حين دُعيتُ لكتابة نص عن يوم في حياتي، أول ما خطر ببالي هو كيف يُكتب أصلا عن الأيام؟ أعني أنني أحب قراءة اليوميات، بل أنها تكاد تكون جنسي الأدبي المفضل، وأنا أكتب يومياتي أحيانًا، لكن كتابة مقال بهذا الشكل يختلف عنها في ثلاثة أشياء على الأقل: أولا، يجتث اليوم من القصة الأكبر (التي لا تُكتب نهايتها أبدا).
يُمكن أن تكتب يومية (أهذا مفرد اليوميات حقًا؟) على النحو الآتي: ذهبتُ مع (م.م) لشرب الكرك من فرع «وقت الشاي» بالمعبيلة، في أسفل العمارة التي يقطنها (ع.ح). انتهت. والآن، أنا لا أحتاج إلى أن أشرح علاقتي لا بـ (م.م) ولا (ع.ح) ولا بالأحرف الأولى من أي اسم أضعه. لأني أكون قد كتبتُ يوم لقائي بـ(م.م) أني التقيت في ذلك اليوم بمن أجد فيه مقومات الصديق أو ما أرجوه في الصديق، وأنني أحدس بأن تعارفنا سيُسفر عن صداقة تمتد عُمرًا. شيء آخر، يكتسب هذا الحدث معناه من مكانه في القصة. فحين يكون (ع.ح) شخصًا نرجو مصادفته، ونحن نتقصد الوقوف على بابه ومراقبته في مغامرة شقية من نوع ما، يتكشف كل ذلك للقارئ دون حاجة لتلقينه الأشياء، أو إيجاد لعبة كتابية تشرح خلفيات الأشخاص والأحداث. ربما لهذا تحديدًا أحب اليوميات، أي خلوها من ألاعيب الكُتّاب المُنفرة (وهذا بالطبع ذوق شخصي).
عدم تيقني من أن مفرد اليوميات هو يومية، يؤكد هذه الفكرة، التي لا أجد وصفًا أفضل لها من القول الشائع (والذي تقف وراءه مدرسة فلسفية لا يُهمنا أن نتذكرها الآن): إنَّ الكل أكبر من مجموع أجزائه، فما بالك بأن يُنتزع هذا اليوم، ويفقد الصلة تماما بأجزاء (الأيام الأخرى) الكل (اليوميات). حسنًا، وإلام توصّلنا حتى الآن؟ إلى أن تجربة كتابة اليوميات، لا تُفيدنا في الكتابة عن «يوم في حياتنا»، إلا بقدر ما تكون إلهامًا لنصٍ لا علاقة له باليوميات كما نعرفها.
خلال جلسة سمر في إحدى ليالي مسقط القليلة والجميلة (والتي يُحتمل أن جمالها يكمن في ندرتها)، صرنا -كعادتنا في آخر الليل- نتبادل قصص الأيام الخوالي (خلت مم؟ وهل كل الأيام الماضية خوالٍ بطبيعتها؟)، أقول أننا تلك الليلة رحنا نتندر بقصصنا الحبيبة. وكنا بعد مرور السنوات، وإعادة قص الحكايات نفسها، نتبادل أدوار القص، أو نُضيف تعليقًا هنا وهناك يُتمم كلام الراوي لسامعها الجديد (وكم نُحب أن يتوفر لنا أي عذر لقصها مجددًا). ليلتها شعرتُ بذلك الشعور الذي نألفه، الذي يأتي مع نهاية فيلم جميل، أعني شعور الشجن المصحوب بلذة. لعل اللذة قادمة من أنك أنهيت شيئًا (وللدوبامين أحكامه الخاصة)، والشجن لأنه كان شيئًا جميلًا، وانتهى. راودني ذلك الشعور؛ لأن القصص أُحكمت صياغتها هذه المرة بشكل خاص، على نحو يُثير ضحكنا كما لم نضحك من قبل (عليها). هل ستكون تلك أحلى مرة نحكيها فيها؟ يا للأسف.
عمومًا ما لم ألاحظه وقتها، لكني أعيه للتو، أن القصص التي سُردت بقيت في ذاكرتنا لأننا كتبنا عنها بشكل ما. وما عداه، أو أكثره، راح دون حِفظ، ولعلنا لا نجد طريقا لاستعادته مهما حاولنا. يا إلهي، كل هذا العمر بأيامه التي لا تُحصى، تذهب دون استحضار. يا جماعة اكتبوا يومياتكم اكتوبها ! ولعلي أكتب عن تلك السهرة تحديدًا في مناسبة قادمة، فقد ذهب يومي في التفكير بكيف يُكتب عن الأيام.
نوف السعيدي كاتبة وباحثة عمانية في مجال فلسفة العلوم
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
تحذيرات من انجماد أرضي في العراق خلال الأيام المقبلة
يناير 22, 2025آخر تحديث: يناير 22, 2025
المستقلة/- أعلنت هيئة الأنواء الجوية العراقية، اليوم الأربعاء، توقعاتها لحالة الطقس خلال الأيام المقبلة، محذرة من احتمالية حدوث انجماد أرضي في بعض المناطق.
وأفادت الهيئة في بيان لها بأن العراق سيشهد انخفاضًا ملحوظًا في درجات الحرارة، مما يؤدي إلى تشكل موجات برد قارس قد تسبب انجمادًا أرضيًا في المناطق الشمالية والغربية من البلاد. وأشارت إلى أن هذه الظاهرة تحدث نتيجة لتأثير كتلة هوائية شديدة البرودة قادمة من المناطق القطبية.
تفاصيل الطقس المنطقة الشمالية: من المتوقع أن تسجل درجات حرارة منخفضة تصل إلى ما دون الصفر المئوي في الساعات الليلية والصباحية، مما يرفع احتمالية تشكل الصقيع والانجماد على الطرقات وفي الأراضي الزراعية. المنطقة الغربية: ستتأثر بدرجات حرارة منخفضة أيضًا، مع تحذيرات من تشكل الانجماد على الطرقات، خاصة في المناطق الصحراوية والمرتفعات. توصيات الهيئةدعت هيئة الأنواء الجوية المواطنين إلى توخي الحذر، خاصة السائقين، أثناء القيادة على الطرقات المثلجة لتجنب الحوادث. كما أوصت المزارعين باتخاذ التدابير اللازمة لحماية محاصيلهم الزراعية من التلف بسبب الصقيع.
ختامًاتواصل الهيئة متابعة التغيرات الجوية عن كثب، وستصدر تحديثات دورية بشأن حالة الطقس لتحذير المواطنين من أي طارئ قد يحدث.