شغلت حكايات المتطفلين على موائد الطعام حيزًا مهمًا في الكتابات التراثية العربية، وهي نوع من الحكايات تجمع بين الطرافة والفكاهة، وتحقق لدى القارئ درجة عالية من المتعة المعرفية، فهي أيضا تشمل جانبا مهما يكشف عن الجوانب العقلية والفلسفية التي تمتع بها المتطفلون أو الطفيليون كما تسميهم كتب التراث.

من قصة اليوم، طفيلي طالعه وحظة سيء للغاية، دخل وسط جماعة تساق للموت ظنا منه أنهم مقبلون على وليمة، فكان في ورطة، وهذه الحكايات مصدرها كتاب العقد الفريد لابن عبدربه الأندلسي.

تقول الحكاية أن رجل من الطفيليين نظر إلى قوم من الزنادقة يسار بهم إلى القتل، “والزندقة كانت تهمة سياسية تلصق عادة بالمفكرين والشعراء”، فرأى لهم هيئة حسنة وثيابا نقية، فظنهم يدعون إلى وليمة، فتلطف حتى دخل في لفيفهم، وصار واحدا منهم، فلما بلغ صاحب الشرطة قال: أصلحك الله، لست والله منهم، وإنما أنا طفيلي ظننتهم يدعون إلى صنيع فدخلت في جملتهم! فقال: ليس هذا ما ينجيك مني، اضربوا عنقه! فقال: أصلحك الله، إن كنت ولا بدّ فاعلا فأمر السياف أن يضرب بطني بالسيف، فإنه هو الذي ورّطني هذه الورطة! فضحك صاحب الشرطة، وكشف عنه، فأخبروه أنه طفيلي معروف، فخلّى سبيله. “ويلاحظ في الرواية أن ابن عبدربه تعامل مع البطن بوصفها مفردة مذكر”.

ومن الحكايات أيضا التي ساقها مؤلف "العقد الفريد"، عن أشعب أحد أشهر الطفيليين، أنه كان يختلف إلى قينة “جارية تحسن الغناء”، بالمدينة يطارحها الغناء، فلما أراد الخروج إلى مكة قال لها: ناوليني هذا الخاتم الذي في أصبعك لا ذكرك به! قالت: إنه ذهب، وأخاف أن تذهب؛ ولكن خذ هذا العود، لعلك تعود، والملاحظ من الحكاية أن أشعب أحب أن يسطو على الجارية بالحيلة، لكنها كانت تتشاءم من الكلمات وتتفاءل منها، فخافت من الذهب أن يذهب وأعطته العود لعله يعود.

وفي حكاية أخرى لأشعب أنه كان يتردد على جارية في المدينة، ويظهر لها التعاشق، إلى أن سألته سلفة نصف درهم، فانقطع عنها، وكان إذا لقيها في طريق سلك طريقا أخرى، فصنعت له نشوقا وأقبلت به إليه، فقال لها: ما هذا؟ قالت: نشوق “دواء يؤخذ عبر الأنف” عملته لك لهذا الفزع الذي بك! فقال: اشربيه أنت للطمع الذي بك؛ فلو انقطع طمعك انقطع فزعي.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: موائد الطعام

إقرأ أيضاً:

الحب في زمن التوباكو (3)

 

 

 

مُزنة المسافر

 

جوليتا: كان شجارًا عاديًا، خشيتُ أن تتشاجر عمتي ماتيلدا مع دخان التوباكو مجددًا، علّها تكتشف يومًا أن ما يُصدره التبغ هو هواء ملوث، وأن حياتنا الحلوة قد تكون حلوة دون رماد، ودخان وغليون وعيون مطالبة بالمزيد.

لا يوجد من مزيد، نحن نرقص ونغني لشعب التوباكو ممن يقطنون المكان، يا لهم من سكان، إنهم يدخنون مثل عمتي، ويأتوننا مساءً ليسمعوا غنائي، وإدراكي للقوافي، والمغنى الأصلي.

تقول عمتي إن الفلكلور هو المطلوب، وخلق الحروف الجديدة يربك الجمهور والحضور.

وهل من حضور غير تلك الوجوه المكررة؟ يا إلهي، كم هي مُهدِرة للوقت، جاءوا للتسلية أكثر من الاستماع، وهم وسط مغنانا يشعرون بالضياع. تقول عمتي إن الضياع مطلوب هذه الأيام وسط القصائد الصعبة، وأن الموسيقى لا بُد أن تجد لحنًا سهلًا يسيرًا، وتبتعد عن تلك الألحان التي تأتي بالمتاعب.

وأي تعب يا عمتي، غير التعب الذي أشعرُ به، وأنا أنحتُ على خشبة المسرح خطوطًا عريضة تناسب أي لحن تبتغينه، وقد حرمتني عمتي ماتيلدا من الغناء خلف النافذة، وصارت تخبرني أن الجمهور سيضجر ويمل من صوتي حين يرى أنه صوتٌ يُسمع للعامة في الشارع، ويُسمع كذلك في المسارح.

ما العمل يا ترى؟ وهل من إنسان رأى مجد عمتي ماتيلدا حين ترددُ بأحبالها الصوتية أغنيةً شعبية، وتُلقي بقصائدي في الوحل، لم أشعر بعدها بالوجل منها بتاتًا، وصار انتقامي لعبثها بموهبتي، هو أن أتحدث مع النادل الذي يعزف البوق جيدًا، وطلبت منه أن يتبع رقصي، ورسمي للحركات على المسرح، ومن ثم أبدأ أنا في الغناء، وحينها فقط شعرت بالسناء، ورددت كلمات الحب والاشتياق، والشعور بالانسياق لأي نغمٍ كان.

أفاقها هتاف البوق من قيلولة قصيرة، وجاءت للمسرح وصرخت في وجه العازف، أليس هو بعارف أنها النجمة الوحيدة، وأنني لم ألمع بعد حتى يكون لي عازفٌ خاص.

غرقتْ هي في الغيرة، وغرقتُ أنا في كتابة كلمات جديدة، وصارت فجأة عديدة، وامتدت للسقف، مع حروف راقصة وعاصفة، كان هذا بدايتي ببساطة في النجومية.

وصارت كلماتي أقل عبثية، وصارت تنسجُ العجائبية، وأرى جمهورًا يُردد ما أقول، وصرتُ أصول وأجول في المسرح، وأبدعُ في الميلان، وكأنني لم أعد إنسانًا؛ بل بتُ شيئًا يتحرك كثيرًا، مثل غزالٍ جميل، لا يمكن له أن يضيع وسط غابة مُعتِمة؛ لأن الأنوار كانت تتبعني، وتترصد وجودي وتخترق فؤادي الذي ينادي في مُناه بالغناء والألحان.

مقالات مشابهة

  • اليونسيف: أكثر من 400 ألف طفل بغزة معرضون للموت بسبب القصف أو الجوع أو المرض
  • باسكال مشعلاني: أحب الحجاب ومستعدة للموت ولا أفكر فى ‏الاعتزال
  • الحب في زمن التوباكو (3)
  • قبل المنع.. أغرب حكايات الصيد على شواطئ طور سيناء
  • حكايات الأسرى
  • غوتيريش: غزة حقل للموت والمدنيون عالقون في دوامته
  • غوتيريش : غزة حقل للموت والمدنيون عالقون في دوامته
  • إفلاس!!
  • هكذا أكرم جعفر المنصور رجل المدينة وماذا قال الشنفرى في خصال زوجته؟
  • إذا أردت ألا ترى الفقر ويكثر رزقك.. الشعراوي: علم أولادك هذه السورة