ستظل حرب العاشر من رمضان الموافق 6 أكتوبر 1973 رمزا من رموز التحدى والإصرار الذى خاضه خير أجناد الأرض للدفاع عن الأرض والعرض، وهم فى شهر الصوم، وبرغم إصدار الشيخ عبدالحليم محمود، شيخ الأزهر وقتها فتوى بجواز الإفطار لكل أفراد الجيش على الجبهة، إلا أن ضباط وجنود الجيش المصرى أصروا على الصيام حتى يلقوا الله شهداء صائمين إذا جاء أجلهم وهم يدافعون عن الوطن، حتى الجنود المصريين الأقباط كانوا يصومون من أجل إشعار زملائهم بأنهم على قلب رجل واحد ، الجميع اختلط دمه بتراب الأرض، دون تفرقة بين مسلم أو مسيحى، الجميع كان على استعداد أن تزهق روحه دفاعا عن شرف مصر، واليوم وفى الذكرى الـ٥٠ لانتصار العاشر من رمضان، السادس من أكتوبر 1973 التقت «الوفد» العميد محمد عبدالقادر من سلاح المدفعية أحد أبطال هذا النصر العظيم لتستعيد معه ذكريات تلك الأيام الخالدة وتستخلص معه الدروس المستفادة من ذلك النصر، العظيم، وقال عبدالقادر:
ليس منصفا من ينظر إلى حرب العاشر من رمضان السادس من أكتوبر من ناحية التخطيط العسكرى فقط على أهميته وكونه أهم عوامل النصر، ذلك أن هذه الحرب اجتمع لها من عوامل النجاح الكثير أولها توفيق رب العالمين، وجودة التسليح وكفاءة القائمين على التدريب، والإعداد الجيد للفرد المقاتل، كما أن منها التأهيل النفسى والأخلاقى والروحى.


ونحن ولأننا قد تناولنا كثيرا فى مناسبة الاحتفال بذكرى حرب أكتوبر المجيدة أغلب عوامل النصر فى تلك الملحمة الخالدة فإنه قد آن الأوان لنركز على الجانب الروحى والذى أرى أنه لم ينل حظه، على أهميته، من التناول بالبحث والدرس والتمحيص. ذلك أنه لما تربى عليه الإنسان المصرى من نزعة دينية، وما تربى عليه من مبادئ الدين، وما نشأ عليه من حب لدور العبادة ولتعاليم الكتب المقدسة، فأنت لا تستطيع أبدا الفصل بينه وبين معتقداته. وقد بدا هذا جليا فى التكوين الروحى للجندى المصرى.
ومنذ بدء إعادة بناء القوات المسلحة المصرية عقب نكسة يونيو 1967 تنبهت الأجهزة المعنية فى القوات المسلحة لذلك، وأدركت ما لتنمية ذلك الجانب، وأعنى به الوعى الروحى للفرد المقاتل - من أثر فى تحقيق إيمانه بقضية الوطن وتأكيد فكرة بذل الروح والإقدام على الشهادة فى سبيله عن قناعة وإيمان. فقامت وزارة الحربية فى هذه الفترة بإنشاء إدارة كاملة فى القوات المسلحة باسم «إدارة التوجيه المعنوى» والتى تم لاحقا تغيير اسمها إلى «إدارة الشئون المعنوية» تعنى أساسا ضمن مهامها بذلك الجانب الإيمانى والمكمل لباقى جوانب الاستعداد القتالى للفرد المقاتل (والمقصود هنا بالفرد المقاتل هو الضابط والجندى مسلما كان أو مسيحيا على حد سواء). واستدعى ذلك إنشاء فروع وأقسام لتلك الإدارة فى الجيوش والمناطق والوحدات.
وتم إلحاق الوعاظ ومقيمى الشعائر بالوحدات، حتى مستوى الكتيبة، تنمية للجانب الدينى، كما صار لزاما على قادة الوحدات إقامة صلاة الجمعة بالوحدة، تماما كما كان يحق للجندى المسيحى حتى فى الوحدات القتالية النائية الذهاب لأقرب كنيسة يوم الأحد من كل أسبوع لسماع درس الأحد، لقد كان للاهتمام بهذا الجانب فعل السحر بين الجنود طوال سنوات التدريب الشاقة، فقد تم بذلك استكمال تكوين شخصية المقاتل من الناحية الوجدانية وترسيخ علاقته بربه من خلال توفير أدوات ووسائل تقوية تلك العلاقة.
وقد برز نجاح تلك الإجراءات وذلك التغيير خلال حرب العاشر من رمضان، ذلك انه كما يعلم الجميع أنه من باب التمويه، وكان قد أعلن قبل بدء العملية أنها عملية تدريب تكتيكى بالذخيرة الحية لجميع الوحدات، ولذلك كان الجميع صائمين، كما كان إعداد الوحدات الإدارية المسئولة عن الإعاشة متسقا مع الصيام، إلا أنه مع بدء العملية والإعلان عن أنها حرب التحرير، وكانت الأوامر قد صدرت لجميع الوحدات بالإفطار تحسبا لما هم مقدمون عليه من مشقة، وتم تعديل النظم الإدارية لتتماشى مع ذلك التوجه. ولكن الغريب أن أغلب الضباط والجنود قد استمروا على صيامهم عن قناعة بأن الصوم لا يشكل عائقا أمام بذل الجهد. بالنظر إلى ما تربوا عليه فى سنوات التدريب، وما اكتسبوه من جرعات روحية عالية قد منحتهم الشجاعة والجرأة والقدرة على استكمال مهامهم صائمين مؤمنين بأن ما يقوموا به من عمل فيه إرضاء لرب العالمين، وقد ينتهى بالشهادة وهل أجمل وأعظم أجرا من إن تلقى ربك شهيدا وأنت صائم؟. وقد أدرك القادة ذلك المعنى العظيم فلم يصروا على إلزام جنودهم بالإفطار.  
وكنتيجة للشحنة الإيمانية الكبيرة لدى الجنود كونهم فى شهر رمضان المبارك، شهر الغزوات، انطلقت حناجرهم بصيحة «الله أكبر» دون سابق اتفاق أو ترتيب مسبق فى لحظة انطلاق الطائرات وهدير المدافع معلنة بدء الهجوم. 
ما أشبه اليوم بالبارحة لقد أعادت حرب العاشر من رمضان إلى الأذهان ذكرى حروب وغزوات الرسول الكريم فى مواجهة اليهود والكفار فى أحد وبدر والتى كان يحقق فيها وأتباعه النصر على أعداء الإسلام فى رمضان وهم صائمون.
وأضاف «عبدالقادر»: لقد لعبت العقيدة والتمسك بثوابت الأديان ووعى القيادة السياسية والعسكرية بمدى ارتباط الجندى بهما واستعداده للموت دفاعا عنهما، كما أن اختيار توقيت حرب التحرير لتكون فى شهر تغشاه الرحمة وله فى قلوب الجميع (مسيحى ومسلم) قدسية خاصة، لعبت كل تلك العوامل دورها لتعلو بحماس الجنود وروحهم المعنوية للسماء، لتكون عاملا أساسيا من عوامل النصر. 
وعن الدروس التى حققت النصر فى العاشر من رمضان السادس من أكتوبر ٧٣، أكد العميد محمد عبدالقادر إن ما حدث بعد حرب 1967 شىء عجيب ما كان ليحدث سوى من المصريين، فقد تكاتف الجميع، وظهرت شعارات لا ننساها إلى اليوم منها أنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وبدأت عمليات التبرع من كافة طوائف الشعب للمجهود الحربى ولبناء القوات المسلحة يستوى فى ذلك الغنى والفقير، الرجل والسيدة. فتكونت جماعات لتلقى التبرعات، وتبرعت أغلب السيدات بحليهن من الذهب، ومن لم تجد تبرعت بخاتم الزواج. واستغنى الشعب راضيا عن كل ما هو ترف، بل أغلب ما هو ضرورى، فكنت تجد الأسرة تصرف «فرخة» واحدة وزنها 1 كجم أسبوعيا من الجمعيات الاستهلاكية. ومع ذلك لا تجد تذمرا أو ضيقا أو استياء، ولم نر من يفكر فى ترك البلاد أو الهجرة، بل كان الكل يعد الأيام والشهور انتظارا للمعركة الفاصلة والتى تعيد لهذا الوطن شرفه وكرامته. تلك كانت الروح المصرية المختزنة فى جينات هذا الشعب، والذى بطبعه يرفض الهزيمة، ويتوحد وقت الشدة، ما إن تم إعادة بناء القوات المسلحة حتى أخذت فى إجراء التدريبات الشاقة والتى تؤهلها لخوض معركة الشرف واستعادة، وأما عن أهم هذه الدروس هو التلاحم والتعاضد بين الشعب وقواته المسلحة والذى بدا جليا كما أوضحنا فى تضحية الشعب من أجل توفير السلاح اللازم لقواته المسلحة.
اختفاء كلمة «أنا» وحل محلها «نحن» بين أفراد ومؤسسات الشعب، فذاب الفرد داخل المجموع.
الدور الوطنى التلقائى لأغلب رجال الأعمال فى التبرع لصالح المجهود الحربى وتخصيص أعداد من سيارات النقل الخاصة بشركاتهم وكتب عليها «مجهود حربى» لتمييزها، وتسليمها للقوات المسلحة دون مقابل من الدولة أو حتى طلب ذلك.
الالتفاف حول شعار يجسد الهدف من المرحلة مثل «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة». فلا تجد من يسخر أو يحقر من هذا الشعار أو يبخل بمال أو جهد فقد وعى الجميع أهمية العمل به.
إنكار الذات والذى تمثل على سبيل المثال فى رفض السيدة أم كلثوم العودة لأرض الوطن بعد أن سقطت فى أحد مسارح باريس وكسرت ساقها أثناء غنائها فى حفل مخصص دخله لصالح المجهود الحربى خشية خسارة ذلك العائد. واستمرت فى غنائها جالسة طبقا للبرنامج المقرر.
رفض جميع الفنانين تقاضى أجر عن أغانيهم الوطنية والتى أشعلت روح الحماس لدى الشعب. ومنهم عبدالحليم حافظ ومحمد عبدالوهاب ونجاة الصغيرة وفايدة كامل وكانوا أعلام الغناء فى هذا الوقت.
روح الانتماء التى تبدت فى أجلى صورها فى تقدم شباب الجامعات لمراكز التطوع دون طلب منهم فور البيان الأول للقوات المسلحة بعبور القناة. فلم تجد من يسفه فى البيان أو يشكك فيه. 
الامتناع الذاتى عن ارتكاب أى مخالفات للقوانين، وتمثل ذلك فى عدم تحرير محضر سرقة واحد فى جميع مراكز الشرطة إبان أيام الحرب.
تضامن الأشقاء العرب مع مصر فور إعلانها عبور القوات فى مشهد يعكس روح الأخوة، فقامت دول السعودية والإمارات بتحويل مسارات سفنها والتى تنقل البترول لأوروبا إلى مصر. بل أعلنت أنها ستقطع إمدادات البترول عن أى دولة تتدخل فى الحرب لصالح إسرائيل. ففى حرب العاشر من رمضان كان لنا اليد الطولى بالعزيمة والإصرار، حيث اقتحم جيش الصائمين بشجاعة منقطعة النظير قناة السويس ذلك المانع المائى الصعب، وقد كان أغلب الجنود صائمون، وحتى إخواننا الأقباط كانوا على قلب رجل واحد، واستطاعت قواتنا المسلحة المسلحة بعزيمة الرجال تدمير خط بارليف الحصين، وانطلقت شرقا محققة أهداف العملية الهجومية بأقل الخسائر محققة نصرا مازالت أصداؤه تتردد فى أنحاء المعمورة حتى الآن ومازالت معالمه تدرس فى أعتى المعاهد العسكرية.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الشعب المصرى الجيش المصرى حرب العاشر من رمضان المعاهد العسكرية القوات المسلحة ما کان

إقرأ أيضاً:

رئيس شؤون الضباط في وزارة الدفاع العميد محمد منصور: الضباط المنشقون يمتلكون خبرات ميدانية ثمينة وسيتم توظيفهم بحسب تخصصاتهم وحاجة القوات المسلحة، لضمان نقل خبراتهم إلى الأجيال الجديدة، بما يعزز الجاهزية القتالية ويرسخ العقيدة العسكرية السورية القائمة على

2025-03-16hadeilسابق رئيس شؤون الضباط في وزارة الدفاع العميد محمد منصور: إعادة بناء الجيش العربي السوري تعتمد على مزيج من الخبرة والتحديث انظر ايضاًرئيس شؤون الضباط في وزارة الدفاع العميد محمد منصور: إعادة بناء الجيش العربي السوري تعتمد على مزيج من الخبرة والتحديث

آخر الأخبار 2025-03-16رئيس شؤون الضباط في وزارة الدفاع العميد محمد منصور: الجيش العربي السوري كان وسيبقى عماد السيادة الوطنية، واستعادة الكفاءات والخبرات العسكرية التي انشقت وانحازت للشعب في مواجهة نظام الأسد البائد 2025-03-16جامعة اللاذقية تستأنف الامتحانات النظرية المتبقية لعدد من الكليات الأحد القادم 2025-03-16نحو 6000 طالب وطالبة يتقدمون لامتحانات التعليم المفتوح في جامعة حمص 2025-03-16إلقاء القبض على مجموعة متورطة في تهريب الأسلحة بدير الزور 2025-03-16الزينة التراثية الشعبية في رمضان بين الأمس وتقنيات اليوم 2025-03-16للتأكد من توافر الاحتياجات الأساسية فيها… القائم بأعمال وزارة الصحة ‏يجري جولة تفقدية على مستشفى الهلال الأحمر ‏ 2025-03-16الأمم المتحدة تعارض الوجود العسكري الإسرائيلي في المنطقة العازلة بين سوريا والجولان المحتل 2025-03-16الجالية السورية في فرنسا تنظم مظاهرةً احتفالاً بذكرى الثورة 2025-03-16لبنان.. إنهاء تقليد إحياء ذكرى اغتيال كمال جنبلاط بعد اعتقال السلطات السورية للمجرم 2025-03-16وزارة التربية تتخذ إجراءات للارتقاء بالتعليم وتصويب مساره

صور من سورية منوعات العرقسوس والتمر الهندي… عصائر رمضانية شعبية في حماة  2025-03-11 تيك توك تستأنف خدماتها في الولايات المتحدة بفضل ترامب 2025-01-20فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • رئيس شؤون الضباط في وزارة الدفاع العميد محمد منصور: الضباط المنشقون يمتلكون خبرات ميدانية ثمينة وسيتم توظيفهم بحسب تخصصاتهم وحاجة القوات المسلحة، لضمان نقل خبراتهم إلى الأجيال الجديدة، بما يعزز الجاهزية القتالية ويرسخ العقيدة العسكرية السورية القائمة على
  • رئيس شؤون الضباط في وزارة الدفاع العميد محمد منصور: نؤكد أننا نعمل على عودة جميع الضباط المنشقين إلى الجيش العربي السوري ووزارة الدفاع وسيُعامل الجميع وفق خبرته وكفاءته
  • قائد منطقة الشجرة العسكرية لواء دكتور ركن نصر الدين عبد الفتاح من أمام مقر رئاسة سلاح المدرعات؟
  • بمناسبة ذكرى العاشر من رمضان.. تفاصيل لقاء السيسي وقادة القوات المسلحة
  • متابعة 84 شخصاً بتهمة الإفطار العلني في رمضان
  • الرئيس السيسي يُهنئ قادة القوات المسلحة بذكرى انتصارات العاشر من رمضان
  • السيسي يهنئ القوات المسلحة بمناسبة ذكرى انتصارات العاشر من رمضان ويوم الشهيد
  • السيسي يؤدى صلاة الجمعة بمسجد المشير طنطاوي بمناسبة ذكرى العاشر من رمضان
  • وكيل الأزهر: الصيام تدريب للنفس للوقوف على حدود الله تعالى
  • روان أبو العينين: العاشر من رمضان علامة مضيئة في تاريخ مصر والقوات المسلحة