صحيفة التغيير السودانية:
2024-12-23@15:37:59 GMT

الدائرة الخبيثة…

تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT

الدائرة الخبيثة…

الدائرة الخبيثة…

مهدي رابح

بعد مرور ما يقارب العام على حرب 15 ابريل 2023م ومقتل عشرات آلاف المدنيين ونهب ممتلكات مئات الآلاف وتشريد ما يزيد عن العشرة ملايين، ودمارا غير مسبوق للبني التحتية والممتلكات العامة والخاصة، فإن عناصر اكتمال الدائرة الخبيثة للحروب الأهلية متوفرة تماماً في السودان.

أولها بالطبع أطراف حرب ليس بمقدورها تحقيق حسم عسكري صريح وكامل، وتكتفي بدلاً عن ذلك بانتصارات محدودة غير منتظمة.

وتتسم فترات الهدوء القتالي التي تفصل بين تلك الانتصارات- الصغيرة مقارنة بالمساحات الجغرافية الكلية المستهدفة بالسيطرة- بالحشد الجماهيري والاستقطاب الحاد، الجهوي والإثني في الغالب، وبالتعبئة القتالية، أي توفير العدة عبر الاستنفار من داخل الصف المدني باستخدام الخطاب الديني أو الوطني “حرب الكرامة أو القضاء على دولة 56″، والعتاد عبر دعم بعض الأطراف الدولية والإقليمية مقابل وعود مكلفة جداً تخصم بالتأكيد من الرصيد المتآكل لما تبقى من وحدة وسيادة البلاد.

ثانيها هو استمرار تدفق استثمارات الشر في هذه الحرب من بعض القوى الدولية والإقليمية المتورطة فيها منذ ما قبل اندلاعها، وأقصد بذلك تلك التي دعمت انقلاب طرفي الحرب الحاليين على الحكومة الانتقالية في أكتوبر 2021م ثم استمرت في دعم أحد طرفيها بالمال والعتاد والثقل الدبلوماسي والسياسي.

وهؤلاء وصلوا الآن إلى مرحلة لا يمتلكون فيها خيارات غير الاستمرار في ذلك الدعم، رغم انجلاء الحقيقة التي لا تخفى على احد باستحالة تحقيق نصر كامل، وهو وضع أصبح مؤكداً عقب فشل خطة القوات المسلحة في تصفية قيادة الدعم السريع منذ السويعات الأولى لاندلاع الحرب حسب عديد المؤشرات والأدلة، وفشل الدعم السريع منذ أيامها الأولى في احتلال القيادة العامة للجيش وتصفية رأس نظام انقلاب الـ 25 اكتوبر 2021م.

وهو ما يعني أنه رغم وصول الحرب لمحصلتها العسكرية النهائية، أي “لم ينجح أحد”، لم تجد هذه القوى خياراً غير الاستمرار في دعم أحد طرفي الحرب لحماية استثماراتها الخبيثة السابقة ومحاولة الوصول إلى طاولة المفاوضات بأفضل موقف عسكري ممكن لتحقيق ما يمكن تحقيقه من المكاسب الممكنة، أو استرداد رأس المال المستثمر على أقل تقدير إن صح التعبير.

الأخطر من ذلك هو دخول لاعبين دوليين وإقليميين جدد على خط النزاع مدفوعين بالفرصة المتوافرة للاستثمار المربح في الحرب نتيجة استعداد طرفيها تقديم تنازلات أكبر على حساب سيادة السودان على أراضيه وموارده ومستقبله بالطبع.

ثالثها، أو لنقل ثالثة الأثافي هو هشاشة وتضعضع الصف المدني نتيجة تدهور البيئة السياسية التي فتحت الباب واسعاً أمام الأجندة الذاتية والانتهازية ومزاد شراء الولاءات. وربما خروج المجتمع المدني “الحقيقي” عبر ضغط العمل الميداني السلمي الاحتجاجي من المعادلة بصورة شبه كلية لهو أخطر نتائج هذه الحرب.

فما تبقى من كيانات سياسية واجتماعية منظمة وفاعلة مضطرة للتصالح والمناورة مع رؤى بعض القوى الدولية الضبابية تجاه القوى المدنية وأدوارها ومشاريعها والتعامل مع جهل أغلبها بالثقل الجماهيري لكل واحدة منها ومدى تأثيرها في ظل غياب أداة القياس الدقيقة الوحيدة المتمثلة في التفويض الانتخابي، الغائبة منذ ما يقارب الأربعة عقود.

وبالتالي اعتماد تصميم كامل العمليات السياسية على الآليات التفاوضية واقتران شرعية التمثيل الى حد كبير بتصورات غير دقيقة مرجعيتها الى حد كبير هي الاحساس بالاستحقاق الذاتي لبعض الفاعلين ذوي التأثير او قدرة هؤلاء على إيصال اصواتهم، والتي تتناسب راجحية سماعها والتجاوب معها  كلما أصبحت أكثر حدة وتطرفا او اكثر انسجاماً مع أحكام وتصورات مسبقة لهذه القوى الدولية، والمشغولة بدورها بأزمات اكبر تهدد امنها بصورة مباشرة.

وأثناء تلكم الملهاة المأساوية يسقط المئات كل يوم، اما بفعل العنف المباشر للحرب قصفا وقتلا واغتصابا او عنفها غير المباشر المتمثل في نقص الغذاء والدواء والنزوح والقهر، وتتحول حيوات كل هؤلاء الأبرياء الطيبين وافراحهم وامالهم المقبورة بالتدريج الى أرقام باردة محايدة في شاشات ذكية/ بلهاء محتشدة بالحقائق الموازية والبطولات الزائفة ومستغرقة تماما بكل غير ذي جدوى ومعني.

#مدنية

#لاللحرب

#حرب_المجرمين_البُلَهاء

الوسومالجيش الدعم السريع السودان الصف المدني القوى الإقليمية مهدي رابح

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الجيش الدعم السريع السودان القوى الإقليمية

إقرأ أيضاً:

أصحاب العقول الصغيرة يمتنعون!

 

أصحاب العقول الصغيرة يمتنعون!

رشا عوض

نتائج المعارك على الارض لن تغير شيئا في وجهة نظري الكلية حول جذور حرب الخامس عشر من ابريل! حكاية ان الجيش دخل الولاية الفلانية ويقترب من تحرير المكان العلاني لا تعني لي شيئا سوى اننا ما زلنا في محرقة الحرب! رأيي الذي ظللت اجهر به منذ اليوم الاول لهذه الكارثة وساظل اجهر به حتى لو نجح الجيش في القضاء على الدعم السريع وطرده من السودان نهائيا، وحتى لو دخل الجيش فاتحا للدولة التي لجأت إليها هو ان الجذر العميق لهذه الحرب وللازمة الوطنية اجمالا هو فساد وعطب المؤسسة العسكرية وعلى رأسها الجيش، أما الدعم السريع فقد أصبح جزءا من هذه المؤسسة العسكرية قبل ١١ سنة فقط، ، وبالتالي فهو  من تجليات الازمة ونتائجها وليس هو اس الازمة وجذرها العميق والوحيد كما يحاول الضلاليون اقناعنا بوسائل الارهاب والغوغائية، لأن وجود الدعم السريع كجيش موازي بهذا الحجم كان نتيجة للخلل البنيوي في الجيش ممثلا في عدم قدرته على خوض المعارك بنفسه واعتماده على اخرين للقتال نيابة عنه حتى يتفرغ الجنرالات لاتقان فنون السياسة والبزنس بدلا من اتقان فنون القتال وتعليمها لجنودهم!

بمعنى ان عجز الجيش هو السبب الذي  ادى الى الحاجة للدعم السريع ، والخلل السياسي في نظام الكيزان وصراع السلطة بين اجنحتهم هو السبب في الاحتفاظ للدعم السريع بمساحة استقلال تام عن الجيش وتتويج ذلك بقانون اجازه بالاجماع برلمان بني كوز الذي اسقط من القانون  مادة تعطي الحق لوزير الدفاع بتعيين قائد الدعم السريع، وعمر البشير مكن الدعم السريع بهدف استخدامه كفزاعة لتخويف قيادات الجيش الكيزانية من الاطاحة به فقال قولته الشهيرة (حميدتي حمايتي)!

إذن معضلة الدعم السريع نتجت عن فشل الجيش في مهامه العسكرية وعن فشل نظام الكيزان في ادارة الصراع السياسي بعيدا عن البندقية!

لم يهبط الدعم السريع من السماء صبيحة الخامس عشر من ابريل ٢٠٢٣ ولم يبدأ تاريخ السودان في ذلك اليوم بتصدي ملائكة الرحمة من الجيش السوداني لشياطين الجنجويد!

الازمة عميقة ومركبة ولا يصلح لمقاربتها عقل صغير تبسيطي وغوغائي يراهن على فقدان الذاكرة الجماعي!

مشكلة الجيش قديمة وسابقة لتكوين الدعم السريع!

ففي حرب الجنوب اعتمد الجيش على الدفاع الشعبي ومهاويس الحركة الاسلامية!

وفي حرب دارفور اعتمد الجيش على مليشيات موسى هلال ثم الدعم السريع، وفي هذه الحرب يعتمد الجيش على مليشيات مناوي وجبريل وعقار ومليشيات البراء بن مالك والبنيان المرصوص والبرق الخاطف وغيرها، وبدأت مليشيات مناوي وجبريل قبل ان تضع الحرب اوزارها في حجز مقاعد السلطة والمطالبة بالضمانات التي تجعلها وريثة للدعم السريع في المستقبل!!

وكل ذلك يدل على ان حل ازمة السودان يجب ان يبدأ باعادة بناء الجيش وتأهيله وطنيا وفنيا ليصبح جيشا مهنيا وقوميا قادرا على حماية حدود البلاد ويتوقف عن صناعة المليشيات.

الجيش بحالته الماثلة لا تنطبق عليه مواصفات المهنية والقومية!

الدعم السريع بحالته الماثلة ايضا لا تنطبق عليه مواصفات المهنية والقومية!

كلاهما لا يصلح ان يكون جيشا للسودان!

الدعم السريع على المستوى النظري يطرح خطابا فيه اعتراف بان المؤسسة العسكرية مأزومة وتحتاج إلى اصلاحات، وعندما تتوجه وسائل الاعلام لقيادته بسؤال مباشر: هل الدعم السريع هو بديل للجيش السوداني؟ تكون اجابته بالنفي القاطع، أما الجيش فما زال بعيدا كل البعد عن اي اعتراف بخطأ أو اعتذار عن جريمة وما زال متمسكا بانه من القلاع المقدسة في الدولة السودانية ولا يجوز لكائن من كان ان يفتح فمه بكلمة مطالبا باصلاح الجيش ناهيك عن اعادة بنائه، بل يتحدث قادة الجيش بروح الوصاية الكاملة على الدولة واختزال الوطنية في التسليم بوصايتهم، ومحور خطابهم هو تجريم وتخوين القوى المدنية الديمقراطية. والابواق الكيزانية تستميت في تكريس قدسية الجيش وتمارس ارهابا غليظا على كل من تحدث عن مشاكله لسبب وحيد هو انها تريد الاحتفاظ به على حاله المائل هذا حتى تستخدمه كحصان طروادة للوصول الى السلطة.

 

الوسومالأزمة السودانية الجيش السوداني الدعم السريع

مقالات مشابهة

  • الزرقاء: القوى الوطنية استعادت زمام المبادرة بعيداً عن التدخلات الدولية
  • من التضخم إلى البيتكوين.. هذه أبرز القوى الاقتصادية التي شكلت 2024
  • من التضخم إلى البتكوين.. هذه أبرز القوى الاقتصادية التي شكلت 2024
  • الدوران داخل الدائرة الخبيثة..الى متى
  • الدعم السريع تطلق سراح رئيس اتحاد ألعاب القوى السوداني بعد ستة أشهر من الاعتقال
  • علي الحاج: قادة الجيش والدعم السريع من أشعلوا الحرب ورئيس المؤتمر الوطني ونائبه ممن كانوا معي في السجن قالا ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة
  • عائلات المحتجزين بغزة: إنهاء الحرب ليس إخفاقا والأهم عودة أبنائنا
  • أصحاب العقول الصغيرة يمتنعون!
  • ثورة يحبّها الأعداء… إلى حين!
  • بعد 20 شهراً من الحرب.. هل يتعرض السودان للتقسيم؟