لجريدة عمان:
2025-04-10@17:13:45 GMT

المنصات الرقمية والصمت التنظيمي

تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT

ناقشنا في الأسبوع الفائت، في هذا المكان، مشروع قانون الإعلام الجديد الذي أحاله مجلس الوزراء إلى مجلس الشورى، وبدأت بالفعل لجنة الإعلام والسياحة والثقافة في دراسته، وعقد جلسات مع المتخصصين حوله قبل أن تقرر تمريره أو إدخال تعديلات عليه، قبل إحالته لمجلس الدولة لإبداء الرأي فيه.

كان محور مقال الأربعاء الفائت أن مشروع القانون الجديد للإعلام يستحق مزيدا من الاهتمام، ليس فقط على صعيد الحكومة والمجالس النيابية ولكن أيضا على المستوى العام خاصة من جانب جموع المهنيين الإعلاميين والأكاديميين ذوي العلاقة بالعمل الإعلامي، وحتى المواطنين باعتبارهم منتجي محتوى إعلامي، ومستهلكين أيضا للوسائل والمنصات الإعلامية المختلفة.

وإذا كان من المستحيل في هذه المرحلة من عمر مشروع القانون الجديد أن يتم طرحه للحوار المجتمعي أثناء مناقشة مجلس عمان له، علاوة على عدم إمكانية نشره قبل البت فيه من المجلسين، كما قال لي أحد الأصدقاء المكرمين عضو مجلس الدولة، على أساس أن القوانين واللوائح المنظمة للتشريع تمنع ذلك، يصبح من المهم للغاية أن يبادر الخبراء والمهتمون بالإعلام في سلطنة عمان بتقديم رؤاهم حول قانون الإعلام، تلك الرؤى التي يمكن أن تصل عبر النشر في وسائل الإعلام إلي أعضاء المجلسين وأعضاء اللجان المختصة، ويمكن الاستفادة منها، تماما مثل جلسات الاستماع المغلقة التي تستضيف فيها اللجنة المختصة بالمجلس الإعلاميين والمسؤولين والخبراء للتعرف على آرائهم والرد على استفساراتهم حول القانون الجديد.

لقد سبق أن قلت إن الحكومة والمجلسين بصدد إصدار قانون جديد للإعلام يتعامل مع ظواهر إعلامية جديدة ومنصات إعلامية متجددة لم تكن قائمة في آخر تشريع للإعلام، ومحتوى إعلامي متطور وتفاعلي ومتعدد الوسائط، وجمهور مختلف ورقمي بطبعه، وتأثيرات هائلة للإعلام على كل مناحي الحياة. وسوف يحكم هذا القانون الصناعة الإعلامية في سلطنة عمان ربما لسنوات طويلة. وعلى هذا الأساس يجب أن يكون القانون الجديد مواكبا للعصر الرقمي، دون التفريط بأي حال في الثوابت الوطنية الإعلامية المتعارف عليها، كالنص على حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة بكل منصاتها وحماية تلك الحرية ووضع الضوابط المناسبة لها، وتحديد محظورات النشر التي لا تتفق مع النظام العام والآداب العامة.

من المفترض أن ينظم القانون عملية إصدار وإنشاء وإدارة المنصات الإعلامية المختلفة، بدءا من دور نشر الكتب الورقية والرقمية إلى الصحف والمجلات، والمحطات الإذاعية والتلفزيونية التقليدية والرقمية، والمواقع الإلكترونية الإخبارية والإعلامية، والشبكات الاجتماعية، مرورا بتطبيقات الهواتف الذكية، وبرامج الذكاء الاصطناعي، إلى جانب تنظيم العلاقة مع شركات التقنية العملاقة التي تقدم خدمات إعلامية داخل السلطنة. ومع تراجع استهلاك وسائل ومنصات الإعلام التقليدية مثل الصحف والمجلات الورقية يصبح من الضروري الاهتمام أكثر بالمنصات الرقمية التي تمثل- من وجهة نظري- حاضر ومستقبل الصناعات الإعلامية.

هنا أشير إلى قضية مهمة للغاية يجب أن تكون محورا من محاور نقاش المجلسين لمشروع قانون الإعلام الجديد، وهي قضية تنظيم الشبكات الاجتماعية العالمية، والاستفادة من تجارب دول كثيرة اتخذت هذا المسار، خاصة بعد أن تزايد دور هذه المنصات في نشر وتوزيع الأخبار والمضامين الإعلامية، إلى حد أن غالبية مستخدميها ينظرون لها ويتعاملون معها كمنصات إخبارية وإعلامية في المقام الأول، بالإضافة إلى تزايد دورها السياسي في مختلف دول العالم، وليست أحداث ما سمي «الربيع العربي» عنا ببعيدة.

إن السؤال الأول الذي يجب أن نجيب عنه هنا في عُمان ونحن نصنع قانونا جديدا للإعلام، هو، هل ننظر ونتعامل مع هذه المنصات الرقمية مثل جوجل و«فيسبوك»، و«اكس»، و«انستجرام» وغيرها، كمنصات إعلامية، ومن ثم إخضاعها للتنظيم مثلها مثل وسائل الإعلام التقليدية، أم نعتبرها وسائط نشر محايدة مثل شركات الاتصالات على سبيل المثال، ومن ثم نترك تنظيمها للشركات نفسها ووسائل الإعلام التي تتعامل معها؟

من هذا المنطلق وقبل التفكير في تنظيم هذه المنصات، نحتاج إلى وضع حدود بين المنصات الرقمية ومؤسسات وشركات الإعلام التقليدية، وذلك لأن تنظيم شركات منصات التواصل الاجتماعي يعتمد في النهاية على طبيعتها، خاصة أن عملاقي التقنية -جوجل وفيسبوك- يزعمان أنهما ليسا ناشرين، وبالتالي لا يحتاجان إلى التنظيم، وهو الأمر الذي يختلف معه العديد من الأكاديميين، ويرون أن «ميتا- فيسبوك» تتمتع بخصائص مماثلة لشركات الإعلام التقليدية، وبالتالي يجب تنظيمها بالطريقة نفسها التي تنظم بها وسائل الإعلام التقليدية. صحيح أن فيسبوك لا ينتج أي محتوى بنفسه، ولكنه مثل جوجل يتخذ قرارات تحريرية بحجب محتوى وإغلاق صفحات وفلترة نتائج بحث، وبالتالي فإن أفعالهما تتشابه مع أفعال شركات الإعلام التقليدية. وتتصرف تلك المنصات الرقمية كشركات إعلامية، لأنها توزع الأخبار مباشرة إلى جمهورها. ويتفق مع هذه الرؤية منظمو المنافسة في بعض الدول مثل المملكة المتحدة وأستراليا على أساس أن هذه الشركات تتنافس مع وسائل الإعلام الإخبارية على عائدات الإعلانات. وعلى هذا الأساس فإن القوانين التي تنظر إلى الشبكات الاجتماعية على أنها مجرد منصات اجتماعية وليست ناشرا تحتاج إلى تغيير.

وقد أثبتت أحداث كثيرة صحة هذه الرؤية، من أبرزها حادثة فتح مسلح النار في مسجدين في مدينة كرايست شيرش بنيوزيلندا في مارس 2019، مما أسفر عن مقتل 51 شخصا، وقيامه ببث ما يفعله مباشرة على فيسبوك لمدة 17 دقيقة، وتمت مشاهدة الفيديو 4000 مرة قبل إزالته من المنصة. وفي هذه الحادثة فشلت خوارزميات فيسبوك في إغلاق البث المباشر بسرعة، لأنها لم تعتبر المحتوى «مروعًا بشكل كبير». وهنا كانت المنصات هي الناشر، وليس فقط الموزع للخبر.

إن التعامل مع المخاطر التي تثيرها شركات التقنية الكبرى خاصة في الدول النامية ليس فقط على الصعيد الإعلامي ولكن أيضا على الصعيدين السياسي والاقتصادي، تجعلنا نأمل في ألا يغفل مشروع القانون هذه القضية، وأن يحسمها سواء بالنص على الأطر التنظيمية لعمل تلك الشركات ومنصاتها في سلطنة عُمان، وهذا هو الخيار الأول، أو تجاهلها واتباع سياسة الصمت التنظيمي معها.

من المهم أن نعلم أن دولا كثيرة في العالم عمدت إلى تضمين قوانينها نصوصا تخضع شركات التقنية العالمية للقواعد التنظيمية، ومن بينها الولايات المتحدة التي «أقر مجلس النواب فيها الأربعاء الفائت وبأغلبية ساحقة مشروع قانون جديد يجبر منصة «تيك توك» على الانفصال عن الشركة الصينية المالكة لها أو حظرها في الولايات المتحدة». وكذلك فعلت دول الاتحاد الأوروبي وأستراليا ونيوزلندا وغيرها.

هل سوف يتضمن قانون الإعلام الجديد في عُمان شيئا من هذا القبيل؟ أم سيترك الأمر دون تنظيم، والاكتفاء بالتنظيم الذاتي للمنصات؟ وهذا ما فعلته دول أخرى حفاظا على استمرار تلك المنصات في العمل فيها، وعدم إغضاب شركات التقنية العملاقة، خاصة وأن المؤسسات الإعلامية الوطنية تعتمد عليها في توزيع محتواها وجذب انتباه الجمهور والحصول على عائدات إعلانية، وتأتيها أكثر من نصف حركة المرور إلى مواقعها الإلكترونية من منصات التواصل الاجتماعي ومحركات البحث. هل ننظم عمل المنصات الرقمية في القانون الجديد أم لا؟

أ.د. حسني نصر أكاديمي في قسم الإعلام بجامعة السلطان قابوس

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الإعلام التقلیدیة المنصات الرقمیة القانون الجدید شرکات التقنیة وسائل الإعلام قانون الإعلام

إقرأ أيضاً:

تدريب 42 معلمًا بالفيوم على استخدام المنصات الإلكترونية وتقنيات الذكاء الاصطناعي

نظمت إدارة التواصل ودعم المعلمين بمديرية التربية والتعليم بمحافظة الفيوم، البرنامج التدريبي "استخدام المنصة الإلكترونية للتواصل بكفاءة وتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في إعداد الدروس ورفعها على المنصة" بالتعاون مع مركز التطوير التكنولوجي بالمديرية.

حيث شهد الدكتور خالد خلف قبيصي وكيل وزارة التربية والتعليم بالفيوم، فعاليات بدء البرنامج التدريبي، بقاعات التدريب بمركز التطويرالتكنولوجي بدمو، وقاعة التدريب بمدرسة الشهيد حميدة، بحضور الأستاذ محمد فاروق، مدير مركز التطوير التكنولوجي بالمديرية، والأستاذة حنان بركات، مدير وحدة التواصل ودعم المعلمين بالمديرية.

بلغ عدد المتدربين من المعلمين والمعلمات 42 معلم ومعلمة على مستوى جميع الإدارات التعليمية، بواقع 6 معلمين من كل إدارة تعليمية.

يأتي ذلك التدريب في إطار تطوير وسائل التواصل وتعزيز استخدام التكنولوجيا في العملية التعليمية وتوفير بيئة رقمية تفاعلية بين المدارس وباقي أعضاء المجتمع المدرسي.

ويهدف التدريب إلى تمكين المعلمين من استخدام المنصة الإلكترونية للتواصل بكفاءة، إلى جانب تدريبهم على كيفية توظيف الذكاء الاصطناعي في إعداد الدروس ورفعها على المنصة وهى أولى بنود مبادرة تواصل لنرتقى.

وتم اختيار المدارس المشاركة فى البرنامج التدريبي وفق المعايير التالية (المدارس التي تمتلك جاهزية تقنية من أجهزة حاسوب واتصال مستقر بالإنترنت - المدارس التي لديها فريق تعليمي متحمس للتطوير ومشاركة المعرفة مع بقية المعلمين - المدارس التي لديها تجارب سابقة في استخدام منصات إلكترونية أو أدوات رقمية - يفضل اختيار مدارس تمثل شريحة واسعة من الطلاب والمعلمين لضمان انتشار الفائدة بشكل أكبر - يفضل المدارس التي توفر دعما اداريا قويا لمثل هذه المبادرات - كما يراعى التنوع لزيادة دائرة الاستفادة - كما يراعى فى المعلمين المرشحين للتدريب (من لديه معرفة أساسية أو متقدمة حول استخدام التكنولوجيا - من يجيد توصيل المعلومات بشكل واضح ومنهجي - الأشخاص الذين لديهم استعداد للتطوير الشخصي والتكنولوجي - اختبار معلمين لديهم خبره في التدريب- يفضل اختيار المعلمين الذين لديهم تأثير إيجابي داخل مدارسهم، بحيث يكونوا قدوه.

أشار دكتور قبيصي، إلى أهمية البرنامج التدريبي، حيث أنه يعمل على تحسين التواصل بين المعلمين والطلاب، وأولياء الأمور وتعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي في التدريس والإدارة، وتحسين الأداء الأكاديمي للطلاب من خلال التطبيقات الإلكترونية، ورفع  كفاءة عمل المعلمين باستخدام التقنيات الحديثة، مشيرًا إلى أن هذه المبادرة تسعى إلى تزويد المشاركين بالمعرفة والمهارات اللازمة لاستخدام التكنولوجيا الحديثة في تحسين جودة التعليم، مما يعود بالفائدة على العملية التعليمية ككل.

أشاد وكيل الوزارة، بالبرنامج التدريبي والتنظيم الجيد، وقدم رسالة شكر لفريق العمل المشرف على البرنامج، وذلك للجهد المتميز المبذول فى العمل.

تعليم الفيوم: يعلن عن نشر نماذج البوكليت في مادة الرياضيات “الجبر والإحصاء” 5038cca6-dcad-4825-b660-8f9e827c706b 66988b4f-9c52-42d8-baaf-9f4cad58e167 a3d2941b-1b4a-4f52-82a9-501c4cc4deee

مقالات مشابهة

  • تدريب 42 معلمًا بالفيوم على استخدام المنصات الإلكترونية وتقنيات الذكاء الاصطناعي
  • «الشارقة للتراث».. دورات متخصصة لتعزيز الحرف التقليدية
  • شريف العريان: قانون الرياضة الجديد لا يتعارض مع المعايير الدولية
  • أفعال تؤدي لحرمانك من الدعم النقدي بالقانون الجديد
  • رسوم ترامب الجمركية تشعل جدلا ونقاشا على المنصات
  • 50 ألف دينار مخالفة من يمارس تجارة العملات الرقمية دون ترخيص
  • لن يكون هناك مُتضرّر | تفاصيل جديدة حول القانون الجديد للإيجار القديم.. إيه الحكاية؟
  • أبوزريبة يناقش مع رئيس جهاز مكافحة الجرائم المالية آلية اعتماد الهيكل التنظيمي للجهاز
  • عيش الكيزر في المنزل.. أسرار الوصفة التقليدية والخطوات البسيطة
  • تقرير مجلس الوزراء يدعم الأندية في موقفها من تعديلات قانون الرياضة الجديد