لجريدة عمان:
2024-08-03@08:59:40 GMT

من السيطرة الغربية إلى الحوار ما بين الحضارات

تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT

ترجمة: أحمد بن عبدالله الكلباني -

في أوقات سابقة كانت هناك أولوية قصوى للحوار ما بين الحضارات، بل كان ذلك أمرا حتميا لا مناص منه، وشكل انتهاء الحربين العالميتين الأولى والثانية ما يمثل نهاية النفق المظلم الذي كان العالم يسير فيه، وبعدها تم إنشاء «عصبة الأمم» -وهي إحدى المنظمات الدولية السابقة التي تأسست عقب مؤتمر باريس للسلام عام 1919 وفيما بعد تم إنشاء «الأمم المتحدة» بهدف تسهيل الحوار بين الحضارات.

ولكن مع ذلك لا تزال الحروب مستمرة إلى هذه اللحظة، كما لا يزال خطر الحروب النووية وتهديداتها قائمة، وهذه المرة تتجه هذه المخاطر نحو تايوان، وذلك ما يلوح في الأفق، فهل بعد ذلك سنلجأ إلى «الحوار بين الحضارات» باعتباره أمرا حتميًا. وهذا الأمر لا يقتصر على ما يحدث من حرب الآن في كل من أوكرانيا وغزة، بل نحن نواجه حاليا كذلك توترات بيئية، وزيادة اتساع الفجوة بين الطبقات، وتعرض المجتمعات لخسائر بالغة، وتدهورا في الصحة العامة البدنية والعقلية معا. وقد بدا ذلك واضحا، فالتكنولوجيا اليوم جمعتنا كلنا في مكان واحد، وأصبح هذا العالم الكبير بقعة واحدة نرى بعضنا من خلاله، ولكن كيف يمكننا الاستفادة من هذه التكنولوجيا لتطوير أدوات التفكير وتطوير المؤسسات التي تحمل على عاتقها مواجهة التحديات التي يعيشها العالم بطريقة مرتبة تعززها جهات عديدة.

إن القيادات الغربية تتعرض لكثير من التحديات، وكذلك فإن القيم الغربية متهمة من الشعوب، ومع ذلك هناك الكثير من المجتمعات الغربية تنظر إلى أنظمتها الحاكمة الليبرالية على أنها تبعث بالأمل لحياة أفضل للعالم من خلال مواجهة التجبر الصيني والروسي ومواجهة الإرهاب.

ولكن لا يتفق أصحاب البشرة السمراء مع رؤية هذه المجتمعات، فلقد عانوا من الإمبريالية الغربية وما صاحبها من إجراءات، لذلك يرون أن بارقة الأمل هذه ليست لها معنى. فبعد الحرب العالمية الأولى، تجاهل الحلفاء الغربيين ما عانى منه أصحاب البشرة السمراء من عنصرية الإمبريالية، بل لم يوافقوا على قرار «حق تقرير المصير» بالنسبة للشعوب الخاضعة، ولم يعيروا اهتماما للمساواة، بل حتى المثقفون الآسيويون الذين شهدوا على المذابح بين أشقائهم في الحربين العالميتين، شككوا بمصداقية «حوار الحضارات» التي يقودها الغرب، وقدرته على إنهاء العنف وضمان الحياة المستقرة.

وإضافة إلى ذلك المشاهد المروعة للعبودية والإبادة الجماعية للسكان الأصليين والإهانات التي تمارسها الإمبريالية، فقد كان هناك قصف مكثف لا يعرف الشفقة على السكان المحليين من قبل الولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية، والمحرقة في ألمانيا، وعدد القتلى الكبير في فيتنام، والعدد المروع من الضحايا في غزة من قبل القوات الإسرائيلية المدعومة بالتكنولوجيا العسكرية الأمريكية، وهذا يدلل على أن الغرب لا يتمتع بامتلاك «رأس المال الأخلاقي» لقيادة هذا العالم، وكان «غاندي» قد أدرك ذلك قبل أكثر من قرن مضى.

والسؤال، هل القوى غير الغربية، والأنظمة العالمية القائمة على تاريخ الحضارات تمتلك قيما إنسانية أكثر من الدول الغربية؟ أعتقد أنه ليس بالضرورة ذلك، تاريخيًا فإن الشعب الياباني والشعب الصيني تعرضا للكثير من العنف والإذلال والازدراء من قبل القوى الغربية، ولكن ما أن تملك تلك الدولتين قوى عسكرية تدعم الحكومة القومية ذات المخططات الإمبراطورية حتى أصبحت اليابان قوة إمبريالية في آسيا، كانت تقوم باعتداءات سافرة بحجة أنها تنوي طرد القوى الإمبريالية الغربية من آسيا، وكذلك أصبحت الصين تسلك نهجا عدوانيا في تعاملها مع جيرانها الضعفاء في جنوب شرق آسيا، وتحت مبرر «مبادرة الحزام والطريق» تسعى الصين إلى تعزيز نفوذها، كما فعلت اليابان من قبل حينما أطلقت مبادرة «الرخاء المشترك».

لقد كان أمرا محتما أن تنجرف الشعوب غير الغربية خلف حكوماتها ذات القوة العسكرية، تلك الحكومات التي أنشأت المؤسسات الحديثة، ولكن تلك «التنمية» كلفت الكثير، فالصين والهند، تلك الدول الصاعدة، تبنت نظام «الدولة القومية الحديثة»، يستمد قوته من «الأيديولوجية القومية»، فأصبح الشعب مساندا له بدلا من أن يكون مشككا فيه، وبعيدا عن «الأخلاقيات»، فإن الشعوب لا تقيد المساعي الوطنية لتحقيق الثروة والسلطة.

ومع كل ذلك، ربما يكون التنافس بين القوى القومية الكبيرة على وشك الانتهاء، لأن مخاطر التنافس كبيرة للغاية في ظل الأزمات المتعددة التي نواجهها، ولا يمكن أن تتحمل القوى الغربية بشكل رئيسي جميع الأزمات العالمية الحالية، التي تشير إلى قدوم حادثة عالمية.

إن تشتت البوصلة الأخلاقية، والانهيار في النظام البيئي، والتهديدات بالحروب النووية، وغياب روح العدالة سوف يؤثر على العالم أجمع بما فيها الدولة الحديثة. لذلك يرى الغرب أن الحل في العولمة، التي يروجون لها، لأنها -على حد زعمهم- ستوفر المواد بشكل كافٍ لتوزعها على العالم بالتساوي في خطوة أساسية لإحلال السلام الدائم، ولكن كيف سيتحقق ذلك في عالم محدود الموارد، ويجب على كل دولة التكيف مع حدودها البيئية؟ بالتالي لا أرى أنه يمكن الوفاء بتلك الوعود، خاصة وأن الغرب -وتحديدا الولايات المتحدة الأمريكية- تتوقع من الصين والهند أن تقدم الكثير من التضحيات لتحقيق هذا السلام ومن أجل بيئة أفضل.

وحاول الغرب ألا يكون للحضارات الصينية والهندية والإسلامية أصوات سياسية، ولا حتى مخزون ثقافي، وعمد إلى ذلك لزيادة الصراعات الداخلية والتفرقة، لأن تلك الحضارات إذا اجتمع سكانها ذوو الأعداد الكبيرة سيشكلون صوتا معارضا للغرب. ولكن لا يمكن تغافل أن هناك مسارات صحوة داخل الحضارات الشرقية، صحيح أنها ليست مركزية، لكنها ذات تأثير، رغم السيطرة الغربية والدولة القومية عليها، أدى ذلك إلى تحول الإعجاب بالغرب وبروز القومية العرقية.

وهذه التحولات يمكن رصدها مع مرور التاريخ، في اليابان مثلا تم إضفاء الطابع المثالي على قانون الساموراي ما قبل الحرب واليوم الموضوع منتهٍ، وفي الهند المعاصرة جاء «مودي» ليحتل مكانة «غاندي» ووجهات نظره حول اللاعنف، واستبدلها بقومية هندوسية قوية، وفي عصرنا الحديث أنحت القرارات السياسية بالطقوس الصوفية جانبا، وقامت بعض الدول العربية بتقييد تأثير علماء الدين، وحتى في الصين التي كان حكمها لفترة طويلة وفق الأيدلوجية الشيوعية، جاء «شي جين بينج» بالقومية الكونفوشيوسية محلها، وهو توجه يمكن وصفه «من أعلى إلى أسفل» فهو نظام بعيد كل البعد عن الشخصية الأخلاقية والدعوة إلى السلام. لا اعتقد أنه من القسوة أن أقول أن الأنظمة العالمية فضلت التنمية الاقتصادية والسلطة السياسية على حساب القيم الأخلاقية، التي تشكل جزءا مهما من الثقافة الشرقية، مع يقيني أنه من الممكن تحقيق التنمية الاقتصادية من غير النزعة الاستهلاكية والانهيار البيئي، فلا يجب أن تكون السياسة قائمة على حساب أولويات أخرى وإعلاء المصالح الشخصية، فاستيعاب الاختلافات الثقافية أمر ممكن. تمكنت النماذج البديلة للتنمية الاقتصادية، التي أقامتها دول مثل اليابان والصين والهند الآن من تحقيق نجاحات ملحوظة وذلك كونها تناولت مجموعة متنوعة من العوامل والمتغيرات التي تجاوزت النموذج الغربي التقليدي. وفي سياق مقترح «تو وايمينغ» يظهر أن قيم التنوير التي تشمل العقلانية النفعية، والحرية، والحقوق، وسيادة القانون، والفردية، تعتبر قيمًا عالمية حديثة. وكذلك، تظهر القيم الكونفوشيوسية مثل التعاطف، والمساواة، والواجب، والطقوس، والتوجه الجماعي، كمقومات أساسية في هذه الحوارات.

تبدو المفاهيم الشرقية والغربية متكاملة على نحو ملموس، حيث تعزز عُملة «اليانغ» وعُملة «الين»، والعقل والعاطفة، والنصف الأيمن والأيسر من الدماغ، فهمنا للواقع وتفاعلنا معه.

ومن خلال محاولة الحضارتين التعويض عن نقاط ضعف بعضهما البعض، يمكن لكل منهما الاستفادة من التواصل والتبادل بينهما. ومع ذلك، قد لا يوافق القادة والشعبان في الصين والولايات المتحدة على هذا الرأي، حيث يعتقدون أن الرؤية الروحية للفلسفات الشرقية تفتقر إلى التحقق.

ومن خلال اتخاذنا للخطوات الضرورية لتشكيل مصيرنا، ندفع نحو التطور البشري. وتعتبر التقاليد الحكيمة، التي لا تزال بارزة في الشرق وتنتشر في الغرب أيضًا، خطوة مهمة نحو هذا الاتجاه.

ويتم تكامل الأبعاد النفسية والاجتماعية مع الحكمة القديمة، مما يعزز فرصنا للتعامل بفعالية مع أزمة الحداثة العالمية. ولكن يجب على قادة الرأي وأتباعهم أن يدركوا أن الفوز في الصراع العالمي للسلطة لا يمكن أن يكون الهدف، بل يجب أن نتعلم كلنا كيف نخسر معًا حياة أفضل للجميع.

وفيما يتعلق بالحوار بين الحضارات، فهو أمر ضروري لتجنب «التشرد الثقافي» والمواجهة المتزايدة للتحديات العالمية. وينبغي على المفكرين والعلماء والفنانين من جميع الثقافات أن يشاركوا في هذا الحوار، حيث إن الاتصال الدولي القائم على القوة لن يكون مستدامًا. ومن الناحية الأخلاقية، يجب أن تتحول الإرادة القوية إلى تعاطف ورحمة، لأنه من دون ذلك، فإن إقامة نظام عالمي مستقر سيكون أمرا مستحيلا.

وبالنظر إلى التجارب السابقة والمناقشات التي جرت في مقر الأمم المتحدة، يجب أن نفكر في إشراكنا في حوار بناء بين الحضارات قبل حدوث مزيد من الكوارث. لا يمكن أن نظل ملتصقين بالوضع الراهن ونتجاهل المخاطر التي تنذر بالظهور.

بيل كيلي محاضر متقاعد بجامعة كاليفورنيا

نقلا عن آسيا تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بین الحضارات من خلال لا یمکن من قبل یجب أن

إقرأ أيضاً:

السيطرة على حريق هائل في مخلفات زراعية بالفيوم

شهدت قرية النزله التابعة لمركز الشواشنة بمحافظة الفيوم نشوب حريق هائل في مخلفات زراعية إلى أن امتد لبعض الأشجار المجاورة، الأمر الذي نتج عنه ارتفاع ألسنة اللهب مما أدى إلى زعر شديد بين الأهالي وقاموا بعض الأشخاص بسرعة إبلاغ شرطة النجدة والتي بدورها أخطرت قوات الحماية المدنية التي انتقلت قور البلاغ إلى موقع الحادث برفقة سيارات الإسعاف وتمكنت من السيطرة على الحريق وتحرر محضر بالواقعة واخطرت النيابة العامة التي تولت التحقيق.

وكان اللواء أحمد عزت، مساعد وزير الداخلية، مدير أمن الفيوم قد تلقى إخطارا من مأمور مركز شرطة الشواشنه، يفيد بورود إشارة من غرفة عمليات شرطة النجدة بالمحافظة بتلقيها بلاغاً من الأهالي بنشوب حريق في بعض المخلفات الزراعية والنخيل بقطعة أرض زراعية بقرية النزله بدائرة المركز،

ومن فورها انتقلت قوات الأمن وقوات الحمايه المدنيه والإسعاف إلى مكان الحريق وتمكنت قوات الحماية المدنية من السيطرة على النيران، بعد أن ارتفعت ألسنة اللهب بسبب اشتعال الأشجار المجاورة وكشفت المعاينة أنه لا يوجد إصابات بشرية،

وتحرر المحضر اللازم بالواقعة وأخطرت النيابة العامة التي امرت بالتحري حول الواقعة وملابستها وإن كان هناك شبهة جنائية من عدمه ومباشرة التحقيق.

مقالات مشابهة

  • عماد الدين حسين: الأموال الساخنة قد تكون مهمة ولكن يجب السيطرة عليها
  • السيطرة على حريق هائل في مخلفات زراعية بالفيوم
  • نائب المحافظ سوهاج يلتقي أهالي ساقلتة في حوار مجتمعي
  • إصابة شخص فى حريق بمخزن كبير للأدوات الكهربائية بالفيوم
  • وفد من كنيسة العذراء مريم بالمنيا يزور المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية
  • غواية الرحيل في الجغرافيا
  • أنقرة تفنّد ادعاءات تتعلق بمسار الحوار التركي السوري
  • إعلام لبناني: العثور على جثة فؤاد شكر تحت الانقاض
  • هنية في آخر تصريح له: القدس هي جوهر الصراع مع إسرائيل
  • هنية في آخر ظهور قبل استشهاده: القدس محور الصراع مع إسرائيل