لجريدة عمان:
2025-01-31@12:53:46 GMT

مقولة: نهاية الغرب

تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT

ربما يكون المصطلح المتداول الآن هو «نهاية الغربنة»؛ لأن الغرب لن ينتهي مثلما أن الشرق لن ينتهي، وإنما ما يمكن أن ينتهي إليه الأمر هو سيادة ثقافة شعوب على ثقافة شعوب أخرى، وهو ما يتبدى منذ عهود طويلة في اختراق الثقافة الغربية لثقافات الشعوب الأخرى على سائر المستويات، بما في ذلك الفن (وتلك هي «الغربنة»، وهي كلمة مستحدثة دخيلة على التصريف اللغوي، إلا إنها تعبر عن المعنى المقصود، وهو هيمنة الخطاب الغربي على الخطاب العربي، وهو الخطاب الذي يؤثر في كثير من المثقفين والأساتذة والكتاب والفنانين، وفي النُّخب بوجه عام.

ومن هذا المنطلق شاع مؤخرًا في واقعنا الثقافي الترويج «لعلم الاستغراب العربي» في مقابل علم الاستشراق؛ فبدلًا من أن نكون خاضعين لرؤية الغرب لنا ولتراثنا وتاريخنا من خلال المستشرقين الغربيين، فإننا يجب بدلًا من ذلك أن نجعل الغرب نفسه موضوعًا لدراستنا من خلال تقييم تاريخه وفكره وثقافته، ويشمل هذا أيضًا نقد كتابات المستشرقين وتصويب أخطائها؛ وهذا ما فعله عبد الرحمن بدوي في أواخر حياته من أجل الدفاع عن محمد -صلى الله عليه وسلم- والدفاع عن الإسلام ضد منتقديه.

اكتشف الناس عبر العالم أن القيم الإنسانية العليا التي يؤمن بها قطاع واسع من الغرب، هي قيم تؤمن بها الدول الديمقراطية في هذا العالم المتحضر، ولكنها تعتد فقط بهذه الديمقراطية والحرية والعدالة في حكم شعوبها؛ فهي لا يشغلها كثيرًا ما يدور في العالم الثالث المتخلف، إلا فيما يتعلق بمصالحها، وليس بالديمقراطية أو الحرية أو العدالة. ولذلك نجد على مواقع شبكة المعلومات حضورًا دائمًا لتلك المنظمات في الغرب التي تهتم بحقوق الحيوان في الغذاء والعلاج والرعاية الطبية المستدامة، والتي تخصص لها أموالًا هائلة، ولكنها لا تهتم ولا تنشغل (حتى من خلال الإعلان) بحقوق الأطفال الخُدج في غزة الذين يموتون من الجراح ومن الجوع والبرد، بينما ينزف الكبار الدماء حتى الموت.

***

الاستشراق هو المنظور الذي كنا ننظر من خلاله إلى أنفسنا لكي نفهمها ونتعرف عليها؛ ولكننا خلال العقود الأخيرة بدأنا نسمع عن «علم الاستغراب» الذي يسعى إلى وضع الفكر الغربي نفسه موضع الفحص والنقد والتقييم. وهذا يعني أن وجود رؤية واحدة مهيمنة على العالم هي رؤية بدأت في التزعزع، ومن ذلك- على سبيل المثال: كتاب فوكوياما عن «نهاية التاريخ والإنسان الأخير»، وكتاب هنتنجتون عن «صراع الحضارات»؛ فكلا هذين المفكرين وأمثالهما هم صنيعة السياسة الأمريكية وأجهزة مخابراتها. فكتاب فوكوياما- وهو مفكر محدود القيمة- كان مجرد مقال يروِّج فيه إلى أن الديمقراطية الغربية في نموذجها الذي يتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية هي النموذج الذي ينبغي أن تتطلع إليه جميع شعوب العالم؛ فهذا النموذج هو غاية ما يمكن أن تصل إليه الإنسانية من تطور (وهو- بالمناسبة- تحدث مؤخرًا عن إمكانية وجود فرصة لإنقاذ الولايات المتحدة الأمريكية من التدهور!). كتب فوكوياما كتابه هذا بوحي من النشوة التي أعقبت سكرة اللحظة التي قام فيها جورباتشوف بتسليم اتحاد الجمهوريات السوفييتية على طبق من فضة إلى الغرب. ومن هنا كانت أهمية «علم الاستغراب» الذي بدأ يتعالى صوته في عالمنا العربي منذ بضعة عقود؛ ليس فقط من أجل أن يكشف لنا عما هنالك من أخطاء وأغاليط في كتابات المستشرقين عن الثقافة العربية، وإنما أيضًا من أجل أن يقدم لنا نقدًا لبعض المفاهيم والتصورات السائدة في الحضارة الغربية نفسها.

غير أن الشأن الثقافي والفكري والقيمي ليس هو الأمر الحاسم هنا؛ ببساطة لأنه نتاج لموازين القوى السياسية التي تحكم العالم، منها قوة الغرب بزعامة الولايات المتحدة التي لا تزال تنظر إلى نفسها باعتبارها القوة الأكبر المهيمنة على العالم. ولكن هذا ليس صحيحًا تمامًا؛ لأن موازين هذه القوى بدأت تتغير بصعود دول كبرى أخرى تريد أن تستدعي تاريخها الإمبراطوري، وعلى رأسها روسيا والصين، فضلًا عن إيران وتركيا. ومع تغير موازين القوى السياسية تتغير هيمنة ثقافة وقيم بعينها، وتصبح محل شكوك وانتقادات. وفضلًا عن ذلك، فإن نقد رؤية الغرب لنا ولكل ما يُسمى «بالآخر» (بحسب تعبير هنتنجتون في فصل بعنوان «الغرب والآخر» في كتابه «صدام الحضارات) - هو نقد يمكن أن يقوم بخلخلة الأسس التي تقوم عليها هيمنة نظم الغرب السياسية.

والحقيقة أن الغرب نفسه بدأ مؤخرًا- خاصة بعد مذابح غزة- يدرك أن هيمنته على العالم بدأت تتراجع؛ فقد بدا واضحًا للعيان لدى الآخر في كل مكان أن هذا الغرب يدافع عن جرائم العدوان الإسرائيلي الذي يبلغ حد الإبادة الجماعية، والذي يدينه كل ضمير إنساني. ولقد انعكس كل ذلك في الآونة الأخيرة في ساحات الإعلام، بما في ذلك المجادلات التي تجري في البرامج التلفزيونية التي يبدو فيها المذيع في القناة مدافعًا عن رؤية الغرب التي تمثلها دولته فيما يتعلق بالأحداث الراهنة، بينما يبدو الضيف العربي مدافعًا عن الحق المُثبَت وكاشفًا عن الانحياز في عرض القضية. هذه المفارقة بين الرؤية الغربية والرؤية العربية نجدها ماثلة بوضوح في القنوات الإعلامية، بل إننا نجد هذه المفارقة حاضرة حتى في القناة الواحدة التي تُذَاع بلغة عربية وبلغة إنجليزية: فالقناة الناطقة بالعربية تسمح بإذاعة شيء من أحداث القتل والدمار التي تنشرها القنوات الإعلامية العربية كافة. ولكن النسخة الإنجليزية من القناة، قلما تركز على ذلك، وتأخذك إلى سياق آخر بعيد عن مَشَاهد الحرب والإبادة والدمار غير المسبوقة في التاريخ!

ينبغي إذن إن نعيد قراءة التاريخ، بما في ذلك تاريخنا الراهن؛ لكي نحدد موقعنا منه، والموقف الذي ينبغي أن يكون جديرًا بنا؛ وأن نعي في النهاية أن نهاية الغرب لا تعني انتهاء الغرب وإنما نهاية المركزية الغربية.

د. سعيد توفيق أستاذ علم الجمال والفلسفة المعاصرة بجامعة القاهرة ومؤلف كتاب «ماهية اللغة وفلسفة التأويل»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: رؤیة الغرب من خلال

إقرأ أيضاً:

“ساعة نهاية العالم” تقترب ثانية واحدة من “الكارثة الكبرى”

في مواجهة تغير المناخ والتهديد النووي والمعلومات المضللة، جرى تقريب “ساعة نهاية العالم” التي ترمز منذ العام 1947 إلى اقتراب حلول كارثة كبرى على كوكب الأرض، الثلاثاء ثانية واحدة من منتصف الليل، الموعد المفترض للكارثة التي يتعين تفاديها.

وحدد العلماء في نشرة “بوليتين أوف ذي أكاديميك ساينتيستس” (مجلة علماء الذرة)، المسؤولة عن تعديل عقارب هذه الساعة سنويا، المسافة الزمنية الفاصلة عن موعد منتصف الليل الرمزي هذا بـ89 ثانية، بعدما كانت 90 ثانية في العام الماضي.

وقال الرئيس الكولومبي السابق خوان مانويل سانتوس، رئيس “ذي إيلدرز” (الحكماء)، وهي مجموعة من الزعماء السابقين، إن “ساعة نهاية العالم أصبحت أقرب إلى الكارثة من أي وقت مضى في تاريخها”.

وأضاف في مؤتمر صحافي في واشنطن “إن الساعة تتحدث عن التهديدات الوجودية التي نواجهها والحاجة إلى الوحدة والقيادة الجريئة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء”.

ويأتي تحديد الساعة الجديدة بعد أسبوع من تنصيب دونالد ترامب الذي حطم المعايير المتعارف عليها في مجال التعاون الدولي.

ورحب سانتوس بوعود الرئيس الأمريكي الجديد باستخدام الدبلوماسية مع روسيا والصين، لكنه دان انسحابه من اتفاق باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية.

وحذر الخبراء أيضا من تفاقم تأثير تغير المناخ على الكوكب، بعد عام جديد من معدلات الحرارة القياسية.

ودعا سانتوس أيضا إلى “اتخاذ إجراءات عاجلة” لمكافحة المعلومات المضللة “وتضخيم نظريات المؤامرة التي أصبحت منتشرة على نطاق واسع في عالمنا المترابط للغاية”.

واعتبر أن “هذا الازدياد المقلق في انعدام الثقة مدفوع إلى حد كبير بالاستخدام الخبيث والمتهور للتكنولوجيات الجديدة التي لا نفهمها بالكامل بعد”.

وجرى تغيير الساعة آخر مرة في عام 2023، حين قُدّمت بمقدار 10 ثوانٍ إلى 90 ثانية قبل منتصف الليل، بعد غزو روسيا، الدولة النووية، لجارتها أوكرانيا في شباط/ فبراير 2022.

ويُطلق على هذا المؤشر المجازي أحيانا اسم “ساعة يوم القيامة”، وقد أنشئ عام 1947 في مواجهة الخطر النووي المتزايد والتوترات المتعاظمة بين الكتلتين اللتين تشكلتا خلال الحرب العالمية الثانية.

في العام الذي أُطلق المؤشر خلاله، ضُبطت الساعة عند سبع دقائق قبل منتصف الليل.

ومذاك، وسّع أعضاء هذه المنظمة التي تتخذ من شيكاغو مقرا لها، المعايير الخاصة بهذا المؤشر لتشمل، على سبيل المثال، الأوبئة أو أزمة المناخ أو حملات التضليل الحكومية.

 

(أ ف ب)

مقالات مشابهة

  • نهاية مأساوية لـ سلوان موميكا العراقي الذي أشعل غضب المسلمين بحرق المصحف.. فيديو
  • تعديل عقارب ساعة «نهاية العالم»
  • بوتين يؤكد نهاية الحرب الروسية الأوكرانية إذا توقف دعم الغرب
  • بوتين يؤكد نهاية الحرب الروسية الأوكرانية إذ توقف دعم الغرب
  • "ساعة نهاية العالم" تقترب ثانية واحدة من منتصف الليل
  • “ساعة نهاية العالم” تقترب ثانية واحدة من “الكارثة الكبرى”
  • ساعة نهاية العالم تقترب ثانية واحدة من منتصف الليل
  • “ساعة يوم القيامة”.. 89 ثانية تفصلنا عن نهاية العالم
  • فرنسا.. نزع وسم “صنع بالمغرب” من منتجات الخضر والفواكه التي مصدرها الصحراء الغربية
  • الثورة الرأسمالية التي تحتاجها إفريقيا