لجريدة عمان:
2024-11-26@22:44:59 GMT

صمت السودان الذي لا يغتفر

تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT

ترجمة: أحمد شافعي -

في سبتمبر الماضي، عندما زرت مستشفى مؤقتا في أدريه بتشاد، حيث كان اللاجئون السودانيون الصغار يتلقون العلاج من سوء التغذية الحاد، لم أسمع شيئا غير هذا: صمتا غريبا.

كنت قد حاولت تأهيل نفسي لبكاء الأطفال ممن يعانون المرض والهزال، لكن أولئك المرضى كان قد تمكن منهم الضعف فلم يقووا حتى على البكاء.

في ذلك اليوم، رأيت طفلا يبلغ من العمر ستة أشهر، وحجمه هو حجم طفل حديث الولادة، وطفلا كاحلاه متورمان، وجسمه مليء بالتقرحات، من جراء سوء التغذية الحاد.

كانت المشاهد سواء من وجهين، فهي مريعة مستحدثة، ومأساوية مألوفة.

كنت قبل عشرين عاما قد زرت المدينة نفسها والتقيت بلاجئين سودانيين فروا من العنف في دارفور، حيث نفذ الجنجويد، بدعم من نظام عمر البشير، حملة إبادة جماعية شملت القتل الجماعي والاغتصاب والنهب.

واليوم، حولت الحرب الأهلية السودان مرة أخرى إلى جحيم لا يطاق. ولكن حتى بعد أن أعلنت جماعات الإغاثة أن الأزمة الإنسانية في البلد من أسوأ الأزمات في العالم، لم يلق الشعب السوداني غير القليل من الاهتمام أو المساعدة.

وإنني أضغط منذ ما يقرب من عام على مجلس الأمن في الأمم المتحدة لكي يجهر بالحديث. وأخيرا في الثامن من مارس دعا المجلس إلى الوقف الفوري للأعمال العدائية. وهذه خطوة إيجابية إلى الأمام، ولكنها ليست حتى بالقريبة من الكافية - وهي لا تغير حقيقة الصمت إلى حد كبير من المجتمع الدولي ومن وسائل الإعلام.

يجب أن ينتهي صمت العالم وتقاعسه، ويجب أن ينتهي الآن.

أول ما يجب أن يحدث هو أن علينا أن نزيد الدعم الإنساني للفئات الأكثر ضعفا في السودان. إذ يواجه ثمانية عشر مليون سوداني الجوع الحاد، والمجاعة بادية في الأفق. واضطر ما يقرب من ثمانية ملايين شخص على ترك منازلهم في ما أصبح أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم. وانتشرت الحصبة والكوليرا وغيرها من الأمراض التي يمكن الوقاية منها.

منذ بداية هذا الصراع، وعاملو المجال الإنساني موجودون على الأرض، وغالبا ما يعرضون حياتهم للخطر من أجل إنقاذ الآخرين، ولكن المقاتلين من كلا جانبي الحرب يتعمدون تقويض جهودهم. إذ أعاقت القوات المسلحة السودانية عبور المساعدات الإنسانية الرئيسية من تشاد إلى دارفور، وقام أعضاء قوات الدعم السريع المنافسة بنهب مستودعات المساعدات الإنسانية.

يجب على القادة الإقليميين والعالميين أن يطالبوا الأطراف المتحاربة بشكل معلن ولا لبس فيه باحترام القانون الإنساني الدولي وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية. وإذا لم يصغ الأطراف، فيجب على مجلس الأمن أن يتخذ إجراءات سريعة لضمان تسليم وتوزيع المساعدات المنقذة للحياة. ويجب أن ينظر المجلس في كل الأدوات المتاحة له، ومنها التفويض بالتحرك من تشاد وجنوب السودان إلى السودان، كما فعلت الأمم المتحدة مع تدفقات المساعدات عبر الحدود إلى سوريا. والولايات المتحدة مهيأة للمساعدة في قيادة هذه المبادرة.

ونعتقد أيضا أنه ينبغي للأمم المتحدة تعيين مسؤول إنساني رفيع المستوى خارج السودان للدعوة إلى وصول المساعدات الإنسانية، وتوسيع نطاق جهود الإغاثة، وحشد الجهات المانحة الدولية. ولقد حذر برنامج الغذاء العالمي من أنه ما لم تصل تمويلات جديدة فإنه سيضطر إلى قطع المساعدات الغذائية عن مئات الآلاف من اللاجئين السودانيين في تشاد في وقت مبكر من الشهر المقبل. ولم يلق النداء الإنساني الذي أطلقته الأمم المتحدة من أجل السودان غير استجابة ضئيلة. وهذا غير مقبول. والولايات المتحدة هي أكبر دولة مانحة منفردة في كل المسعيين. والآن يجب أن تتقدم دول أخرى.

ولا بد أن يطالب المجتمع الدولي أيضا بحماية المدنيين وتحقيق العدالة لضحايا جرائم الحرب.

في تقرير قانون إيلي ويزل لعام 2023، نبهت إدارة بايدن إلى استمرار التقارير عن الانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان في السودان. وفي ديسمبر، قطع وزير الخارجية أنطوني بلينكن أن المقاتلين من كلا الجانبين قد ارتكبوا جرائم حرب وأن أفرادا من قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها قد ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية وتطهيرا عرقيا.

عندما زرت الحدود السودانية في العام الماضي، أعلنت عن عقوبات أمريكية على قادة الميليشيات الذين ارتكبوا انتهاكات ضد المدنيين، منها عنف جنسي مرتبط بالنزاع وقتل على أساس عرقي. ومنذ ذلك الحين، أصدرنا عدة دفعات أخرى من العقوبات المستهدفة.

علينا أن نكسر دائرة الإفلات من العقاب. علينا أن نطالب بمحاسبة المسؤولين عن الفظائع التي تجري أمام أعيننا، وهي فظائع موثقة بتفاصيل مروعة في تقرير صدر مؤخرا عن الأمم المتحدة. فقد تبين لمحققين أن النساء والفتيات، وبعضهن لا يتجاوز عمرهن أربعة عشر عاما، تعرضن للاغتصاب الوحشي على أيدي رجال من قوات الدعم السريع، وأن قناصة المجموعة استهدفوا المدنيين بشكل عشوائي، وأن قرى بأكملها تعرضت للإحراق وذبح السكان، فضلا عن فظائع أخرى. وفي أواخر العام الماضي، بحسب التقرير، تعرض أكثر من ألف من المساليت والأقليات غير العربية للذبح في قرية أرداماتا بغرب دارفور.

علينا أن نقف جميعا داعمين للتحقيق المستمر الذي تجريه المحكمة الجنائية الدولية في دعاوى جرائم الحرب في المنطقة، وداعمين أيضا لجهود التوثيق المحلية والدولية ومبادرات المساءلة الأخرى.

وعلينا أخيرا أن نفعل كل ما في وسعنا لوقف القتال وإعادة السودان إلى طريق الديمقراطية. وفي الوقت الراهن، تقوم بضع قوى إقليمية بإرسال الأسلحة إلى السودان. وهذا الدعم الخارجي يعمل على إطالة أمد الصراع وتمكين ارتكاب الفظائع التي تحدث في جميع أنحاء غرب دارفور، ومنها مجازر تذكِّرنا بالإبادة الجماعية عام 2004. وقد أوضح مجلس الأمن أن عمليات نقل الأسلحة غير الشرعية هذه تنتهك حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة وأنها يجب أن تتوقف.

لن يتم حل هذا الصراع في ساحة المعركة. ولكن سيتم حله على طاولة المفاوضات. فعلى أصحاب النفوذ، وخاصة الاتحاد الأفريقي وزعماء شرق أفريقيا والخليج العربي، أن يدفعوا الأطراف المتحاربة نحو السلام.

وسوف تواصل إدارة بايدن دعم هذه الجهود الدبلوماسية. ففي الشهر الماضي فقط، قام الوزير بلينكن بتعيين توم بيرييلو، صاحب الخبرة الكبيرة بالمنطقة، مبعوثا خاصا للولايات المتحدة إلى السودان.

وتعمل الولايات المتحدة على توحيد اللاعبين المعنيين حول هدف مشترك متمثل في منع تفكك السودان الذي من شأنه أن يغذي الاضطراب في عموم أنحاء منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر. كما نعمل أيضا مع القادة الشعبيين الشجعان من أجل بناء زخم نحو مستقبل أفضل، يستطيع فيه الشعب السوداني تحقيق تطلعاته إلى حكومة مدنية منتخبة ديمقراطيا.

برغم ضجيج إطلاق النار والقصف، سمع شعب السودان صمتنا. وإنهم ليسألوننا لماذا تخلينا عنهم، ولماذا نسيناهم؟ يجب على المجتمع الدولي، بعد طول انتظار، أن يجهر بالحديث وأن يعمل مجتمعا على إنهاء هذا الصراع الذي لا معنى له.

ليندا توماس جرينفيلد سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة.

خدمة نيويورك تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المساعدات الإنسانیة الأمم المتحدة علینا أن یجب أن

إقرأ أيضاً:

رئيس مجلس السيادة يلتقي وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية

إلتقى رئيس مجلس السيادة الإنتقالي القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان ، الاثنين، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر، بحضور السفير عمر عيسى وكيل وزارة الخارجية بالإنابة.وقال السفير عمر عيسى وكيل وزارة الخارجية بالإنابة في تصريح صحفي، أن اللقاء كان إيجابيا ومثمرا تطرق إلى مجمل الأوضاع الإنسانية والجهود المبذولة لإيصال المساعدات الإنسانية لمستحقيها، منوهاً إلى أن وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية عبر خلال اللقاء عن رضائه لما تقدمه وتقوم به الحكومة السودانية من تسهيل للإجراءات لوصول المساعدات الإنسانية ووصول فرقهم الفنية إلى المناطق التي طلبوا زيارتها.وأضاف السفير عمر أن رئيس مجلس السيادة وجه جهات الاختصاص بالتعاون مع الأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة بالسودان ، كما عبر عن رضائه التام للتعاون القائم بين الطرفين، كما حث البرهان الأمم المتحدة ووكالاتها بضرورة بذل المزيد من الجهود لإيصال الإغاثة للمحتاجين.وأشار وكيل الخارجية إلى أنه سيتم فتح المعابر والمطارات لتسهيل إنسياب المساعدات وقال ” هناك بعض الطلبات تقدمت بها البعثة وسيتم دراستها من الجانب السوداني لافتا إلى أن بعض المقترحات إيجابية وسيتم الرد عليها خلال الأيام القادمة.من جانبه عبر توم فليتشر عبر عن شكره وتقديره لجهود الحكومة السودانية الرامية لتعزيز ودفع مجالات العمل الإنساني وتقديم العون ووصول المساعدات الإنسانية، وقال” أن زيارته للبلاد تأتي في إطار الوقوف ميدانياً على الأوضاع الإنسانية وعمل الفرق الفنية التابعة للبعثة على أرض الواقع والاستماع لرؤيتهم بهدف إتخاذ الترتبيات اللازمة لدعم المجالات الإنسانية.وقال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ” أن رئيس مجلس السيادة نقل له تأكيدات وحرص الحكومة على العمل والتعاون والتنسيق المشترك مع المنظومة الأممية لضمان إنسياب المساعدات الإنسانية لمستحقيها.وأمن توم على أهمية الشراكة والتعاون بين الجانبين وصولاً للمحتاجين وإيصال المساعدات الإنسانية علاوة على حل التحديات التي تواجه العمل الإنساني، مؤكداً حرص الأمم المتحدة ومضاعفة جهودها لضمان وصول وإنسياب المساعدات الإنسانية للمحتاجين.سونا إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة: سلطات الاحتلال ترفض 37 محاولة لوصول المساعدات الإنسانية إلى شمال غزة
  • ملك المغرب يطالب بالإيقاف الفوري للحرب في غزة وايصال المساعدات الإنسانية
  • بوريل: المساعدات الإنسانية لا تصل إلى غزة والأمم المتحدة غير قادرة على تقديم الدعم
  • مسؤول أممي يدعو إلى اهتمام دولي بـ«الأزمة مذهلة الأبعاد» في السودان
  • رئيس مجلس السيادة يلتقي وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية
  • البرهان يبحث التعاون الإنساني مع وكيل الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية
  • أحمد أباظة: إسرائيل تتحدى العالم بمنعها وصول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة
  • الأمم المتحدة: زيادة التمويل لخطة الاستجابة الإنسانية في السودان
  • عربية النواب: إسرائيل تتحدى العالم بمنعها وصول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة
  • إيغلاند: السودان يتجه نحو مجاعة بدأ عدها التنازلي