نورمان فينكلشتاين: لا يمكن فهم موقف بايدن من دعم إسرائيل بعيدا عن المليارديرات اليهود

واشنطن- كونه الباحث الأكثر إثارة للانقسام في الولايات المتحدة بين متخصصي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، أمضى نورمان فينكلشتاين السنوات الـ40 الماضية منبوذا من قبل وسائل الإعلام التقليدية ومن الأوساط الأكاديمية الأميركية.

ثم دفعه هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في السابع من أكتوبر/تشرين الأول إلى دائرة الضوء وأصبح كتابه "غزة: تحقيق في استشهادها"، الصادر عام 2018 أكثر الكتب مبيعا في فئة تاريخ الشرق الأوسط في موقع أمازون.

وفينكلشتاين هو سياسي أميركي وناشط وأستاذ جامعي سابق حصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة برنستون. وتُرجمت كتبه العديدة إلى حوالي 50 لغة أجنبية.

ويؤكد جون ميرشايمر، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة شيكاغو، أنه "لم يقم أي باحث بأكثر مما قام به فينكلشتاين لتسليط الضوء على معاملة إسرائيل القاسية للفلسطينيين في غزة".

الجزيرة نت حاورت نورمان فينكلشتاين حول عدة مواضيع، أبرزها العدوان على غزة والانتخابات الرئاسية الأميركية.

وفيما يلي نص الحوار:

هل كانت هجمات حماس مفاجئة بالنسبة لك؟

لقد كانت مفاجأة بالنسبة لي بقدر ما كانت مفاجأة لأي شخص آخر.

برأيك، ما دوافع حماس من تلك الهجمات؟

لا أعتقد أن هناك أي معلومات واضحة حول أهداف الحركة. هناك تكهنات كثيرة، لكن قراءتي للأدلة المتوفرة والوثائق المتاحة لا تُظهر الهدف بالضبط من الهجوم، ولا المرحلة التالية له.

ربما سعوا لأخذ جنود ومقاتلين ومدنيين كمحتجزين، لا أعلم، لا أستطيع الإجابة على هذا السؤال.

ما رأيك في رد الفعل الإسرائيلي خلال قرابة 6 أشهر من بدء العدوان على غزة؟

رد فعل إسرائيل تمثل في 3 مكونات: الأول، شهوة للدماء وللانتقام مما حدث في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وهو بمثابة التعبير عن حجم الغضب. بالنسبة لهم كيف أن هؤلاء البشر الفرعيون (Sub Human) -وتحديدا حماس- فعلوا ذلك. وكيف كان بإمكان هؤلاء "ممن هم دون البشر "أن يتفوقوا علينا نحن الخارقين".

وهذا ما اعتاد النازيون أن يسموا به الآخرين، دون الإنسان. فصورة إسرائيل في ذهن الإسرائيليين أنها دولة فائقة الذكاء ومتقدمة ولديها أحدث التقنيات. وما حدث هو أن هؤلاء ممن يرونهم "من دون البشر"، تفوقوا عليهم، لذلك هم ينتقمون الآن.

الجانب الثاني هو أن إسرائيل اعتمدت دائما على ما تسميه قدرة الردع، وهذا مجرد مصطلح خيالي يهدف لنشر الخوف في العالم العربي منها، وهذا الخوف من إسرائيل ضربته هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول بقوة.

وعلى المستوى الشعبي، بدأ الاعتقاد بأن إسرائيل قد لا تكون قوية كما كنا نعتقد وقد لا تكون هي القوة التي لا تُقهر. وربما لدينا خيار عسكري ضدها، وبالتالي كان عليها استعادة قدرتها على الردع كي يستمر العالم العربي في الخوف منها.

والطريقة التي تحاول بها إسرائيل عادة استعادة قدرتها على الردع هي من خلال ارتكاب مجازر واسعة النطاق في غزة، لمحاولة نقل ما تفعله إلى بقية العالم العربي في رسالة مفادها "أنك إذا رفعت رأسك عاليا، فسنفعل بك ما فعلناه بغزة".

أما الجانب الثالث فهو أنه يتم حل معضلة غزة مرة واحدة وإلى الأبد. فقضية القطاع -منذ عام 1948- شوكة في جسد إسرائيل التي قررت عقب هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول أن الكيل قد طفح، ومن هنا تستغل الحكومة الإسرائيلية هذه الفرصة لوضع حد لهذه القضية.

ما رأيك في موقف إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ودعمها لإسرائيل حتى الآن؟

أعتقد شخصيا أن مصدر قلق بايدن الرئيسي هو أنه يعتمد بشكل كبير على ما يمكن أن تسميه طبقة المليارديرات اليهود للمساهمة في تمويل حملته الانتخابية.

من هنا، يدعم بايدن إسرائيل في الوقت الحالي، ويدعم ما تقوم به من إبادة جماعية في غزة، وعليه أن يقف إلى جانب إسرائيل إذا كان يريد ضمان حصوله على مساهمات تمويل الحملة التي يحتاجها من أجل الفوز في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني القادمة.

من ناحية أخرى، هناك القواعد الشعبية في الحزب الديمقراطي المستاءة جدا مما تفعله إدارة بايدن تجاه غزة، وكان خطاب السيناتور تشك شومر الأسبوع الماضي يهدف إلى استرضاء هذه القاعدة عبر إخبارهم "أننا نتفهم انتقاداتكم لإسرائيل، ونعتقد أن كل شيء سيكون على ما يرام إذا تمكنا من التخلص من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو".

هل تعتقد أن التخلص من نتنياهو سيحدث أي تغيير جدي في التكتيك والإجراءات الإسرائيلية في غزة؟

بالطبع لا، فإسرائيل بنخبتها الحاكمة بأكملها وشعبها يدعمون ما يجري، وكما قال نتنياهو، في لقاء تلفزيوني الأحد الماضي، إن "90% من الإسرائيليين يدعمون ما نقوم به"، وهذا صحيح تماما.

كما أن أهداف ردود الفعل الإسرائيلية الثلاثة التي ذكرتها، وهي شهوة الدم، واستعادة الردع، وحسم صداع غزة مرة واحدة وإلى الأبد، هي مشتركة بين الجميع في النخبة الإسرائيلية المترنحة، وليس فقط نتنياهو.

لديك كتاب عنوانه "الرومانسية بين يهود أميركا وإسرائيل تقترب من نهايتها" ماذا تقصد بذلك؟

في الأساس، يميل الأميركيون اليهود إلى أن يكونوا معتدلين إلى ليبراليين إلى اليسار في الطيف السياسي. لكن الطيف السياسي الإسرائيلي اليوم هو العكس تماما، فهو يتكون -حاليا- من اليمين وأقصى واليمين واليمين المتطرف.

من هنا، لم يعد هناك حتى تيار وسطي في إسرائيل، ناهيك عن اليسار. ليس هناك تطابق بين تفضيلات ومواقف يهود أميركا وبين القوى السياسة حاليا داخل إسرائيل، وهناك صراع أيديولوجي أساسي بين جموع اليهود الأميركيين ونخبة الحكم في إسرائيل.

لكن اللوبي اليهودي في واشنطن، وبقية الولايات المتحدة، ما زال يمينيا مثل أيباك ورابطة مكافحة التشهير؟

أتفق معك في أن منظمات يهودية أميركية كثيرة لا تزال يمينية الهوى، ويعود ذلك لقوتها التنظيمية بالأساس. من هنا تنبع أهمية الخطاب الذي ألقاه السيناتور تشاك شومر، حيث يدرك هو والحزب الديمقراطي، أن الكثير من اليهود الأميركيين ليسوا راضين عما تفعله الحكومة اليمينية في إسرائيل.

بعد 6 أشهر من العدوان على غزة، لماذا لم نر أي شيء ملموس من واشنطن إلا دعما كاملا لإسرائيل، مع وجود تراشقات لفظية بما لا يؤثر على حجم وطبيعة الدعم الأميركي؟

أعتقد أن هذا صحيح، ومع ذلك فقد أصدرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أكثر التصريحات قسوة على الإطلاق فيما يتعلق بالمجاعة في غزة.

لقد أصدر جوزيب بوريل، منسق السياسة الخارجية الأوربية، وأنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، بيانات تقول إن إسرائيل استخدمت التجويع كسلاح. الآن أعتقد أن واشنطن لن تتسرع في دعم تل أبيب أمام هذه الاتهامات الموثقة.

ما رأيك فيما يقوم به الجناح التقدمي داخل الحزب الديمقراطي وهل تعتقد أنه فعال في الضغط على إدارة بايدن لاتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه إسرائيل؟

هناك توازن يحدث بين الديمقراطيين، أي أن بايدن ملتزم بإرضاء طبقة المليارديرات اليهود للمساهمات في حملة إعادة انتخابه. ومن ناحية أخرى، فهو يحتاج أيضا إلى قاعدة الحزب الديمقراطي التي جزء كبير منها معزول وغاضب جدا على بايدن بسبب موقفه من العدوان على غزة. وهذا ما دفع بالسيناتور شومر لإلقاء ذلك الخطاب.

ولا أعتقد أنه سيكون هناك تغير جذري في سياسة الولايات المتحدة. أما بشأن حدوث تحولات بسيطة مثل عدم الدفاع عن إسرائيل أمام اتهاماتها بارتكاب إبادة جماعية عبر التجويع، فإن إدارة بايدن تنتقد استخدام التجويع كسلاح، لذا لن تدافع عن إسرائيل.

فيما يتعلق بالجامعات الأميركية التي تشهد حراكا واسعا لدعم غزة، ما رأيك في أوضاع الحرية الأكاديمية الآن وتزايد الإشارة إلى اتهامات معاداة السامية؟

أعتقد أن شيئين يحدثان في الوقت نفسه: الأول أن طبقة المليارديرات اليهود التي تعطي مبالغ كبيرة من المال للمؤسسات الأكاديمية المرموقة وغيرها، هي تبتز إدارات الجامعات إما بالقمع أو بالمنع.

يقولون لهم إن دعم الفلسطينيين يعني سحب تبرعاتنا واستعادة أموالنا والتوقف عن التمويل. وهذا تهديد كبير جدا لأنه بالنسبة لفئة المليارديرات لا يعد مبلغ 100 مليون دولار ذا قيمة كبيرة، لكنه رقم ضخم جدا للمؤسسات التعليمية لا ترغب في المخاطرة بخسارته.

من ناحية أخرى، يستغل الشباب حرم الجامعات للتعبير عن معارضتهم القوية للعدوان الإسرائيلي. وهؤلاء الشباب الشجعان يواجهون إدارات مؤسساتهم على مدار قرابة 6 أشهر من بدء العدوان بكل حماس وتصميم. كما تستمر المظاهرات والاحتجاجات بشكل شبه يومي.

لذلك أعتقد أن كلا الأمرين يحدثان، يُظهر الشباب مرونة وشجاعة ملحوظة، وتعمل طبقة المليارديرات اليهود بقوة من وراء الكواليس وعلانية. إنهم صريحون جدا ويقولون "هل تؤيد إسرائيل؟ هل تقمع حرية التعبير والحرية الأكاديمية؟ وبناء على ذلك نقرر منحك أموالا من عدمها".

كيف ومتى تتصور نهاية العدوان على غزة؟

لا أرى نهاية، لا أعتقد أن أي شخص لديه أي فكرة عن كيفية انتهاء القتال، تقول إسرائيل إنها لا تقبل إلا بتحقيق نصر عسكري واضح على حماس، في حين لن تسمح الحركة -ومؤيدوها على وجه الخصوص- بهزيمة حماس، من هنا لا أرى أي مكان بين هذين القطبين.

يقترب موعد الانتخابات الأميركية، ما رأيك في موقف الرئيس السابق دونالد ترامب؟ وهل ينقل العدوان على غزة بعض الأصوات إليه؟ وكيف تؤثر غزة على الانتخابات؟

نظرا لأن الانتخابات متقاربة للغاية وهناك ولايات متأرجحة كبيرة قد تكون إما جمهورية أو ديمقراطية، يمكن لعدد صغير نسبيا من الناخبين أن يُحدث فرقا في النتيجة في ولايات معينة.

مثلا ولاية ميشيغان، كانت قضية غزة كبيرة بما يكفي للتأثير في نتائج انتخاباتها. يمكن أن يكون هناك عدد كبير من الناخبين الديمقراطيين ممن قرروا أنهم لن يصوتوا لترامب، لكنهم لن يصوتوا لبايدن أيضا.

الامتناع عن التصويت لبايدن يمكن أن يؤثر على النتيجة وعلى الحزب الديمقراطي. وأذكرك بشومر حيث إن ذلك كان بيت القصيد من وراء خطابه، ويعكس قلقا من أن جزءا من قاعدة الحزب لن تخرج للتصويت في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

ما رأيك في موقف الدول العربية المجاورة لغزة، وخاصة مصر والأردن؟

هذه الدول تعمل في تنسيق كامل مع الولايات المتحدة باستثناء نقطة واحدة، وهي إذا تصاعد الصراع لدرجة وصوله لحالة تطهير عرقي جماعي في الضفة الغربية أو غزة، فلا يريد الأردن استقبال الفلسطينيين من الضفة، ولا تريد مصر استقبال الفلسطينيين من القطاع، وهي النقطة الوحيدة التي سيعارضون فيها واشنطن.

لن يسمح العرب بعملية بتطهير عرقي آخر بعد ما جرى عامي 1948 و1967، فأي تطهير عرقي هائل من شأنه أن يزعزع استقرار هذه الأنظمة، وهذا هو خطهم الأحمر الوحيد، وباستثناء ذلك هم ينسقون مع واشنطن.

كيف تنظر إلى التغيرات الديموغرافية في الولايات المتحدة وحقيقة تقارب أعداد مسلميها من أعداد يهودها؟ وهل سيؤثر ذلك في ديناميكيات صنع السياسات الأميركية؟

لا، لأن هناك فرقا كبيرا جدا بين الأعداد الكبيرة غير المنظمة، وبين القوى المنظمة. فمثلا الأميركيون الآسيويون لهم أعداد كبيرة ويتعلمون جيدا وهم أقلية لديها موارد مالية، إلا أنهم لا يملكون نفوذا سياسيا واضحا بعد.

اليهود الأميركيون منظمون جيدا سياسيا رغم أنهم أقل من 2% من سكان أميركا، والتنظيم يُحدث فارقا كبيرا جدا.

لقد كتبت عن صناعة الهولوكوست، ولكن الجيل الجديد من اليهود والأميركيين لا يرتبط بشدة بالمحرقة، ما تبعات هذا التطور؟

يمكن أن نرى ذلك بالفعل الآن، الهولوكوست النازي لا يلعب الدور نفسه الذي لعبه في نهاية القرن الماضي. والهولوكوست أضعف في المخيلة العقلية لليهود الأصغر سنا ولا يحتل المساحة العقلية مثلما كانت في الجيل السابق من اليهود والأميركيين.

هل لديكم أي أمل مستقبلي في حل الدولتين أو حل الدولة الواحدة؟

لا، أعتقد أنه وهم في الوقت الراهن وفي المستقبل المنظور. سنشهد المزيد من القتال في ساحة المعركة. لا يوجد حل دبلوماسي وهذا واضح بشدة. من أجل الحصول على حل الدولتين، علينا أن نتخلص من أحد الطرفين، حماس والسلطة الفلسطينية من جانب، ونتنياهو واليمين المتطرف من الجانب الآخر.

لماذا يكرر بايدن الإشارة إلى حتمية حل الدولتين؟

لأنه ليس لديه أي فكرة عن أي بديل مناسب.

هل تعتقد أن السعودية ستطبع العلاقات مع إسرائيل؟

السعودية وإسرائيل تريدان ذلك، ولكن هناك مشكلة، فمن الصعب تطبيع العلاقات وسط ارتكاب طرف للإبادة الجماعية.

المصدر: الجزيرة