جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-18@17:54:59 GMT

الطاقة السلبية

تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT

الطاقة السلبية

 

عائشة بنت محمد الكندية

تبدأ صفحات يومياتي، بصفتي جَنَى، في الاكتساب تدريجيًا لحكايات حياتي المليئة بالسكون والرتابة. كفتاة لم تُلق نظرة على ملمح سوى اللون الرمادي، فهو يُعبّر عن كل تجربة مرّت عليها في تلك الأرجاء الصغيرة بين الأشجار، حيث يبدو الزمن هناك كمنظر أسود وأبيض، يتدحرج ببطء مخيف يملأ الأفق بالطاقة السلبية والتعاسة، حتى أتى اليوم الغامض، الذي حول حياتي رأسًا على عقب بطريقة لم أكن أبدًا أتوقعها.

وصفت جنى حياتها بأنها كزجاج مكسور يتناثر في كل اتجاه، وتتشتت قطعة قطعة في كل مكان بحيث لا يمكن جمعها وإعادة تركيبها، وكان من الصعب العثور على أي أمل للتغيير أو الاستمرار، وكأنها لم تجد وسيلة لتجميع تلك القطع المتناثرة من الزجاج. ومع ذلك، كانت تحمل بداخلها بصيصًا من الأمل، فقد أرادت توجيه طاقاتها وتغيير أسلوبها نحو الأفضل، وتغيير نظرتها للحياة لترى جمالها وسط هذا التشتت والفوضى.

كانت جنى تعمل في مؤسسة خدمية صغيرة تعج بضجيج المراجعين ونقاشات الموظفين، وتحديات التعامل معهم والتكيف مع كل ما هو جديد. كل هذه العوامل كانت تؤثر على حياتها بشكل كبير، وتجعلها تواجه العديد من التحديات. لكن، على الرغم من أنها كانت تسعى دائمًا لتغيير نظرتها ومُواجهة التحديات بإيجابية، إلا أنها وجدت نفسها مرة بعد أخرى تعود خطوة للوراء بسبب الانتقادات السلبية المتكررة التي كانت تتلقاها. هذه الانتقادات كانت ترسل كرسائل سلبية، تقول لها إنها غير كفؤة وأن تطلعاتها وأحلامها لا تجدها مكانًا في هذا العالم.

جنى بذلت جهودًا جادة ومتكررة في محاولة تغيير الانتقادات والتعليقات السلبية التي وجهت إليها من قبل بعض زملائها في العمل، ولكن دائمًا ما فشلت محاولاتها بسبب عدم رغبتهم في تغيير وجهة نظرهم. هذا الوضع المرهق يعكس الشعور بالإحباط، وفقدان الرغبة في الحضور إلى العمل، وتراجع الإبداع والابتكار والنمو الشخصي. وقد اعترفت جنى بأنهم نجحوا في تهميشها وتجاهل إنجازاتها من خلال تصرفاتهم المتكررة والرسائل التي بعثوها، مما جعلها تفقد شغفها في العمل.

مع ذلك، لا يزال هناك أمل في فهم سبب ذلك وتفسير ردود فعلهم، حتى تمكنوا من الوصول إلى تفسير لوجود شخص لم يتقبل فكرة أن تكون "جنى" مبدعة وملهمة، وبسبب الأنانية، نجحوا في إزاحتها جانبًا ونشر الفوضى والسلبية لتجعلها شخصًا بلا حيوية ولا تحدٍ. حياة "جنى" أصبحت أكثر سلبية بسبب طموحاتهم وغيرتهم في محيط العمل وتأثيره على الأداء وروح الفريق. بينما كانت تعمل بروح جماعية مع زملائها، قررت أنه يجب عليها إجراء تغييرات، ومع كل محاولة للتغيير، شعرت بالإحباط لعدم فاعليتها، فكل مرة ينجحون في إقناعها بشيء يؤثر سلبًا على حياتها الشخصية.

تبادر لذهنها مقولة جميلة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في كتاب قصتي "لا أحب الوشاة والنمامين، يفسدون قلبك، ويوغرون صدرك على النَّاس، ويحطمون المعنويات في المؤسسات، ويقللون من حجم الإنجازات، ويركزون فقط على السلبيات".

وفي غمرة اللحظات التي تبدو فيها الظروف ضاغطة والمعوقات متعددة، لم تتبدل جنى؛ بل استحكمت واستقامت، تحلو بالصمود والثبات كالصخرة القاسية في وجه هبوب الرياح العاتية. كانت تنغمس بعمق في عالم الكتب، تبحث دون كلل عن الحلول والمصادر التي قد تلتقط بصيصا من الأمل، وتقربها أكثر من مبتغاها.

كانت ذات يوم تضع قطعًا من العود الفاخر عند باب مكتبها، لتعطي تلك الروائح الهادئة والجذابة إشارة لكل من يعبر عتبات ممرها، أنها قلبٌ ينبض بالتفاؤل والطموح، متلهفًا لمشاركة هذا الإيقاع الإيجابي مع الآخرين.

ومن بين لفتات الصدف الجميلة التي أرسلتها الحياة لها، كانت الموظفة الجديدة، التي أتت كنور في سماء في أيامها المظلمة، تنبعث منها الحيوية والتفاؤل، فكانت جنى تجد في حديثها وابتسامتها ملاذًا منعشًا، يبعث في قلبها نسمات الأمل والحماس.

تعرفت جنى على شخصيات مبهجة وملهمة، من خلال برنامج "على الطاولة"، والذي يقدم على إذاعة رأس الخيمة حيث رأت في كل ضيف يمر على البرنامج قصةً  يرويها، وخبرة تتسلل إليها كأمواج البحر تحمل معها أسرار الحياة ودروسها.

كانت جنى تحتاج إلى لحظات هدوء وتأمل، في هذا العالم المليء بالضوضاء والضغوط، فوجدت في رياضة المشي وفي لمحات الصباح الهادئة متنفسًا لروحها المتعبة، ووقودًا لنيران الأمل التي لا تنطفئ أبدًا.

وكلما اقتربت جنى من تلك الأروقة المظلمة، زاد تألقها وتميزها، حيث برزت في عالم الإبداع والتميز، متحدية الصعاب وتحديدًا الحياة، بكل ما تحمله من عراقيل وتحديات.

بالفعل، كانت جنى تدرك تمامًا أهمية الإيجابية والتفاؤل في تغيير مسار الحياة، وقوتهما في نحت النجاح وتحقيق الأهداف، فتساءلت في لحظات تأمل: كيف يمكن لهذه الطاقة الإيجابية أن تصنع معجزات داخل بيئة العمل؟ وكيف يمكن للتفاؤل المُصرّ على النجاح أن يمهد الطريق نحو تحقيق الأحلام؟

وكأنما كلمات السرد تمتد لترسم لوحة فنية بألوان الأمل والتحدي، تتشابك فيها خيوط الصمود والإيمان بالتغيير، وتتراقص أمام عيون القارئ كأغنية جميلة تجسد رحلة النضج والتطور. إنها قصة جنى، التي انطلقت بصمود من واقع يبدو عابسًا ومُظلمًا، لتلتقط بين أناملها شعاعًا من الضوء، يحمل معه وعدًا بغدٍ مشرق.

في نهاية هذه الرحلة الروحية، تتساءل جنى بين الفكر والتأمل، عن مدى تأثير الإيجابية والإصرار في تغيير حياة الفرد في بيئة العمل. فقد وجدت في رحلتها الصعبة دروسًا عظيمة، تُعلمها أن الإيمان بالتغيير وقدرة الإرادة على تحقيق الأهداف، يمكن أن يكونان دافعًا قويًا لتحطيم الحواجز وتحقيق النجاح المستدام.

وهكذا.. ترسو خاتمة قصة جنى على شواطئ التحدي والأمل؛ حيث تنبعث روحها المثابرة والإيجابية كنجمة منيرة في سماء الحياة. وبينما تستمر في رحلتها، تعلم جنى أن الطاقة الإيجابية تمثل قوة لا تُقهر، قادرة على تغيير حياة الفرد وبيئته المحيطة، وأنه بالتعاون والثقة والتفاؤل، يمكن لكل شخص أن يبني لنفسه مستقبلًا مشرقًا ومليئًا بالإنجازات والسعادة.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

بطارية نووية يمكنها العمل 100 عام دون شحن.. ما قصتها ؟

ولدى البطارية النووية الجديدة القدرة على تشغيل أجهزة لمدة تصل إلى آلاف السنين؛ ما يجعلها مصدر طاقة طويل الأمد.

وعلى الرغم من أن العمر التشغيلي للبطارية مُصمم ليبلغ 50 عامًا؛ فإنه قد يدوم لأكثر من 100 عام في ظل الظروف القاسية مثل أعماق البحار والمناطق القطبية. وتستغل البطارية النظير المشع، الكربون 14، المعروف بالكربون المشع، لتوليد مستويات منخفضة من الكهرباء.

وتقترن البطارية النووية بالعديد من التطبيقات المُبتكرة؛ بما في ذلك الأجهزة الطبية، مثل غرسات العين، وأجهزة السمع، وأجهزة تنظيم ضربات القلب؛ ما يُقلل الحاجة إلى استبدالها ويُخفف العبء على المرضى.

إنجاز صيني كبير

طوّر باحثون صينيون بطارية نووية من الكربون 14 المشع مغلفة في رقائق إلكترونية من كربيد السيليكون؛ ما يجعلها إنجازًا كبيرًا في تقنية البطاريات النووية.

ويُدعى النموذج الأولى من البطارية النووية التي تحمل اسم كاندل دراغون وان (Candle Dragon One) والمطورة بوساطة بيتا فارماتيك شركة (Beita Pharmatech) ومقرها جيانغسو الصينية بالتعاون مع جامعة نورث ويست نورمال، ويَعِد بعُمْر تشغيلي تصل إلى آلاف السنين.

وخضعت العينة الهندسية للبطارية لاختبارات مستمرة لمدة 4 أشهر في معمل النظائر المشعة في بيتا فارماتيك؛ ما أكمل بنجاح 35 ألف ومضة من ضوء ليد (LED).

وأدمج الباحثون كذلك البطارية في أجهزة تخزين الكهرباء بهدف تشغيل رقائق البلوتوث آر إف؛ ما ينقل الإشارات ويستقبلها بنجاح.

كثافة طاقة عالية وتصميم خالٍ من الإشعاع تستغل أول بطارية نووية في الصين البنية المركّبة التي تجمع بين نظائر الكربون سي 14 المشع وكربيد السيليكون؛ ويضمن تغليف مصدر الكربون 14 داخل كربيد السيليكون امتصاصًا كاملًا للإشعاع المنبعث؛ ما يزيل مخاطر التسرب ويضمن التشغيل الآمن.

وتوضح الاختبارات التي أجرتها معاهد هيفاي للعلوم الفيزيائية، وهي جزء من الأكاديمية الصينية للعلوم، كفاءةً في تحويل الطاقة تتجاوز 8%، وكثافة طاقة تصل إلى 2.2 واط/غرام، ما يعادل 10 مرات من بطاريات الليثيوم أيون السائدة.

وتُنتج البطارية تيارًا كهربائيًا 282 نانو أمبير، وجهد دائرة مفتوحة 2.1 فولت، وطاقة خرج قصوى قدرها 433 نانو واط، وفق أرقام طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.

ونظرًا لمتوسط عمر الكربون 14 المشع البالغ 5700 عام، تُوفر البطارية نظريًا مصدر طاقة يستمر آلاف السنين.

 قال نائب رئيس شركة بيتا فارماتيك ومدير البحث والتطوير بالشركة كاي دينغلونغ، إن البطارية النووية تعمل في نطاق درجات حرارة قصوى تتراوح من سالب 100 درجة مئوية إلى 200 درجة مئوية، مع معدل تدهور في الأداء أقل من 5% على مدى عمر التصميم البالغ 50 عامًا.

وتَعِد التقنية الجديدة بإمكانات كبيرة في العديد من القطاعات، بما في ذلك:

الغرسات الطبية:

تقدم مصدر طاقة دائمًا لواجهات الدماغ والحاسوب، وأجهزة تنظيم ضربات القلب، وغيرها من الأجهزة الأخرى القابلة للزرع.

إنترنت الأشياء والأنظمة الذكية:

دعم شبكات الاستشعار واسعة النطاق والأنظمة الذكية الموزعة. البيئات القاسية: تمكن حلول الطاقة في أنشطة الاستكشاف المنفذة في أعماق الحار، والبعثات القطبية، والمهام المنفذة على سطح القمر والمريخ.

استكشافات الفضاء: استدامة الطاقة على المدى الطويل للمسبارات دون صيانة.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة بيتا فارماتيك الدكتور لي غانغ: "تمثل تقنية البطاريات النووية بيتا الفولتية الجيل التالي من حلول الطاقة الدقيقة؛ ما يقود التحول في التصنيع المتطور والأمن القومي والتطبيقات الفضائية".

على الرغم من أن طول العمر التشغيلي للبطارية يجعل إنتاج الطاقة الحالية المقدرة بالميكروواط البطارية مقصور على تطبيقات صغيرة النطاق، وفق معلومات اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.

ويقر الباحثون بأن إدخال تحسينات إضافية في كثافة الطاقة وكفاءتها سيكون ضروريًا لاستغلال مقوماتها التجارية الكاملة. وتحول البطاريات النووية المعروفة كذلك ببطاريات النظائر المشعة، طاقة النظائر المشعة إلى طاقة كهربائية عبر الآليات المختلفة.

وفي شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي قال العلماء والمهندسون من هيئة الطاقة الذرية في المملكة المتحدة "يو كيه إيه إي إيه" وجامعة بريستول إنهم قد نجحوا في تصنيع أول بطارية ألماس من الكربون المشع في العالم.

وتعمل البطارية بشكل مشابه للألواح الشمسية، التي تحول الضوء إلى كهرباء، ولكن بدلًا من استعمال جزيئات الضوء (الفوتونات)، فإنها تلتقط الإلكترونات سريعة الحركة من داخل بنية الماس.

وعلى الرغم من أن التقدم في تلك التقنية يقتصر حاليًا على تطبيقات محددة؛ فإنها قد تعيد رسم مستقبل حلول تخزين الطاقة

مقالات مشابهة

  • وزارة الطاقة تكرّم المتميزين خلال سحورها الرمضاني
  • بطارية نووية يمكنها العمل 100 عام دون شحن.. ما قصتها ؟
  • حيث الإنسان يغير مسار حياة شابة أغلقت كل الابواب في وجهها وينتشلها من قسوة الحياة إلى واحات الأمل والحياة
  • كيف نتغلب على العادات السلبية؟.. محمد المهدي يجيب «فيديو»
  • الحياة تعود إلى سوق أم درمان.. الوالي يزف اابشريات
  • الجابر: مشكلة الاحتباس الحراري لا يمكن أن يحدث باستبعاد قطاع الطاقة من الحل
  • الحشيمي: لا يمكن أن تظل الجامعة اللبنانية رهينةً لسياسات الإهمال والتجاهل
  • عون: لا يمكن أن تعود الحياة الطبيعية إلى المناطق المتضررة من الحرب دون تطبيق القرارات الدولية
  • أمير الشرقية يدشن حملة “جسر الأمل” التي أطلقتها لجنة “تراحم”
  • ناسا تضحي بأداة علمية لإبقاء مسبار فوياجر 2 على قيد الحياة