مِن المنطقي أن تتوالى فصول انهيار المؤامرة على السودان، بأشكالها المتعددة على مختلف الجبهات.
(جبهة الحرب) ، هنا تتقدم القوات المسلحة على كافة المحاور، تسترد مقرات ومدن كانت قد احتلتها مليشيا الدعم السريع المتمردة.
جبهة التدخلات الدولية، حيث أوصدت الحكومة كل الأبواب في وجه حلفاء التمرد وداعميه، أغلقت باب المنظومات الأفريقية، وتم تعليق منبر جدة تلقائياً، بسبب عدم التزام المليشيا بتنفيذ بنود اتفاق المبادئ و أصبحت الضغوط الأمريكية غير مجدية، لأن الولايات المتحدة استنفدت كل كروت ضغطها.
جبهة العملية السياسية، قفز النظام الانتقالي على كل الألغام التي زرعتها قوى الحرية والتغيير على طريقه، وأرغم حلفاء المليشيا من المدنيين للكشف عن حقيقتهم، وبالتالي فشلت كل جراحات التجميل على موقف (لا للحرب) الداعم للتمرد، حتى ثوب “تقدم” الجديد، تم تمزيقه إرباً إربا.
بطبيعة الحال، هذه الخطوات أفرغت عملياً فكرة عملية سياسية أو تفاوض يعيد الأوضاع إلى ما قبل ١٥/، ابريل.
وبالتالي سقطت كل شعارات الديمقراطية والعمل المؤسساتي التي كانت تسوّق لها ق. ح. ت في ثوبها الجديد “تقدم”، حتى أن رئيس وزراء السودان السابق “د. عبدالله حمدوك” والذي يتجول هذه الأيام لإيجاد أرضية جديدة للدعم السريع، نشر مسودة خارطة طريق على مجلة (المجلة) ، في محاولة لقياس الرأي العام، لم تجد تلك الفكرة من يأبه لها، ولم ينتبه لها الإعلام حتى، لمهم اليوم، أن السودانيين ينتظرون عمل القوات المسلحة التي وعدت بالقضاء على التمرد والثأر لعام الآلام.
أدى ذلك الحسم العسكري والتقدم العملياتي للجيش إلى إرغام سفراء الدول التي تدعم التمرد تحت ستار، إلى طلب فصل «حساباتهم» السياسية عن مسار الأحداث في الميدان، توقفوا حتى عن دعواهم السابقة بضرورة الركون حصراً للتعويل على تفاهم خارجي لإخراج ملف حرب ١٥/ ابريل من عنق الزجاجة.
المجتمع الدولي نفسه تيقن أن الشعب السوداني لم يعد ينتظر ترياق خارجي للأزمة السودانية، وان المقاومة الشعبية تعبر عن موقف نقيض الترياق الدولي وتعتبره مهيناً ومذلاً لفكرة «السيادة».
(الجبهة الأخيرة) ،و هي جبهة دارفور المشتعلة
وحتى وقت قريب يعتبرها الدعم السريع جبهة «إسناد» لجبهة الخرطوم، التي يزداد ارتباطها «العضوي» مع مسار الحرب على السودان،ولكنها اليوم أصبحت جبهة رئيسية كهدف استراتيجي للمتمردين .
و أكد عليها اليوم مساعد القائد العام للجيش الفريق أول ركن “ياسر العطا” في خطابه الأخير، الذي وجه عبره اتهامات واضحة وصريحة لمحمد بن زايد، وأكد أيضا عدم تهدئة الأوضاع مالم ينسحب المتمردون من الممتلكات العامة والخاصة، وهذا ينذر بحرب “استنزاف” طويلة في دارفور، دون التوصل إلى هدنة أو وقف إطلاق النار رغم المساعي الدولية المستمرة في هذا الإطار.
كل المؤشرات تقول بأن ليس هناك ما يمنع عملياً توسع الحرب إلى دارفور واجزاء من كردفان لتصبح حرباً “كاملة الأوصاف’، خصوصاً على ضوء مواقف التمرد المتطرفة التي تصدر كل يوم، وتنطوي على تهديد مباشر لكيان الدولة السودانية.
محبتي واحترامي
رشان أوشي
رشان اوشي
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
معركة الكرامة من استراتيجية الصمود نحو استراتيجية النصر الشامل
كانت في البداية استراتيجية مليشيا الدعم السريع هجوما كاسحا سريع الحركة من أجل السيطرة، ومع وصول هذا الهجوم لنقطة الصد والمقاومة التي لم تمكنه من تحقيق الهدف، تحولت الحرب عندهم لاستراتيجية سيطرة وانتشار واسع والضغط لاستلام السلطة، ومع الفشل في تحقيق الهدف تحولوا لحرب عصابات واسعة مدفوعة برغبة في السرقة وحيازة ثروات المواطنين، فتحولت حرب عصابتهم لنمط إجرامي وتهديد أمني دون غاية سياسية. واستخدمت المليشيا ترسانة عقيدة عرقية وعنصرية وكراهية من أجل منح قواتهم التماسك وساعدتهم في ذلك الآيدلوجيا الرثة للسودان الجديد.
مع تلك المراحل كان الجيش السوداني وبداية من نقطة الصد والمقاومة الأساسية والتي كانت أشبه لاستجابة تلقائية غير شاملة، فتطورت تكتيكاته للدفاع التام والحفاظ على التماسك والعمل للاستنزاف وتأمين خطوط الإمداد وإعادة هيكلة وضعية القوات وتمركزها وتسليحها، هذه مهام كثيرة كانت تتم في وضع صعب من كافة النواحي ومع ما ظهر أنه تقدم للمليشيا كانت لاستجابة الصبر والتماسك ميزة استراتيجية كبيرة ظهرت لاحقا.
لكن الاستجابة الحقيقية كانت استجابة تشبه (تشاركية أمنية) بين الجيش والشعب، فتحول الحرب لحرب على الشعب استنفر المجتمع، ووطد العلاقة مع الجيش ليبدأ شكل تعاونيات أمنية في الحرب لتأمين المناطق، والتنظيم المشترك تحت استراتيجية الجيش للتحرير، كل ذلك دون تهديد وجود مؤسسة الجيش وتنظيمه خصوصا أن عقيدة الجيش تختلف في كل قيمها عن المليشيا، عقيدة وطنية استيعابية مع تقاليد قوية راسخة.
بتلك الاستراتيجية والعمل المستمر تمكن السودانيون وجيشهم من حسم الجزء الأول من الحرب، وهو جزء بقاء الدولة وكسر شوكة التمرد، وبقاء الدولة يستدعي على الأقل تحرير مركزها وقلب سلطتها. لكن المرحلة الثانية من الحرب تحتاج لاستراتيجيات تستوعب طبيعة التحول القادم.
أهم متغير جديد هو فهم وتوقع التحول الذي سيطرأ على مليشيا التمرد نفسها، فالمرجح أنها ستتحول لحركة تمرد مناطقي في هامش واسع غرب البلاد، تحاول أن تمنح نفسها مشروعية لحرب الدولة، وبالتالي تستمر في توظيف الدعم الخارجي من أجل تمرد طويل مثل الحركة الشعبية قديما العام ١٩٨٣م، هذه هي الاستراتيجية التي بدأت عمليا من خلال تحالف نيروبي مع حركة الحلو.
إذن من المهم لتحقيق النصر في المرحلة القادمة فهم التحول الذي سيحدث في المليشيا وبالتالي فإن العمل سيمضي نحو الاتجاهات التالية:
أولا: تأمين المناطق التي تحررت بشكل تام.
ثانيا: تواصل مباشر وآمن وربما سري مع المجتمعات التي توجد في دارفور فعليا، فهم مخاوفها وإيجاد وكلاء جدد عنها، وكلاء ذوو شوكة وحضور وليس مستبعدا أن يكونوا ممن كان من ضمن تشكيلات الدعم السريع، نموذج (كيكل) يجب أن يوجد هناك من جديد وعلى عدة أصعدة، هذه المهمة ممكنة التحقق فهناك فرق بنيوي بين طبيعة تمرد الحركة الشعبية قديما وصلتها بمحتمعات الجنوب وبين هذه المليشيا الجديدة، حتى في طبيعة الانحياز الخارجي هناك فرق كبير يطول شرحه.
ثالثا: التركيز في خطاب الحرب الذي يحكي عن عقيدة الجيش على البعد القومي والوطني، هذه مهمة للدولة وقياداتها لكنها أيضا معركة أساسية في الرأي العام وأوساط المثقفين والنخب، مع التركيز على (تصفية الحساب التام) وبلا مساومة مع القوى السياسية التي دعمت التمرد وتسببت في الحرب.
رابعا: خلق صيغة لإدارة الاقتصاد السياسي الكلي للدولة في اتجاه يدعم استعادة التوازن والاستقرار، وهذه مهمة صعبة حاليا بالمؤشرات الاقتصادية البحتة لكنها ممكنة من خلال مفاهيم الاقتصاد السياسي، بما يؤثر على سوق الحرب وإدارة الأعمال السياسية أثناء الحرب. هذه المسألة هدفها ببساطة ربط المجتمعات ووكلاؤها بالسلطة من خلال صيغة تشاركية أمنية وطنية على رأسها الجيش الوطني، وهدفها إنهاء حالة التمرد وربط المصير (الخاص) بالدولة (العام).
خامسا: التقدم العسكري تدريجيا نحو التحرير بكل طاقة البلاد، وتوظيف هذه الهبة للتأمين والتقدم لكن بإدارة سليمة واستراتيجية، ودون استعجال لأن نتائج إيجابية متوقعة إذا أحسن السودانيون تحقيق النقاط الأربع الأولى.
هذه الاتجاهات تعمل متوازية ولا تتعارض فيما بينها ولا تترتب بالتقديم والتأخير، لكن من المهم التفكير والتخطيط قبل المرحلة الثانية لتحرير البلاد، وهذا ما نتوقعه من نتائج تخلق الوعي الجمعي شديد الوطنية.
هشام عثمان الشواني
إنضم لقناة النيلين على واتساب