكل مثل زمان؟”.
يدرك أطفالي أن ما نحن فيه هو بسبب الحرب وعدم توفر الطعام، وهو ما يساعدني في حثهم على الصبر وتقبل أي شيء يوضع على المائدة.
ينقضي النهار لدى كثير من سكان شمال القطاع وهم لا يعلمون ماذا سيأكلون، وأقول لأبنائي “لنحمد الله، فهناك غيرنا من يعاني للحصول على شربة ماء”.
وتبقى الرضيعة سارة أصغر أطفال عبد الهادي “الهم الأكبر” بالنسبة له، فقد نفدت كمية الحليب التي اختزنها لها مع اندلاع الحرب، واضطر إلى شراء كيس حليب انتهت صلاحيته في الأول من مارس/آذار الجاري بسعر 70 شيكلا، فيما كانت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) توزعه مجانا.
جوع ودمار
يقيم عبد الهادي مع أسرته حاليا في منزل بمخيم جباليا يعود إلى ذوي زوجته النازحين إلى جنوب القطاع، وقد لجأ إليه بعد دمار شقته السكنية في بناية بمنطقة تل الزعتر القريبة من المخيم جراء غارات جوية إسرائيلية.
في 6 مارس/آذار الجاري ومع ساعات العصر كان عبد الهادي يعتلي سطح البناية المؤلفة من 5 طوابق، للحصول على الإنترنت ومتابعة عمله الصحفي، وعندما سمع صراخا من الجيران ومطالبة السكان بسرعة المغادرة نزل مسرعا ووجد أحد جيرانه يحدّث ضابطا إسرائيليا اتصل به، فالتقط عبد الهادي الهاتف وخاطب الضابط: من أنت؟ وما هي البناية المستهدفة؟ فتأكد من هوية المتصل وجدية الإنذار بالقصف.
مرت ساعة ونصف قبل أن يهوي صاروخ على البناية ويتبعه آخر فتحولت إلى ركام، وخسر عبد الهادي شقته -التي يقطنها منذ 8 أعوام- بكل محتوياتها، لكن شنطة صغيرة تحتوي على الوثائق والأوراق المهمة اعتاد الغزيون أن تكون جاهزة وبمتناول اليد مع كل حرب إسرائيلية.
نجا عبد الهادي وأسرته من الموت عندما كانوا نازحين في منزله شقيقه، وقد انهارت عليهم جدران منزل مجاور جراء غارة عليه أودت بحياة والد مراسل الجزيرة في شمال القطاع أنس الشريف، ويقول “بسبب مخاطر الموت قصفا وجوعا فكرت كثيرا بالنزوح جنوبا، وصليت وزوجتي الاستخارة، وقدّر الله لنا البقاء هنا، والقطاع كله بشماله وجنوبه ليس فيه مكان آمن”.
واقع مشابه
وفي مدينة غزة يعيش من تبقوا من سكانها واقعا مشابها لنظرائهم في الشمال من حيث تردي الأوضاع المعيشية، وقد طالتهم “قرصات الجوع” حتى قبل حلول شهر الصيام.
وكل يوم تتملك الحيرة فريال عبدو وأسرتها المكونة من 10 أفراد تفكيرا في وجبتي السحور والإفطار، وتقول للجزيرة نت “رغم أننا أعددنا العدة لرمضان بتخزين ما يتوفر من عدس وحمص ورز لكن الواقع أصعب بكثير مما قمنا بتخزينه من كميات قليلة متوفر”.
وبدت فريال (35 عاما) راضية عن نجاحها وأفراد أسرتها في توفير طعام الأسبوع الرمضاني الأول، لكنها غير واثقة من قدرتهم على توفير الطعام لبقية الشهر الكريم، وأحصت وجبات الإفطار خلال هذا الأسبوع بتناول فتة عدس، وحمص وفلافل، وسماقية (طبخة غزاوية تقليدية)، وكبسة قالت إنها طبخت على مياه وليس على شوربة اللحم أو الدجاج.
وبسبب ندرة الخضروات في النصف الشمالي من القطاع وارتفاع أسعار بعضها تقول فريال إن أسرتها لم تشترها منذ فترة، ووجدت في نبتة “السلق” الشبيهة بالسبانخ طعاما لوجبة إفطار.
وتقتصر وجبة السحور لدى أسرة فريال على قطعة من الحلاوة كانت ضمن طرد مساعدات إغاثية حصلت عليه، وعندما نفدت لم تجد أمامها سوى الشاي والماء.
ولم يختلف حال المصور الصحفي عمر القطاع وأسرته في رمضان عن الشهور الماضية، واقتصر خلالها طعامهم اليومي على وجبة واحدة، ويقول للجزيرة نت “لم نتسحر في الأيام الماضية إلا قليلا، وباقي الأيام لم نجد لدينا ما نتناوله على السحور، أما الإفطار فبما هو متوفر من طعام، حيث الأسواق فارغة إلا من كميات قليلة من الخضار متردية الجودة وبأسعار فلكية”.
ويقيم عمر مع زوجته وطفليه لدى أسرتها في حي الدرج بمدينة غزة بعدما دمرت غارة جوية إسرائيلية منزله في المدينة، وبالنسبة له فإن “رمضان الذي ننتظر قدومه لما فيه من خير وبركة وأجواء مميزة تختلف عن باقي شهور العام لم يكن كذلك هذا العام على غزة وأهلها، خاصة في الشمال الذي يتعرض للقتل قصفا وجوعا”.
ولم يشهد هذا الصحفي الثلاثيني حربا على غزة أسوأ أو أشدة قسوة من هذه الحرب، وازدادت قسوتها مع حلول شهر رمضان، حيث يفتقد الغزيون كل طقوسهم الرمضانية المعتادة، وحرمتهم الحرب من “لمة العيلة” جراء القتل والنزوح.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف رمضان المجاعة جباليا المعاناة الجوع فی شمال القطاع عبد الهادی
إقرأ أيضاً:
العائدون إلى شمال غزة.. من الخيمة إلى الخيمة
غزة- خلال رحلة نزوحها إلى جنوب قطاع غزة، باعت صفاء حبيب بعض حليّها لشراء خيمة تؤوي عائلتها المكونة من 6 أفراد، ولدى عودتها مشيا على الأقدام برفقة أسرتها إلى شماله، وجدت نفسها مجددا بدون مأوى، دون أن تمتلك شيئا لتبيعه هذه المرة لشراء خيمة جديدة.
لكن بعض "أهل الخير" تبرعوا لأسرتها بخيمة، أقامتها قرب منزلها المدمر بحي الشجاعية شرقي مدينة غزة، لتبدأ فصلا جديدا من المعاناة.
ولم تستطع العائلة أن تحمل متاعها الذي جمعته خلال رحلة النزوح، والذي يشمل الخيمة والفراش والملابس، وبعض الأثاث، نظرا لإجبار إسرائيل غالبية النازحين على العودة مشيا على الأقدام لمسافة تصل إلى 14 كيلومترا.
ومنذ 27 يناير/كانون الثاني الماضي، شرع عشرات الآلاف من النازحين بالعودة إلى مناطقهم التي هُجّروا منها، حسب ما نص عليه اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
شريط من الأحزان
تحتفظ ذاكرة صفاء حبيب بالكثير من القصص المؤلمة لرحلة النزوح الأولى، ولا تبدو متفائلة بانتهاء معاناتها عقب عودتها لمسقط رأسها بشمال القطاع.
ونظرا لقرب منزلها من الشريط الحدودي مع الاحتلال شرقي مدينة غزة، نزحت حبيب منذ الأيام الأولى للحرب التي بدأت في أكتوبر/تشرين الأول 2023، تاركة أغراضها وأثاثها، قبل أن يدمر الاحتلال المنزل بالكامل.
إعلانوخلال الحرب أصيب زوجها في رقبته، وقررت الأسرة النزوح إلى جنوب القطاع هربا من جرائم الإبادة الجماعية الإسرائيلية.
وبسبب الظروف الصعبة التي عاشها النازحون، وسياسة التجويع الإسرائيلية، أصيب أبناء حبيب بسوء التغذية، ففطمت طفلتها الرضيعة مبكرا، ونزل وزن ابنتها البالغة من العمر 9 سنوات إلى 15 كيلوغراما فقط، وهي علامة خطرة.
وفي فترة النزوح، جنوبي القطاع، بنت حبيب حياة جديدة، بعد أن اشترت الخيمة، وعاشت حياة بدائية تعتمد على إشعال النار، وعلى طعام المساعدات.
وكانت أسرة حبيب ممن قرروا العودة مبكرا إلى شمال القطاع عقب التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار، وتحديد موعد عودة النازحين، وإن كان ذلك قد كلفهم فقدان خيمتهم ومتاعهم، نظرا لعودتهم مشيا على الأقدام في رحلة قاسية اضطرت فيها للنوم في الشارع، ومقاساة الجوع والعطش والبرد.
وبعد أن وصلت العائلة إلى حيّها "الشجاعية"، اصطدمت بالواقع الجديد، الذي لا يقل صعوبة عن الحال الذي عانته في بداية الحرب، حيث لا يوجد منزل أو متاع.
وترى حبيب أنها محظوظة لأنها وجدت من يتبرع لها بخيمة. وبدأ زوجها في تسوية الأرض تمهيدا لنصب الخيمة، والتي ستكون "شبه فارغة من الفراش والأثاث".
وفي انتظار إقامة خيمتها كي تأوي إليها مع أطفالها، تختم حبيب حديثها قائلة "من خيمة إلى خيمة.. نحن ذاهبون إلى المجهول".
وفي حي الشجاعية أيضا، فرّ المُسن علي القصاص بأسرته البالغ عددها 25 شخصا، وتضم أبناءه وأحفاده، هربا من جرائم الاحتلال إلى جنوب القطاع، في بداية الحرب.
وهناك عانت الأسرة الأمرين، حيث سكنت في مقبرة، وأقامت خياما مهترئة، لا تقي الحر ولا تحمي من البرد، وسط ظروف معيشية قاسية بسبب الفقر وقلة الطعام والماء.
إعلانوكانت رحلة عودة الأسرة، صعبة للغاية، حتى إن الأب علي القصاص، قد أغمي عليه في الطريق بسبب الإرهاق الشديد، وجرى نقله للمستشفى.
فرِح القصاص لوصوله لغزة، كما يقول. لكن الأوضاع الصعبة التي تعاني منها المدينة نغصت عليه سروره، فقد وجد منزله مدمرا.
لجأت الأسرة إلى مراكز إيواء صغيرة، يبدو أنها أُقيمت على عجل في بعض الأحياء، لكنها أبت أن تستقبلها كون جميع الخيام الفارغة محدودة العدد و"محجوزة" لعائلات أخرى سبقتها بتسجيل أسمائها.
ويضيف "أخذت أبكي، ثم بعنا بعض الأشياء من نسائنا واشتريت خيمة، ووضعناها هنا قرب المقبرة، في الجنوب كنا في مقبرة وهنا في مقبرة".
فرحة رغم الألم
ولا تتوقف مأساة الأسرة على السكن فقط، فالعائلة بلا مال لتشتري الطعام والماء، والذي اعتادت الحصول عليه بسهولة نسبية في أواخر عهدها بالنزوح في الجنوب. وتابع "اليوم الصبح ذهبت لأسجل للحصول على الطعام والمساعدات، ولم أجد".
وتلتقط زوجته غادة القصاص طرف الحديث لتكشف جانبا آخر من المعاناة، حيث تقول إن ابنتها وضعت طفلا قبل 3 أيام، وتقيم معهم في الخيمة ذاتها، كما أن زوج إحدى بناتها "شهيد" والآخر "جريح".
وتشير إلى أحد أبنائها وتقول "هذا جاء (من الجنوب) بدون خيمة وبدون أي أغراض لأنه لم يستطع أن يحملها، يسكن معي، نحن 25 شخصا، لا نعرف أين نذهب".
ورغم المعاناة الشديدة، فثمة فرحة للأسرة بالعودة إلى مسقط رأسها، حيث تقول الزوجة القصاص إنها قبّلت الأرض لدى عودتها لحي الشجاعية.
لكنها تأمل أن تتحسن الظروف، وأن تصل للعائدين المساعدات التي تمنع إسرائيل إدخالها حتى الآن، كالبيوت المتنقلة، لعلها تنسيهم قليلا ما فعلت بهم الخيام.