بالرغم من أن سلطنة عُمان تملك ثراءً جيولوجيا هائلاً يسهم بصورة مباشرة في تنمية القطاعات الحيوية (كقطاعات النفط والغاز والتعدين والطاقة المتجددة والهيدروجين والحياد الصفري والماء والمخاطر الطبيعية والموارد البحرية والبيئة بشكل عام)؛ إلا أنها لم تنشئ حتى اليوم هيئة مساحة جيولوجية أسوة بالدول العربية والعالمية الأخرى، هذا على الرغم من الإمكانات الجيولوجية الهائلة التي تختزنها أرض عُمان سطحًا وباطنًا.

وعلى الرغم من وجود بيانات هائلة وبحوث علمية غزيرة موزعة في قطاعات مختلفة تم إنجازها خلال عقود؛ إلا أنه لا توجد جهة في سلطنة عُمان اليوم تقوم بالأدوار الحقيقية التي تُعنى بها كهيئة مساحة جيولوجية، علمًا بأن هيئات المساحة الجيولوجية في العالم توفر بيئة خصبة جدا لجلب الاستثمارات وتوظيف مواطنين بمهارات علمية تسهم في تطوير هذا القطاع وغيره من القطاعات الأخرى المعتمدة عليه.

هيئة المساحة الجيولوجية هي جهة تُعنَى بإجراء مسوحات جيولوجية داخل منطقة أو بلد معين، سواء كانت هذه المسوحات على سطح الأرض أو في باطنها. كما أنها مسؤولة عادة على إيجاد تكاملية بين القطاعات الاقتصادية الحيوية التي تعتمد على علوم الأرض في نجاحها، وهي عبارة عن مؤسسة حكومية أو منظمة منضوية تحت جمعية رسمية أو شركة خاصة تقوم على إثراء وتحديث قواعد معلومات علوم الأرض من نتائج أعمال المسح الجيولوجي المستدام والمستمر لتغطية كافة أراضي سلطنة عُمان بخرائط جيولوجية ذات مقاييس رسم مختلفة وبيانات ومعلومات مكانية رقمية دقيقة ونظم معلومات جغرافية حيث تكون خرائط الأساس الطبوغرافية والجغرافية، والصور الجوية، وصور الأقمار الاصطناعية ركائز أساسية لأعمال المسح الجيولوجي ومسوحات أخرى.

كما تشمل هيئة المساحة الجيولوجية عادة أدوارًا واختصاصات حيوية في مجالات متعددة، من أهمها:

1- إنشاء وتطوير قاعدة بيانات جيولوجية وبصفة موثوقة وشاملة؛ إذ تعتبر هذه القاعدة البيانات مصدرًا قيمًا للمعلومات الجيولوجية والجيومورفولوجية والجيوكيميائية والجيوفيزيائية مسهمة في فهم تكوين الأرض وتوزيع الموارد الطبيعية وتحليل المخاطر الطبيعية ويمكن استخدام هذه القاعدة في العديد من المجالات مثل الاستكشاف واستخراج المعادن والنفط والغاز، وإدارة المياه الجوفية، وتقييم المخاطر الجيولوجية المحيطة. وبالإضافة إلى ذلك، تسهم القاعدة البيانات الجيولوجية في توجيه السياسات البيئية، وتعد عاملاً أساسيًا في التنمية المستدامة للمجتمعات المحلية والعالمية.

2- تنظيم الخرائط الجيولوجية وتوجيهها للاستفادة من الموارد: تنظيم الخرائط الجيولوجية وتحديثها بانتظام يعد جزءًا أساسيًا من الجهود التي ستعمل الهيئة على إنجازها. وذلك من خلال جمع وتحليل بيانات الخرائط الجيولوجية وصور الأقمار الاصطناعية المتاحة، والنظر في آليات تطويرها رقميًا بطريقة يسهل الوصول إليها. وستعمل الهيئة على تحديث الخرائط الجيولوجية باستمرار لضمان توافر معلومات دقيقة ومحدثة للباحثين والمهتمين في مجالات البحث العلمي والصناعي. وتتمثل أهمية هذه الخرائط في توجيه السياسات البيئية والتنموية، وتطوير الصناعات التعدينية، وتحديد فرص الاستثمار في القطاعات الطبيعية. كما توفر هذه الخرائط أيضًا الأسس العلمية للتخطيط الحضري المستدام وإدارة المخاطر الطبيعية.

3- عمل دراسات موسعة لمجالات تخزين غاز ثاني أكسيد الكربون وغاز الهيدروجين: تخزين ثاني أكسيد الكربون (CO2) وغاز الهيدروجين يعتبر جزءًا أساسيًا من إستراتيجيات الحد من انبعاثات الكربون وتطوير الطاقة المستدامة. يشمل تخزين ثاني أكسيد الكربون تقنيات مثل: التخزين الجيولوجي؛ إذ يُضخ ثاني أكسيد الكربون المنبعث من مصادر مثل محطات توليد الطاقة والصناعات الثقيلة إلى طبقات جيولوجية عميقة تحت الأرض للحفاظ عليه ومنعه من الانتشار في الغلاف الجوي. أما تخزين غاز الهيدروجين فيشمل تخزينه في باطن الأرض أو في أنابيب مصممة لحفظه بأمان، حتى يمكن استخدامه في المستقبل كوقود نظيف ومتجدد للسيارات والصناعات. إن تطوير تقنيات فعالة لتخزين الهيدروجين يعزز من استدامة الطاقة ويخلق فرصًا لتحسين الأداء البيئي والاقتصادي. وفي هذا الصدد؛ ستسعى الهيئة إلى توسعة الدراسات المتعلقة بهذا المجال والبحث عن الأماكن الحيوية والمناسبة لتطبيق تقنيات التخزين، ووضع حلقة وصل منظمة بين الهيئة والجهات الحكومية والخاصة ذات العلاقة، وذلك لتحقيق نقلة نوعية جيدة في مجالات تقليل الانبعاثات الضارة وتعزيز استدامة الطاقة.

4- تقييم المخاطر الطبيعية: من خلال دراسة الهياكل الجيولوجية بما يمكن من تقييم المخاطر المرتبطة بالكوارث الطبيعية مثل: الزلازل والانهيارات الأرضية المحتملة، خصوصًا في الشوارع العامة والمناطق السكنية والصناعية. وسيساعد هذا على إيجاد قاعدة بيانات مرجعية لربط المخاطر الطبيعية بالبيانات الجيولوجية المختلفة.

5- حماية البيئة: المسوحات الجيولوجية توفر معلومات قيمة لتقييم التأثير البيئي لمشروعات البناء وعمليات التعدين وغيرها من الأنشطة التي قد تؤثر على النظم البيئية أو الموارد المائية. باستخدام هذه المعلومات؛ يمكن تحديد المناطق الحساسة بيئياً وتطوير استراتيجيات الحماية البيئية، بالإضافة إلى تقديم تقديرات دقيقة للتأثيرات البيئية المحتملة واتخاذ القرارات المدروسة للتخطيط البيئي وإدارة الموارد الطبيعية، وبالتالي تعزيز الاستدامة البيئية وحماية النظم البيئية الطبيعية.

6- البحث العلمي: تُعد المسوحات الجيولوجية مصدرًا حيويًا للبحث العلمي؛ لأنها تسهم في فهمٍ عميقٍ لتاريخ الأرض وتطورها من خلال توفير البيانات والمعلومات الضرورية للجيولوجيا وعلم الأحافير وعلم المناخ بفضل دراسة الطبقات الجيولوجية والصخور. وتسهم هذه المعلومات في دراسة العوامل التي أثرت على تشكيل الطبيعة وتطور الأرض، مما يعزز من التقدم العلمي وفهمنا لعمليات الطبيعة وتأثيراتها على الحياة الأرضية.

7- تطوير البنية التحتية: تعد معرفة الظروف الجيولوجية أمرًا حيويًا لتخطيط وهندسة مشاريع البنية التحتية مثل: الطرق والجسور والأنفاق والمباني. وتساعد المسوحات الجيولوجية في تحديد المواقع المناسبة وتصميم الهياكل التي يمكنها تحمل التحديات الجيولوجية، مع العمل على مشاركة البيانات الجيولوجية للجهات ذات الاهتمام الهندسي والتخطيطي.

توظف هذه الهيئات عادة الجيولوجيين والجيوفيزيائيين والهيدرولوجيين وخبراء آخرين لإجراء العمل الميداني وجمع البيانات وتحليل النتائج، وتتعاون أيضًا مع المؤسسات الأكاديمية والوكالات الحكومية الأخرى والشركات الخاصة لتحقيق أهدافها.

كذلك تعتبر التطبيقات الجيولوجية المتطورة والتقنية مهمة جدًا في عمليات التطبيق والمحاكاة، وستسهم البرمجيات الحاسوبية وتقنيات الذكاء الاصطناعي الحالية في عمل تكامل حيوي وذي تفاعل سريع يسهل من خلاله تمثيل البيانات وعرضها بشكل واضح وميسر للجميع. وأيضًا ستكون مرجعًا جيدًا لجميع الجهات الحكومية والخاصة وكذلك للمهتمين والباحثين في مجالات العلوم الجيولوجية والعلوم الأخرى المرتبطة.

ستكون الهيئة - كما نراها- مرجعًا وطنيًا عالمي المستوى في أبحاث علوم الأرض والمسح عن الموارد الطبيعية ورصد ومراقبة الأنشطة الجيولوجية لحماية المجتمع وتمكين سلطنة عمان من الاستغلال الأمثل لمواردها الطبيعية.

وفي ظل النهضة المتجددة التي يقودها بخطى علمية وثابة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله ورعاه-؛ نأمل أن نرى هيئة مساحة جيولوجية عُمانية قريبًا -إن شاء الله- تشارك بفعالية في تنفيذ رؤية ٢٠٤٠ من خلال دعم وتطوير قطاع حيوي مهم لثروات وموارد طبيعية تزخر بها سلطنة عُمان من شأنه الدفع بمقومات الاقتصاد العُماني واستدامته.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ثانی أکسید الکربون المخاطر الطبیعیة جیولوجیة ع جیولوجیة ا فی مجالات من خلال

إقرأ أيضاً:

«التراث والسياحة» تصدر «مشاهد الدفن في العصر البرونزي المبكر بشبه الجزيرة العُمانية»

«العُمانية»: صدرت عن وزارة التراث والسياحة الطبعة المحلية لكتاب «مشاهد الدفن في العصر البرونزي المبكر والطقوس الجنائزية في شبه الجزيرة العُمانية» للبروفيسورة كيمبرلي دي ويليامز، ويعد الإصدار الـ12 ضمن سلسلة التراث الأثري في سلطنة عُمان التي تصدرها الوزارة بالتعاون مع دار الآركيوبرس للنشر في أكسفورد بالمملكة المتحدة.

وتُقدم عالمة الآثار الجنائزية المتخصصة البروفيسورة كيمبرلي دي ويليامز في هذا الكتاب الصادر باللغة الإنجليزية تحليلا شاملا للممارسات الجنائزية القديمة في سلطنة عُمان مع تسليط الضوء على مقابر العصر البرونزي المُذهلة في تصاميمها، والتي لا تزال تحتفظ بأشكالها المتفردة وتسهم في رسم المشهد الثقافي للطقوس الجنائزية في ذلك العصر بسلطنة عُمان.

واعتمدت المؤلفة في إنجاز هذا الكتاب على خبرتها البحثية الواسعة وعملها الميداني المتخصص في مختلف المواقع الأثرية في سلطنة عُمان بالتعاون مع وزارة التراث والسياحة وجامعة السلطان قابوس.

ومن خلال كتابها هذا عملت البروفيسورة ويليامز على دراسة طرق وأساليب بناء مقابر ومدافن العصر البرونزي واستخداماتها الجنائزية وأهميتها الثقافية؛ فقد كشف عملها هذا الستار عن مزيج من المهارات المعمارية، والممارسات الشعائرية، والنظم العقائدية التي ميزت ذلك العصر.

كما سلطت هذه الدراسة الضوء على المنهجيات والطقوس والممارسات المتنوعة المرتبطة بأنظمة هذه المجتمعات القديمة، وعلى الاختلافات التي ميزت هذه المجتمعات خلال فترات زمنية متنوعة.

ويُعد هذا الإصدار مرجعا علميا وموسوعيا مهما ورائدا في مجاله؛ فهو يشرح مختلف الجوانب والمعطيات المتعلقة بهذه الطقوس الجنائزية، كما يوثق مُحتواه جميع الآثار الجنائزية المعروفة في العصر البرونزي المُبكر في سلطنة عُمان، ويتضمن سجلات مُفصلة لبقايا الهياكل العظمية والمُقتنيات القبورية، ما يجعله مرجعًا أساسيا معتمدا وشاملا للبحوث المُستقبلية، وضروريا للباحثين الذين يدرسون تاريخ سلطنة عُمان عبر مختلف العصور.

كما يعد الكتاب بمثابة البوصلة والمنطلق لطلاب التراث والآثار والمتخصصين والمهتمين؛ فهو يحتوي على مقدمة علمية مقنعة من المعلومات القيمة لعلم الآثار الجنائزي ورؤيته لمظاهر حياة ما قبل التاريخ.

وعن السيرة الذاتية للمؤلفة كيمبرلي دي ويليامز، فهي باحثة مُتمكنة وإحدى عالمات الآثار البارزات على مستوى العالم، وهي أستاذة مشاركة ورئيسة لقسم الأنثروبولوجيا في جامعة تمبل في فيلادلفيا بالولايات المُتحدة الأمريكية، وتناولت أبحاثها ودراساتها ومؤلفاتها الأثرية المتخصصة موضوعات علم الوراثة وعلم الآثار الحيوية وعلم الآثار الجنائزية.

كما ركزت البروفيسورة ويليامز على سلطنة عُمان في أعمالها ودراساتها البحثية المتخصصة منذ عام ٢٠٠٨ حيث قامت بالعديد من الحفريات في الآثار الجنائزية في مختلف محافظات سلطنة عُمان من شمالها إلى جنوبها، إلى جانب اشتغالها آنذاك أستاذًا زائرًا في جامعة السلطان قابوس.

مقالات مشابهة

  • الست.. منى زكي تصور شخصية أم كلثوم بمراحل عديدة من مشوارها الفني
  • «التراث والسياحة» تصدر «مشاهد الدفن في العصر البرونزي المبكر بشبه الجزيرة العُمانية»
  • أمام صمت وزارة صديقي..تقرير أوروبي يؤكد تعرض المغرب لمخاطر سببها الجفاف
  • ضمن دراسات مأمونية مياه الشرب.. مياه سوهاج تستطلع آراء المواطنين بقرية الكتكاتة بمركز ساقلته
  • مصور يرصد بطائرة درون قرية وكان بين أحضان الجبال في سلطنة عُمان
  • زراعة الشيوخ توصى بالتنسيق لإنشاء بورصة ومراكز تجميع للبصل
  • زراعة الشيوخ توصي بالتنسيق بين التعاونيات والقطاع الخاص لإنشاء بورصة ومراكز تجميع للبصل
  • أبوالغيط: المنطقة العربية تأثرت بالتغيرات المناخية والكوارث الطبيعية
  • مجلس حقوق الإنسان يحذر السلطات من المخاطر المترتبة عن زلزال الحوز والتدبير السيء للأزمات في المستقبل
  • إدارة مرفأ بيروت عقدت اجتماعاً فنياً بشأن نتائج وإجراءات تقريرين يتعلقان بتقييم الأمن والمخاطر الصناعية