لجريدة عمان:
2025-04-27@04:46:54 GMT

صمت السودان الذي لا يغتفر

تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT

ترجمة: أحمد شافعي -

في سبتمبر الماضي، عندما زرت مستشفى مؤقتا في أدريه بتشاد، حيث كان اللاجئون السودانيون الصغار يتلقون العلاج من سوء التغذية الحاد، لم أسمع شيئا غير هذا: صمتا غريبا.

كنت قد حاولت تأهيل نفسي لبكاء الأطفال ممن يعانون المرض والهزال، لكن أولئك المرضى كان قد تمكن منهم الضعف فلم يقووا حتى على البكاء.

في ذلك اليوم، رأيت طفلا يبلغ من العمر ستة أشهر، وحجمه هو حجم طفل حديث الولادة، وطفلا كاحلاه متورمان، وجسمه مليء بالتقرحات، من جراء سوء التغذية الحاد.

كانت المشاهد سواء من وجهين، فهي مريعة مستحدثة، ومأساوية مألوفة.

كنت قبل عشرين عاما قد زرت المدينة نفسها والتقيت بلاجئين سودانيين فروا من العنف في دارفور، حيث نفذ الجنجويد، بدعم من نظام عمر البشير، حملة إبادة جماعية شملت القتل الجماعي والاغتصاب والنهب.

واليوم، حولت الحرب الأهلية السودان مرة أخرى إلى جحيم لا يطاق. ولكن حتى بعد أن أعلنت جماعات الإغاثة أن الأزمة الإنسانية في البلد من أسوأ الأزمات في العالم، لم يلق الشعب السوداني غير القليل من الاهتمام أو المساعدة.

وإنني أضغط منذ ما يقرب من عام على مجلس الأمن في الأمم المتحدة لكي يجهر بالحديث. وأخيرا في الثامن من مارس دعا المجلس إلى الوقف الفوري للأعمال العدائية. وهذه خطوة إيجابية إلى الأمام، ولكنها ليست حتى بالقريبة من الكافية - وهي لا تغير حقيقة الصمت إلى حد كبير من المجتمع الدولي ومن وسائل الإعلام.

يجب أن ينتهي صمت العالم وتقاعسه، ويجب أن ينتهي الآن.

أول ما يجب أن يحدث هو أن علينا أن نزيد الدعم الإنساني للفئات الأكثر ضعفا في السودان. إذ يواجه ثمانية عشر مليون سوداني الجوع الحاد، والمجاعة بادية في الأفق. واضطر ما يقرب من ثمانية ملايين شخص على ترك منازلهم في ما أصبح أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم. وانتشرت الحصبة والكوليرا وغيرها من الأمراض التي يمكن الوقاية منها.

منذ بداية هذا الصراع، وعاملو المجال الإنساني موجودون على الأرض، وغالبا ما يعرضون حياتهم للخطر من أجل إنقاذ الآخرين، ولكن المقاتلين من كلا جانبي الحرب يتعمدون تقويض جهودهم. إذ أعاقت القوات المسلحة السودانية عبور المساعدات الإنسانية الرئيسية من تشاد إلى دارفور، وقام أعضاء قوات الدعم السريع المنافسة بنهب مستودعات المساعدات الإنسانية.

يجب على القادة الإقليميين والعالميين أن يطالبوا الأطراف المتحاربة بشكل معلن ولا لبس فيه باحترام القانون الإنساني الدولي وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية. وإذا لم يصغ الأطراف، فيجب على مجلس الأمن أن يتخذ إجراءات سريعة لضمان تسليم وتوزيع المساعدات المنقذة للحياة. ويجب أن ينظر المجلس في كل الأدوات المتاحة له، ومنها التفويض بالتحرك من تشاد وجنوب السودان إلى السودان، كما فعلت الأمم المتحدة مع تدفقات المساعدات عبر الحدود إلى سوريا. والولايات المتحدة مهيأة للمساعدة في قيادة هذه المبادرة.

ونعتقد أيضا أنه ينبغي للأمم المتحدة تعيين مسؤول إنساني رفيع المستوى خارج السودان للدعوة إلى وصول المساعدات الإنسانية، وتوسيع نطاق جهود الإغاثة، وحشد الجهات المانحة الدولية. ولقد حذر برنامج الغذاء العالمي من أنه ما لم تصل تمويلات جديدة فإنه سيضطر إلى قطع المساعدات الغذائية عن مئات الآلاف من اللاجئين السودانيين في تشاد في وقت مبكر من الشهر المقبل. ولم يلق النداء الإنساني الذي أطلقته الأمم المتحدة من أجل السودان غير استجابة ضئيلة. وهذا غير مقبول. والولايات المتحدة هي أكبر دولة مانحة منفردة في كل المسعيين. والآن يجب أن تتقدم دول أخرى.

ولا بد أن يطالب المجتمع الدولي أيضا بحماية المدنيين وتحقيق العدالة لضحايا جرائم الحرب.

في تقرير قانون إيلي ويزل لعام 2023، نبهت إدارة بايدن إلى استمرار التقارير عن الانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان في السودان. وفي ديسمبر، قطع وزير الخارجية أنطوني بلينكن أن المقاتلين من كلا الجانبين قد ارتكبوا جرائم حرب وأن أفرادا من قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها قد ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية وتطهيرا عرقيا.

عندما زرت الحدود السودانية في العام الماضي، أعلنت عن عقوبات أمريكية على قادة الميليشيات الذين ارتكبوا انتهاكات ضد المدنيين، منها عنف جنسي مرتبط بالنزاع وقتل على أساس عرقي. ومنذ ذلك الحين، أصدرنا عدة دفعات أخرى من العقوبات المستهدفة.

علينا أن نكسر دائرة الإفلات من العقاب. علينا أن نطالب بمحاسبة المسؤولين عن الفظائع التي تجري أمام أعيننا، وهي فظائع موثقة بتفاصيل مروعة في تقرير صدر مؤخرا عن الأمم المتحدة. فقد تبين لمحققين أن النساء والفتيات، وبعضهن لا يتجاوز عمرهن أربعة عشر عاما، تعرضن للاغتصاب الوحشي على أيدي رجال من قوات الدعم السريع، وأن قناصة المجموعة استهدفوا المدنيين بشكل عشوائي، وأن قرى بأكملها تعرضت للإحراق وذبح السكان، فضلا عن فظائع أخرى. وفي أواخر العام الماضي، بحسب التقرير، تعرض أكثر من ألف من المساليت والأقليات غير العربية للذبح في قرية أرداماتا بغرب دارفور.

علينا أن نقف جميعا داعمين للتحقيق المستمر الذي تجريه المحكمة الجنائية الدولية في دعاوى جرائم الحرب في المنطقة، وداعمين أيضا لجهود التوثيق المحلية والدولية ومبادرات المساءلة الأخرى.

وعلينا أخيرا أن نفعل كل ما في وسعنا لوقف القتال وإعادة السودان إلى طريق الديمقراطية. وفي الوقت الراهن، تقوم بضع قوى إقليمية بإرسال الأسلحة إلى السودان. وهذا الدعم الخارجي يعمل على إطالة أمد الصراع وتمكين ارتكاب الفظائع التي تحدث في جميع أنحاء غرب دارفور، ومنها مجازر تذكِّرنا بالإبادة الجماعية عام 2004. وقد أوضح مجلس الأمن أن عمليات نقل الأسلحة غير الشرعية هذه تنتهك حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة وأنها يجب أن تتوقف.

لن يتم حل هذا الصراع في ساحة المعركة. ولكن سيتم حله على طاولة المفاوضات. فعلى أصحاب النفوذ، وخاصة الاتحاد الأفريقي وزعماء شرق أفريقيا والخليج العربي، أن يدفعوا الأطراف المتحاربة نحو السلام.

وسوف تواصل إدارة بايدن دعم هذه الجهود الدبلوماسية. ففي الشهر الماضي فقط، قام الوزير بلينكن بتعيين توم بيرييلو، صاحب الخبرة الكبيرة بالمنطقة، مبعوثا خاصا للولايات المتحدة إلى السودان.

وتعمل الولايات المتحدة على توحيد اللاعبين المعنيين حول هدف مشترك متمثل في منع تفكك السودان الذي من شأنه أن يغذي الاضطراب في عموم أنحاء منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر. كما نعمل أيضا مع القادة الشعبيين الشجعان من أجل بناء زخم نحو مستقبل أفضل، يستطيع فيه الشعب السوداني تحقيق تطلعاته إلى حكومة مدنية منتخبة ديمقراطيا.

برغم ضجيج إطلاق النار والقصف، سمع شعب السودان صمتنا. وإنهم ليسألوننا لماذا تخلينا عنهم، ولماذا نسيناهم؟ يجب على المجتمع الدولي، بعد طول انتظار، أن يجهر بالحديث وأن يعمل مجتمعا على إنهاء هذا الصراع الذي لا معنى له.

ليندا توماس جرينفيلد سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة.

خدمة نيويورك تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المساعدات الإنسانیة الأمم المتحدة علینا أن یجب أن

إقرأ أيضاً:

الأمم المتحدة: خفض تمويل المساعدات العالمية يعطل جهود تطعيم الأطفال ضد الأمراض القاتلة

قالت الأمم المتحدة، إن خفض تمويل المساعدات العالمية من قبل الولايات المتحدة يعطل بشكل كبير جهود تطعيم الأطفال ضد الأمراض القاتلة، وهو الأمر الذي يشبه ما حدث خلال جائحة كورونا.

وأشار تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية واليونيسيف والتحالف العالمي للقاحات والتحصين (جافي) إلى أن حالات تفشي الأمراض المعدية، مثل الحصبة والتهاب السحايا والحمى الصفراء، قد تزايدت على مستوى العالم، في الوقت الذي تأثرت فيه عمليات التطعيم الطارئة والروتينية في العديد من البلدان.

 

تزايد تفشي الأمراض

ووفقًا للتقارير الواردة من مكتب منظمة الصحة العالمية في 108 دول، معظمها من الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، فإن نصف البلدان تقريبًا شهدت تراجعًا في عمليات التطعيم بداية من أبريل 2025 نتيجة تخفيضات التمويل.

في بيان مشترك، قالت كاثرين راسل، المديرة التنفيذية لليونيسيف، إن هذا الوضع يشبه النكسات التي حدثت خلال جائحة كورونا، موضحة أن هذه الأمراض قابلة للوقاية عن طريق اللقاحات.

تأثير خفض التمويل الأمريكي

وقال البيان إن جائحة كورونا تسببت في أكبر تراجع في تطعيم الأطفال منذ جيل كامل، حيث أدى خفض التمويل الأمريكي، الذي كانت تساهم فيه الولايات المتحدة سابقًا بشكل كبير، إلى تهديد جهود مكافحة هذه الأمراض.

فيما أعلنت سانيا نيشتار، الرئيسة التنفيذية لمنظمة جافي، أن مواجهة تفشي الأمراض المعدية أمر ممكن، ولكن فقط إذا تم تمويل المنظمة بشكل كامل.

نداء للحفاظ على التمويل

ودعت الوكالات الصحية العالمية إلى الحفاظ على تمويل تطعيم الأطفال قبل جولة التمويل المقبلة لـ جافي المقررة في يونيو 2025. 

تسعي المجموعة لجمع 9 مليارات دولار لتمويل أنشطتها خلال الفترة من 2026 إلى 2030.

ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض

وأشارت البيانات إلى أن حالات الإصابة بـ الحصبة قد شهدت زيادة سنوية منذ 2021، بينما ارتفعت حالات الإصابة بـ التهاب السحايا في إفريقيا العام الماضي، وتزايدت حالات الإصابة بـ الحمى الصفراء بعد انخفاضها في العقد الماضي.

في سياق آخر، كشفت وثيقة داخلية للحكومة الأمريكية في الشهر الماضي عن خطط لتقليص مساهمتها في اليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية، في إطار سياسة "أمريكا أولًا"، مع إلغاء المساهمة السنوية التي تبلغ نحو 300 مليون دولار في جافي.

توترات حول الدور الأمريكي في جافي

وفي الأسبوع الماضي، رشحت وزارة الخارجية الأمريكية مارك لويد، مساعد المدير العام للصحة العالمية، لعضوية مجلس إدارة جافي، وهو المقعد الذي كان شاغرًا سابقًا. 

بينما رفضت وزارة الخارجية الأمريكية وجافي التعليق على التأثير المحتمل لهذا الترشيح على التمويل الأمريكي.

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة: خفض تمويل المساعدات العالمية يعطل جهود تطعيم الأطفال ضد الأمراض القاتلة
  • اتفاق المنامة السوداني الذي يتجاهله الجميع
  • نص الخطاب الذي سلمته اللجنة العليا للحملة القومية لنجدة الفاشر إلى الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة
  • الأمم المتحدة: مخيم زمزم للنازحين في غرب السودان “شبه خال” بعدما سيطرت عليه قوات الدعم السريع
  • حزنت جدا للمصيبة التي حلت بمتحف السودان القومي بسبب النهب الذي تعرض له بواسطة عصابات الدعم السريع
  • الأمم المتحدة: غزة أصبحت ميدانًا للقتل.. والمساعدات متوقفة منذ أكثر من 50 يومًا
  • مساعد البرهان يبلغ مبعوث للامم المتحدة شروط توقف الحرب ضد الدعم السريع
  • نزوح جماعي في الفاشر.. والبرهان يتلقى رسالة من غوتيريش (شاهد)
  • الأمم المتحدة: المساعدات الإنسانية التي نقدمها في غزة تتم وفق مبادئ الإنسانية
  • الأمم المتحدة تشدد على استقلالية توزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة