مختصون يؤكدون أهمية وضع استراتيجية وطنية لتعزيز الهوية الثقافية عبر الأعمال الأدبية للأطفال
تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT
◄ العيسري: التقنيات الرقمية أبعدت كثيرا من الأطفال عن متابعة الأعمال الأدبية المختلفة
◄ الشامسية: التحديات التي تواجه الهوية الثقافية باتت كثيرة بسبب التداخل المعلوماتي
◄ الربيعي: تعزيز الهوية الثقافية واجب يقع على عاتق المختصين بأدب الطفل
مسقط- العُمانية
تُشكل الهوية الثقافية ركيزة أساسية لنمو الطفل معرفيًّا وإبداعيًّا، من خلال العديد من المحفّزات والمكوّنات من حوله، والتي يتفاعل معها بشكل يومي سواء في البيت أو المدرسة أو المجتمع، أو من خلال ما يستلهمه من أمور مرتبطة بالدين الإسلامي وعقيدته السمحة.
وفي سلطنة عُمان هناك مُؤثرات كثيرة أخرى تشكل تلك الهوية، وتصل إلى جوانب معرفية مرتبطة بالثقافة العُمانية الأصيلة الضاربة في القدم، والتاريخ الإنساني المعرفي التراكمي، والعادات والتقاليد والسمت العُماني المتعارف عليه.
كل هذه المحفزات تساعد في تكوين وبناء هوية الطفل العماني في مجال الأدب بصوره المختلفة، مثل الشعر والمسرح والقصة القصيرة والنشيد وغيرها من المفردات، إلا أنَّ عددا من المختصين يشيرون إلى وجود العديد من التحديات التي تواجهها الهوية في ظل التداخل المعلوماتي في الفضاءات الثقافية المفتوحة.
ويقول الدكتور عامر بن محمد العيسري أستاذ مساعد للتربية المبكرة بجامعة السُّلطان قابوس، إن أدب الطفل في سلطنة عُمان نشأ أولاً في كنف أدب الكبار وامتزج به، وبدأ أول ما بدأ شفويًا يعتمد على الرواية للأدب والقصص الشعبية على ألسنة الأجداد والجدات، أو في صورة أشعار تتوارثها الأجيال، مثل حكايات الغواصين ومغامرات الهجرة والسفر وحكايات الشجاعة والبطولة والألغاز والألعاب الشعبية التي كان لها دور في إثراء الأدب وتذوقه لدى الأطفال وتنشئتهم وبناء شخصيتهم.
ويضيف: يتمثّل الاهتمام بالأطفال وأدبهم في سلطنة عُمان في مجهودات بعض الوزارات المعنية بالطفل مثل وزارة الإعلام التي قدمت برامج للأطفال في الإذاعة والتلفزيون، وفي بعض الصحف المحلية التي خصص صفحات وملاحق أسبوعية لأدب الأطفال، وحلقات العمل والندوات في معرض الكتاب ومسابقة جائزة أدب الطفل في الخيال العلمي، وجائزة الإجادة الإعلامية للأطفال وغير ذلك من الجهود.
ويشير العيسري إلى التحديات التي تواجه مجال أدب الطفل في سلطنة عمان، مثل المخصصات المالية المحددة لمجال الطفولة، والتقنية الرقمية التي تمثل تحديا كبيرا يمكن أن تبعد شريحة واسعة من الأطفال عن الاستمرار في متابعة ما يكتب لهم، مشددا بضرورة إيجاد استراتيجية أو رؤية لتعزيز الهوية الأدبية لدى الأطفال وزيادة الدراسات والنقد الهادف للإنتاج المقدم للأطفال، وتوفير المتخصصين في مجال نقد أدب الأطفال ودعمهم وتعزيزهم، وزيادة الوعي بأهمية تطوير وتجويد ما يقدم للأطفال من إنتاج أدبي، وزيادة وعي الأهالي بآليات اختيار المناسب منه لأبنائهم، وزيادة الحلقات والفعاليات والمسابقات المتخصصة في هذا المجال، وإتاحتها بشكل واسع لجميع الفئات، ووجود دعامات أساسية لإبراز الإنتاج المكتوب للأطفال مثل المجلات، والقناة الفضائية المتخصصة للأطفال، وتحويل الإنتاج القصصي المكتوب إلى قصص برامج كرتونية متحركة ووجود الكتب التفاعلية وتوظيف التكنولوجيا بها، ووجود مدونات وقنوات ومواقع إلكترونية متخصصة في أدب الأطفال، وتخصيص منابع تمويلية ثابتة لدعم الإنتاج المقدم للأطفال وتطويره وتقديم التسهيلات وتبسيط الإجراءات الإدارية فيما يتعلق بطباعة ونشر وإنتاج محتوى أدب الطفل، والابتعاد عن النظرية الربحية في الإنتاج المقدم للأطفال من خلال تقليل البهرجة في الشكل والاهتمام بالمحتوى المقدم وفائدته وتأثيره على الأطفال والاهتمام بالموروث الشعبي والثقافي واهتمامه بالعمق والصدق والخيال وموضوعات فلسفة الحياة التي تهتم بمستقبل الأطفال، وتعدّهم للمشاركة بفاعلية في المجتمع.
من جهتها، توضح الدكتورة وفاء بنت سالم الشامسية المختصة في أدب الطفل، أن التحديات التي تواجه الهوية الثقافية لدى الطفل باتت كثير بسبب التداخل المعلوماتي، ولكن الأصل في التنشئة هو تمكين الطفل من هويته الثقافية الأصيلة، وتعزيز مهارات التعامل مع ما حوله بطريقة واعية يعتمد فيها على الغربلة، والتقييم، والمقارنة للوصول إلى المنطقة الآمنة.
وتبيّن: "أدب الطفل في سلطنة عُمان قطع شوطًا كبيرًا في بلورة المحفزات مستعيناً بأدواته الأدبية والعلمية، وما رأيناه وعايشناه في معرض مسقط الدولي للكتاب في نسخته الأخيرة لهو شاهدٌ على ثراء الاشتغال في مجالات الهوية الثقافية، وتقديمها بأساليب مختلفة ومتنوعة للطفل القارئ، وتأتي الموسوعة العُمانية للأطفال على رأس الهرم فيما قُدِّمَ له تمكيناً لمعارفه، وتأصيلاً لهويته الثقافية".
وترى الباحثة والناقدة في الأدب العُماني الدكتورة فايزة بنت محمد الغيلانية، أن أدب الطفل يعدّ جنسًا أدبيًّا خاصّا وخاضعا لمعايير أخلاقية وقيمية، بالإضافة إلى الخصائص الفنيّة وأن الإخلال بأيّ منهما يخرج أي إنتاج أدبي منسوب لهذا الجنس منه.
وتضيف أنه من خلال الإنتاج المتزايد في أدب الطفل في سلطنة عُمان، وظهور أقلام شابّة تطرح رؤيتها لعالم الطفل من خلال هذا الإنتاج، تبرز مهارات القرن الحادي والعشرين مثل مهارات الاتصال والتواصل ومهارات التفكير النّاقد وتوظيف الخيال، لتنتج للطفل أدبًا يربطه بمجتمعه وبالعالم من حوله، ويتيح له في الوقت نفسه التعامل معه في جوانبه الإيجابية والسلبية بوعي وقدرة كبيرة على حلّ المشكلات.
أما الكاتب عبدالرزّاق الربيعي الذي صدرت له إصدارات شعرية ومسرحية موجهة للأطفال، فيقول في هذا السياق، إن تعزيز الهوية الثقافية من أهم الواجبات الملقاة على عاتق من يكتب للطفل في سلطنة عُمان، وهذه الهوية تقوم على ركائز ثابتة وعميقة، مبينا: "سلطنة عُمان غنية بموروثاتها الثقافية التي تشكّل مصدرا مهما ومعينا لا ينضب ينهل منه المشتغلون بالكتابة للطفل، واكتسبت غنى ثقافيًّا ومعرفيًّا، بفضل تاريخها الممتد إلى عصور قديمة، وانفتاحها الثقافي الممنهج على الثقافات الأخرى وهو انفتاح نتج عنه تواصل مع الحضارات المحيطة بدأ منذ العصور القديمة، عندما ارتبطت بعلاقات تجارية مع تلك الحضارات، وكان اللبان والبخور همزة وصل بينها وبين دول قامت في وادي الرافدين والنيل والهند".
ويشير إلى ضرورة أن يعرف الطفل في سلطنة عُمان هذا التاريخ وأن يدرك سمات هذه الهوية المتأصلة ذات الجذور العميقة التي يغلب عليها الاعتدال والتسامح والتعايش والتعدّد والخصوصيّة الوطنية التي تدخل في مفردات الحياة اليومية من ملبس ومأكل ومشرب، وللوصول إلى تحقيق هذا الهدف السامي لابدّ من جهد كبير يبذل على مستوى فردي ومؤسساتي، فالتحدّيات التي تواجهها الهوية في هذه المرحلة كبيرة، والانفتاح الثقافي أضرّ بالثقافة المحلية، وهذا الجهد يبدأ من البيت حيث يربّى الطفل محافظا على موروثه الثقافي والاجتماعي وانتمائه لقضايا مجتمعه حريصا على العادات والتقاليد التي من شأنها أن تشكّل منه مواطنا يتفاعل مع مجتمعه ثم تأتي مهمّة المدرسة التي تقوم بالتأكيد على تلك المفردات وغرس الانتماء الوطني لدى النشء الجديد وإعداده إعدادا صحيحا للمستقبل، ويكون دور المشتغلين بأدب الطفل هو مساعدة البيت والمدرسة بهذه المهمة بما ينتجونه من إبداعات في الكتابة الشعرية والسردية والفنون البصرية، لوضع البوصلة في اتجاهها الصحيح، لذا فالمهمة الملقاة على عاتقهم كبيرة، فلابد من تكاتف الجهود من أجل تحقيق الهدف المنشود.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
ملتقى مسقط يؤكد أهمية احترام حقوق الإنسان في بيئة العمل
خرج ملتقى الأعمال التجارية وحقوق الإنسان الذي اختتم أعماله اليوم في مسقط بمجموعة من التوصيات من بينها تشجيع الجامعات والكليات الخاصة على إدراج موضوع حقوق الإنسان في بيئة الأعمال من ضمن مفردات المقررات الدراسية ذات الصلة، واستحداث سياسات تعزز هذه القيم في البيئة الأكاديمية، وحث شركات القطاع الخاص على استحداث ميثاق أخلاقي لتعزيز حماية حقوق الإنسان في بيئة العمل، وتضمين مبادئ الأمم المتحدة للأعمال التجارية وحقوق الانسان في سياسات الشركات مع ايجاد آلية للرقابة والتفتيش للتأكد من هذا الالتزام.
ودعا الملتقى إلى تبادل الخبرات بين الجهات المطبقة لمعايير حقوق الانسان خاصة في سلاسل التوريد ونشر تقارير حول تطبيق هذه المعايير للإفصاح ولتعزيز الشفافية، ونشر الوعي المجتمعي بأهمية احترام حقوق الانسان والتنمية المستدامة في بيئة العمل، وتشجيع شركات القطاع الخاص على إطلاق مبادرات تركز على إعمال حقوق الانسان في الأعمال التجارية، إلى جانب تعزيز وجود الأشخاص ذوي الإعاقة في سوق العمل مع مراعاة أنواع الاعاقات ومدى موائمتها للعمل، ونشر ثقافة احترام حقوق الانسان في الاعمال التجارية بين جهات انفاذ القانون في إطار التعامل القضائي في الدعاوى التجارية، ومشاركة عدد أكبر من مؤسسات القطاع الخاص في مثل هذه الملتقيات لعرض جهودهم ومعرفة التحديات التي تواجههم في هذا الشأن.
وحث الملتقى على استدامة إقامة هذا الملتقى بشكل دوري لتعزيز تبادل المعرفة بين مختلف الجهات المعنية بالأعمال التجارية وحقوق الانسان، ووضع خطة تنفيذية لجعل الأعمال التجارية وحقوق الانسان واقعا بحيث تتضمن هذه الخطة برامج معنية بإعمال حقوق الانسان في بيئة العمل.
وضمن جلسات الملتقى، تم استعراض ورقة بعنوان" تجربة مجموعة أوكيو في تعزيز حقوق الإنسان ضمن قطاع النفط والغاز، قدمتها علياء بنت سالم الإسماعيلية، مدير عام الاستدامة، تحدثت فيها عن مبادرات الشركة في مجال تعزيز حقوق الإنسان منها متابعة الالتزام بحقوق الإنسان في بيئة العمل، والامتثال للقوانين العمانية، إضافة إلى وضع مدونة السلوك للأطراف الخارجية، والالتزام بمتطلبات الصحة والسلامة والبيئة، مبينة أن الشركة عملت على تعزيز أخلاقيات العمل من خلال إصدار نشرات دورية على مدار العام لتسليط الضوء على أهمية الالتزام بمدونة قواعد السلوك وأخلاقيات العمل، وتنظيم حلقات عمل وجلسات تدريبية في مسقط وصلالة وصحار والكاتب الدولية، وتنظيم أسبوع خاص للتوعية بأخلاقيات العمل، وإطلاق تدريب إلكتروني جديد بدأ بموضوع "تضارب المصالح"، مع خطط لإطلاق برامج إضافية خلال العام.
وجاءت الورقة الثانية بعنوان " تجربة شركة عمان للاتصالات (عمانتل) في مواءمة الأعمال مع حقوق الإنسان، قدمها سعيد بن زهران الكيمياني، أخصائي أول إدارة المخاطر المؤسسية، ناقش فيها السياسات المتعلقة بحقوق الإنسان في الشركة كتوجيه سلوك الموظفين وتأكيد احترام حقوق الآخرين داخل وخارج مكان العمل، وتأكيد التزام الموظفين بأعلى معايير الصدق والنزاهة، إلى جانب تأكيد حماية حق الأفراد في سرية المعلومات والخصوصية، وتوفير قنوات للإبلاغ عن الشكاوي والتظلمات، وتأكيد التزام الشركة باحترام حقوق الآخرين وتغطية قضايا مختلفة مثل العمل القسري وعمالة الأطفال والتمييز.
الورقة الثالثة "تجربة الكلية الحديثة للتجارة والعلوم في تطبيق مبادئ حقوق الإنسان وأهداف التنمية المستدامة، قدمها محمد الجداوي.
الجلسة الثانية "دور المجتمع المدني والقطاعات الأخرى لتعزيز حقوق الإنسان، قدمتها كوثر الخايفية، خبيرة تخطيط استراتيجي في اللجنة العمانية لحقوق الإنسان، وورقة أخرى بعنوان " صياغة سياسات حقوق الإنسان في بيئة الأعمال التجارية، قدمها داميولاس أولاوي، والورقة الثالثة بعنوان " دور اللجنة العمانية لحقوق الإنسان في متابعة تنفيذ المبادئ التوجيهية للأعمال التجارية وحقوق الإنسان قدمها سعود بن صالح المعولي.
واختتم الملتقى بجلسة "تعزيز الشراكات المؤسسية وإدماج حقوق الإنسان في قطاع الأعمال، وبدأت بورقة "التعاون مع المؤسسات الدولية ومنظمات المجتمع المدني لتحقيق شراكات فعالة، قدمها عبدالله بن موسى الحسيني، من الاتحاد العام لعمال سلطنة عمان، استعرض فيها عددا من النماذج التي تعكس تعاون الاتحاد العام لعمال سلطنة عمان مع المنظمات الدولية، بهدف بناء شراكات فاعلة تدعم الحقوق العمالية وتعزز مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية. والورقة الثانية "إرشادات لصياغة خطة عمل لإدماج حقوق الإنسان في قطاع الأعمال التجارية.