الحرب تعمق انقسام الرأي بين المثقفين السودانيين
تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT
بين استمرار الحرب في السودان وإنهائها، تتعمق خلافات الرأي بين عموم السودانيين، خاصة مجموعات المثقفين، الذين ينطلقون من أسباب مقنعة لكل منهم لدعم هذا الرأي أو ذاك.
التغيير: عبد الله برير
يدور جدل كبير بين مجموعات من المثقفين السودانيين بشأن الحرب الدائرة في البلاد منذ نحو عام ومآلاتها، ويختط كل منهم رؤية مبنية على ميول ذاتية وزاوية نظر مختلفة، فيتبنى بعضهم مساندة الجيش السوداني في مواجهة قوات الدع السريع، فيما يرفض آخرون الحرب تماماً ويدعون إلى وقفها.
ويقدم من يتبنون خيار مساندة الجيش عدة حجج أهمها التخلص من الدعم السريع، ويعتقد هؤلاء أن هزيمة القوات المسلحة ستكون نتائجها أكثر ضرراً حال حكم (آل دقلو) البلاد، مساندين في ذلك قطاعات ترى أن هزيمة الدعم السريع أخف الضررين.
فيما يوجد قطاع واسع يرفض الحرب باعتبار أن الانتصار لأي طرف فيها يعني إجهاضاً للديمقراطية ووجوداً عسكرياً في السلطة يمهد للمزيد من الاستبداد والديكتاتورية.
تباين كبيرالمتخوفون من انتصار الجيش السوداني في الحرب يعتقدون أن غلبته تعني عودة نظام الإخوان المسلمين واستعادة التجربة المريرة للنظام البائد، ويرون أن انتصار الدعم السريع أكثر ضرراً بسبب البداوة والتبعية المباشرة لأسرة (آل دقلو).
وظهر التباين العميق في وجهات النظر ومنطلقاتها منل خلال الجدل الذي يثار على مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات المختلفة، كل يروج لبضاعته ويدعمها بما يراه مناسباً من براهين تعضد حجته.
ورسمت قوات الدعم السريع صورةً قاتمةً لما قد يترتب على توليهم مقاليد الحكم في البلاد بعد الانتهاكات الصارخة التي ارتكبتها في قرى ومدن الخرطوم والجزيرة ودارفور وغيرها من ولايات السودان.
ويرى مراقبون أن التصريحات الأخيرة هنا وهنالك من قادة الجيش، تصب في اتجاه تكريس هيمنة العسكر وإبعاد السياسيين والمدنيين من المشهد والإتيان بحواضن إسلامية هشة تخدم أجندة النظام البائد.
وبين هذا الرأي وذاك، تباينت رؤى بعض الفاعلين في المشهد الثقافي السوداني بشأن الحرب ومآلاتها.
د. أسامة تاج السر الطرفان سيانورأى الشاعر والناقد السوداني د. أسامة تاج السر، أن الوطن موبوء بالأنا دون الآخر، ومصلحة سادته فوق كل اعتبار.
وأسامة لـ(التغيير): لا انتصار الجيش سيعيده إلى سابق عهده، ولا انتصار الدعم، نحن في مرحلة سواء فيها النصر والهزيمة، وهذا لن يعرفه غير الشعب المطحون المغلوب على أمره.
ونبّه تاج السر إلى أن (ثمّة فاتورة هائلة اسمها الحرب، وثمّ سماسرة في الجوار يشعلون ويوقدون، وهم بلا شكّ ينتظرون ثمنًا مضاعفًا، ومن يدفع ذهبه اليوم من الطرفين المتحاربين، سيمتنُّ بما أنفق على شعبه، ثمّ يسترده بفاتورة باهظة الثمن).
وأضاف: نحن كمن يملك بيتًا متصدِّعًا من خشية الله، وخشية الناس، وخشية الفقر، ثم يأتيك رجلٌ وقورٌ ويقول لك إنّ هذا البيت متصدّع، وسوف يهوي عليك، ولا بدّ من إصلاحه، ثمّ يُمسكُ- في شهامة ونبلٍ- معوله، وهو مشمّر عن ساعديه وساقيه، فيجعله ركامًا. فعل كل ما فعل دون أن يطلب فلسًا واحدًا؛ لأنّه سيضاعف فاتورة البناء، وما عليك إلا أن تبيعه بسعر زهيد.
وتابع تاج السر: عن نفسي وقناعتي، لا أرى في انقسام السودان إلى عشرين دولةً أمرًا سالبًا، لأنّ كلّ الإشارات تشير إلى هذا الأمر، فلن يستطيع أحد الطرفين أن ينتصر انتصارًا كاملًا مهما ادّعى من القوة والعتاد.
وختم بالقول: أصبح السودان مثل بيت العائلة الممتدة، وكلّ فريق ينتظر ميراثه من جدٍّ مات قبل قرون. فإن كان لا بدّ من التقسيم؛ فعلى الجميع أن يعمل على رعاية حقّ الجوار. فما هو أخطر من التقسيم، هو أن تظلّ الحرب مشتعلة بعد كلّ هذه الفداحة الهائلة.
الشاعر عمر السناري لا مقارنةمن جانبه، اعتبر الشاعر عمر محمد نور السناري أن الجيش لا يمكن مقارنته بمليشيا هذا أولاً، ورأى أن انتصار القوات المسلحة يعني أن تعود الأمور الى نصابها.
وقال عمر لـ(التغيير): لاحظنا ما جرى في مناطق دارفور والجزيرة من تفلتات وصلت حد التصفيات والاعتقالات بدون اي ذنب واخذ أموال الناس وغيرها من الأشياء التي لم يفعلها الجيش.
وأضاف: أن يتخوف الناس من عودة مشروع الحركة الاسلامية مرة أخرى هذا شئ طبيعي لأنهم أصلا لم يغيبوا عن المشهد ظلوا بعد سقوطهم يعارضون بشراسة ويتوعدون خصومهم بالهزيمة حال قيام انتخابات وغيره من الاحاديث.
وتابع: لكن في رأيي أن الجيش لن يقدم على هذه الخطوة اعني أن يسلم مقاليد البلاد لسلطان الحركة الإسلامية وذلك لاعتبارات دولية واقليمية كثيرة هذا بخلاف أن الحركة الاسلامية نفسها لن تقدم على هذه الخطوة.
واختتم السناري: نعم سيكون لها دور في المرحلة القادمة لكن لا اعتقد ان يصل الى حد العودة مجددا.
لا عودة للإخوانالصحفي السياسي الطيب إبراهيم، استبعد عودة نظام الإخوان المسلمين، وأكد أن الثورة اطاحت بهم.
ويعتقد الطيب في حديثه لـ(التغيير)، أن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان يبحث عن مخرج فهو مغضوب عليه من قبل (الكيزان).
وتخوف ابراهيم من ان سيطرة قوات الدعم السريع على مقاليد الحكم تعني تدشين عهد الفوضى والانتهاكات وبالتالي غياب حالة الدولة.
من ناحيته، أكد أبو موهبة بابكر، وهو خريج جامعة الخرطوم، أنه سيساند الجيش رغم تحفظه عليه.
وقال لـ(التغيير): بعد فض اعتصام قيادة القوات المسلحة بالخرطوم وانقلاب 25 أكتوبر أصبح أبغض سوداني بالنسبة لي هو عبد الفتاح البرهان.
لكنه استدرك: الآن بعد مشاهدة انتهاكات الدعم السريع ايقنت ان هذه المليشيا تفوق ما فعله الجيش بسنين ضوئية.
مخاوفبدوره، أقر الصحفي سالم سعيد بأن انتصار القوات المسلحة يعلن رجوع الاخوان المسلمين للمشهد.
وقال لـ(التغيير): انتصار الجيش يعني عودة الإسلامين ولكن في رأيي هم افضل من قوى الحرية والتغيير. واضاف: انتصار الدعم السريع يعني حالة اللا دولة وإلغاء الوطن تماماً- حسب تعبيره.
الوسومأسامة تاج السر التغيير الجيش الحرب الدعم السريع السودان الشاعر عمر السناري سالم سعيدالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: التغيير الجيش الحرب الدعم السريع السودان سالم سعيد القوات المسلحة الدعم السریع لـ التغییر تاج السر انتصار ا
إقرأ أيضاً:
مهام الحركة الجماهيرية بعد انسحاب الدعم السريع من العاصمة
1
اشرنا سابقا الي مسؤولية الإسلامويين في صنع الدعم السريع وإدخاله للعاصمة، وفي مواقع حساسة (القصر الجمهوري، القيادة العامة. الخ)، حتى شكل قوة ضاربة هدد مصالح الإسلامويين، وأشعلوا نار الحرب معه، تلك الحرب حسب لجنة تقصي الحقائق الأممية ،الذي رصد السمات الأساسية لجرائمها مثل: حالات الاغتصاب والاستعباد الجنسي والإبادة الجماعية وتدمير البنية التحتية والسجلات الحكومية، والحرب العرقية كما للمساليت في غرب دارفور، وحملات الاعتقالات والتعذيب حتى الموت في سجون طرفي الحرب، وحمل التقرير الجيش والدعم السريع المسؤولية عن الانتهاكات الواسعة النطاق لحقوق الإنسان التي ترقى لجرائم الحرب.
مع تواتر المعلومات حول التسوية التي انسحب بموجبها الدعم من العاصمة والاتجاه للعودة لمنبر جدة ، إلا أنه لا بد من التأكيد أن العامل الخارجي مساعد في وقف الحرب، لكن العامل الحاسم هو التصعيد الداخلي الجماهيري لوقف الحرب واستعادة مسار الثورة، وخروج العسكر والدعم السريع والمليشيات من السياسة والاقتصاد، وقيام الحكم المدني الديمقراطي، وتحسين الأوضاع المعيشية والصحية والتعليمية والإنسانية، والأمنية ومحاسبة مجرمي الحرب، ومنع مخطط تقسيم البلاد من المحاور الإقليمية والدولية التي تسلح طرفي الحرب والتي تهدف لتقسيم البلاد ونهب ثرواتها.
3
اشرنا سابقا إلى أن جرائم الحرب هي امتداد للجرائم السابقة منذ انقلاب اللجنة الأمنية في 11 أبريل 2019، ومجزرتي ٨ رمضان و فض اعتصام القيادة العامة والولايات، والانتهاكات والابادة الجماعية في دارفور وجبال النوبا وجنوب النيل الأزرق، اضافة لجرائم نظام الانقاذ كما في الابادة الجماعية التي حدثت في دارفور 2003، التي تطلبت تقديم البشير ومن معه للمحكمة الجنائية الدولية، وهي جرائم لن تسقط بالتقادم، ولابد من عدم الإفلات من العقاب وان طال السفر.
4
أدت الحرب إلى دمار وجرائم وخراب غير مسبوق في الوضع الإنساني والبنى التحتية، تحتاج للمزيد من التوثيق لها بتفصيل، مع تحديد حجم الخسائر لتعويض المتضررين، وتأمين عودتهم لمدنهم وقراهم ومنازلهم، وإعادة إعمار ما دمرته الحرب، كما في الآتي:
– نزوح أكثر من 12 مليون شخص داخل وخارج البلاد، وتجاوز عدد القتلى 27 ألف شخص واصابة وفقدان الآلاف.
– تدمير المنشآت والبنى التحتية مثل: مصفاة الجيلي وكبري شمبات. الخ، والمنازل جراء قصف الجيش، واحتلال المنازل من الدعم السريع، ونهب عربات وممتلكات المواطنين، وحالات التطهير العرقي في غرب دارفور، اضافة لحالات الاغتصاب والعنف الجنسي والاعتقالات والتعذيب للمعتقلين في معتقلات الجنجويد والجيش. إضافة لقطع خدمات الكهرباء والماء والاتصالات والانترنت.
الجرائم ضد الإنسانية التي تركبها عصابات داعش مثل كتاب البراء بن مالك بالقتل خارج القانون وقطع الرؤوس وبقر البطون، والتعذيب الوحشي للاسري المعتقلين التي عكستها الفيديوهات المتداولة.
إضافة لجرائم الحرب كما حدث في الخرطوم ودارفور وكردفان، وفي ولاية الجزيرة بعد الهجوم على الجزيرة الذي أدي لنزوح أكثر من 500 ألف شخص نازح وغيرهم، مع نهب المتاجر والمنازل والأسواق والقرى وادوات إنتاج المزارعين. الخ.
– جلبت الحرب معها كل أشكال المعاناة والأمراض مثل: الكوليرا والملاريا وحمى الضنك، وملتحمة العين، وتدهور صحة البيئة فضلاً عن كوارث السيول والامطار التي أدت للمزيد من التدهور، وشملت أغلب ولايات السودان، وبعد فشل خدمات الصيانة مما أدى لانهيار سد اربعات في ولاية البحر الأحمر، وعدد كبير من الكباري والمنشآت في الشمالية وغيرها. الخ، وفي ظل غياب الرعاية الصحية وخروج أكثر من 70% من المستشفيات من الخدمة والنقص في الدواء وتدهور صحة البيئة جراء الجثث المتراكمة في الطرقات، وعدم فتح المسارات الآمنة لوصول الإغاثة لمناطق النزوح والحرب. الخ، كما يحاصر الجوع أكثر من 25 مليون من سكان البلاد حسب بيانات الأمم المتحدة.
فضلا عن خسائر الحرب التي تجاوزت أكثر من 100 مليار دولار.. وتدمير الإنتاج الصناعي والزراعي والخدمي، وتدهور القوة الشرائية للمواطنين والانخفاض الكبير للجنيه السوداني مع الارتفاع المستمر للأسعار، فضلا عن فقدان أكثر من 5 ملايين وظيفة، بعد تدمير القطاع الزراعي والصناعي والخدمي. الخ.
إضافة لأثر الحرب على المواقع الأثرية والثقافية والتراثية وتدمير بعضها.
أدت الحرب إلى تدهور الإنتاج الزراعي بخروج أكثر من 70% من مناطق الإنتاج الزراعي بسبب الحرب وتوقف المزارعين عن الإنتاج، ومشاكل الري وزيادة الضرائب ونقص التمويل اللازم وشح الوقود وارتفاع أسعاره، وتقلص المساحات المزروعة، مما يزيد من مخاطر المجاعة والنقص في الغذاء.
– فاقمت الحرب الأوضاع المعيشية وأدت لارتفاع الأسعار وقيمة النقل والخدمات وخروج 90% من المصانع عن العمل حسب وزارة الصناعة بسبب تدمير ونهب المصانع، إضافة لنهب الأسواق والبنوك، وعدم صرف العاملين لمرتباتهم لأكثر من 10 شهور، وفقدانهم لمقومات معيشتهم بعد إخلاء منازلهم وأصبحوا نازحين..
– عطلت الحرب الدراسة في المدارس والجامعات لأكثر من عام والتي يتطلب فتحها وقف الحرب وتوفير الأمن وخروج الجيش والدعم السريع منها والإصلاح العاجل لما دمرته الحرب.
هذا فضلا عن عدم فتح المسارات الآمنة لوصول الإغاثات للمواطنين تحت وابل الرصاص والقنابل، وجرائم طرفي الحرب في الابادة الجماعية التي زادت في مدن دارفور كما في مجزرة سوق طرة الأخيرة التي ارتكبها طيران الجيش المختطف من الإسلامويين.
إضافة لخطر اتخاذ الحرب طابعا عرقيا واثنيا، مما يهدد وحدة البلاد، وخطر تصريح ياسر العطا حول ضرب تشاد باشعال المنطقة.
5
– جاءت امتداداً لخراب نظام الإنقاذ، ولانقلاب اللجنة الأمنية في 11 أبريل 2019 ومجزرة فض الاعتصام، وانقلاب 25 أكتوبر 2021 بعد الصراع الذي دار في الاتفاق الإطاري حول دمج الدعم السريع في الجيش.
مما يتطلب بعد مرور حوالي عامين على الحرب مواصلة وتقوية الجبهة الجماهيرية القاعدية لوقف الحرب واسترداد الثورة، وعودة الحياة إلى طبيعتها.
– إعمار ما دمرته الحرب، وتقديم مجرمي الحرب للمحاكمات، وعدم تكرار الإفلات من العقاب، وعدم إعادة الشراكة مع الدعم السريع والجيش المختطف من الإسلامويين ، والاتفاق الإطاري الذي يعيد إنتاج الأزمة والحرب مرة أخرى، كما ورد في إعلان أديس أبابا، واتفاق “المنامة” الذي يعيد إنتاج الشراكة مع الدعم السريع والأزمة والحرب.
– خروج الدعم السريع والجيش من السياسة والاقتصاد، والترتيبات الأمنية لحل الدعم السريع ومليشيات الفلول وجيوش الحركات، وقيام الجيش القومي المهني الموحد تحت إشراف الحكومة المدنية وترسيخ الحكم المدني الديمقراطي. وقيام المؤتمر الدستوري في نهاية الفترة الانتقالية للتوافق على شكل الحكم ودستور ديمقراطي وقانون انتخابات يفضي لانتخابات حرة نزيهه في نهاية الفترة الانتقالية.
– التصدي بحزم لمخططات “الفلول” والدعم السريع لتصفية الثورة، وتمزيق وحدة البلاد والتفريط في السيادة الوطنية، ونهب ثروات البلاد وتقسيمها من المحاور الإقليمية والدولية التي تسلح طرفي الحرب.
وقف النهب المنظم الثروات البلاد من طرفي الحرب مثل تهريب الذهب والصمغ العزبي والثروة الحيوانية، كوابل النحاس، وتصدير عربات للمواطنين فى شكل خردة، والمخطط لبيع مشروع الجزيرة للشركات، والتفريط في المواني، ومشروع الهواد. الخ.
حماية السيادة الوطنية وقيام علاقات خارجية متوازنة مع كل دول العالم.
alsirbabo@yahoo.co.uk