ما حقيقة صوم أهل قرية عُمانية 3 ساعات؟
تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT
مسقط- في قرية وادعة، تغفو وسط الجبال على ارتفاع نحو ألفي متر عن سطح البحر، وبينما كان حمزة المياحي وأهالي قرية "وكان" بولاية نخل في سلطنة عُمان يتجهزون لدخول الشهر الفضيل، وإذا بهم يصطدمون بالأخبار المنتشرة على بعض وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، تفيد بأنهم لا يصومون سوى 3 ساعات فقط، فيما يصل معدل ساعات الصيام في أغلب دول المنطقة العربية قرابة 15 ساعة يوميا!
أثارت هذه الأخبار موجة من الاستغراب عند الأهالي حسب ما يقول الشاب حمزة، الذي وُلد وترعرع على أرض هذه القرية، التي تبعد عن العاصمة مسقط مسافة 150 كيلومترًا.
"الجزيرة نت" زارت القرية والتقت عددا من الأهالي، يقول حمزة حول هذه الأخبار التي يتم تداولها في كل عام مع اقتراب شهر رمضان "إنّ هذه مجرد شائعات وكلام لا يصدقه عقل؛ إذ نصوم كباقي مناطق سلطنة عُمان وولاياتها".
وعلى مقربة من حمزة، يتحدث سليمان المياحي عن تفاصيل قريته الاستثنائية، وعن تميزها بطقس فريد ومشابه لطقس دول حوض البحر الأبيض المتوسط، حيث اعتدال مناخها في فصل الصيف وبرودته في الشتاء، نتيجة لموقعها في سلسلة من الجبال العالية.
ويوضح سليمان للجزيرة نت ما قد يكون سببا للشائعة المنتشرة، وهو أن "قرص الشمس لا يُشاهد إلا في ساعات محددة من النهار، بسبب وقوع القرية على سفح جبل عالٍ، كما أنها محاطة بجبال شاهقة من الجهة الأخرى، ما يجعل الشمس تختفي خلف الجبال، إلا عندما تكون في كبد السماء"، مؤكدا أن وقت الصيام يبدأ من طلوع الفجر لا من ظهور الشمس فوق قمم الجبال، وينتهي بغروبها تحت الأفق لا خلف الجبل.
الجزيرة نت انتقلت لـ"وكان" التي لا تظهر شمسها كثيرا لتعرف حقيقة أهلها (الجزيرة) شمس لا تُرىولعل ما أسهم في انتشار هذه الشائعة هو تقرير نشره أحد السياح يفيد بأن الشمس لا تُرى في المنطقة إلا ساعات محددة في اليوم، إلا أنّ المقصود أن الشمس موجودة وهي مختفية وراء الجبال.
وتتنوع في قرية "وكان" المحاصيل الزراعية، التي تشكّل عامل جذب سياحيا، كالمشمش والخوخ والتوت، وأنواع أخرى من الفاكهة مثل العنب والرمان والكرز، إضافة إلى بعض البقوليات والأعشاب الجبلية كالخزامى والزعتر البري، وهو ما يعد انفرادا طبيعيا عكس ما يعرف عن الخليج العربي من مناخ صحراوي جاف.
ما زال الناس يعيشون في القرية لارتباطهم الكبير بها، في حين نزل عدد منهم إلى المدن لضرورة العمل، وتتجلى في هذه القرية الجميلة مظاهر الحياة القديمة التي كان يعيشها الأجداد، كالزراعة وتربية المواشي وتدجين الطيور، ويطغى عليها الهدوء وجمال المناظر الطبيعية، حيث المروج الخضراء والمدرجات الزراعية، في وقت تنساب بوسطها المياه العذبة الرقراقة التي تستخدم للري.
في "وكان" تنتشر الزراعة ويطغى عليها الهدوء والجمال (الجزيرة)المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات
إقرأ أيضاً:
العلاقات العُمانية التركية.. شراكة استراتيجية تتجاوز الأبعاد الاقتصادية
رامي بن سالم البوسعيدي
تمثل العلاقات بين سلطنة عُمان وجمهورية تركيا نموذجًا رائدًا في التعاون الإقليمي والدولي القائم على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، ويمكن أن نقول بأن العلاقات العُمانية التركية تأخذ اليوم طابعًا أكثر انتظامًا وتعاونًا، مدفوعة بالرغبة المشتركة لتعزيز التعاون في مختلف المجالات.
وركزت الدولتان على تطوير العلاقات الاقتصادية؛ حيث ازداد حجم التبادل التجاري بينهما، مع تركيز على القطاعات الحيوية مثل الطاقة والبنية التحتية والسياحة، كما لعبت الدبلوماسية دورًا بارزًا في تعزيز العلاقات بين البلدين؛ حيث تبادل الطرفان الزيارات الرسمية على أعلى المستويات، آخرها زيارة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله- مما أسهم في توطيد أواصر الصداقة والتفاهم المشترك، وتجلّى هذا التعاون في توقيع العديد من الاتفاقيات الثنائية.
قبل أن نتحدث عن التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي بين البلدين، يجب أن نلتفت إلى العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والتي تأسست في أوائل السبعينيات، مع افتتاح السفارتين في مسقط وأنقرة، وشهدت العلاقات منذ تلك الفترة نموًا مستمرًا نتيجة للتنسيق المتبادل في القضايا الإقليمية والدولية، وشكّلت الزيارات المتبادلة بين قادة البلدين نقطة محورية في تعزيز التعاون ولمناقشة قضايا الأمن الإقليمي والتعاون الاقتصادي والاستثمار، وتُبرز الاجتماعات الدورية للجنة العُمانية التركية المشتركة، التي عُقد آخرها في عام 2022، التزام البلدين بتعزيز شراكتهما عبر مختلف المجالات.
التبادل التجاري بين سلطنة عُمان وتركيا يعد أحد المحاور الرئيسية للتعاون بين البلدين، حيث شهد نموًا مستدامًا خلال السنوات الأخير، ولوعدنا إلى عام 2018 فقد بلغ حجم التبادل التجاري 489 مليون دولار، بزيادة 55% مقارنة بعام 2017، وبحلول 2024 تجاوز حجم التبادل التجاري 1.3 مليار دولار، مع توقعات بمزيد من النمو نتيجة لاتفاقيات جديدة وتوسيع نطاق التعاون، خاصة مع تنوع الصادرات العُمانية إلى تركيا والتي تشمل خامات الحديد والألومنيوم والبولي بروبيلين، كما أن الواردات التركية إلى السلطنة تتنوع بين المواد الغذائية والأجهزة الصناعية والمنتجات الطبية والمعدات الكهربائية وغيرها.
كما يمكن القول إن قطاع الطاقة هو حجر الأساس لتوسع العلاقات المستقبلية بين البلدين؛ حيث من المتوقع أن يكون التعاون في مجال الطاقة من أبرز مجالات الشراكة بين البلدين في المرحلة المقبلة، خاصة بعد اتفاقية الغاز الطبيعي المسال والتي وقعت فيها شركة الغاز العُمانية اتفاقية مع شركة بوتاش التركية لتوريد مليون طن متري سنويًا من الغاز الطبيعي المسال لمدة عشر سنوات، وهي اتفاقية ذات أهمية كبيرة، فهي تأتي لتعزز أمن الطاقة في تركيا التي تعتمد على تنويع مصادرها لتلبية الطلب المتزايد، وفي ذات الوقت تثبت مكانة سلطنة عُمان كمصدر موثوق للطاقة العالمية.
ومن خلال هذه الاتفاقية يمكن أن تكون بداية آفاق التعاون في الطاقة المتجددة، ويمكن أن يتوسع التعاون ليشمل مجالات مثل مشاريع الطاقة الشمسية خاصة مع التجارب والإمكانات التي تملكها السلطنة في هذا المجال ويمكن من خلاله أن تدعم التحول التركي نحو الطاقة النظيفة، بجانب تقنيات الهيدروجين الأخضر ومع البنية التحتية المتقدمة في السلطنة في هذا الجانب يمكن لتركيا أن تستفيد من استثمارات مشتركة لإنتاج الهيدروجين الأخضر.
الرؤية المستقبلية للتعاون الاقتصادي مبشرة جدا، مع وجود قاعدة قوية من التبادل التجاري والتعاون في قطاع الطاقة، ويمكن أن تتوسع لتشمل التكنولوجيا والابتكار عبر تعزيز الشراكات بين الشركات التقنية في البلدين لتطوير حلول مبتكرة في الذكاء الاصطناعي والتقنيات الطبية، وإنشاء مراكز بحثية مشتركة لدعم الابتكار وريادة الأعمال، كما يمكن استكشاف فرص التعاون في مجال السياحة البيئية، حيث تتمتع السلطنة وتركيا بتنوع بيئي فريد، وهو ما يساهم في تعزيز الرحلات المباشرة بين البلدين للترويج للسياحة الثقافية والطبيعية.
إنَّ العلاقات العُمانية التركية، نموذجٌ ملهمٌ للتعاون المثمر بين الدول؛ حيث يجمع بينهما تاريخ دبلوماسي راسخ وتطلعات اقتصادية مُتنامية، ومع التركيز على تعزيز الشراكات في القطاعات الاستراتيجية، يمكن أن تصبح العلاقات بين عُمان وتركيا أكثر عمقًا وتأثيرًا على المستويين الإقليمي والدولي، مما يعزز من مكانتهما كركائز للاستقرار والتنمية المستدامة في المنطقة.