المشروعات الناجحة في الغالب تسبقها دراسات متنوعة مناسبة لطبيعة ذلك المشروع، ومستهدفاته، وأدواته مثل: دراسات الجدوى، وتقييم المخاطر، وتقييم المشروعات، وغيرها، تكون هذه الدراسات بمثابة موجهات لسير العمل وخريطة طريق تؤمن حاضر المشروع، وتستشرف مستقبله. والوقف في جوانبه المتعددة، وما يواجه هذه الجوانب من إشكالات، وما يعترضها من مستجدات يحتاج بلا شك لدراسات علمية، وبحوث موجهة تهيئ عوامل النجاح لمشروعاته المتنوعة، وتوجد حلولا عملية للتحديات التي تواجهه.

إن العمل في القطاع الوقفي -كما سلف ذكره- متعدد الجوانب، منها: الجوانب المادية المتمثلة في الأصول والاستثمارات والموجودات، والجوانب الشرعية والقانونية المتمثلة في المنظومة التشريعية الفقهية والأطر القانونية المنظمة للعمل، والجوانب الإدارية المتمثلة في القائمين على إدارة الأوقاف والأطر الإدارية المنظمة لذلك وإدارة إيصال حقوق المنتفعين، وهذه الجوانب تعد في جوهرها حقول معرفية تحتاج إلى تعميق الجانب المعرفي فيها، وتوظيف ذلك في مسيرة العمل في هذا القطاع، وهنا تبرز الحاجة إلى مركز دراسات الوقف الذي بدوره يوجه الجهد العلمي نحو الاحتياجات الحقيقة في قطاع الوقف.

يبدأ العمل الوقفي الناجح من تعزيز الثقافة الوقفية في المجتمع، فهو البنية الأساسية وقاعدة النجاح الأهم التي يقوم عليه هذا القطاع، فقد اعتمد الوقف منذ نشأته في المدينة المنورة قبل ألف وأربعمائة عام إلى يومنا هذا، على دعم أبناء المجتمع، أو ما يعرف في الأدبيات الوقفية اليوم بـ(الشراكة المجتمعية)، فهو نابع من فكر أبناء المجتمع، وجهدهم الإداري، وبذلهم المادي، كما أنه عائد إليهم أو إلى فئات منهم في صورة خدمات، أو عطاء مادي ملموس، وعلى ذلك؛ فإن قياس وعي المجتمع بأهمية الوقف في تنمية المجتمع، وما يترتب على ذلك من تعزيز نقاط القوة لديه، ومعالجة نقاط الضعف أمر في غاية الأهمية لتوسيع قواعد الدعم للقطاع.

كما أن دراسة توجه ميول أبناء المجتمع للإنفاق الخيري وطبيعة هذا الإنفاق وتفاصيله من حيث: إجمالي الإنفاق السنوي، ومصدره، ونسبة إسهام كل من الأفراد الذكور والإناث، كذلك نسبة إسهام المؤسسات الخاصة من الإنفاق الإجمالي، وطريقة توجيه ذلك الإنفاق، من حيث نسبة الإنفاق الموجه نحو الجهات الخيرية المسجلة، ونسبته الموجهة من المنفق إلى المستفيدين مباشرة، ومعرفة الدوافع الباعثة للإنفاق وهل هي دائمة، أم مرتبطة بالمواسم الدينية المحفزة للإنفاق مثل شهر رمضان، والأيام العشرة الأولى من ذي الحجة، وغيرها، وتوظيف ذلك كله في بناء قاعدة بيانات تحوي هذه التفاصيل، لتُمَكِّن صانع القرار في القطاع الوقفي من توجيه البرامج التوعوية، والتعريفية بالمشروعات الوقفية إلى الأماكن المناسبة، وفي التوقيت الأمثل، وبالطرائق المناسبة، بشكل يسهل من استقطاب الدعم المالي اللازم لهذه المشروعات، وما سيترتب على ذلك من القضاء على العشوائية في مجال الإنفاق الخيري وهو أمر في غاية الأهمية.

كما أن التقييم الخارجي لأداء مؤسسات العمل الوقفي، خصوصا، والتطوعي عموما، من حيث أسس النجاح، ومسببات الفشل، وبيان خطوط سيرها، سيسهم بلا شك في توسيع مدى الرؤية في أداء القطاع ويسهل أمر مراجعة أدائه، وما يترتب على ذلك من معالجات لنقاط الضعف وتعزيز لنقاط القوة، وسد الثغرات إن وجدت.

إضافة إلى ذلك نجد أن المستجدات في عالم الوقف، وجهاته الخيرية التي نراها تتجدد بشكل سريع، وموائمة الإدارة المالية لمتغيرات قطاع الاستثمارات، وبروز الابتكارات المتجددة في قطاع الصيرفة الإسلامية، وانعكاس ذلك على القطاع الوقفي، نجدها تحتاج إلى مواكبة فقهية تشريعية تُبيِّن الممارسات الصحيحة من الناحية الفقهية، على ذلك فإن إعداد باحثين مختصين في فقه الوقف خصوصا، والمعاملات عموما يحتاج إلى وجود كرسي دراسات وقفية يشرف على إعداد الطلاب، ومقررات التدريس، والرسائل الأكاديمية العلمية، ويقدم الاستشارات الفقهية والحلول الشرعية اللازمة سواء أكان ذلك للمؤسسات الوقفية العاملة، أو التي قيد التأسيس، والمتعثرة في أدائها، وكذلك استشارات للأفراد في مجال الوقف، والوصية بالوقف.

إن ما سبق ذكره ليست إلا أمثلة توضيحية تُبرز أهمية إنشاء مركز لدراسات الوقف في سلطنة عمان، يكون بمثابة حاضنة علمية للكفاءات العلمية المتخصصة في مجالات الوقف المتعددة، ومركز استشاري يعمل على قياس ثقافة المجتمع الوقفية، ودراسة واقع الحال في القطاع الوقفي، وتقديم مقترحات الحلول المناسبة، ويسهم في رفد المؤسسات الرسمية المشرفة على القطاع الخيري عموما بالرؤى التي تستشرف المستقبل، لا سيما أن «رؤية عُمان 2040» تحوي بين مستهدفاتها «إيجاد مجتمع مدني ممكّن ومشارك بفاعلية في التنمية المستدامة وإطار تنظيمي فاعل ومحفِّز لعمل مؤسساته»، وعلى ذلك كله، فهذه دعوة للمؤسسات الأكاديمية العامة والخاصة، للمبادرة وإحراز قصب السبق في وضع النواة الأولى لإنشاء «مركز دراسات الوقف».

د. خالد بن محمد الرحبي: باحث في التاريخ الحضاري العُماني عمومًا، والوقف على وجه الخصوص.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: القطاع الوقفی على ذلک

إقرأ أيضاً:

زراعة الأسنان والشعر الأبرز.. مصر مركز إقليمي واعد في السياحة العلاجية

أكد الدكتور شادي علي حسين، أستاذ طب الأسنان بجامعة عين شمس، أن مصر تمتلك إمكانيات هائلة تجعلها منارة في مجال السياحة العلاجية، لا سيما في تخصصي طب الأسنان وزراعة الشعر، حيث تعد واحدة من الوجهات الرائدة في منطقة الشرق الأوسط بفضل تقديمها خدمات طبية عالية الجودة بأسعار تنافسية.

وأشار الدكتور شادي علي حسين إلى أن القطاع يشهد نموًا ملحوظًا، إذ يتم علاج عشرات الآلاف من الحالات سنويًا، مما يعكس الكفاءة العالية التي يتمتع بها الأطباء المصريون، خاصة أن مصر تمتلك أكبر نسبة من أطباء الأسنان في المنطقة. كما أوضح أن تصدير الخدمات الطبية يجذب السياح من مختلف أنحاء العالم، مما يسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني عبر توفير العملة الصعبة ودعم الاستثمارات في القطاع الصحي.

وأضاف أن مصر تتفوق على العديد من الدول في مجال زراعة الأسنان، مما يمنحها ميزة تنافسية كبيرة، مشيرًا إلى أن هناك حملات ترويجية يتم إعدادها حاليًا للتعريف بالخدمات الطبية المتميزة التي تقدمها الدولة في هذا المجال.

أووضح أن السوق المصري في السياحة العلاجية ينقسم إلى ثلاث فئات رئيسية: طب الأسنان يمثل 50%، زراعة الشعر 40%، والتخصيص 10%، ما يعكس أهمية هذا القطاع في الاقتصاد المصري.

وفي سياق متصل، كشف الدكتور شادي علي حسين عن خطة طموحة لزيادة الاستثمارات في مجال طب الأسنان إلى 500 مليون جنيه بحلول عام 2027، مقارنة بحجم الاستثمارات الحالي البالغ 380 مليون جنيه 

كما أشار إلى وجود مصنع متخصص في تصنيع مكونات مادة التيتانيوم المستخدمة في تركيبات الأسنان باستثمارات تبلغ 150 مليون جنيه، وهو المصنع الوحيد من نوعه في مصر، ما يعزز مكانة الدولة كمركز إقليمي لصناعة مستلزمات الأسنان.

مقالات مشابهة

  • اجتماع برئاسة مفتاح يناقش تحضيرات افتتاح مركز الرعاية الاجتماعية والصحية للمشردين
  • رئيس مركز ومدينة سيوة يشهد حفل ختام انشطة جمعية الرسالة للأعمال الخيرية
  • الفريق أسامة ربيع: توسعة القناة في القطاع الجنوبي جاءت بعد دراسات معمقة
  • مركز الملك عبدالعزيز للتواصل الحضاري يطلق جائزته لعام 2025
  • زراعة الأسنان والشعر الأبرز.. مصر مركز إقليمي واعد في السياحة العلاجية
  • كوريا الشمالية: من حقنا السيادي العمل على تعزيز قوتنا الدفاعية
  • الإمارات تدعو المجتمع الدولي إلى تعزيز جهوده للتخفيف من معاناة الشعب السوري
  • جامعة قناة السويس تعزز ثقافة البيئة الخضراء بندوة توعوية لطالبات مدرسة الشاطئ الإعدادية
  • اليونيسف تُندد بتصاعد العنف ضد الأطفال في الضفة
  • 260 متطوعاً يقدمون خدماتهم لأكثر من 6000 مشارك في القمة العالمية للحكومات