رئيس COP28 ينال جائزة القيادة من أسبوع سيرا للطاقة تقديراً لجهوده في التوصّل إلى «اتفاق الإمارات» التاريخي
تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT
أكد معالي الدكتور سلطان أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، رئيس مؤتمر الأطراف COP28، أنه تماشياً مع رؤية القيادة في دولة الإمارات، تحرص رئاسة COP28 على تعزيز جهود خفض الانبعاثات عالمياً لإنجاز عمل مناخي فعال يساهم في ضمان أمن الطاقة بالتزامن مع دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة للجميع.
جاء ذلك بمناسبة تكريم معاليه خلال أسبوع «سيرا» للطاقة لدوره كشخصية قيادية في مجال الطاقة المستدامة، حيث تلقَّى «جائزة القيادة من أسبوع سيرا للطاقة لحشد إجماع عالمي على بناء مستقبل الطاقة المستدامة» تقديراً لجهوده الاستثنائية ذات التأثير الإيجابي عالمياً في قيادة عملية توفيق آراء الأطراف على «اتفاق الإمارات» التاريخي الذي كان إنجازاً مهماً في العمل السياسي متعدد الأطراف، حيث وضع مساراً واضحاً للحفاظ على إمكانية تحقيق هدف 1.5 درجة مئوية، وتحويل التعهدات إلى نتائج ملموسة، وضمان تنفيذ الإجراءات اللازمة على مستوى العالم. وقال معاليه، في كلمته التي ألقاها خلال مشاركته عن بعد في فعاليات أسبوع سيرا: «نيابة عن قيادة دولة الإمارات وشعبها، يسرُّني قبول هذه الجائزة التي تأتي تقديراً لـ(اتفاق الإمارات) التاريخي».
وأكد معاليه أن الدعم الذي قدمته القيادة الرشيدة، والتركيز على احتواء الجميع وروح الشراكة خلال COP28، كانت عوامل أساسية في التوصل إلى «اتفاق الإمارات»، الذي قدَّم سلسلة من المبادرات الرائدة عالمياً في العمل المناخي، بما يشمل اتفاق كل الأطراف لأول مرة على تحقيق انتقال مُنظَّم ومسؤول وعادل ومنطقي إلى منظومة طاقة خالية من الوقود التقليدي الذي لا يتم تخفيف انبعاثاته، والالتزام بأهداف محددة زمنياً لزيادة القدرة الإنتاجية العالمية لمصادر الطاقة المتجددة ثلاث مرات، ومضاعفة كفاءة الطاقة بحلول عام 2030.
وأشار معاليه إلى أن «اتفاق الإمارات» نجح، برغم التوترات والخلافات العالمية، في توحيد جهود جميع الدول لتحقيق تقدم ملموس واستثنائي في مجال العمل المناخي، وتغليب المصلحة المشتركة على المصالح الذاتية من أجل الحفاظ على إمكانية تفادي تجاوز الارتفاع في حرارة كوكب الأرض مستوى 1.5 درجة مئوية، حيث تغلبت منظومة العمل متعدد الأطراف على الخلافات الجيوسياسية لتنتج اتفاقاً غير مسبوق على إنجاز انتقال منظَّم ومسؤول وعادل ومنطقي في قطاع الطاقة. وأشاد معاليه بروح الإنجاز والتفاؤل التي ألهمتها دولة الإمارات في COP28، من خلال توحيد جهود كل الجهات الفاعلة للمساهمة في تحقيق النتائج المنشودة، من القطاعين الحكومي والخاص ومنظمات المجتمع المدني والقيادات الدينية وممثلي الشباب والشعوب الأصلية.
وأضاف معاليه أن الشمول كان سبباً أساسياً في نجاح COP28 الذي حرصت رئاسته على احتواء الجميع وضمان مشاركة كل الأطراف والمعنيين في المفاوضات المناخية والترحيب بمساهماتهم في الحلول المطلوبة، بما في ذلك جميع القطاعات الصناعية، وخاصةً قطاع النفط والغاز. وتسلم معالي الدكتور سلطان أحمد الجابر الجائزة من دانيال يرغين، نائب رئيس مجلس إدارة شركة ستاندرد أند بورز غلوبال، رئيس مؤتمر أسبوع «سيرا» للطاقة، والذي قال: «لقد وضع (اتفاق الإمارات) الذي تم التوصل إليه في دبي مسارات للتعاون والعمل المشترك بين الحكومات والقطاعات الصناعية لتحقيق انتقال تاريخي في منظومة الطاقة العالمية. لقد أكد معالي الدكتور سلطان الجابر على ضرورة الشمول واحتواء ومشاركة الجميع كأساس لإيجاد الحلول المناخية المطلوبة. ولم يكن من السهل تنفيذ ذلك، وبعد نجاح معاليه في هذه المهمة، تم تدشين مرحلة جديدة من العمل المناخي وتوجه جديد لمؤتمرات الأطراف في المستقبل».
وخلال السنوات العشر الماضية، قام أسبوع «سيرا» للطاقة الذي تنظمه شركة ستاندرد أند بورز غلوبال بتكريم عدد من أبرز المسؤولين العالميين تقديراً لشخصياتهم القيادية الاستثنائية وجهودهم ذات التأثير الإيجابي على المستوى العالمي، وكان منهم معالي ناريندرا مودي، رئيس وزراء الهند، ومعالي جاستن ترودو، رئيس وزراء كندا، وفخامة إنريكي بينيا نييتو، الرئيس السابق للمكسيك. وجدد معالي الدكتور سلطان الجابر التأكيد على أهمية قدرات وموارد قطاع النفط والغاز في التوصل إلى الحلول المطلوبة لمواجهة تحديات تغير المناخ، واستذكر دعوته خلال أسبوع سيرا للطاقة العام الماضي، لقطاع النفط والغاز، إلى تعزيز الجهود واتخاذ المزيد من الإجراءات بصورة أسرع لخفض انبعاثات الكربون، ودعم الوصول إلى الحياد المناخي بشكل كامل.
جدير بالذكر أن رئاسة COP28 أطلقت خلال المؤتمر «ميثاق COP28 لخفض انبعاثات قطاع النفط والغاز» الذي يُلزِم الدول الموقّعة على الميثاق باتباع مجموعة من الإجراءات في عملياتها التشغيلية بهدف الوصول إلى الحياد المناخي بحلول عام 2050 أو قبله، وإزالة انبعاثات غاز الميثان، ووقف عمليات حرق الغاز بحلول عام 2030، والاستمرار في اتباع أفضل الممارسات العالمية المتبعة في القطاع لخفض الانبعاثات.
ووقّعت على الميثاق حتى الآن 52 شركة تمثّل نحو 40% من إنتاج النفط العالمي. وشكلت شركات النفط الوطنية أكثر من 60% من الموقِّعين لتمثِّل أكبر عدد من شركات النفط الوطنية يلتزم بمبادرة لخفض الانبعاثات، وكانت النسبة المتبقية لمجموعة من شركات النفط الدولية. وأشاد معاليه بالالتزام الذي أظهره قطاع النفط والغاز خلال COP28 في دبي حيث أثبت أنه جزء أساسي وضروري من الحل وأنه يقوم بالفعل بدور ريادي في إيجاد الحلول المطلوبة، كما رحَّب بالتقارير الواردة عن قرب انضمام «مؤسسة البترول الوطنية الصينية» التي تمثّل 3.8 من إنتاج النفط العالمي إلى «ميثاق خفض انبعاثات قطاع النفط والغاز» لترفع نسبة الشركات الملتزمة بالميثاق إلى نحو 44% من إنتاج النفط العالمي. ودعا المؤسسات التي لم تنضم بعد للميثاق إلى التوقيع عليه.
وشدد معاليه على ضرورة قيام جميع الجهات المعنية بدورها، وتقديم كل الدول مساهمات محددة وطنياً أعلى طموحاً على مستوى الاقتصادات بأكملها، لتحقيق الأهداف العالمية المتعلقة بالمناخ والتنمية، وأشار إلى أن خريطة الطريق التي وضعها «اتفاق الإمارات» تحتاج إلى تبنّي سياسات ذكية لتسويق التكنولوجيا النظيفة، وتوفير التمويل الكافي لتفعيل هذه السياسات، مؤكِّداً أن زيادة حجم التمويل، وحشد الموارد اللازمة لتوفيره بصورة ميسَّرة وتكلفة معقولة هي من الأولويات الأساسية لرئاسة COP28.
وأضاف معاليه أن العالم بحاجة إلى توفير التمويل على جميع المستويات لضمان زيادة القدرة الإنتاجية لمصادر الطاقة المتجددة ثلاث مرات بحلول عام 2030 وعدم ترك دول الجنوب العالمي خلف الرَكب، ولفت إلى أهمية الاستفادة من الإمكانيات الواعدة للتكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي والحلول الرقمية لتحقيق نقلة نوعية في كفاءة استخدام الطاقة. وباعتباره أول رئيس تنفيذي يتولى مهمة رئاسة مؤتمر الأطراف، وانطلاقاً من خبرته الاقتصادية العملية، شدد معالي الدكتور سلطان أحمد الجابر على أن الانتقال في قطاع الطاقة يتيح فرصاً اقتصادية ومناخية كبيرة، كما أوضح أن هذه المهمة معقدة وكبيرة لا ينبغي الاستهانة بها، وستستغرق وقتاً كما ستتحقق بسرعات مختلفة بحسب تباين الأماكن والظروف، مشيراً إلى ضخامة منظومة الطاقة الحالية التي يسعى العالم لاستبدالها حيث يتم استهلاك أكثر من 260 مليون برميل مكافئ من النفط والغاز والفحم يومياً، ومن الضروري اتباع نهج مسؤول يضمن أمن الطاقة إلى جانب الاستدامة في كل خطوة من هذه العملية.
وأكد معاليه أن هناك فرصاً كبيرة لنجاح هذه المهمة الكبيرة مما يتطلب مشاركة قطاع النفط والغاز بشكل فعال، لما لديه من خبرات هندسية وقدرات بشرية وتكنولوجيا وموارد قادرة على مواجهة تحديات تغير المناخ وتحديد مسار واضح لتحقيق نمو اقتصادي خالٍ من الانبعاثات. وقال للحضور: «لقد وضع (اتفاق الإمارات) خريطة طريق واضحة لإنجاز هذه المهمة، وعلينا توحيد جهودنا لتنفيذ بنوده وتحقيق النتائج المنشودة، والتعامل مع هذا التحدي بذهنية إيجابية تنظر إلى العمل المناخي بوصفه فرصة حقيقية للنمو الاقتصادي والاجتماعي المستدام». أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: كوب 28 سلطان الجابر معالی الدکتور سلطان قطاع النفط والغاز اتفاق الإمارات العمل المناخی أسبوع سیرا هذه المهمة بحلول عام معالیه أن
إقرأ أيضاً:
هل بلغ الطلب على النفط ذروته في الصين؟
أمين الناصر، رئيس أرامكو السعودية، لديه دائمًا زبون واحد خاص، هو الصين، ففي فترة السنوات العشر التي تولّى فيها رئاسة أكبر شركة نفط في العالم، زادت قيمة صادرات النفط السعودي إلى الصين بأكثر من ثلاثة أضعاف، وسجلت رقمًا قياسيًا بلغ 56 بليون دولار في عام 2022، وفي تلك السنة، كان حوالي برميل واحد تقريبًا بين كل 6 براميل تنتجها السعودية يُشحن إلى المصافي الصينية.
شكّل النفط الأجنبي أساس الصعود الاقتصادي للصين، مع إنشائها أكبر صناعة سيارات في العالم من الصفر، وشبكات سكك حديد وسفر جوي جديدة، وآلاف ناطحات السحاب، ففي عام 2022، استوردت 72% من إجمالي إمدادات النفط الخام، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية.
وقال الناصر في منتدى التنمية الصيني الذي انعقد في بكين العام الماضي: "ليس لديّ شك أن ترقية علاقتنا إلى مستويات لم تخطر على البال ستساعد في تعزيز جهود الصين لتحقيق آمال وأحلام شعبها"، لكن هنالك مؤشرات الآن بأن حاجة الصين للنفط تصل إلى ذروتها بأسرع من المتوقع، وهذا تطور ترددت أصداؤه في سوق النفط.
تراجع الواردات
قبل أيام، ذكرت الصين أن وارداتها من النفط هبطت بما يقارب 2% أو 240 ألف برميل في اليوم، إلى ما يزيد قليلًا على 11 مليون برميل في اليوم عام 2024، مقارنة بالعام السابق، وهذا أول تراجع لها خلال عشرين عامًا، باستثناء فترة جائحة كوفيد، والسبب في ذلك يعود جزئيًا إلى اقتصاد الصين المتعثر؛ فأزمة عقاراتها المستمرة قادت إلى تباطؤ في الإنشاءات، أدّى بدوره إلى تقليص الطلب على وقود الديزل اللازم لتشغيل الآليات الثقيلة، وكذلك الطلب على البتروكيماويات التي تُستخدم في إنتاج الطلاء والأنابيب والمواد العازلة.
لكن التدهور يعود إلى اتجاهات طويلة الأمد أيضًا، فقد كان هنالك ازدهار في تحول الشاحنات من الديزل إلى الغاز الطبيعي المسال، وما هو أكثر أهمية أن تزايد أعداد السيارات الكهربائية أسهم في تقليل مبيعات البنزين والديزل، فقد بلغت مبيعات كلا الوقودين الذروة في عام 2023، حسب مؤسسة النفط الوطنية الصينية، وستهبط الآن بنسبة 25% إلى 40% خلال العقد القادم، وفي ديسمبر، عدّلت "سينوبيك"، وهي أكبر شركة مصافٍ صينية، العام الذي تتوقع فيه بلوغ استهلاك النفط الخام ذروته إلى 2027، مقارنة بالنطاق الزمني الذي سبق لها تحديده وكان يتراوح بين 2026 و2030.
والتبعات التي ستترتب عن وصول الصين إلى ذروة طلبها على النفط هائلة؛ فإذا استقر الطلب الصيني عند مستوى ثابت، سيُحقق ذلك توقعات وكالة الطاقة الدولية ببلوغ الطلب العالمي على النفط ذروته قبل عام 2030، ويحافظ هذا التوقع على الأمل بأن يصل العالم إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050، وبلوغ هذه المرحلة سيهز الاقتصاد العالمي، فخلال العقود الثلاثة الماضية، شكّلت الصين نصف كل النمو في الطلب العالمي على النفط (حوالي 600 ألف برميل في اليوم)، وإذا استقر هذا المعدل، قد يكون الإنفاق السنوي لشركات النفط على استكشاف موارد نفط وغاز جديدة، والذي يبلغ 500 بليون دولار، أكثر مما يلزم وبقدر كبير، ويقول مارتن راتس، المحلل ببنك مورجان ستانلي: "لم يتحدد بعد ما إذا كان سيتوافر طلب كافٍ لاستيعابه، وربما ستكون الإجابة بالنفي".
والقلق في الأسواق من ضعف طلب الصين على النفط في العام الماضي، أبقى الأسعار ضمن نطاق تداولي ضيق خلال ما يزيد على عقدين بالقيمة الحقيقية، وأنهى خام برنت المعياري السنة بما يزيد قليلًا على 74 دولارًا للبرميل، أو أقل بدولارات قليلة عن سعره في بداية العام، على الرغم من الأزمات في الشرق الأوسط، والحرب التي تدور رحاها في أوكرانيا، ووقف إنتاج النفط في ليبيا، وهبوط شحنات النفط الشرق أوسطي إلى أوروبا بأكثر من 20% نتيجة للهجمات على الناقلات في البحر الأحمر.
شكوك في بلوغ الذروة
يقول راتس: إذا استمرت واردات النفط الصينية في التباطؤ، سيغيّر ذلك السوق جذريًا، ويضيف: "إذا كان لديك نمو أكثر تباطؤًا لمدة ستة أشهر أو سنة، ستكون لديك حينها أسعار أقل، وسيتباطأ الإمداد قليلًا؛ لكن إذا كان لديك حقًا نمو قليل جدًا في الطلب، سيعني ذلك سوق نفطٍ مختلفة في المستقبل عنها في الماضي"، ويكره منتجون عديدون للنفط تسمية هذه اللحظة بنقطة التحول، ويتشككون في انحسار دور الصين كمحرك للنمو.
وتقول ميج تونيل، الرئيسة التنفيذية لشركة وودسايد، وهي أكبر شركة أسترالية للنفط والغاز: "الوقت مبكر جدًا للزعم ببلوغ ذروة النفط"، وتشير إلى حقيقة أن اقتصاد الصين لا يزال أمامه شوط طويل للوصول إلى المستويات الغربية لنصيب الفرد من الثروة، وتقول: "إذا عدت 20 عامًا إلى الوراء، ستجد أن هنالك تصريحات ببلوغ ذروة النفط في لحظات الضعف الاقتصادي، واتضح أنها غير صحيحة، والصين لا زالت تطمح إلى تعزيز نمو اقتصادها ورفع مستوى المعيشة، وكثيرًا ما يرتبط ذلك مباشرة باستهلاك الطاقة".
ولدى أوبك نظرة مستقبلية متفائلة تجاه الصين على الرغم من تراجع الواردات في العام الماضي، فهي تتوقع أن يستمر الاستهلاك في النمو بحوالي 2.5 مليون برميل في اليوم في الفترة من 2023 إلى 2050، وتميل السعودية والبلدان الشرق أوسطية الأخرى إلى الاعتماد على بيانات أوبك عند صياغة سياساتها.
ورفضت أرامكو السعودية فكرة تباطؤ طلب الصين، وقال الناصر في مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار الذي انعقد في أكتوبر الماضي بالرياض: "عندما يتحدث الناس عن الصين، يحاولون دائمًا تعظيم الجانب السلبي وتجاهل الجانب الإيجابي، وبشكل عام، لا يزال هناك نمو في الصين".
وأصرّ الناصر على وجود طلب أقوى وأكثر استدامة مما توحي به بيانات الواردات الرسمية، منوِّهًا بأن صناعات كهرباء الشمس والرياح الصاعدة في الصين لا تزال بحاجة إلى كميات كبيرة من النفط، ويقول: "لكل خمسة ميجاواط من الكهرباء المولدة بواسطة الرياح، أنت تحتاج إلى 50 طنًا من البلاستيك، ولكل سيارة كهربائية، يلزمك ما بين 200 إلى 230 كيلوجرامًا من البلاستيك، وحتى ألواح الخلايا الكهروضوئية، تُشكِّل الألياف 10% من مكوناتها.. وهكذا، لذلك، لكي يحدث الانتقال إلى الطاقة المتجددة، أنت بحاجة إلى المزيد من النفط".
وذكرت أرامكو أن البيانات العامة عن استهلاك النفط في الصين غير موثوقة. وبما أن بكين لا تُصدر رسميًا إحصائيات عن استهلاكها النفطي، يلجأ المحللون إلى تقديره من سلسلة من المصادر، بما في ذلك بيانات الواردات والصادرات، والتغيرات في المخزونات، والتدفقات من المصافي، وهنالك نطاق واسع من التقديرات، مع اختلافات تصل إلى مليون برميل في اليوم حتى بالنسبة للبيانات التاريخية، وذكر زياد المرشد، كبير الإداريين الماليين بالشركة، للمحللين في نهاية العام الماضي أن مراجعات مهمة لبيانات النفط في عام 2023 "تجعل نمو الاستهلاك في عام 2024 أقل مما هو في الواقع، وهذا يشوّه الصورة نوعًا ما".
توقعات وكالة الطاقة
يُقرّ المحللون في وكالة الطاقة الدولية بأن تقدير استهلاك النفط في الصين "يشكّل تحديًا"، ويقول محلل سوق النفط سياران هيلي: "كانت الفترة بين الإغلاقات والعودة من الإغلاقات والسعي وراء زيادة النمو تتّسم بقدر كبير من التقلّب"، رغم ذلك، تستمر وكالة الطاقة الدولية في توقّع بلوغ الصين ذروة طلبها على النفط بنهاية هذا العقد، ويرتكز هذا التوقّع على اتجاهين هيكليين كبيرين ومتعارضين، كما يقول هيلي، أولهما: الزيادة الكبيرة في كميات النفط المتدفقة باتجاه صناعة البتروكيماويات التي تنمو بسرعة في الصين، والاتجاه الثاني: الهبوط الشديد في كمية النفط المطلوبة للنقل البري.
ويقول المحلل هيلي: "في الفترة التي سبقت جائحة كوفيد، كان النمو في استخدام النفط يشمل قطاعات عديدة، فالبتروكيماويات، والنقل البري، ووقود الطائرات، وكل شيء كان ينمو، ومنذ عام 2019، أصبح إنتاج البتروكيماويات عاملًا أكبر، وعلى أساس صافٍ، كان النمو في استهلاك النفط عالميًا بين 2019 و2023 يعني في الواقع نمو البتروكيماويات في الصين"، فالصين ظلّت تشيّد بانتظام المزيد من مصانع البتروكيماويات لتحقيق الاكتفاء الذاتي في المواد البلاستيكية والمذيبات والألياف التي تعتمد عليها مصانعها.
ويقول هيلي: "واردات الصين من البوليمرات لا تزال كبيرة حقًا، لكنها كانت في السابق ضخمة"، وهو يشير بذلك إلى صنف من الكيماويات التي تشمل النايلون، والبوليستر، والبولي إثيلين، والتيفلون، من بين مواد أخرى.
وما يذهله، حسبما يقول: "إن إنتاج ما تستورده الصين من البوليمرات يستهلك حوالي 2% إلى 3% من الطلب العالمي على النفط، وتلك هي نسبة استهلاك ألمانيا من النفط".
ويقول هيلي مردّدًا ملاحظات الناصر: "ربما حوالي 25% من الزيادة في طلب الصين على البتروكيماويات خلال فترة الخمس سنوات الماضية مصدرها توربينات الرياح وألواح الطاقة الشمسية"، ويضيف: "تقريبًا كل النمو المستقبلي في استخدام الصين للنفط سيأتي أساسًا من قطاع البتروكيماويات".
لكن وكالة الطاقة الدولية تعتقد أن الهبوط في استخدام النفط لأغراض النقل البري سيكون أكثر أهمية، ويقول هيلي: "بحلول عام 2030، ثلاثة أرباع السيارات التي تُباع ستكون كهربائية، وفي حين سيكون هناك نمو في الطلب على البتروكيماويات، لن يكفي ذلك بأي حال للتعويض عن تراجعه في النقل البري، فالطلب سيستقر لوهلة، ثم يبدأ في الهبوط بشدّة بعض الشيء".
وبحسب هيلي، في السيناريو الأكثر ترجيحًا والذي يفترض بقاء كل السياسات الحالية، تعتقد الوكالة أن استهلاك الصين من النفط سيهبط من حوالي 16 إلى 17 مليون برميل في اليوم في الوقت الحالي إلى 12 مليون برميل عام 2050.
وليس هناك ما يشير إلى تباطؤ ازدهار السيارات الكهربائية في الصين، والذي أعانت عليه الحوافز الحكومية لاستبدال السيارات القديمة بأخرى جديدة، ويشهد سوق السيارات الكهربائية والهجين نموًا بحوالي 20% على أساس سنوي، مقارنة بانكماش مماثل في سيارات البنزين والديزل.
لكن البعض يتساءل: هل ستترك الدولة في الصين الطلب على النفط يصل إلى ذروته دون أن تفعل شيئًا؟ يقول فيكتور جاو، رئيس مجلس إدارة معهد الصين لأمن الطاقة: إنه في حين أن "الثورة" في السيارات الكهربائية ضخمة ومذهلة، إلا أن الحكومة ستعكف على قياس الأثر المحتمل على صناعة تكرير النفط الحكومية الضخمة، وهو يستبعد وقف عمل المصافي الحكومية فجأة، لكن ربما سيكون هناك تغيير في الاستراتيجية.
تكرير للتصدير
يقول جاو: "طاقة التكرير في الصين ضخمة، وحتى الآن، ظلّت الصين تكرّر النفط للاستخدام المحلي، فهي لا تُصدّر المنتجات المكررة، لكن إذا نجحت في ثورة السيارات الكهربائية الحالية، قد تقرر تكرير النفط إلى منتجات مختلفة بغرض التصدير، ويعني ذلك أن استهلاك الصين من خام النفط ربما لن ينخفض بالضرورة، بل قد يحافظ على استقراره".
أيضًا، يقول جاو: من اليسير إلى حد بعيد الآن للصين تدبير إمدادات خام النفط، مشيرًا إلى تعزيز علاقاتها في مجال الطاقة مع روسيا، التي ظلّت مصدرًا موثوقًا لواردات النفط والغاز الرخيصة منذ فرض البلدان الغربية عقوبات متعلقة بحرب أوكرانيا، ويقول: "هذا يغيّر عقلية الصين، وقد يكون من اليسير جدًا توسيع تعاونها مع روسيا إذا أمكن التعامل مع المخاطر الجيوسياسية"، ولقد تخطّت روسيا السعودية في عام 2023 لتصبح أكبر مزوِّد للصين بالنفط.
وأخيرًا
إذا تجاوز الطلب على النفط في الصين ذروته حقًا، فالرأي الذي انعقد عليه الإجماع هو أن نمو الهند سيصبح المحرك الرئيسي لنمو الاستهلاك العالمي للنفط، وفي حين لا يزال طلب الهند متخلفًا إلى حد بعيد عن الطلب الصيني، تعتقد أوبك أن استخدامها للنفط سينمو بحوالي 1.5 مليون برميل في اليوم، أو تقريبًا حوالي ثلاثة أرباع الطلب الإضافي للصين في الفترة بين 2023 و2029، فيما تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يكون نمو النفط الهندي حوالي 1.2 مليون برميل في اليوم بحلول عام 2030، وعلى الرغم من أن الهند لديها صناعة تحويلية وقطاعات إنشاءات وبتروكيماويات أصغر كثيرًا من الصين، إلا أن مبيعات سيارات البنزين والديزل لم تشهد إحلالًا مهمًا حتى الآن بواسطة السيارات الكهربائية.
وحسب شركة "جيه أم كيه" لأبحاث الموارد المتجددة في الهند، تم بيع 100 ألف سيارة كهربائية فقط في العام الماضي، ويشكّل هذا العدد 5% تقريبًا من سوق السيارات الكهربائية، الذي تهيمن عليه الدراجات المزودة بمحرك وقود صغير والدراجات الكهربائية.
لكن بحسب المحللين، لن يقترب الطلب المتصاعد في الأسواق الناشئة من حجم طلب الصين خلال العقود الماضية، وفي حين من المحتمل أن يكون هنالك نمو محسوس في بلدان أخرى بجنوب شرق آسيا، ذكرت وكالة الطاقة الدولية أن أداء اقتصادات هذه البلدان سيتأثر إذا استمر التباطؤ الاقتصادي للصين.
ويشهد استهلاك النفط نموًا في إفريقيا والشرق الأوسط، لكنه يظل ضئيلًا للغاية مقارنة بنمو الاستهلاك في الصين، وتقول وكالة الطاقة الدولية إن الاستهلاك في أمريكا اللاتينية ظل ثابتًا.
باختصار، نهاية ازدهار الطلب على النفط في الصين ستكون تحولًا زلزاليًا، ومن المستبعد أن يزدهر من جديد، وفقًا للمحللين.
ويقول راتس، المحلل ببنك مورجان ستانلي: "يمكن القول إن بلدانًا أخرى في مقدورها سد الفجوة، ولا يزال الطلب على النفط ينمو في الهند، لكن النمو الاقتصادي الذي استهدفته الصين خلال الثلاثين سنة الماضية كان يعتمد بشدة على النفط".
وقد يختلف البعض حول اللحظة التي يبلغ فيها الطلب على النفط في الصين ذروته، لكن هيلي، محلل سوق النفط بوكالة الطاقة الدولية، يرى أن الطلب في الأجل الطويل يمضي في اتجاه واحد فقط، وعلى البلدان المنتجة للنفط الاستعداد لذلك، ويقول: "ربما لا يزال من المربح لها استخراج وبيع النفط والغاز، لكنه سيشكّل خفضًا ضخمًا في دخلها الإجمالي، وبالنظر إلى مدى اعتماد هذه البلدان على صادرات النفط والغاز، ستترتب عن ذلك عواقب جسيمة".