الديمقراطي الكردستاني في أثر التيار الصدريصدع جديد في جدار معادلة السلطة الهش
تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT
بقلم : د.محمد نعناع ..
يراهن ائتلاف إدارة الدولة الحاكم، والذي شكل بأريحية غير مسبوقة حكومة محمد شياع السوداني، على بناء الاستقرار السياسي والانطلاق منه كركيزة قوية نحو التقاسم الحقيقي للسلطة، وكل ذلك من منطلق أو مبدأ مشاركة جميع المكونات الاجتماعية في العملية السياسية، ولطالما كانت الشراكة المكوناتية السياسية رأس مال الطبقة السياسية الحاكمة في عملية تشكيل الحكومة وتقاسم المناصب وتوزيع الثروات المالية، ولكن الوضع الحالي أفرز رغبات زعاماتية وجهوية جديدة تكونت منها توجهات سياسية مختلفة تتحقق شيئاً فشيئاً على أرض الواقع، وهذا يعني تغييراً في قواعد اللعبة السياسية، وباتأكيد سيصاحب هذا التغيير عمليات إقصاء وتهميش وتخلي وتنصل عن الإتفاقات السياسية وبنود الخطة البرامجية الحكومية.
إن العهد والميثاق الذي طبع سلوك الطبقة السياسية الحاكمة والمتنفذة والمتمثل في عدم الحياد عن التوافقات المكوناتية وتمثيل كل الطوائف في الحكومة وفي إدارة الدولة لم يعد هو حجر الأساس في الصفقات السائدة، ولم يأتي هذا التحول من منطلق تعزيز الديمقراطية وترسيخ الاستحقاقات الانتخابية وتقوية مؤسسات الدولة، بل جاء في سياق كسر إرادة الشركاء السياسيين وإجبارهم على القبول بالأمر الواقع، ولو كان التخلي عن مسار المحاصصة والتوافق والشراكة العريضة والواسعة تعضيداً لمسار دستوري حقيقي لما اعترض عليه الخبراء والنخب الواعية وعدوه مساراً يستدعي الحذر، ولكنه مسار غير مسؤول يهدر سياق الأحداث، ويُمكن قوى لا تؤمن بالديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة من السيطرة على مقدرات البلاد وانفاقها خارج الخطط التنموية والخدمية الوطنية.
ويبدو أن المعادلة السياسية القائمة التي ولدت من رحم أزمة دموية في طريقها للانهيار، فكما أن التيار الصدري تحرر نسبياً من الإصرار على التوافق حتى لو كلفه ذلك خسائر سياسية باهضة، فأن الديمقراطي الكردستاني سائرُ بنفس الإتجاه ولأسباب تقترب من الأسباب التي دعت التيار الصدري للانسحاب من العملية السياسية والامتناع عن المشاركة في تشكيل الحكومة وخوض انتخابات مجالس المحافظات.
لقد هدد الديمقراطي الكردستاني بقوة بالانسحاب من العملية السياسية، وتكفل بيان المكتب السياسي للحزب بتوضيح الأسباب الموجبة لذلك، وهذه سابقة خطيرة، وقد تكون هي ومن قبلها انسحاب التيار الصدري، وبعدها الحكم على الحلبوسي وإخراجه من رئاسة البرلمان مقدمات حتمية لفقدان الحكومة لشرعيتها، والأكثر من ذلك تهديد الاستقرار والسلم الأهلي.
وإذا كان للتيار الصدري سبباً واحداً للانسحاب من العملية السياسية، وللحلبوسي وحزب تقدم خط رجعة، فأن الديمقراطي الكردستاني لديه عدة أسباب للذهاب بعيداً في قرار مغادرة العملية السياسية، ومنها أسباب وجودية تهدد كيان الإقليم كما ردد أكثر من مرة مسعود البارزاني في أحاديثه العلنية والسرية، فمن قرارات المحكمة الإتحادية ومنها قرار انتخابات برلمان إقليم كردستان، ومروراً بعدم تنفيذ الإتفاقات السياسية وعدم سيطرة الحكومة الإتحادية على سلوكيات الأحزاب والفصائل الإطارية، ووصولاً إلى ما يسميه الإقليم بالإقصاء والتهميش المتعمد، فأن جدار معادلة السلطة الهش سيتصدع ويكون عرضة لهزات بنيوية قد تسقطه بالضربة القاضية. د. محمد نعناع
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات الدیمقراطی الکردستانی العملیة السیاسیة التیار الصدری
إقرأ أيضاً:
أين تقف تركيا في معادلة الدفاع الأوروبي؟
إسطنبول- بينما يتحرك الاتحاد الأوروبي لإعادة رسم خريطته الدفاعية بعيدا عن المظلة الأميركية، تبرز تركيا في قلب نقاشات بروكسل كلاعب محتمل في معادلة الأمن الأوروبي الجديدة.
ففي 19 مارس/آذار الماضي، كشفت المفوضية الأوروبية عن "الكتاب الأبيض للدفاع – جاهزية 2030″، واضعة خطة طموحة لتعزيز الإنفاق العسكري والإنتاج الدفاعي عبر الدول الأعضاء، مدعومة بحزمة تمويلية قدرها 150 مليار يورو ضمن برنامج "العمل الأمني من أجل أوروبا".
وتسعى الإستراتيجية الأوروبية الجديدة إلى تقليص الاعتماد على الولايات المتحدة، في ظل التغيرات التي طرأت على السياسات الأميركية، وتزايد التهديدات الأمنية في أعقاب حرب أوكرانيا.
في السياق، تزداد التساؤلات حول موقع تركيا، الحليف الإستراتيجي في حلف شمال الأطلسي والدولة المرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي، وإمكانية انخراطها في مشاريع الدفاع الأوروبية رغم التعقيدات السياسية القائمة.
هامش محدودوحسب تقرير المفوضية الأوروبية، فإن تركيا مستبعدة من المنظومة الدفاعية الجديدة الممولة عبر برنامج "العمل الأمني من أجل أوروبا"، إذ أشار "الكتاب الأبيض للدفاع – جاهزية 2030" إلى أنقرة بوصفها "شريكا طويل الأمد" في سياسات الأمن والخارجية الأوروبية، دون أن يمنحها موقعا داخل آلية التمويل الدفاعي المشترك.
إعلانوسعيا في تعزيز التنسيق مع الحلفاء، أنشأ الاتحاد الأوروبي منصة "الدول ذات التفكير المماثل" لتبادل الأفكار والخطط الدفاعية، وانضمت تركيا إلى المنصة، مستندة إلى إنجازاتها المتسارعة في قطاع الصناعات الدفاعية.
بَيد أن إشراك تركيا بشكل أوسع يبقى مشروطا بمعالجة الملفات السياسية العالقة، وعلى رأسها قضية قبرص وتحقيق الاستقرار في شرق المتوسط. ووفق قواعد الاتحاد، فإن أي اتفاق شراكة دفاعية مع أنقرة يتطلب إجماع الدول الأعضاء الـ27، ما يمنح دولا مثل اليونان وقبرص القدرة على عرقلته، ما لم تتحقق الشروط السياسية اللازمة.
ورغم هذه القيود، أبقى الاتحاد هامشا محدودا للتعاون الفني، حيث تتيح المادة 17 من مقترح برنامج "العمل الأمني من أجل أوروبا" للدول المرشحة، مثل تركيا، المشاركة في مشاريع الدفاع المشتركة بنسبة لا تتجاوز 35% من مكونات المشروع، دون الحق في الحصول على تمويل مباشر من الصندوق الأوروبي.
وإذا رغبت تركيا أو شركاتها الدفاعية بتوسيع مساهمتها أو الاستفادة من التمويل، فسيتطلّب الأمر توقيع اتفاق شراكة دفاعية كاملة، كما هو معمول به مع دول كاليابان والنرويج وكوريا الجنوبية.
وفي هذا الإطار، أوضحت المفوضية الأوروبية أن الشركات الدفاعية العاملة ضمن أراضي الاتحاد، حتى لو كانت مملوكة لأطراف أجنبية، يمكنها المشاركة في المشاريع المشتركة بشرط استيفاء معايير الأمن الأوروبي، وهو ما يعني عمليا ضرورة إنشاء فروع "محوطة" للشركات التركية داخل أوروبا لضمان إدماجها بمرونة في برامج التسلح الأوروبية القادمة.
إصرار أنقرةمن جانبها، حسمت الرسائل الرسمية لأنقرة الموقف ورفضت استبعادها من منظومة الدفاع الأوروبية الجديدة، فقد أكد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، خلال مؤتمر صحفي عقده في أنقرة أواخر فبراير/شباط الماضي، أن تركيا يجب ألا تُستبعد من أي هيكل أمني أوروبي قيد التشكل، مشددا على أن تجاهل القدرات العسكرية التركية يجعل أي منظومة دفاعية أوروبية غير واقعية.
إعلانوأضاف فيدان أن موقع تركيا الإستراتيجي، إضافة إلى امتلاكها أحد أكبر الجيوش داخل (الناتو)، يجعلان من مشاركتها عنصرا -لا غنى عنه- في أي ترتيبات أمنية جديدة تسعى القارة الأوروبية إلى بنائها.
ولم يقتصر الموقف التركي على التصريحات الدبلوماسية، بل تزامن مع استعراض مكاسب ملموسة حققتها الصناعات الدفاعية التركية في السنوات الأخيرة.
وبرزت أنقرة كلاعب رئيسي في مجالات تطوير المسيّرات الهجومية والطائرات بدون طيار والصواريخ المتقدمة، مما أكسب الصناعات الدفاعية التركية مكانة مرموقة على الصعيد الدولي.
وترى الباحثة المتخصصة في السياسة الخارجية زينب جيزام أوزبينار، أن الاتحاد الأوروبي بات أكثر إصرارا في السنوات الأخيرة على بناء هيكل دفاعي مستقل، وتجلَّى ذلك بإطلاق إستراتيجية الصناعات الدفاعية الأوروبية، ومبادرة العمل الأمني من أجل أوروبا.
وتعتبر أوزبينار في حديثها للجزيرة نت، أن تركيا تمثل عنصرا لا غنى عنه في معادلة الأمن الأوروبي، مستندة إلى امتلاكها ثاني أكبر جيش في الناتو، وموقعها الجيوسياسي الحساس عند تقاطعات البحر الأسود والشرق الأوسط والبلقان.
لكنها ترى أن الخلافات السياسية حول قضايا مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون تضع عراقيل أمام اندماج تركيا الكامل في مشاريع الدفاع الأوروبية.
وحول السيناريوهات المحتملة لانخراط تركيا في برنامج العمل الأمني الأوروبي، تستعرض أوزبينار 3 مسارات رئيسية:
السيناريو الأول والأكثر إيجابية، يتمثل بتوقيع اتفاقية شراكة أمنية ودفاعية رسمية بين تركيا والاتحاد الأوروبي، تتيح لأنقرة الانخراط المؤسسي الكامل في مشاريع البرنامج، بما في ذلك إنتاج وتوريد المعدات بنسبة تصل إلى 35%.وتشير إلى أن هذا الخيار من شأنه فتح صفحة جديدة من الثقة بين أنقرة وبروكسل ويحقق مكاسب إستراتيجية للطرفين. السيناريو الثاني، يكون بمشاركة تركيا بشكل غير مباشر عبر تأسيس شركات تابعة في أوروبا أو شراكات مع كيانات أوروبية قائمة، دون توقيع اتفاقية رسمية.
غير أن هذا النموذج -حسب أوزبينار- يمنح تركيا دورا محدودا ويضعف من مكاسبها الإستراتيجية مقارنة بالشراكة المؤسسية الكاملة. أما السيناريو الثالث، فتعتبره الباحثة أوزبينار الأكثر سلبية، ويتمثل في نجاح اليونان و"قبرص الرومية" في عرقلة انخراط تركيا، ما قد يؤدي إلى استبعاد أنقرة من مشاريع الدفاع الأوروبية.
وترى أن مثل هذا السيناريو سيمثل خسارة كبيرة لمنظومة الدفاع الأوروبية، وإن كانت تركيا قادرة في هذه الحالة على مواصلة ارتباطها بأمن القارة عبر قناة الناتو.
من جهته، يرى المحلل السياسي أحمد أوزغور، أن إصرار الاتحاد الأوروبي على استبعاد تركيا من مشاريعه الدفاعية لا يعكس فقط "مخاطرة تكتيكية"، بل يحمل في طياته تناقضا بنيويا يهدد مشروع الاستقلال الإستراتيجي الأوروبي ذاته.
إعلانويقول أوزغور للجزيرة نت، إن الحديث عن بناء منظومة دفاع أوروبي مكتفية ذاتيا دون إشراك قوة إقليمية بحجم تركيا، وفي ظل تآكل الالتزام الأميركي التقليدي بأمن القارة، يكشف فجوة عميقة بين الطموحات المعلنة والموارد الفعلية المتاحة للاتحاد.
ويعتبر أن قدرة تركيا على المناورة، سواء عبر تعزيز تحالفاتها الثنائية مع دول أوروبية منفردة أو من خلال توثيق تعاونها مع حلف الناتو، تضع بروكسل أمام معادلة معقدة؛ فاستبعاد أنقرة قد يمنح انسجاما سياسيا لحظيا داخليا، لكنه قد يؤدي على المدى الطويل إلى "شلل إستراتيجي" عندما تجد أوروبا نفسها أمام تحديات أمنية لا تستطيع مواجهتها وحدها.