أرض مصر عامرة بالعلماء العاملين، والفقهاء الربانيين، وبالمجددين المصلحين، وبمن أثروا الحياة الفكرية والثقافية والدينية في شتى أرجاء المعمورة.
ولذا قيل: "إذا مشيت على أرضها فخفف وطأ الأقدام ففي ثراها الطيب وبين أديم ترابها العطر يرقد الفحول والأقطاب كابرا عن كابر".
فحينما تتجول في ساحات مدنها العريقة، وأحيائها الجميلة، وقراها ونجوعها مترامية الأطراف،لا تكاد أن تمر حتى توقفك لافتات تحمل أسماء رنانة،لها بصماتها وتأثيرها في تاريخ الدنيا من أقصاها إلى أقصاها.
فهذه هي مصر أم الدنيا، حاضنة العلماء وقاطرة الأفذاذ جيلا بعد جيل ويكفيها شرفا أن بها كعبة الإسلام العلمية"الأزهر الشريف" كما تتفجر وديانها بسيلان مياه نهر النيل الخالد والذي قيل فيه أنه نهر من الجنة.
مصر بحضاراتها الضاربة في الأرض عبر آلاف السنين فهي ليست دولة وليدة الصدفة أو وعد أو ميثاق بل جاءت مصر ثم جاء التاريخ بعدها.
مصر دولة عصية على الانكسار بجيشها الباسل خير الجنود بنص حديث المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم:"إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا منها جندا كثيفا فإنهم وأهليهم في رباط إلى يوم القيامة".
في صعيدها ترى الأصالة والمروءة وفي نوبتها ترى جمال البشرة السمراء وفي ريفها ترى الثوابت والقيم وفي عرب بواديها تقف على صفاء الروح وأصالة الماضي وفي مدنها تشم روائح التغير والتجدد ربطا ما بين سالف وقادم الأيام.
في مصر كان التجلي الأعظم من الحق سبحانه وتعالى لموسى الكليم،وفيها كانت خزانة يوسف الصديق، وبها كانت رحلة العائلة المقدسة، ومنها أهديت إلى النبي الأعظم سيدنا محمد عليه الصلاه والسلام مارية القبطية.
فكانت علاقة النسب والمصاهرة بين المصريين ورسول الإنسانية،وأنعم بهذا من شرف لا يدانيه شرف.
في أرض البهنسا _بقيع مصر_مئات الصحابة ممن قدموا إلى مصر فاتحين فوراهم ثرى أرضها.
و في قاهرة المعز لدين الله الفاطمي ترقد الرأس الشريفة للإمام الحسين بن علي شهيد كربلاء.
وفي ثراها الطيب ترقد أجساد الثلة الطاهرة من آل البيت عليهم السلام، كالسيدة زينب ونفيسة وعائشة بنت جعفر الصادق وفاطمة النبوية وسكينة وأم الغلام .
وفي البساتين الإمام الشافعي المولود بغزة والمتوفى بمصر بعد حياة حافلة من العطاء، والذي يطلق عليه إمام المذهبين،حيث ألف في الفقه المذهب القديم في العراق،والجديد في مصر،وكان على صلة وثيقة بكريمة الدارين السيدة نفيسة رضي الله عنها وكان رغم علمه وفقهه يسألها الدعاء لمكانتها وقرابتها من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وإلى جواره ينام الليث بن سعد عالم مصر وفقيهها ذا الثراء الكبير والإنفاق في سبيل الله فهو أول أنشأ مناحل العسل فعليًا داخل القطر المصري وكان رائدًا في تجارة العسل كما رائدا في الفقه ولولا أن أصحابه ضيعوه بأن لم يدونو فقهه لكان المذهب الليثي في الفقه يزاحم بقية المذاهب فقها وذيوعا وانتشارا.
وكان الشافعي يقول لأصحابه: "لا تضيعوني كما ضيع أصحاب الليث شيخهم"!
على الثغر في صحراء حميثره، وتحديدا في وادي عيذاب،وعلى ساحل البحر الأحمر تجد مقام ومسجد القطب الصوفي الكبير أبو الحسن الشاذلي صاحب المدرسة الفريدة في فلسفة التصوف وجهاد النفس والتغلب على أهوائها.
في أسيوط يرقد جثمان جلال الدين السيوطي صاحب التفسير الشهر لآي القرآن الحكيم .
وفي وسط الدلتا نقطة الارتكاز للمسجد الأحمدي بطنطا صنو الجامع الأزهر الشريف بشيخه القطب الكبير السيد أحمد البدوي جياب الأسرى في حرب الفرنجة وإليه تغنى المصريون محتفلين بشجاعته وفروسته "الله الله يا بدوي جاب الأسرى" والتي حرفت مع الزمن إلى جاب اليسرى.
وفي مدينة الرحمانية ترى المسجد الأثري للعالم الكبير "ابن النفيس" مكتشف الدورة الدموية.
وعلى ضفاف النيل في دسوق كانت خلوة شيخ الإسلام العارف بالله إبراهيم الدسوقي رضي الله عنه وحكايته الشهيرة مع التمساح حين ابتلع طفلًا لإحدى مريداته وكانت قادمة لزيارته فتحركت نحو خلوة الشيخ تصرخ والذي تحرك بدوره وأمر بالتمساح أن يحضر ويلفظ الطفل حيا ليهتف الناس بكرامة الشيخ، ولا عجب في ذلك فالكرامة هي أمر خارق للعادة يظهره الله سبحانه وتعالى على يد عبد ظاهر الصلاح وهي ثابتة بنصوص الدين والشرع.
وتمر الأيام وينتقل الشيخ في خلوته ليبنى مكانها المسجد والضريح، وما زالت أعظم التمساح بعد تحنيطها في قديم الزمان معلقة بداخل قبة الضريح في صندوق زجاجي،لتظل شاهدة على عظمة هؤلاء الأكابر وقربهم من خالقهم سبحانه وتعالى.
وفي مدينة دمنهور يرقد العالم الكبير الشيخ الحصافي والذي رفض أن يمنح عهد الطريقة الصوفية إلى حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان والذي قال فيه كلمته الشهيرة: "ستخرج منه دماء كثيرة" وبالفعل صدقت نبوءة وفراسة القطب الحصافي طيب الله ثراه.
وعلى شاطئ البحر الأبيض المتوسط أبو العباس المرسي وبجواره الكوكبة المنيرة كالامام البوصيري صاحب البردة الشريفة في مدح الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وياقوت العرش،ومكين الدين الأسمر وغيرهم الكثير والكثير ما يضيق المقام عن وصفه وشرحه.
مصر عبر تاريخها الكبير ولاده ولم تعقم أرحامها في يوم من الأيام،ولنسأل التاريخ فتراها تنجب العباقرة تارة وإن لم تنجبهم فتحتوي الوافدين إليها بين حنايا طبيعتها الخلابة وكأن دفء أرضها رحما لمن عاشوا بين ظهرانيها فتعيد إنتاجهم وتقديمهم للحياة الإبداعية مرة أخرى.
في مساجدها وبيوتها في شوارعها وفي حواريها وسياراتها تستمع إلى آيات القرآن من جيل العمالقة المنشاوي ومصطفى إسماعيل وعبد الباسط والبنا والحصري ومحمد رفعت.
كما تستمع إلى أصالة الطرب أم كلثوم وعبد الحليم وفايزة أحمد ونجاة ومحمد عبد الوهاب ومحمد فوزي وغيرهم من المنشدين والمادحين كنصر الدين طوبار والنقشبندي وياسين التهامي والتوني والدشناوي وعصام درويش وعبد الحميد الشريف وغيرهم الكثير والكثير.. إنها مصر.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: أرض مصر
إقرأ أيضاً:
موعد سحور ثاني يوم رمضان.. تعرف عليه
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
بالتزامن مع أول أيام شهر رمضان 2025، يتزايد البحث عن إمساكية رمضان لمعرفة مواقيت الصلاة، ومواعيد السحور والإفطار يوميا، حيث تحدد الإمساكية موعد الإمساك قبل الفجر وموعد الإفطار عند أذان المغرب، إلى جانب توقيت الصلوات الخمس طوال الشهر الكريم.
موعد السحور الأحد 2 مارس الموافق 2 رمضان
مدة ساعات الصوم 13 ساعة و 21 دقيقة
السحور 2:33
إمساك 4:33
الفجر 4:53
وأول أيام شهر رمضان لعام 1446 هجريا الموافق 2025 ميلاديا، السبت أول مارس 2025، وعدته هذا العام 29 يوما ، واخر أيامه 29 مارس 2025 .
ووفقا لامساكية شهر رمضان 2025، أول أيام شهر رمضان سيكون هو أقصر أيام الشهر من حيث عدد ساعات الصيام بمعدل الصوم 13 ساعة و 20 دقيقة، واخر أيامه هو الأطول من حيث عدد ساعات الصيام بمعدل 14 ساعة و 12 دقيقة .
وشهر رمضان هو الشهر التاسع في السنة القمريّة، ويأتي بعد شهر شعبان، ويتبعه شهر شوّال، وقد فضّله الله -تعالى- على باقي أشهر السنة؛ لأنّه أحد أركان الإسلام، كما أنَّ صيامه فَرض على كلّ مسلم، وعنه قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (بُنِيَ الإسْلامُ علَى خَمْسٍ، شَهادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسولُهُ، وإقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، وحَجِّ البَيْتِ، وصَوْمِ رَمَضانَ)،
وسخر الله الأرض والسماء لخدمة الإنسان، فزخرت السماء بالأجرام السماوية التى يمكن دراسة الوقت من خلال حركتها، وذلك لثبات واستقرار حركتها مثل النجوم "الشمس والكوكب والأقمار"، ومن خلال متابعة حركة هذا الأجرام وحسابها اتخذ الإنسان منذ القدم هذه الحسابات لتحديد التقويم، والتقويم هى الترجمة العربية لكلمة "calendar" أى أول يوم من الشهر.
ولقد اتخذت شعوب كثيرة تقاويم خاصة بها ومن أمثلتها: "التقويم المصرى الفرعونى "القبطى" - التقويم الميلادى اليوليانى "الجريجورى" – التقويم العبرى – التقويم السريانى – التقويم الرومانى – التقويم الفارسى – التقويم الإغريقى – التقويم البابلى – التقويم الهجرى"
ونظام التقويم الهجرى يعتمد على الشهر القمرى الذى يتمثل بالمدة الزمنية التى يستغرقها القمر فى دورة كاملة حول الأرض والأشهر الهجرية هى " 1 المحرم – 2 صفر – 3 ربيع الأول – 4 ربيع الآخر – 5 جمادى الأول – 6جمادى الآخر – 7 رجب – 8 شعبان – 9 رمضان – 10 شوال – 11 ذو القعدة – 12 ذو الحجة".
والتقويم الهجرى أو القمرى أو الإسلامى هو تقويم يعتمد على دورة القمر لتحديد الأشهر وتتخذه بعض البلدان العربية مثل السعودية كتقويم رسمى للدولة، و أنشأه الخليفة عمر بن الخطاب وجعل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، من مكة إلى المدينة فى 12 ربیع الأول (24 سبتمبر عام 622م) مرجعاً لأول سنة فيه، وهذا هو سبب تسميته التقويم الهجرى.