موقع النيلين:
2024-09-18@10:56:01 GMT

عودة «الحشّاشين»

تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT


في كل موسم رمضاني كنت أحسّ بحنين كبير للأعمال التاريخية الضخمة، بعد أن أستحضر في ذاكرتي ما قدمه التوأم الفني المتميز الكاتب وحيد سيف، والمخرج حاتم علي، رحمه الله. فما تزال الثلاثية الأندلسية محفورة في ذاكرة كل من تابعها. وتابعت مسلسلات تاريخية عديدة بعد الثلاثية مثل «عمر» و«مقامات العشق» عن ابن عربي، وصولاً إلى «رسالة الإمام» العام الماضي فوجدتها – وهذا رأي لا أُلزم به أحداً – تراوح بين المتوسط والمقبول، وافتقدت فيها الخيط الذي يشد من أول حلقة إلى آخرها مثلما أحسست وأنا أتابع «ربيع قرطبة» مثلاً، لذلك كنت سعيدة بمسلسل الحشاشين، وهو يصبح «ترند» منذ حلقته الأولى، إذ أثار تعليقات ومناقشات، وكُتبت عنه مقالات ومراجعات ولم يبلغ رُبعَه إلى حين كتابة مقالي.

ومجمل الاعتراضات تدور حول فكرتين: اعتماد اللهجة المصرية في مسلسل تدور أحداثه قبل 1000 سنة وفي بلدان متعددة، والمخالفات التاريخية لما عُرف من سيرة حسن الصبّاح، الشخصية المركزية في المسلسل.

وعلى الرغم من أن بعض ما ورد في المسلسل مجرد أساطير تدحضها الحقائق التاريخية مثل اجتماع حسن الصبّاح والوزير نظام الملك والشاعر عمر الخيام أيام الدراسة وتعاهدهم على مساعدة بعضهم، وهذا لا يصح تاريخياً، فنظام الملك أكبر من الصبّاح بـ20 سنة، كما أنهما درسا في بلدين مختلفين، وهي أساطير صاحبت سيرة الصبّاح تماماً مثل الجنة التي قالوا إنه أنشأها في قلعة «آلموت»، ولا أدري كيف يستقيم ذلك في مكان ضيق المساحة شديد الارتفاع تغطيه الثلوج أغلب أشهر السنة، فإنني أتوافق مع المخرج حين علل ذلك بمتطلبات درامية، فالمسلسل ليس درساً في التاريخ لا تذكر فيه سوى الوقائع، بل هو عمل مستوحى من وقائع حدثت فعلاً يمازجها خيال وإبهار بصري عمدته التشويق. ولا أعتقد أن مسلسلاً تاريخياً عربياً كان أو غربياً نجا من تتبع المغالطات التاريخية فيه، بل إن الأحداث نفسها في الكتب تصل حدّ التناقض أحياناً.

أما عن اللغة فكنت أفضل مثل كثيرين غيري لو كانت بالفصحى، وتجربة السوريين في ذلك كانت ناجحة ويُبنى عليها، فاللغة العربية هي الوحيدة التي تجمع ما بين بلدانها، مهما كانت لهجة بلد ما مفهومة أو متعوّداً عليها. إذ تحيل اللهجة المشاهد لا شعورياً إلى الزمن الحالي وتشوّش عليه التماهي مع الفترة التاريخية التي يتابعها.

ما يحسب للمسلسل أن الضجة التي أثيرت حوله دفعت الكثيرين من أعمار مختلفة إلى البحث والقراءة عن «الحشاشين» وزعيمهم «الصبّاح» وهذا بحدّ ذاته يعد نجاحاً للمسلسل سواء قصد صانعوه ذلك أم لم يقصدوه.

د. بروين حبيب – الإمارات اليوم

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

ذاكرتنا التاريخية تقول: حطين مرة أخرى..

يقولون إن العظمة التي صاحبت سيرة صلاح الدين جاءت من عظمة القرار الذي اتخذه وقتها، وهو قرار مواجهة الصليبيين وهم في أوج مجدهم، بعد أن بلغوا من القوة واتساع النفوذ درجة هددت العراق والشام ومصر بل والحجاز والحرمين.. وحين قرر المواجهة كان يعلم تماما أنه سينازل عدوا قويا، مكّن لنفسه في الشرق تمكينا تاما.

لقد قرر الرجل تحدي ملوك إنجلترا وفرنسا وألمانيا ومعهم البابوية ذات النفوذ الواسع في غرب أوروبا في هذا الوقت.. وقام الرجل وقرر جمع الأمة من "الفرات إلى النيل" في قوة واحدة شعارها "الجهاد" وهدفها تطهير البلاد من الصليبيين..

* * *

في أحد الكتب المهمة التي تناولت سيرة الرجل وهو كتاب "الناصر صلاح الدين" الذي كتبه د. سعيد عبد الفتاح عاشور (ت: 2009م) أستاذ التاريخ بجامعة الإسكندرية رحمه الله.. سيلفت نظرنا شيء بالغ الأهمية، سنجد الكاتب يستخدم عبارة "وشاءت الظروف" مرات عديدة، وهو يتحدث عن تلك الفترة المدهشة والتي بدأت بمجيء صلاح الدين مع عمه أسد الدين شيركوه إلى مصر سنة 1168م.. وحتى نجاحه في جمع مصر والشام في دولة واحدة لتحقيق رسالته وتحرير بيت المقدس عام 1187م..

في كل المراحل الهامة التي صاحبت صلاح الدين في هذه الرحلة العظيمة كانت تحدث أشياء لم يجد لها الكاتب تفسيرا إلا بقوله "وشاءت الظروف"..

والمقصود طبعا هو "القدر" الذي قدّره الله، ولا نعلم من أسراره شيئا، إلا بما يأذن به الله ويشاء.. وقال لنا الفاروق حول معناه جملته الشهيرة حين سمع سورة الأعراف (الآية 54) والتي تتحدث عن قدرة الله المطلقة في إبداع الخلق، ومشيئته سبحانه، وتنتهي بقوله تعالى: ".. ألا له الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين".. قال رضي الله عنه بعد سماعها: "من بقي له شيء فليأخذه"!..

رضي الله عنه، كانت له بصيرة تنفذ إلى "قلب الأشياء".

* * *

لكننا سندعو لـصلاح الدين كما دعا له صديقه المقرب القاضي والفقيه والمؤرخ بهاء الدين بن شداد (ت: 1235م): "اللهم إنك تعلم أنه بذل جهده في نصرة دينك، وجاهد رجاء رحمتك، فارحمه".

وهي نفس الكلمات التي نسمعها في التسجيلات التي يرسلها لنا "فتية الأنفاق" الذين أذلوا أحفاد اللنبي/ بلفور/ روتشيلد في بريطانيا وأمريكا و"قفازهم القذر" الذي يضربوننا به من سبعين سنة.

* * *

هذا التاريخ لم يمض، ولم ينته، إذ لم تنته آثاره ومفاعيله، فكيف نغلقه؟

ما سيحدث فقط، هو أننا سنتعامل معه بطريقة مؤسس المدرسة الألمانية في علم التاريخ، يوهان هيردر (ت: 1903م) وسيكون هذا التاريخ حيا بروحه الكامنة بيننا: "التاريخ ليس مجرد المجرى الخارجي للأحداث، ومن يسعى لرؤية روحه، هو وحده الذي يستطيع اكتشاف الروح الكامنة وراء أقنعة هذه الأحداث"..

وطبقا لهذه "الروح الكامنة" سنكتشف أن حروب الغرب على "عالم الإسلام" من القرن الـ12 ميلادي فيما عرف بالحروب الصليبية، لم تنته..!! اللورد اللنبي فقط هو من قال ذلك، حين دخل القدس سنة 1917م: "الآن انتهت الحروب الصليبية"! لكن المرابطين في الأنفاق والكمائن، والصامدين من "أهل الأنوار" في الملاجئ والخيام كان لهم رأى آخر.

* * *

د. إيال زيسر (64 سنة)، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط بجامعة تل أبيب، سيكتب لنا في جريدة "يسرائيل هيوم" يوم الجمعة الماضي (13 أيلول/ سبتمبر): في حرب 1967، واجه الجيش قوات عسكرية أكبر كثيرا من قوات حماس، لكنه احتل غزة خلال يوم ونصف، وحسم المعركة بسرعة، كما احتل معها سيناء برمتها، والضفة والجولان. أما اليوم، فالجيش عاجز عن احتلال غزة"..

لو قالها غيرك يا د. زيسر!

ألا تعرف الفارق الهائل المهول بين كتائب "عز الدين القسام" التي تقاتل الآن و"كتائب ناصر/ عامر" التي لم تقاتل في 5 حزيران/ يونيو 1967م؟..

كتائب عز الدين القسام هي بنت "الذاكرة التاريخية" لحضارة عالم الإسلام.. وكتائب ناصر/ عامر حالة هجينة ممسوخة، لا صلة لها لا بالذاكرة ولا بالتاريخ ولا بالإسلام.. وكذلك كان الحال أيضا في سوريا والأردن.. والموضوع يطول شرحه..

* * *

ما يجري في الأرض المباركة وحولها من 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023م، هو في حفظ الله وصونه ورعايته ومعيته ونصرته وتوفيقه وعطائه وفضله وكرمه.

هو سبحانه وتعالى يسمع ويرى، وبذلك طمأن خائفين (موسى وهارون) حين قال لهما في سورة طه "لا تخافا، إنني معكما أسمع وأرى".

وهي بالطبع لكل من يؤمن بأن الله هو الواحد القهار الفعال لما يريد، وأن إرادته سبحانه وتعالى علوا كبيرا لن تكون، إلا فيما يريد له أن يكون.

* * *

حين قرر صلاح الدين المواجهة الكبرى التي قررها وكان يشعر في أعماقه أنه "مختار" لها كان يعلم تماما أنه سينازل عدوا قويا، مكن لنفسه في الشرق تمكينا تاما، وأيقن بأن تلك المواجهة لا بد أن تبدأ من هنا.. مصر.. العمق الاستراتيجي للعروبة والإسلام؛ سيأتي كل آت إلى الشرق وهو يعلم هذه الحتمية التاريخية والجغرافية، فقرر أن يبدأ العمل في هدوء؛ أولا: لا بد من عودة مصر إلى حضن الأمة (الخلافة العباسية) لأن الحرب القائمة ليست حربا إقليميه محدودة، وثانيا: لكي يتم ذلك لا بد من اتحاد جهود الأمراء والعلماء.. وقد كان.. ولولا أنه كان على ما كان عليه ما استطاع أن يقوم بما قام.. كيف كان؟

كان فقيها وأديبا ودرس الحديث في دمشق ومصر والقدس وكانَ يحفظ ديوان الحماسة للشاعر الشهير أبي تمام، وتروى سيرته كما كتبها لنا بن شداد: أنه كان خاشع القلب غزير الدمع، مرتلا وسامعا للقرآن، لا يصلي إلا في جماعة، وكان حريصا على قيام الليل متهجدا متبتلا، داعيا ربه.

الواقع أكبر من الكلمات.. نعم.. لكن ستظل "ذاكرتنا التاريخية" هي النقطة الأقوى التي سننطلق منها.. ولعل تلك الرسالة من أوضح وأبهى رسائل "طوفان الأقصى"، بعد أن حاولوا كثيرا أن يُنشؤا الأجيال على أن هذه الذاكرة، هي العبء الذي يجب علينا أن نطرحه جانبا حتى نتقدم..

وكما يقول لنا أستاذنا وأستاذ كل الأجيال د. عبد الوهاب المسيري رحمه الله: معرفة تاريخنا من أنجع الطرق التي يتوسل بها الإنسان ليحدد علاقته مع الماضي، وليعرف هٌويته، وليتحرر من قضية الحاضر، وليعرف حدود ما هو ممكن وما هو مستحيل.

x.com/helhamamy

مقالات مشابهة

  • وزير المالية فشل في الرد علي الأسئلة التي كانت تندفع نحوه كالسيل جعلته في حالة توهان وغياب تام عن المشهد الدراماتيكي !!..
  • إنتل تعلن عن خططها لتصنيع رقائق ذكاء اصطناعي لأمازون
  • في 7 نقاط.. تعرف على محاور التنمية التي تعمل عليها «حياة كريمة»
  • مصدر لبناني: أجهزة الاتصال التي انفجرت كانت مفخخة بشكل مسبق
  • بعد أن أثارت ضجة واسعة بتصريحاتها الأخيرة بشأن الشقة التي كانت تسكن فيها وتمت زيادة الإيجار لها.. الممثلة المصرية مروة عبد المنعم: “ما قولتش أنه هيأجرها للسودانيين”
  • خلال جلسة الحكومة.. ميقاتي تبلغ بالحوادث الامنية التي تحصل وهذا ما فعله
  • ما أبرز الميزات التي ستحصل عليها عند الترقية إلى آي أو إس 18″؟
  • الحرب الحالية قد تطمس “ذاكرة” السودان التاريخية والحضارية
  • ذاكرتنا التاريخية تقول: حطين مرة أخرى..
  • عودة الهدوء لباب سبتة بعد “الليلة الموعودة” التي خلفت إعتقال أزيد من 500 مرشح للهجرة السرية