فصل جديد من المعاناة خلال رمضان يعيشه نازحو جنوب لبنان في مراكز الإيواء
تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT
بيروت- يواجه نازحو القرى والبلدات الحدودية الجنوبية فصلا جديدا من المعاناة والتحديات المعيشية خلال شهر رمضان المبارك، بعد مضي أكثر من 160 يوما على تصاعد المواجهات العسكرية التي أدت إلى نزوح آلاف الأسر، حيث يجدون أنفسهم اليوم بعيدين عن منازلهم وأحبائهم، مع اختفاء جميع التقاليد الرمضانية المعتادة.
ويسترجع النازحون ذكريات أجواء شهر رمضان في السنوات السابقة، مع تفاصيل إفطاراتهم العائلية الودية والأمسيات الهادئة، ويشعرون بالحنين إلى الماضي القريب، وبالأسى وهم يقضون أوقاتهم في مراكز الإيواء، التي تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة.
"هنا حياتنا بدائية، رجعنا 40 أو 50 سنة إلى الوراء"، بحسرة ومرارة تعبر النازحة جنوب سويد عن الحالة التي وصلت إليها بعد نزوحها من الضهيرة الحدودية إلى مكان إقامتها الحالي في الجامعة اللبنانية الألمانية بمدينة صور جنوب لبنان.
تتحدث جنوب سويد عن الأجواء الرمضانية للجزيرة نت "بين رمضان هذا العام والأعوام السابقة هناك اختلاف كبير، ففي بيتك يمكنك أن تعد الطعام الذي تريده، أما هنا فلا يوجد شيء، وبعدما كنا في السابق نتبادل صحون الإفطار والسحور، وتجتمع كل العائلة على المائدة، نحن اليوم فقط ننتظر وصول صحن الطعام إلى الغرفة".
وتقول جنوب، وهي أم لـ5 أطفال، "رغم محاولاتي لاستحضار الطقوس الرمضانية المعتادة، فإنها تختلط بآلام ومعاناة النزوح، أسعى جاهدة للتمسك ببعض روحانية الشهر قدر المستطاع، وهذا كل ما أستطيع فعله في شهر رمضان هذا العام مع أولادي، بالإضافة إلى أننا نجتمع على طاولة إفطار واحدة".
وتضيف بحرقة "شهر رمضان مختلف واحتياجاته أكثر، فاليوم نحن بحاجة إلى الكهرباء، خاصة أننا نتناول السحور في الظلام، اليوم تسحرنا على ضوء الهاتف".
وعن وضعها الحالي تقول "أعمل بقدر المستطاع لأجل أولادي، لكن الواقع صعب جدا، في السابق كان لديّ 3 منازل بمساحة 750 مترا مربعا، أما الآن أجد نفسي مقيمة في غرفة صغيرة بمساحة 16 مترا مربعا فقط".
وتقول ساخرة "في هذه الغرفة الضيقة المزدحمة، يوجد كل شيء بلا استثناء، من غرفة النوم إلى المطبخ وغرفة الطعام والجلوس وحتى الغرفة الخاصة بالمؤن، بالإضافة إلى خزانة الملابس، التي لا يمكن تسميتها إلا بصناديق!".
كل ما يمكن للحاج موسى القيام به هذا العام في رمضان هو الصيام والصلاة فقط، حيث تغيب جميع تقاليد شهر رمضان عن النازحين (الجزيرة) "فقدنا كل شيء"لا يختلف المشهد كثيرا داخل مدرسة صور الفنية، حيث يجلس الحاج الثمانيني موسى الموسى تحت ظلال شجرة في ملعب المدرسة، ويستعيد بتنهيدة ذكريات شهر رمضان في بلدته البستان الحدودية، ويصفها بالقول "كانت أيام عز، كان المنزل مأوى آمنا يمنحك الراحة والاطمئنان، أما الآن ونحن نازحون، فالوضع مختلف تماما، هنا -في المدرسة- لا يمكنك الاعتماد على أي شيء، لأنها تضم المئات من النازحين".
ويضيف للجزيرة نت "كانت العائلة تتجمع على طاولة واحدة، فأنا أب لـ5 أولاد، وكان المنزل مليئًا بالضجيج، لكن اليوم وفي ظل النزوح تم تشتيتنا، أنا هنا في المدرسة مع ابني وابنتي وأحفادي، في حين يقيم ابني الثاني في العاقبية مع أولاده، وابني الآخر في الكوثرية، وابن في العباسية وآخر في البياضة".
وعن ما يفعلونه في شهر رمضان يقول الموسى "نصوم ونصلي، هذا كل ما نستطيع فعله في رمضان هذا العام، ونحصل على الإفطار من خلال مساعدات تقدمها الجمعيات الإنسانية، لقد أصبحت رفاهية اختيار الطعام والمقبلات الرمضانية من الماضي أيضًا".
وبلهجة العجز ووجه يغمره القلق، يقول "لقد فقدنا كل شيء، كان لدينا مواشٍ تجاوزت الـ100 رأس من الماعز والأغنام، وضاع منا موسم الزيتون وكذلك الزراعة، فلم نستطع زراعة شيء هذا الموسم، لا قمح ولا شعير ولا عدس ولا حتى فول وبندورة، كل شيء راح علينا".
يجلس الموسى على فرشة صغيرة على الأرض داخل غرفته الضيقة في المدرسة، التي لا يمكن الوصول إليها إلا عبر ممر تخيم عليه العتمة، وينظر حوله إلى مقتنيات النزوح التي ملأت المكان.
ويقول عن سبب استمرار نزوحه "نحن نبحث على الأمان والاستقرار، وهذه الأمور لا تزال مفقودة تمامًا في مناطقنا الحدودية، خاصة مع استمرار التوسع في الضربات واستهداف المنازل والأراضي، لقد نزحنا إلى هنا تحت وطأة القصف، وأدعو الله أن ينقذ الناس من هذا الكابوس".
المساعدات والوجبات الغذائية تقدم للنازحين في مراكز الإيواء بطريقة متناسبة مع شهر رمضان (الجزيرة) جهود إغاثيةيقول منسق الإعلام في وحدة إدارة الكوارث في اتحاد بلديات منطقة صور بلال قشمر للجزيرة نت "تم الاتفاق مع الجهات الممولة المسؤولة عن تأمين المواد الغذائية للمطبخ على تحويل الوجبات إلى وجبة إفطار وأخرى للسحور، وضمان تناسبها مع شهر رمضان المبارك، من حيث نوعية الوجبات المختلفة مع سلطات وشوربة".
ويضيف "في قضاء صور أصبح العدد 23 ألف نازح، هؤلاء نازحون من القرى الحدودية على الخط الأمامي، نزحوا من 40 قرية في قضاء صور إلى منازل أقارب أو استأجروا بيوتا، أو استقروا ضمن 5 مراكز إيواء تضم حاليا حوالي 790 نازحا".
ويشير قشمر في حديثه للجزيرة نت إلى أنه تم توزيع المساعدات الخاصة بالإيواء، بما في ذلك الفرش وحصص النظافة والحصص الغذائية من المعلبات، ويؤكد أن هذه المساعدات تُقدم بشكل دائم، وتوزع بالاستعانة بالجمعيات والمؤسسات الدولية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات رمضان هذا العام للجزیرة نت شهر رمضان لا یمکن کل شیء
إقرأ أيضاً:
التقرير الاقتصادي الفصلي لبنك عوده: على أمل أن تتلقّف البلاد الفرصة التاريخية المتاحة
صدر التقرير الاقتصادي لبنك عوده عن الفصل الرابع من العام 2024 بعنوان "على أمل أن تتلقّف البلاد الفرصة التاريخية المتاحة" والذي جاء فيه إنّ الفصل الرابع من العام 2024، والذي شهد وقف إطلاق النار في البلاد وسقوط النظام في سوريا، فتح آفاقاً جديدة أمام لبنان والتي يمكن أن تكون مؤاتية جداً ولا سيما عقب إتمام الانتخابات الرئاسية الواعدة، طبعاً في حال تمّ تلقٌف الفرصة السانحة من قبل أصحاب القرار في لبنان.
إنّ الحرب التي استمرت لـ13 شهراً خلّفت أضراراً جسيمة داخل الاقتصاد الوطني من خلال تداعياتها المباشرة وغير المباشرة. وتقدّر هذه الكلف أقلّه بنصف الناتج المحلي الإجمالي، ما انسحب انكماشاً في الاقتصاد الكلي وضغوطاً على مختلف القطاعات داخل الاقتصاد الحقيقي خلال العام المنصرم، بحيث يقدّر أن يكون الناتج المحلي قد انكمش بنسبة 6% في العام 2024.
لقد سلكت مؤشرات القطاع الحقيقي في معظمها مسلكاً تراجعياً خلال العام 2024. من بين مؤشرات القطاع الحقيقي التي سجّلت انكماشاً في العام 2024، يذكر التقرير عدد المسافرين عبر مطار بيروت الذي تقلص بنسبة 21%، قيمة الشيكات المتقاصة باستثناء الشيكات بالدولار النقدي (-82%)، الضرائب العقارية (-49%)، قيمة المبيعات العقارية (-59%)، وعدد السياح (-33%). أما على صعيد مؤشرات القطاع الحقيقي التي سجّلت نمواً إيجابياً خلال العام 2024، فنذكر حجم البضائع في مرفأ بيروت الذي ارتفع قليلاً بنسبة 2%، تراخيص البناء (+8%)، وعدد عمليات البيع العقارية (+60%).
على صعيد القطاع الخارجي، تجدر الإشارة إلى أنّه لدى اعتماد سعر صرف رسمي ثابت، يسجّل ميزان المدفوعات فائضاً بنحو 8055 مليون دولار خلال الأشهر العشرة الأولى من العام 2024 بفعل ارتفاع سعر الذهب. وعند اعتماد سعر ثابت لأونصة الذهب، يسجّل ميزان المدفوعات فائضاً بنحو 1758 مليون دولار. عليه، عند اعتماد سعر ثابت لأونصة الذهب وسعر صرف رسمي ثابت، يسجّل ميزان المدفوعات فائضاً حقيقياً بقيمة 1598 مليون دولار، ما يعكس الرصيد الحقيقي للأموال الوافدة إلى لبنان (الأموال الوافدة سالب منها الأموال الخارجة) خلال الفترة.
على صعيد الوضع النقدي، حافظ سعر صرف الليرة مقابل الدولار على استقراره في السوق الموازية خلال العام 2024 على الرغم من نشوب الحرب الشاملة، وذلك في ظل السياسات النقدية المتحفظة لمصرف لبنان وامتصاص حجم النقد المتداول بالليرة خارج المركزي. في موازاة ذلك، لقد جرى احتواء التضخم بشكل لافت، إذ بلغ 13% في نهاية العام 2024، بالمقارنة مع 204% في نهاية العام 2023، ومتوسط بنسبة 173% خلال سنوات الأزمة الممتدة منذ بداية العام 2020 حتى نهاية العام 2023.
على صعيد القطاع المصرفي، شكّل العام 2024 امتداداً للنمط السائد خلال سنوات الأزمة الخمس الماضية. إذ تقلصت الودائع المصرفية بالعملات بقيمة 2.8 مليار دولار خلال الأشهر العشرة الأولى من العام 2024، كما تراجعت التسليفات بالعملات بقيمة 1.6 مليار دولار خلال الفترة نفسها. إلى ذلك، ظل العام 2024 يشهد خسائر صافية في القطاع المصرفي، إذ بلغ مجموع الأموال الخاصة 4.6 مليارات دولار في نهاية تشرين الأول 2024 مقابل 5.1 مليار دولار في نهاية العام 2023، علماً أنها كانت قد بلغت مستوى قياسياً قدره 20.6 مليار دولار في بداية الأزمة في تشرين الأول 2019. وتبقى تسوية أوضاع القطاع رهن خطة إعادة التوازن والهيكلة المرتقبة.
على صعيد الأسواق المالية، كان العام 2024 عاماً مؤاتياً لأسواق الأسهم وسندات اليوروبوندز. إذ ارتفع مؤشر الأسعار في سوق الأسهم بنسبة 24.7% خلال العام 2024، في ظل التقلص النسبي في السيولة حيث انخفضت قيمة التداول الاسمية بنحو 9.6% سنوياً. وفي ما يخص سوق سندات اليوروبوندز، ارتفعت أسعار السندات السيادية اللبنانية إلى 12.75 سنتاً للدولار الواحد في نهاية كانون الأول 2024 مقابل 6.00 سنتات للدولار في نهاية كانون الأول 2023، وواصلت مسارها التصاعدي في كانون الثاني 2025 لتبلغ 17.00 سنتاً للدولار بعد إتمام الانتخابات الرئاسية ووسط رهان من قبل المتعاملين المؤسساتيين الأجانب على إمكانية تحقيق نهوض اقتصادي في المدى المنظور.
اما بالنسبة للسيناريوهات المحتملة في العام 2025، فلا بد مع بداية عام جديد يتسّم بالنهوض من مخلّفات الحرب، من إجراء تحليل دقيق لمختلف السيناريوهات على أمل أن يشكّل هذا العام تحوّلاً جوهرياً لما يتوق إليه اللبنانيون بمختلف أطيافهم ومعتقداتهم وانتماءاتهم، وفق التقرير.
وثمة أسئلة عديدة تجوب في أذهان اللبنانيين اليوم: هل سيستمر وقف إطلاق النار بشكل مستدام؟ ما هي آفاق الليرة اللبنانية؟ هل سيرتفع التضخم أو يبقى تحت السيطرة؟ ما هو المطلوب لكي يستعيد لبنان عامل الثقة بالكامل؟ ما هي الظروف التي ينبغي توفرها من أجل تحقيق نهوض اقتصادي مستدام بشكل عام؟
في الواقع، تتمحور توقعات بنك عوده حول ثلاث سيناريوهات في العام 2025، السيناريو الإيجابي، السيناريو الوسطي، والسيناريو السلبي، مع نسب تحقق 60%، 30% و10% على التوالي. علماً أنّه لا بد من الذكر أنّ آفاق العام 2025 قد تنطوي على بعض الانعطافات المحتملة التصاعدية أو التراجعية والتي يمكن أن تمثّل انحرافاً في آفاق السيناريوهات الموضوعة أصلاً.
يفترض السيناريو الإيجابي أن يصمد وقف إطلاق النار طول العام 2025، مع إطلاق ورشة إعادة إعمار واسعة النطاق بدعم خارجي، وضع حدّ للأزمة السياسية المحلية، تشكيل حكومة كفوءة وفعالة، إطلاق رزمة الإصلاحات التي طال انتظارها وإبرام اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي. في حال تحققت ظروف هذا السيناريو، سيقفز النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي إلى أكثر من 8%، وسيتراجع التضخم إلى حدود المستويات العالمية، وستتعزز احتياطيات مصرف لبنان بشكل لافت، وسيسجّل ميزان المدفوعات فائضاً أقلّه 4 مليار دولار.
أما السيناريو الوسطي فيفترض ان يستمر وقف إطلاق النار خلال العام 2025 بأكمله، ولكن دون إحداث خرق في الأزمة السياسية المحلية، ودون إطلاق رزمة الإصلاحات المنشودة. وفق هذا السيناريو، سيناهز النمو الحقيقي للناتج المحلي 2 بالمائة، وسيبلغ التضخم نحو 30%، وتستقر احتياطيات مصرف لبنان بالعملات، ويسجل ميزان المدفوعات شبه توازن.
ويفترض السيناريو السلبي أن يتدهور الوضع الأمني في العام 2025، وعدم وضع حدٍ للأزمة السياسية المحلية، ودون انطلاق عجلة الإصلاحات. في ظل هذا السيناريو، سيشهد الاقتصاد اللبناني انكماشاً يصل إلى -15%، بينما سيرتفع التضخم إلى 200% على الأقل، وستذوب احتياطيات مصرف لبنان بالعملات، ويسجّل ميزان المدفوعات عجزاً كبيراً بقيمة 5 مليار دولار على الأقل.
بعد مرور 18 شهراً على الاستقرار النقدي نتيجة سياسة مصرف لبنان بعدم تمويل الدولة، يبقى استقرار سعر الصرف رهن السيناريوهات الممكنة. فالليرة ستتمكن حتماً من الحفاظ على استقرارها وفق السيناريو الإيجابي، وعلى الأرجح أن تبقى مستقرة وفق السيناريو الوسطي، في حين أنها ستتدهور بلا شك وفق السيناريو السلبي.
من هذا المنطلق، إنّ الحاجة لاستعادة الثقة تفرض على السلطات السياسية حماية اتفاق وقف إطلاق النار، وإعادة هيبة الدولة وجيشها، وسد الفجوات في الفراغ الدستوري المؤسساتي، والتوصل إلى اتفاقات وتسويات بشأن كل المواضيع العالقة، وإرسال الإشارة الصحيحة لمجتمع الاستثمار والأعمال بشكل عام. إنّه فقط من خلال إعادة إحياء هذه الثقة يمكن للبنانين الخروج من المأزق القائم وحال الإحباط المهيمن، والرهان على مستقبل اقتصادي أكثر مؤاتاة، وهو ما يطمح إليه الجميع. من هنا، فإن اللبنانيين مدعوون إلى التضامن الوطني، وتعبئة كافة الموارد المتاحة محلياً وإقليمياً ودولياً من أجل إعادة الإعمار، وإرساء النهوض الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة بشكل عام.
لقراءة التقرير الكامل اضغط على الرابط التالي: tinyurl.com/443x6rcj