الدائرة الخبيثة…
مهدي رابح
بعد مرور ما يقارب العام على حرب 15 ابريل 2023م ومقتل عشرات آلاف المدنيين ونهب ممتلكات مئات الآلاف وتشريد ما يزيد عن العشرة ملايين، ودمارا غير مسبوق للبني التحتية والممتلكات العامة والخاصة، فإن عناصر اكتمال الدائرة الخبيثة للحروب الأهلية متوفرة تماماً في السودان.
أولها بالطبع أطراف حرب ليس بمقدورها تحقيق حسم عسكري صريح وكامل، وتكتفي بدلاً عن ذلك بانتصارات محدودة غير منتظمة.
وتتسم فترات الهدوء القتالي التي تفصل بين تلك الانتصارات- الصغيرة مقارنة بالمساحات الجغرافية الكلية المستهدفة بالسيطرة- بالحشد الجماهيري والاستقطاب الحاد، الجهوي والإثني في الغالب، وبالتعبئة القتالية، أي توفير العدة عبر الاستنفار من داخل الصف المدني باستخدام الخطاب الديني أو الوطني “حرب الكرامة أو القضاء على دولة 56″، والعتاد عبر دعم بعض الأطراف الدولية والإقليمية مقابل وعود مكلفة جداً تخصم بالتأكيد من الرصيد المتآكل لما تبقى من وحدة وسيادة البلاد.
ثانيها هو استمرار تدفق استثمارات الشر في هذه الحرب من بعض القوى الدولية والإقليمية المتورطة فيها منذ ما قبل اندلاعها، وأقصد بذلك تلك التي دعمت انقلاب طرفي الحرب الحاليين على الحكومة الانتقالية في أكتوبر 2021م ثم استمرت في دعم أحد طرفيها بالمال والعتاد والثقل الدبلوماسي والسياسي.
وهؤلاء وصلوا الآن إلى مرحلة لا يمتلكون فيها خيارات غير الاستمرار في ذلك الدعم، رغم انجلاء الحقيقة التي لا تخفى على احد باستحالة تحقيق نصر كامل، وهو وضع أصبح مؤكداً عقب فشل خطة القوات المسلحة في تصفية قيادة الدعم السريع منذ السويعات الأولى لاندلاع الحرب حسب عديد المؤشرات والأدلة، وفشل الدعم السريع منذ أيامها الأولى في احتلال القيادة العامة للجيش وتصفية رأس نظام انقلاب الـ 25 اكتوبر 2021م.
وهو ما يعني أنه رغم وصول الحرب لمحصلتها العسكرية النهائية، أي “لم ينجح أحد”، لم تجد هذه القوى خياراً غير الاستمرار في دعم أحد طرفي الحرب لحماية استثماراتها الخبيثة السابقة ومحاولة الوصول إلى طاولة المفاوضات بأفضل موقف عسكري ممكن لتحقيق ما يمكن تحقيقه من المكاسب الممكنة، أو استرداد رأس المال المستثمر على أقل تقدير إن صح التعبير.
الأخطر من ذلك هو دخول لاعبين دوليين وإقليميين جدد على خط النزاع مدفوعين بالفرصة المتوافرة للاستثمار المربح في الحرب نتيجة استعداد طرفيها تقديم تنازلات أكبر على حساب سيادة السودان على أراضيه وموارده ومستقبله بالطبع.
ثالثها، أو لنقل ثالثة الأثافي هو هشاشة وتضعضع الصف المدني نتيجة تدهور البيئة السياسية التي فتحت الباب واسعاً أمام الأجندة الذاتية والانتهازية ومزاد شراء الولاءات. وربما خروج المجتمع المدني “الحقيقي” عبر ضغط العمل الميداني السلمي الاحتجاجي من المعادلة بصورة شبه كلية لهو أخطر نتائج هذه الحرب.
فما تبقى من كيانات سياسية واجتماعية منظمة وفاعلة مضطرة للتصالح والمناورة مع رؤى بعض القوى الدولية الضبابية تجاه القوى المدنية وأدوارها ومشاريعها والتعامل مع جهل أغلبها بالثقل الجماهيري لكل واحدة منها ومدى تأثيرها في ظل غياب أداة القياس الدقيقة الوحيدة المتمثلة في التفويض الانتخابي، الغائبة منذ ما يقارب الأربعة عقود.
وبالتالي اعتماد تصميم كامل العمليات السياسية على الآليات التفاوضية واقتران شرعية التمثيل الى حد كبير بتصورات غير دقيقة مرجعيتها الى حد كبير هي الاحساس بالاستحقاق الذاتي لبعض الفاعلين ذوي التأثير او قدرة هؤلاء على إيصال اصواتهم، والتي تتناسب راجحية سماعها والتجاوب معها كلما أصبحت أكثر حدة وتطرفا او اكثر انسجاماً مع أحكام وتصورات مسبقة لهذه القوى الدولية، والمشغولة بدورها بأزمات اكبر تهدد امنها بصورة مباشرة.
وأثناء تلكم الملهاة المأساوية يسقط المئات كل يوم، اما بفعل العنف المباشر للحرب قصفا وقتلا واغتصابا او عنفها غير المباشر المتمثل في نقص الغذاء والدواء والنزوح والقهر، وتتحول حيوات كل هؤلاء الأبرياء الطيبين وافراحهم وامالهم المقبورة بالتدريج الى أرقام باردة محايدة في شاشات ذكية/ بلهاء محتشدة بالحقائق الموازية والبطولات الزائفة ومستغرقة تماما بكل غير ذي جدوى ومعني.
#مدنية
#لاللحرب
#حرب_المجرمين_البُلَهاء
الوسومالجيش الدعم السريع السودان الصف المدني القوى الإقليمية مهدي رابحالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجيش الدعم السريع السودان القوى الإقليمية
إقرأ أيضاً:
بكري الجاك: لا نسعى إلى تشكيل حكومة منفى أو حكومة موازية .. الهادي إدريس يرد: تصريح بكري الجاك لا يعبر عن الموقف الرسمي لــ(تقدم)
في الوقت الذي أصدر فيه د. بكري الجاك الناطق الرسمي باسم تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) بيانا أكد فيه أن التنسيقية لا تسعى إلى تشكيل حكومة منفى أو حكومة موازية، أصدر من جانبه الدكتور الهادي ادريس يحي نائب رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) بيانا أخر رد فيه على بيان بكري الجاك مؤكدا أن البيان الذي تم تداوله باسم الناطق الرسمي لا يعبر عن الموقف الرسمي لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم). لم يتم الاتفاق على هذا البيان من قبل أي من هيئات التنسيقية المعتمدة، ولم يجرِ التوافق عليه داخل الأطر التنظيمية المعروفة.
الموقف الرسمي لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) كان ومازال أن التنسيقية لا تسعى إلى تشكيل حكومة منفى أو حكومة موازية.
في اجتماع الهيئة القيادية لـ(تقدم)، الذي اختُتمت أعماله في ٦ ديسمبر من العام المنصرم، طُرح مقترح تشكيل حكومة من قِبل مجموعة داخل الهيئة القيادية، ولم يحدث توافق حول المقترح داخلها. وعليه، فقد قرر الاجتماع إحالة قضية منازعة الشرعية وقضايا أخرى إلى الآلية السياسية، التي عقدت عدة اجتماعات وأصدرت توصيات أُحيلت إلى الأمانة العامة والهيئة القيادية للتنسيقية.
توافقت الآلية السياسية في آخر اجتماع لها على فك الارتباط بين الكيانات والأفراد الذين يصرون على المضي في تشكيل الحكومة، وبين الكيانات والأفراد المتمسكين بعدم تشكيل أي حكومة بصورة منفردة أو مع أي من أطراف القتال. وشكلت لجنة للتوصل إلى صيغة فك الارتباط بما يعظم المتفق عليه بين الطرفين، ليعمل كل منهما بصورة مستقلة سياسياً وتنظيمياً عن الآخر، مع كامل التقدير للخيارات المختلفة التي بنيت على حيثيات مفهومة لكل طرف. إلا أن واقع الحال يقول بأن هذه الخيارات لا يمكن أن تتعايش داخل تحالف واحد رافض للحرب وغير منحاز لأي من أطرافها.
نحن نستشعر أثر الحرب البالغ في دفع الجميع نحو الاستقطاب والانقسام، وستظل تنسيقية القوى الديمقراطية غير منحازة لأي طرف من أطراف الحرب، ولا تعترف بشرعية سلطة الأمر الواقع في بورتسودان أو أي سلطة أخرى. ونرفض الحرب والعنف كوسيلة لإدارة الصراع السياسي في البلاد، وسنعمل على بناء جبهة مدنية رافضة للحرب ومؤمنة بوحدة البلاد. كما سنعمل على المساهمة في إيقاف الحرب عبر العمل الجماهيري والدبلوماسي، بالإضافة إلى العمل على إنهاء الحرب عبر حوار شامل لكل القوى الفاعلة، يُؤسس على مشروع متكامل للعدالة والعدالة الانتقالية، ورؤية شاملة للتعافي الاجتماعي من أجل رتق النسيج الاجتماعي ومجابهة مخلفات الحرب الاجتماعية والسياسية من انقسام واستقطاب.
د. بكري الجاك
الناطق الرسمي باسم تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)
تصريح صحفي باسم نائب رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)
الجمعة ٣١ يناير ٢٠٢٥م
نود التأكيد، في ضوء التصريحات الصادرة مؤخراً، أن البيان الذي تم تداوله باسم الناطق الرسمي لا يعبر عن الموقف الرسمي لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم). لم يتم الاتفاق على هذا البيان من قبل أي من هيئات التنسيقية المعتمدة، ولم يجرِ التوافق عليه داخل الأطر التنظيمية المعروفة.
كما نؤكد أن تنسيقية “تقدم” لم تتخذ بعد أي قرار بشأن مسألة تشكيل الحكومة، وأن هذا الموضوع لا يزال قيد النقاش بين جميع الأطراف. أي تصريحات متسرعة تصدر خارج السياق التنظيمي هي محاولات غير مسؤولة لفرض أجندات معينة، ولا تمثل الإرادة الجماعية للتحالف.
إننا نرى في هذا التصريح المتعجل محاولةً لخلق انقسام داخل التنسيقية، وهو أمر نرفضه بشدة. تحالف “تقدم” تأسس على أسس التوافق السياسي بين مؤسسيه، وهم وحدهم من يملكون حق تقرير مصيره. لا يمكن لأي طرف منفرد أن يقرر مصير التنسيقية أو يصدر قرارات مصيرية دون موافقة الجميع.
إننا نرفض أي محاولات لفرض أمر واقع دون الرجوع إلى كافة الشركاء، وسنواجه ذلك بكل حزم ومسؤولية .
الدكتور الهادي ادريس يحي
نائب رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)